قابلتني بابتسامتها الراضية وبعينيها الحانيتين.. تجاعيد الزمن تركت بصماتها علي وجهها المكسو بالألم والأمل.. صوتها مكدود بشقاء السنين.. وشعرات بيضاء قليلة تتسلل من أسفل منديلها البلدي.. جلبابها الأسود لم تخلعه حدادا على زوجها الراحل منذ عشرين عاما.. بنفسها العزيزة وروحها الطيبة وكرمها عرضت عليّ زجاجة مياه غازية مجانا رغم ضيق ذات يدها.. 70 عاما من الحياة كانت كفيلة بصقل التجربة وإضفاء الحكمة على كلامها رغم أميتها.. تقول أم محمود: نشأت هنا في شارع شامبليون، افتتح زوجي هذا الكشك لنعيش منه، ومات منذ عشرين عاما، وترك لي حمل الأسرة كلها، ابني الكبير محمود كان يعمل ترزيا، ومات وعمره 50 سنة، تاركا لي أربع بنات، علمتهن في مدرسة الناصرية التي كانت هنا في قصر شارع شامبليون، بعد وفاته ذهبت إلى الشئون الاجتماعية ولم أحصل على أي تأمين أومعاش له، لكن مكتب أحد رجال الأعمال يرسل لي إعانة 300 جنيه شهرياً، وابني محمد أصغر من محمود بسنتين، وهو مريض بالقلب، وعلاجه يكلفني ألف جنيه شهريا، ولديه أيضاً ابنتان في المدرسة أيضا.. وكانت لي ابنة ماتت وهي تلد، وتركت لي ابنتها لأربيها، والحمد لله زوجتها من أسبوع، وقابلتني مصاعب كثيرة في حياتي.. فأحد البلطجية حطم الكشك منذ فترة وسرق بضاعة ب4600 جنيه، ولم يتدخل أحد من المنطقة للدفاع عني، ولما عرفت بما حدث دخلت في غيبوبة سكر من الصدمة لكن الله ستر، وحررت محضراً في القسم، وبعدها بفترة كلمني معاون المباحث وقال لي اذهبي إلى قسم قصر النيل، وهناك أرسلوني إلى النيابة، استقللت تاكسياً كلفني 8 جنيهات.. وهناك عاملني وكيل النيابة بأخلاق عالية وأحضر لي كوب شاي وزجاجة مياه، ثم أدخل عليّ مجرمين مشتبها بهم مربوطين بالكلابشات، وسألني عن اشتباهي بهم، فقلت له أنا لا أعرفهم وحرام أظلم أحداً، وبعدها أخبروني بأنهم قبضوا على من سرق الكشك وكانت معه 300 جنيه قيمة البضاعة! بصراحة.. البلد حالها لا يسر، ونفسي تكون أحسن، أنا لا أطلب شيئا إلا من ربنا، إذا سألت فاسأل الله وإذا استعنت فاستعن بالله، ولا أطلب إلا الستر.