رغم أنني قرأت رواية " عمارة يعقوبيان " من قبل .. لكن كان عندى وقت فراغ كبير في الفترة الماضية فأعت قراءها من جديد ، ولفت انتباهي هذه المرة ما لم ألحظه في القراءة السريعة الأولى. في بداية الرواية وعندما كان الكاتب علاء الأسواني يتكلم عن الشاب " طه " ابن البواب الذي يحلم بدخول كلية الشرطة .. كان يسرد مشاعره النفسية وهو يتعامل مع سكان العمارة ، فبينما كان متفوقاً في دراسته ويتعامل مع ابنائهم بندية. كان الكبار يعتبرون طموحه غير مشروع لأن الفقير ليس من حقه الحلم بالعمل في وظيفة مرموقة ، المهم .. بين سطور هذا الجزء من الرواية استشهد الأسواني بحديث نسبه للنبي عليه الصلاة والسلام نصه " لا تعلموا أولاد السفلة " .. نعم ؟! هل النبي قال ذلك ؟ .. هل يمكن من حيث المبدأ للرسول الكريم أن ينهي عن التعليم .. وهل يمكن أن يعاقب ابن علي أية صفة قد تلحق بأهله .. وهل يمكن للنبي الذي لا ينطق عن الهوي أن يصف الفقراء بأنهم " سفلة " كما قد يفهم البعض .. ومن هم السفلة أصلاً حسب فهمنا من الحديث ، ولن أقول سياق القصة ؟! ثم أليس النبي عليه الصلاة والسلام هو القائل " نحن معاشر الأنبياء أُمرنا أن نُنزل الناس منازلهم ونكلِّمهم على قدْر عقولهم" ؟! وبما أن القرآن الكريم هو دستور هذه الأمة .. أليس الله عز وجل هو القائل ﴿شهد الله أنه لا إله إلا هو والملائكة وأولو العلم قائما بالقسط﴾ (آل عمران 3: 18) ، وأيضاً ﴿يرفع الله الذين آمنوا منكم والذين أوتوا العلم درجات﴾ ، وقال ابن عباس رضي الله عنهما: للعلماء درجات فوق المؤمنين بسبعمائة درجة ما بين الدرجتين مسيرة خمسمائة عام ، وقال عز وجل ﴿قل هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون﴾ وقال تعالى ﴿إنما يخشى الله من عباده العلماء﴾ صدق الله العظيم ، اسئلة كثيرة تداعت في رأسي وتوقفت عن استكمال الرواية لأن الأهم عندى قصة أخرى. في البداية اردت التأكد من كون ما نسبه الأسواني للنبي هو حديث شريف متفق عليه واسناده موثوق به ، وبالبحث وجدت مئات المراجع الدينية والصفحات علي الإنترنت تشير لحديث قال فيه النبى صلى الله عليه و سلم " لا تعلموا أولاد السِّفْلة العلم ، فإن علمتموهم فلا تولوهم القضاء والولاية "، كما وجدت بعض المراجع تنسب للإمام مالك مقولة " لا تعلموا أولاد السفهاء "، بينما البعض يؤكد أن مقولة " لا تعلموا اولاد السفهاء العلم، وإذا علمتموهم لا تولوهم "هى للإمام علي كرم الله وجهه، كما أن ابن خلدون قال في مقدمته "لا تعلموا أبناء السفهاء منكم وان علمتموهم لا تولوهم شئون الجند ولا القضاء لأنهم إذا تعلموا أي اصبحوا ذوو نفوذ ومناصب نتيجه لهذا التعلم اجتهدوا في إذلال الشرفاء "، وهناك حديث للنبي الكريم أيضاً نصه " طلب العلم فريضة على كل مسلم "، وفي بعض الكتب نجد زيادة علي ما سبق " وواضع العلم عند غير أهله كمقلد الخنازير الجواهر واللؤلؤ والذهب " لكن الشيخ الألباني قال إن العبارة الأخيرة ضعيفة جداً. وعلي موقع دار الإفتاء المصرية هناك فتوي للشيخ الراحل عطية صفر عام 1997 أكد فيها أنه لم يجد في كتب الصحاح هذا الحديث ، وفى الصحيحين أن ابن عباس رضى الله عنهما قال لعمر بن الخطاب رضى اللّه عنه : إن الموسم يجمع الرعاع والغوغاء ، فأمهل حتى تقدم المدينة فتخلص بأهل الفقه ، فقدمنا المدينة ، فقبل عمر مشورة ابن عباس فلم يتكلم بذلك حتى قدم المدينة. قال الإمام ابن الجوزى : وفى هذا تنبيه على ألا يودع العلم عند غير أهله ، ولا يحدث لقليل الفهم ما لا يحتمله فهمه ، والرعاع السفلة، والغوغاء نحو ذلك ، واصل الغوغاء صغار الجراد. وسأل ابن المبارك سفيان الثورى بمكة عن الغوغاء فقال : الذين يكتبون الأحاديث يريدون أن يتأكلوا أموال الناس ، وسأله عن السفلة فقال : الظلمة ، وجاء فى إحياء علوم الدين للإمام الغزالى "ج 1 ص 49" مثل هذا الكلام ، وذكر قوله تعالى " ولا تؤتوا السفهاء أموالكم التى جعل الله لكم قياما " وقال إن حفظ العلم ممن يفسده ويضره أولى من حفظ المال ، وليس الظلم فى إعطاء غير المستحق بأقل من الظلم فى منع المستحق ، وجاء فى كتاب أدب الدنيا والدين للماوردى " ص 73 " أنه روى عن النبى صلى الله عليه وسلم أنه قال " لا تمنعوا العلم أهله فتظلموا ، ولا تضعوه فى غير أهله فتأثموا" .. كما قرأت تصريحاً للشيخ عبد الحميد الأطرش رئيس لجنة الفتوى السابق بالأزهر الشريف كان يحذر فيه من طلاب الأزهر المفصولين على خلفية ارتكابهم أعمال عنف ، واستشهد بقول النبى صلى الله عليه و سلم "لا تعلموا أولاد السفلة العلم فإن علمتموهم فلا تولوهم القضاء والولاية"، و أكد أن العلم نظيف و ينبغي أن يكون الإناء الذي يوضع فيه نظيف هو الآخر، هل فهمتم شيئاً ؟! هل توصلتم إلي حل ؟! .. هذا نموذج لأمور هي الأولي في الاجتهاد بين العلماء لكي نعرف الحقيقة في أمور نعيشها اليوم في الدنيا .. والسؤال للشيخ علي جمعة الذي يصدر فتوي كل 5 دقائق تقريباً : ما فائدة أن نعرف إذا كان السافل سيري الثعبان الاقرع في قبره أم لا بينما لا نعرف كيف نتعامل معه في الدنيا ؟! وصدق صلى الله عليه وسلم حينما قال (إنكم أصبحتم في زمن كثير فقهاؤه قليل قراؤه وخطباؤه قليل سائلوه كثير معطوه العمل فيه خير من العلم وسيأتي على الناس زمان قليل فقهاؤه كثير خطباؤه قليل معطوه كثير سائلوه العلم فيه خير من العمل). بالمناسبة .. والسؤال المطروح في العنوان مازال في انتظار إجابة واضحة ..