كل ما في هذه القصة من حوادث وشخصيات هو مجرد صور أطلقها خيالي .. لأن كاتب القصة غير المؤرخ وغير المحقق الصحفي أنه حتى وهو يتعرض بقصته للأحداث الوطنية العامة يعتمد على خياله متحررا من الارتباط بالواقع.. وكل القصص العالمية التى انطلقت من سنوات الحرب، أو من الثورات الوطنية الكبيرة، لم تكن ترسم واقعا ولكنها كانت خيالا من وحي واقع .. وأقول هذه الكلمة حتى لا يحاسبني أي أحد بميزان الواقع، ولكن فقط يحاسب خيالى.. بهذه الكلمات افتتح الكاتب الراحل إحسان عبد القدوس سطور روايته الرائعة "الرصاصة لا تزال فى جيبى" مشيرا إلى أن تجربته فى الكتابة عن حرب أكتوبر اعتمدت على الخيال فى تسجيل لحظات العبور .. إنه الخيال المنطلق من الواقع حسب اعترافاته! وتعد هذه القصة على وجه التحديد واحدة من أكثر الأعمال الأدبية التي لاقت نجاحا وتعبيرا وتأثيرا ليس فقط لتحولها لفيلم سينمائى وإنما نظرا للطريقة التى كُتبت بها حيث كتبها إحسان عبد القدوس على مرحلتين، فقد بدأ بكتابتها أثناء مرحلة معارك حرب الاستنزاف، ونشر هذه المرحلة تحت عنوان "رصاصة واحدة في جيبي" وبعد 6 أكتوبر كتب المرحلة الثانية من القصة تحت عنوان الرصاصة لا تزال في جيبي". مزج إحسان عبد القدوس فى هذه الرواية بين حياة البطل الاجتماعية والإنسانية وبين مواقفه البطولية من العدو .. حتى نراه وقد انتهت الحرب يحتفظ بالرصاصة فى جيبه حتى يرجل آخر محتل يهودي على أرض سيناء الحبيبة.. وبدأ إحسان روايته على لسان "محمد" بطل القصة، قائلا: " هل هذا كلام يا رجل إنى أجلس أمامك مرتدياً بدلة الجندى وفى يدى سلاحى ورغم ذلك فإن أول ما تسألنى عنه هو قصتى مع فاطمة.. لم يخطر ببالك أن تسألنى أولاً عن قصتى مع اليهود..قصتي فى الحرب.. أنت تسألني عن فاطمة لأنك تعرف فاطمة وعشت فى قصتها .. ولم تسألنى عن الحرب لأنك لم تعش الحرب ولم تعرف اليهود كما عرفتهم أنا ". وتحدث تحولات فى حياة البطل الذى يخرج من عباءة الأدب والفلسفة والدراسة الجامعية إلى الحرب والسلاح دفاعا عن الوطن الذى بات يشغله أكثر من الاحساس بالانتقام لمحبوبته فاطمة ليسترد شرفها الذى اعتدى عليه "عباس" مدير الجمعية التعاونية، وفقا للسياق السردى بالقصة، هكذا صار السلاح بالنسبة له "الطريق الى الجنة .. جنة النفس الراضية التى تثق فى قوتها .. قد أحسست بعد عام واحد مع سلاحى أنى أغنى إنسان فى العالم". تاه البطل فى معارك الصحراء شهورا محتفظا فى جيبه برصاصة ظلت تبعث فيه الحياة أثناء حرب الاستنزاف.. ثم عاد لمعسكرات التدريب بعد أن دب اليأس فى قلبه لتأخر قرار الحرب، ثم تكتب له الأقدار أن يكون واحدا من أبطال العبور، ويعود إلى القرية ولا يجد "عباس" منبع الشر فى الرواية .. وينهى الكاتب القصة على لسان البطل " لن أتزوج الآن فاطمة .. إن الزواج حياة كاملة والحياة لا تكتمل مادمت احتفظ برصاصة فى جيبى .. مادام هناك يهود على أرضى.. فكل أملى معلق فى هذه الرصاصة التى لا تزال في جيبي". وظل الكاتب متمسكا بالرصاصة إلى أن يترك اليهود أراضينا العربية المحتلة منذ 1967، لهذا يرى الكثير من النقاد أن هذه الرواية ذات نهاية مفتوحة وكأن الكاتب أراد أن يجعل البطل خالدا ويجعل الرصاصة خالدة هى الأخرى حتى ينتهى الوجود الإسرائيلى تماما من الأرض العربية!