هل كنتم من ملايين المصريين الذين تابعوا المسلسل الهندي " جودا أكبر " ؟ ربما أعجبتكم قصة حياة السلطان المغولي جلال الدين أكبر..بصراحة أداء الممثلين والملابس والديكور والمناظر الطبيعية والحوار كان رائعاً .. لكن الدراما تقدم لنا فقط الحقيقة من جانب واحد، وحسب خيال مؤلفها أو نوايا القائمين عليها، ولذلك تجاهلوا الكثير عن جلال الدين الذي لو عرفه عشاق مسلسله لربما تغير رأيهم فيه .. فهو ولد عام 1542 في السند، وجلس علي عرش الإمبراطورية المغولية وعمره 14 عاماً فقط ، خاض حروباً كثيرة، ونجح في توحيد مساحات شاسعة من الهندوباكستان وأفغانستان والصين تحت حكمه، واللافت في شخصيته نجاحه في توحيد مجتمع يضم عشرات الأجناس والأديان، فقرب إليه زعماء الهندوس، وعهد إلى بعضهم بمناصب عالية في الإدارة والجيش واستبدل بالنظام الإقطاعي بتقسيمات إدارية عسكرية، واتبع سياسة المساواة الاجتماعية، وأعفى الفلاحين من ديونهم المتأخرة ، ورغم أنه كان لا يقرأ ولا يكتب لكن عشقه الأول كان إقامة المناظرات الدينية والفلسفية، ووصل تسامحه مع الأديان الأخري لدرجة أنه أرسل للبرتغاليين في سواحل الهندالغربية يطالبهم بأن يقوموا بحملات تبشير لتعريف أهالي الهند بالمسيحية، لكن مشكلة جلال الدين أن إيمانه بالتعدد المذهبي وصل لدرجة أنه قرر عمل " كوكتيل " من هذه الأديان، ليقدم منتجاً جديداً باسمه ، فقد اعتبر أن الأديان جميعها رموز تمثل الأسرار المحيطة بالكون، واختفي لفترة في أحد الكهوف للتأمل ثم عاد ليؤسس " دار العبادة " لعقد المناظرات بين ممثلي مختلف الديانات.. وبعد 20 عاماً من حكمه كان خلالها مسلماً متديناً أعلن قيام دين جديد سماه " دين إلهى " اعتبره مزيجاً من كل الديانات، يقوم على الاعتقاد بإله واحد رمزه الشمس والنار، وأن السلطان هو ظل الله في الأرض والمجتهد الأكبر، وعلى أتباع الدين الجديد الامتناع عن أكل اللحوم والبصل والثوم، وجعل يوم الأحد هو اليوم الوحيد المسموح به أسبوعياً لدخول الناس في الدين الجديد، كما قام بفرض تقويم يبدأ من تاريخ توليه العرش، لكنه – علي عكس المسلسل طبعاً - لقي مقاومة شديدة من المسلمين ومعظم الهندوس، ووصل به الأمر للإعلان أن الإسلام يستحق الاحترام لكنه أصبح "ديناً عتيقاً لا يصلح لهذا الزمان المزدهر" ، وقام بنفي كثير من رجال الدين الإسلامي، خاصة مع إيمانه بتناسخ الأرواح عموماً .. جلال الدين توفي عام 1605 .. وكان لديه 11 ابناً وابنة و4 زوجات، وهناك صدمة أخري لعشاق المسلسل، وهي أنه عزل عمه ووزيره بيرم خان الذي كان وصياً عليه.. ويقال: إنه قتله ليتزوج من أرملته " سليمة "، كما أن زوجته الهندوسية " جودا أكبر " كانت في الحقيقة هي الملكة الأم والأولى في حياته، وليست " رقية " الزوجة الثانية، وجودا هي أم ولي العهد " نور الدين سليم " والذي بعدما تولي العرش أصبح اسمه " جهانكير "، وهو اسم فارسي معناه " المسيطر على العالم " .. لكن هذا المسيطر أدمن الخمر وتزوج 20 سيدة، ومنح للإنجليز الفرصة للسيطرة علي الهند كلها فيما بعد، بالمناسبة جودا رفضت اعتناق الإسلام وظلت علي ديانتها الهندوسية حتى ماتت وعمرها 81 سنة .. والعجيب أنه يوجد في باكستان مسجد كبير شيده ابنها باسمها .