حصلت كمساعد شيف على 10% من راتبي في الطب .. لكنها كانت أكثر بركة لدي معمل خاص بي أجرب فيه مع المساعدين لي أكلات جديدة سر نجاح المطاعم الشعبية هو إيمانها بالتخصص مصر بها 18 جهة رقابة على المطاعم لا تعرف إحداها عن الأخرى أي شىء والدتي وإخوتي وأصدقائي كانوا مصدومين من قراري..لكنهم اقتنعوا لأنني مهووس بالأكل أحيانا أكون فى مصلحة حكومية وأشاهد الناس يقفون فى طابور.. فتخطر لي فكرة طبق جديد يعبر عن هذا الموقف كنت أعد طبقاً وما أن انتهيت منه شعرت برغبة في الاحتفاظ به وعدم تذوق أي أحد له هو طبيب مخ وأعصاب، دفعه حبه للبحث العلمي لأن يكون باحثاً دوائياً في جامعة "ييل" بالولاياتالمتحدةالأمريكية، وأجبره عشقه الماجن للطبخ، حيث يصف نفسه بأنه "مجنون طبخ" لأن يترك كل ما درسه خلال أكثر من 15 عاماً وسافر لأجله لعامين، ليبدأ العمل كمساعد شيف بمطعم فرنسي بالمعادي، ومنه إلى شيف عمومي بأحد مطاعم العجوزة حتى أصبح الآن صاحب عدة مطاعم وأحد أشهر الطهاة على فضائية "سي بي سي سفرة" .. هو وسام مسعود الذي التقته "الشباب" وكان لها هذا الحوار معه. في البداية .. كيف كانت رحلتك مع الطب؟ كنت متفوقاً دراسياً، لكن كنت منذ صغرى مهتماً بمجال الطبخ حتى أن والدي -رحمه الله- كان كلما سألني نفسك تطلع إيه لما تكبر كنت أقول له سوف أفتح مطعما ل "الدونتس" وهذا لعشقي لها، وحينما أنهيت دراستي بالمرحلة الثانوية كانت لدي رغبة فى دراسة الاقتصاد وإدارة الأعمال فى الجامعة الأمريكية، إلا أن والدتي كانت تتمنى لي دراسة الطب وبالفعل قدمت لي فى كلية الطب جامعة عين شمس هو ما حدث، حيث تم قبولي بها، وبصراحة لم تعجبني دراسة الطب فى بداية الأمر وكنت وقتها أشكو من طريقة التعليم بالحفظ وتسبب لي ذلك فى حالة من الإحباط، نظراً إلى أنني تعلمت بمدارس أمريكية بالمملكة العربية السعودية وكنت حتى هذه المرحلة أعتمد على الفهم لا الحفظ، حتى إنني حينما خضعت لامتحان اللغة الإنجليزية حصلت على جيد رغم أنني أكتب مقالات باللغة الإنجليزية بالأساس، وحصل زميل لي لا يتحدث الإنجليزية على امتياز فقط لأنه قام بحفظ الكتاب، فأدركت حينها أن التعليم في مصر يحتاج لمن يحفظ حتى وإن لم يكن ذلك بفهم، إلا إنني وخلال الامتياز عملت في تخصص النفسية والأعصاب وكانت هذه المرحلة بداية صلح بيني وبين الطب حيث إن أي مشكلة بطب الأعصاب لا تحل إلا بالتفكير، وبعد التخرج قدمت للعمل في جامعة ييل بالولاياتالمتحدةالأمريكية بقسم الأعصاب، وبالفعل تم قبولي وأصبح لي هناك عيادة خاصة بالأبحاث العلمية ولمدة عامين كنت أعمل على أبحاث الأدوية، وبعدها عدت إلى مصر للزواج ولكن لم يرد الله إتمام مشروع الزواج فاتجهت للعمل في مجال أبحاث الأدوية على مستوى الشرق الأوسط . ومتى قررت التحول من الطب إلى الطبخ؟ حينما كنت أعمل على أبحاث الأدوية بدأت في كتابة مقالات عن الأكل وأقدم من خلالها نقداً للمطاعم، وكان هناك شيف يدعى "ماركو بيير وايت" وهو أشهر طباخ في بريطانيا، وبينما كنت أشاهد أحد حواراته سمعته يقول مشكلتي مع من يكتبون عن الأكل بدون فهم، كل من يريد أن يكتب عن الأكل فليأت ليعمل معي شهراً واحداً بالمطبخ وبعدها سأكون في انتظار نقده، وبعدها مباشرة قررت أن أعمل في مطعم لشهر واحد، فتركت عملي بالأبحاث العلمي وعملت كطباخ مساعد في مطعم. وهل كان القرار بهذه السهولة؟ وصلت إلى هذه المرحلة بعد فترة من الفتور، كنت أستيقظ الساعة الثامنة صباحاً كل يوم لأذهب إلى عملي بتكاسل وأحصل على راتبي آخر الشهر، وهذا جعلني شخصاً تعيساً مما سهل علي قرار ترك مكاني لشخص آخر يعطي أكثر مني وأذهب إلى مكان آخر أكثر شغفاً، وهو ما وجدته في عالم الطبخ، فبعد إتمامي لسن ال 30 قررت أن أعمل ما أحب وأترك الرزق على الله، والآن أصبحت أكثر سعادة بعملي فأحيانا رغم إرهاقي الشديد وضغط العمل بالمطبخ أكون في منتهي السعادة. *وكيف أقنعت صاحب المطعم بالعمل كمساعد له في بداية الأمر رغم عدم دراستك للطبخ؟ عملت بمطعم فرنسي بالمعادي، وحينما ذهبت إلى صاحب المطعم والشيف هناك، جلست معه لأربع ساعات متواصلة، وخلالها كان يأتى لي بأكلات ويسألني مما تتكون وكنت أجيبه، وبعد فترة قلت له إنني مهتم بمجال الطبخ هل أذهب للعمل في أحد المطاعم أم أذهب لتعلم الطبخ في معهد طهاه بالخارج، فقام بخلع الجاكت الأبيض الخاص به وقال لي هذا يناسبك أكثر ومن الغد أنت المساعد الخاص بي، ليس هناك ما ينقصك سوى الخبرة العملية، والتي ستكتسبها معي في أسرع وقت. *وكيف كان وقع القرار على والدتك التى أرادتك طبيباً وإخوتك وأصدقائك؟ والدتي وإخوتي وأصدقائي كانوا مصدومين للغاية، وكانوا يحاولون إثنائي عن قراري، ولكن صممت على قراري حتى اقتنعوا به بمرور الوقت. *حدثني عن تجربة أول يوم دخلت فيه إلى المطبخ.. كيف كانت؟ ظللت لأسبوع كامل لم أمد يد في شيء، فقط أراقب، كل "أوردر" كيف يتم تنفيذه، وكنت أركز على التفاصيل الصغيرة وحركة المطبخ نفسها، وبعد أسبوع كامل، بدأت بتقديم انتقاداتي وقمنا بتنظيف الثلاجات، بالإضافة إلى إنني وضعت آلية للعمل، مما يسهل على العاملين بالمطعم أداء مهام عملهم، بالإضافة إلى تحسن جودة الطعام ومذاقه. *وماذا عن العائد المادي... هل كان هناك فارق بين عملك كباحث دوائي لشركات الأدوية وبين عملك كمساعد شيف؟ كنت أحصل كمساعد شيف تقريباً على 10% مما كنت أحصل عليه من شركات الأدوية، نتيجة للخصومات، والتأخير وغيرها، فمن الممكن ألا يعجب "الجيست" بالطبق الذي قمت بإعداده ويتم خصمه من راتبي، هذا وارد، لكني كنت أرى أن هذه النسبة المالية الضعيفة أكثر بركة مما كنت أحصل عليه من شركات الأدوية، وأحياناً كنت أتعجب من كوني أعمل في الشيء الذي أحبه وأخذ في الوقت ذاته مقابلا ماديا عنه وأقول في نفسي " دى حاجة عظيمة جداً"، وبعد 6 أشهر تركت العمل بهذا المطعم وعملت بمطعم آخر بالعجوزة، اتصلوا بي وقالوا إنهم يريدون مني أن أضع لهم "منيو" وكنت حينها أعتبر مبتدئاً، إلا إن الفارق بيني وبين غيري هو أنني مهووس بالأكل، ومن مثلي فى مصر هم قليلون جداً، فأنا أحيانا أكون فى مصلحة حكومية وأشوف الناس يقفون فى طابور، فتخطر لي خاطرة إني ممكن أعمل طبقا يعبر عن هذه الوقفة أو وقفة الناس فى الأتوبيس، فأنا دائما أفكر فى المطبخ والأكل، وهذا يبدو واضحاً حتى فى الكلام. *ما هو الشيء الذي تعتبره سر نجاحك خاصة فى فترة قصيرة؟ أعتقد أن السبب وراء نجاحي وتحولي من شيف إلى شيف عمومي إلى صاحب مطعم هو السعي الدائم وراء تطوير ذاتي وتعلم كل يوم لشيء جديد، فالطبق الذي أقوم بعمله اليوم أحاول أن أقدم طبقا آخر مختلفا عنه غداُ وهكذا. *هل هناك تخصصات فى مجال الطبخ؟ هناك طبعاً تخصصات، مثل تخصص الحلويات، والمخبوزات والتخصص السخن ومنها خضار وسلطات ولحوم وطيور، والتخصص مهم، لأنني لو أردت عضلة معينة أريد تسويتها بطريقة معينة فإنني أحتاج إلى جزار احدد له ما أريد حتى أحصل عليه تحديداً، وأنا أحب الجزارة جدا لذلك حينما يسألني أي أحد عن تخصصي فإني أجيب "أنا عملت كشيف عمومي لذلك أنا متخصص فى المطبخ وكل ما يدور فيه، أما تخصص الطبخ فأنا مجنون "صوص" ولحوم . *هل اخترعت من قبل أطباق خاصة بك؟ نعم اخترعت طبقاً مكوناً من اللحم المبردة والبطاطس المتبلة بملح متبل والزيتون الكلاماتا المخلي بالإضافة إلى طماطم الشيري وصوص البصل، هذا الطبق يستغرق عمله ليومين، إلا أنني أحب البصمة التي يتركها في ذاكرة من يتناوله، مما يتسبب في علاقة خاصة معه لا تقوم بالأساس على كون الطعم لذيذاً بقدر ما هو مختلف، ومن يعملون معي في المطبخ يعرفون أنني حينما أصمت لفترة سأبدأ بعدها في عمل طبق جديد، ومنذ فترة، بينما كنا نعد لمطعم جديد، سيتم افتتاحه قريباً، كنت أعد طبقاً وما أن انتهيت من عمله، شعرت برغبة في الاحتفاظ به وعدم تذوق أى أحد له ولا حتى شركائي في المطعم، هذا جنوني لكنه حدث معي ومن المؤكد أنه يحدث مع كل مجانين الطبخ، كما أن لدي "معملا" وهو عبارة عن مكتب به جزء إداري والجزء الآخر عبارة عن مكتب ألتقي فيه بالمساعدين لي كل يوم تقريباً، ونبدأ في تجربة أكلات مختلفة، ففكرنا في عمل عيش من الدوم مثلاً، فهل من الممكن؟ طالما أن الإجابة غير معروفة فالتجربة هي الوحيدة من توصلنا لإجابة محددة. *لماذا تتشابه الأطباق في المطاعم على اختلافها وإن اختلفت الأسماء؟ المشكلة هنا تكون عند من قام بوضع "المنيو" فهدفه الأساسي يكون خطف زبون وليس المجازفة بعمل طبق جديد قد يكون له زبون أو لا يكون، حتى ديكور المحلات، تجده نسخة من أفكار مكررة، وهنا صاحب المطعم لا يكون من محبي الأكل، والخلاصة أنني إن لم أستطع تقديم أكل طعمه لذيذ وفي شكل مميز وبطريقة مبتكرة لن يكون لي زبون خاص، ورغم سيادة فكرة الاستنساخ في الأطباق والديكورات إلا إنها في طريقها للتغيير لرؤية أصحاب المطاعم إنها غير مجدية. *لكن ماذا عن المطاعم الشعبية، التي لا تلتزم بأي مما ذكرت؟ هذه المطاعم، تؤمن بالتخصص، فمن يقوم بعمل طواجن، لن تجده يعمل بيتزات أو أي مشاوي مثلا، وهذا إنما يدل على براعتهم في النوع أو الطريقة التي يطهون بها هذا النوع بالذات هو سر نجاحهم، إلا إن هؤلاء حينما يبدأون في التوسع في أنواع أخرى فإنهم يفشلون. *بين الحين والآخر نسمع عن مطاعم تم إغلاقها بسبب لحوم فاسدة رغم شهرتها...كيف أذهب كمواطن عادي للأكل وأنا مطمئن؟ لدينا 18 جهة حكومية تراقب على المطاعم في مصر، واحدة تراقب على التوابل، وأخرى على اللحوم وهكذا، إلا أن هذه الجهات، لا يوجد فيما بينها أي تنسيق أو تواصل، والخلاصة أنه لو وجد نوع من التنسيق بين هذه الجهات وأصبحت جهة واحدة تمنح تصنيفا للمطاعم وبنسب محددة يتم تعليقها على باب المطعم حتى إذا ما قررت الدخول إليه تعلم أن هذا المطعم حاصل على 75% من لجنة الرقابة وتكون وقتها صاحب قرارك بالدخول أو بالبحث عن آخر حاصل على نسبة أعلى، وهذا معمول به في كل دول العالم المتقدم، ومع ذلك أنا أرى أن الأكل في مصر أجمل بكثير من الأكل في الولاياتالمتحدةالأمريكية على سبيل المثال، فقط ينقصنا التخطيط.