ليس هناك افضل من الصراحة .. حتي وإن اغضبت بعض الذين لم يتعلموا بعد فضيلة الاختلاف .. وبكل صراحة اقول لك إن ما يحدث الان ينذر بخطر كبير .. خطر يتجاوز كل الخطوط الحمراء فيما يتعلق بالعلاقة بين الشعب والجيش .. وقبل ان ندخل في تفاصيل التفاصيل علينا ان نفكر بمزيد من العقلانية و كثير من الهدوء في شكل هذه العلاقة .. كيف كانت قبل 25 يناير .. ثم نراقب التحول الذي حدث لها يوم 10 فبراير قبل ان نتكلم عما وصلت اليه اعتبارا من 11 فبراير .. فقبل الثورة كان الجيش بقوانينه وبالقواعد التي تحكمه وتحكمنا نحن الصحفيين في التعامل معه منطقة لايجوز الاقتراب منها الا بالقدر الذي تسمح هي به .. وكان نشر خبر عن القوات المسلحة يمر بمرحلة من الاجراءات التنظيمية التي تضمن ان يكون الخبر صحيحا وان يكون مصدره موثوقا به وان نشره في هذا التوقيت لن يضر بالمصلحة العليا للوطن الذي كان الجيش هو حاميه .. وفي العاشر من فبراير قرر الجيش ان ينحاز الي مطالب الشعب و أصبح حامي ثورته .. وضامن رسو سفينته علي بر الامان بإذن الله .. واعتبارا من الحادي عشر من فبراير تولي المجلس الاعلي للقوات المسلحة ادارة شئون البلاد .. واصبحنا نشاهد اعضاءه في برامج التوك شو .. وفوجئنا بأن في القوات المسلحة رجالا يتمتعون بقدر كبير من الثقافة و انهم حاصلون علي دراسات علمية متخصصة في فروع نادرة من العلوم المدنية قبل العسكرية .. وفي الوقت نفسه بدأنا نشاهد قوات الجيش تنتشر في الشوارع لتؤمنها وتحميها بما لها من هيبة واحترام .. واستقبلها المصريون بشعار الجيش والشعب ايد واحدة .. وكان في تلك المرحلة شعارا مقبولا ومعبرا .. ثم بدأنا نقترب من شباب الضباط والجنود الذين كانوا يستوقفوننا احيانا في الاكمنة الليلية المنتشرة في شوارع القاهرة وغيرها من المحافظات المصرية .. شخصيا لاحظت انهم يتعاملون مع الجماهير باحترام لم يعتد عليه المصريون منذ فترة عندما كانت تستوقفهم اكمنة الشرطة وبمرور الوقت حدثت حالة من الالفة بين الشعب والجيش .. وصلت الي الحد الذي لم يعد فيه بيت في مصر من اقصاها الي اقصاها لا توجد به صورة لمواطن يصافح احد الجنود او طفل يرفع علم مصر واقفا فوق دبابة .. حالة رائعة من التلاحم والحب بين شعب وجيش يرفعان ' ايد واحدة '. لكن علينا ان نعترف بأن الثورة علي روعتها لم تخلق مجتمعا من الملائكة .. لم تحول المصريين الي انبياء .. فمازال بيننا من ليسوا منا .. مازال عندنا مصريون بالاسم فقط .. تستطيع ان تسميهم ذيول الفساد .. حتي لو كانت كلمة مصري مكتوبة في خانة الجنسية ببطاقاتهم الشخصية .. والخطر كل الخطر من هؤلاء .. لقد ركزنا كثيرا في البحث عن المحرضين علي موقعة الجمل .. لكننا تناسينا ولا اعرف لماذا ان الذين نفذوا الجريمة مصريون ايضا .. وان هؤلاء الذين باعوا انفسهم يوم 28 يناير مستعدون لان يبيعوها مرة اخري .. وما أسوأ هؤلاء .. الذين حاولوا اجهاض الثورة في البداية بتهريب المساجين و قتل المتظاهرين .. فلما فشلوا بدأوا يعملون علي اجهادها بنشر الاكاذيب وإشاعة الفوضي وزعزعة الاستقرار واتصور بيقين - ان بصمات هؤلاء موجودة وواضحة علي حوادث البلطجة والخطف والعنف التي تحدث في شوارعنا .. وهؤلاء هم الذين توسوس لهم شياطينهم بأن يوجهوا طاقات الشر التي يحملونها الي الجيش لتحدث الفتنة الكبري .. والشر عندهم يتحور بسرعة تفوق بكثير سرعة تحور فيروس انفلونزا الخنازير الذي استوطن عقولنا لفترة قبل ان نكتشف انها مجرد خدعة .. ولان الطيور علي اشكالها تقع فقد وجد هؤلاء من ينضم اليهم من ضعاف النفوس .. وارجو الا ننسي انه مازال يوجد مسجلون خطر ولصوص وقتلة هاربون من السجون .. وهذه النوعيات من البشر تجيد الاعمال السفلية .. تدمن العيش في الظلام .. فلما بدا في الافق أن شمس الثورة توشك علي السطوع .. ارادوا ان يطفئوا انوارها بكل وسيلة اتيحت لهم .. ويؤسفني ان احتمالات نجاحهم واردة في مجتمع نصف ناضج .. وارجو ألا يغضبكم هذا التعبير فالحقيقة ان امامنا الكثير حتي نتعلم كيف نمارس الديمقراطية بجد .. نتعلم كيف تكون هذه الديمقرطية وسطا بين الحرية من ناحية والفوضي من ناحية اخري .. والظن كل الظن اننا نتجه بخطوات اسرع نحو الفوضي .. فالضغوط التي يمارسها هؤلاء علي القوات المسلحة ممثلة في المجلس الاعلي يمكن ان تؤدي الي كوارث .. علينا ان نضع احتمالاتها دائما في الاعتبار .. فماذا يحدث مثلا لو ضاقت القوات المسلحة ذرعا بما يوجه اليها من انتقادات؟ ! من يستطيع ان يقف في وجه الجيش اذا قرر ان يضع حدا لكثرة التطاول علي قياداته التي لم تقصر في تحقيق مطالب الثورة بدءا من الانحياز لمطالب الشعب وانتهاء بتلبيتها مطلبا تلو الاخر؟ ! من يجرؤ علي ان يلوم الجيش اذا قرر ان يتعامل بطريقته التي تدرب عليها وشكلت جزءا من سلوكه؟ ! انني اخشي ان تدفع الاوضاع التي لا تريد ان تهدأ علي الارض قيادات المجلس الاعلي الي التفكير في استراتيجية اخري لحماية الوطن .. خاصة وانني في الفترة الماضية استمع الي آراء كثيرة من مواطنين عاديين لاتتاح لهم فرصة الظهور في برامج الفضائيات .. آراء في مجملها تحمل قدرا من الدهشة وتساؤلات من نوعية : هو الجيش سايب الناس دي ليه؟ ! فمثلا .. مصريون كثيرون جدا كانوا سعداء بالقانون الذي يضع حدا للمظاهرات والاعتصامات التي تهدد العمل في مؤسسات الدولة .. لكن عددا ممن يظهرون في برامج الفضائيات يعترضون علي القانون .. ياجماعة والله العظيم انتم لا تمثلون كل المصريين .. والديمقرطية في ابسط معانيها تقول ان عليكم ان تحترموا الرأي الاخر .. خاصة اذا كان الاخر يمثل الاغلبية من الناس الذين تستطيع ان تقابلهم وتستمع اليهم في الشوارع ومحطات المترو .. هل تعرفون ماذا يقول الجالسون في المقاهي كل مساء؟ انهم يطالبون الجيش بمزيد من الحزم والحسم .. موافقون علي ان تطبق الاحكام العرفية وان يعدم البلطجية بالرصاص الحي في ميدان عام .. مستعدون لان يتحملوا استمرار تطبيق قانون الطوارئ لفترات اخري حتي تستقر البلاد .. فهل يرغب اعداء الثورة في ان يدفعوا الامور في هذا الاتجاه؟ انا استمعت بأذنيي الي عشرات المصريين يقولون انهم يقبلون بالحكم العسكري للبلاد اذا كان هذا هو الحل والمخرج للخلاص مما نحن فيه . لقد قرر الجيش من تلقاء نفسه وبدافع من عقيدته العسكرية ان ينحاز الي الشعب في ثورته .. لكني اتمني الا يصبح بقاؤه في الشارع مطلبا شعبيا لحماية البلد واهلها وناسها من بلطجية العهد السابق ولا اقصد بالعهد النظام السابق او من كانوا يرتبطون به بشكل مباشر .. فهناك ملايين من البشر تشكل وجدانهم في ظروف سيئة .. نفوس نشأت وترعرعت في بيئة فاسدة فغلب فجورها تقواها .. فاذا لم يكن هناك قدر كبير من الحزم والحسم مع هؤلاء سنكون امام خيارين .. الاول : ان تتجه الامور الي الفوضي . والثاني : ان يقدم الشعب المصري ثورته علي طبق من ذهب للقوات المسلحة مع خطاب قصير مكتوب فيه : قمنا بالثورة .. وفشلنا في ان نساعدكم علي حمايتها .. تصرفوا بالشكل الذي ترونه مناسبا ! وساعتها سنصل الي نفس النتيجة التي تحققت عقب ثورة يوليو مع الفارق .. ففي يوليو 52 قام ضباط الجيش الاحرار بقيادة جمال عبد الناصر بانقلاب علي النظام الملكي الفاسد واطاح الانقلاب بالملك فاروق .. ثم انضم الشعب الي الجيش في حركته فتحولت الي ثورة انتهت بحكم عسكري استمر لما يقرب من 60 عاما .. وفي 2011 قام الشعب بثورة علي نظام مبارك الفاسد ايضا .. وانضم لها الجيش ليحميها ويضمن انتقال السلطة سلميا الي رئيس مدني .. لكنه قد يجد نفسه مضطرا لان يبقي لستين عاما اخري حتي نتعلم ابجديات الديمقرطية التي ليس من بين حروفها ما نراه من ممارسات فيها من التجاوز الكثير .. ليس فقط من الخارجين علي القانون الذين تكلمنا عنهم ولكن من بعض المواطنين الطيبين الذين يدفعهم العشم الزائد لارتكاب اخطاء غير مقبولة علي المستوي العسكري .. احكي لك علي الهامش - قصة سمعتها منذ فترة عن مطرب معروف كان الرئيس السابق معجبا بصوته وفي احدي زياراته لاستوديو 46 في الاذاعة شاهده لاول مرة فقال لصفوت الشريف وزير الاعلام وقتها ان هذا المطرب يشبهه .. وانه يذكره بشبابه .. وكانت هذه الجملة القصيرة بمثابة كلمة السر التي فتحت كل الابواب امام هذا المطرب بما فيها باب رئاسة الجمهورية التي كان يذهب اليها بين الحين والحين ليكون اكثر قربا و ( بالمرة يعمل أي مصلحة ) .. وفي احدي المرات علم الرئيس السابق بوجود المطرب فدعاه للدخول الي مكتبه .. واثناء خروجهما معا .. وضع المطرب المعروف يده علي كتف الرئيس السابق بدافع العشم الزائد .. فنظر مبارك الي مساعديه نظرة معناها ( ده مايجيش هنا تاني ) وهي دي كانت نهاية فرقة صاحبنا الموسيقية .. والمعني أن العشم اذا استخدم في غير محله يتحول الي نقمة وكارثة .. وهو ما اخشي حدوثه عندما أشاهد علي الفضائيات اسلوبا لا يليق في الحوار مع قيادات القوات المسلحة يفوق قدرة البشر علي الاحتمال ولعلك تتذكر الطريقة السخيفة التي تكلم بها مايكل جيروم الشهير بمايكل منير بالمناسبة هو ليس مصريا فوالده فرنسي الجنسية وقد خضع لتحقيقات حول اتهامات مالية وجهتها له الوزيرة الامريكية فيفيان واتس وكان مستفزا جدا في حواره مع اللواء حسن الرويني ومثل مايكل يوجد كثيرون ممن لم يتعلموا اداب الحوار والخوف كل الخوف من نتائج ما سوف اعتبره تهذبا نوعا من العشم الزائد .. بقيت نقطتان .. الاولي : انه آن الاوان لتغيير الشعار الذي رفعناه جميعا في المرحلة الاولي من مراحل الثورة وهو شعار الجيش والشعب ايد واحدة .. فقد كان مقبولا في اللحظة التي نزل فيها الجيش الي الشارع .. لكني الان اعترض عليه لاسباب منها ان لدينا مثلا شعبيا يقول ' ايد لوحدها ماتسقفش ' ولان الجيش نفسه يرفع شعارا اخر اتصور انه الانسب لهذه المرحلة وهو شعار يد تبني ويد تحمل السلاح .. فقد آن الاوان ان يجتمع الجيش والشعب علي قلب رجل واحد يستخدم كلتا يديه .. واحدة تحمل السلاح لتحمي .. والثانية تعمر وتبني اما النقطة الثانية فهي رسالة صادقة اوجهها الي كل اصدقائي في الوطن أقول لهم : أمكم تعبانة يا ولاد .. مرارتها اتفقعت لكن الحمد لله عملت العملية وازالت المرارة .. وتعيش الان فترة نقاهة .. لكن المشكلة أن الاولاد لايصبرون علي امهم حتي تتماثل للشفاء لا يريدون لها ان ترتاح .. وقبل ان تخرج من غرفة العمليات تشاجروا مع الدكتور .. ثم بدأت طلباتهم التي لا تنتهي .. من يريد أن يأكل ومن يريد أن يشرب ومن يطلب زيادة في المصروف .. طيب الست تعمل ايه؟ ! والنبي حاولوا تصبروا عليها شوية لغاية ما تشد حيلها ساعدوها علي انها تقوم وتقف علي رجليها من جديد وبعدين اطلبوا منها كل ما تريدون ! محمد عبد الله