الأقليات المسلمة فى شتى بقاع العالم تواجه بعض المشكلات، وتعتبر البعثات العلمية بمنزلة مشعل النور لهذه الأقليات، ولقد حازت مصر النصيب الكبير من هذه البعثات، حيث تفتح جامعة الأزهر وكلية دار العلوم أبوابهما لهؤلاء الوافدين، وتهتم بهم أيما اهتمام فهم يمثلون الإسلام فى بلادهم ويقومون بنشره بصورته السمحاء، ومن هؤلاء الباحث الهندى الدكتور محمد هشام بوتكدان، الذى حصل على الدكتوراه بمرتبة الشرف الأولى من قسم الفلسفة الإسلامية بكلية دار العلوم جامعة القاهرة عن أطروحته «أثر الفكرين الإسلامى والهندوسى فى الديانة السيخية». وحول أوضاع المسلمين فى الهند كان لنا معه هذا الحوار .. كيف مررت برحلتك العلمية بالهند وبمصر؟ التحقت بعد الثانوية بجامعة تنسيق الكليات الإسلامية بكيرالا، وحصلت على درجة الليسانس فى الدراسات الإسلامية واللغة العربية، ودرجة الماجستير فى أصول الدين من هذه الجامعة، كما حصلت على البكالوريوس فى الأدب الإنجليزى من جامعة كاليكوت. وجامعة تنسيق الكليات الإسلامية وقعت الاتفاقيات مع العديد من المؤسسات العلمية والدينية وفى طليعتها جامعة الأزهر الشريف، وبموجب هذه الاتفاقية استطعت أن ألتحق بكلية أصول الدين والدعوة بالأزهر فى مرحلة الدراسات العليا. ثم التحقت بكلية دار العلوم جامعة القاهرة حتى وفقنى الله بالحصول على درجة الدكتوراه فى الفلسفة الإسلامية. ما هو الهدف الذى دفعك لدراسة الديانة السيخية بالذات وأثر الفكرين الإسلامى والهندوسى فيها؟ إن السيخية ديانة هندية يبلغ عدد أتباعها نحو 27 مليونًا. اشتملت أفكار السيخ ومعتقداتهم على خليط من العقائد والأفكار الإسلاميّة والثقافة الهندوسية. وقد عاش مؤسس هذه الديانة «غُورُو نَانَكْ» أيام نفوذ التصوف الإسلاميّ فى الهند بفضل حكم المسلمين فى القرون الوسطي. وكان يدعو إلى التقريب بين الإسلام وعقائد الهند الأخرى كالهندوسية والبوذية. إن هذه الديانة لها نشاطات سياسية واجتماعية، كما أن لها كيانًا دينيًّا مستقلًا فى الهند، وأتباعها منتشرون فى معظم بِقاع العالم. ولها إسهامات متكررة فى سياسة الهند، ولها حركات نضالية تطالب باستقلال ولاية بنجاب عن الهند لتكون بها دولة سيخية مستقلة بين الهند وباكستان، غير أن هذه الديانة غير معروفة فى الأوساط العلمية ولم تعالجها البحوث الجادة والدراسات الموضوعية فى العالم العربى عامة وفى جامعة القاهرةِ خاصة، فأردت أن أقدم دراسة مقارنة تحليلية تجيب عن تساؤلات مهمّة عن جوانب التأثر والأصالة والتطور فى الديانة السيخية. ما هى أهم النتائج والتوصيات التى توصلت إليها من خلال رسالتك؟ تنفرد السيخية من الديانات الهندية الأخرى بدعوتها إلى توحيد الله ورفض نظام الطبقات الهندوسية وعبادة الأوثان والخرافات العمياء. وقد اقتبست السيخية ومؤسسها نانك فكرة الألوهية من الإسلام إجمالًا وتفصيلًا. كما تدعو إلى الإيمان بالمعلمين العشر الذين كان نانك أولهم. هناك بعض الأفكار اقتبسها السيخ من الهندوسية كالتناسخ و«كَارْمَا» (تكرار الولادة والموت وتجوال الروح) والبعث.وقد أخذت السيخية فى شعائرها من الإسلام والهندوسية على حد سواء بدرجة يصعب معها تبين تغلب إحدى الفكرتين على الأخري، كما تحتوى السيخية على نظام أخلاقى يتمسك بكثير من القيم والفضائل التى تقترب كثيرًا مما دعا إليه الإسلام، كما اقتبست أفكار المصلحين الهندوس السابقين لنانك. إن الحركة التى أقامها نانك لم تبق بعد موته على حالتها الأولي، فإن كلامه كان مليئًا بالأخلاق الفاضلة كما كان يميل إلى الصوفية المسلمين، غير أن المعلمين المتأخرين غيروا أوضاع الحركة الدينية إلى حركة عسكرية وازداد البعد بينهم وبين المسلمين شيئًا فشيئًا. ما هى مشكلات المبتعثين الهنود بمصر؟ إن مصر هى حاضنة الإسلام والمسلمين قديمًا وحديثًا، ولا أستطيع أن أعبِّر عن إعجابى وتقديرى للمصريين على سعة قلوبهم وانشراح صدورهم فى رعاية طلبة العلم عامة والطلاب الوافدين خاصة، فيقوم الأزهر والمصريون بتوفير كل ما يحتاجه الطالب الوافد من الخدمات العلمية والإقامة والطعام والمنحة الدراسية، غير أن الطلاب الوافدين يعانون بعض المشكلات الإدارية؛ حيث إن الإجراءات الإدارية طويلة وشاغلة لنا عن التركيز فى الدراسة والتعلم، ولو استطاع المسئولون أن يحلّوا التعقيد فى هذه الأمور لاستطاع الطالب أن يركز أكثر فى الدراسة، علمًا بأن الوقت الذى يقضيه الطالب الوافد بمصر بعيداً عن أهله وبلده لا بد أن يُنفَق جُلُّه فى الحصول على العلم. ما الدور المأمول من الأزهر تجاه المسلمين بالهند؟ الأزهر الشريف مؤسسة عريقة لها دور ريادى فى قيادة الأمة المسلمة فى العالم كله، والأقلية المسلمة الهندية بحاجة ماسة إلى توجيهات وعناية الأزهر الشريف فى نشر الإسلام الوسطي، وذلك من خلال البعثات الأزهرية إلى أنحاء الهند المختلفة، وإقامة الندوات والمؤتمرات لتثقيف المسلمين الهنود، وتأسيس فروع لجامعة الأزهر فى أماكن كثيرة، وزيادة عدد المنح الأزهرية لطلاب جامعة الأزهر حيث إن عددها لا يتفق نسبيًّا مع حجم هذه الأقلية الكبيرة. ما هو عدد الأقلية المسلمة بالهند؟ كم نسبتها بين سكان الهند؟ وما هى أهم المشكلات التى تواجه المسلمين بالهند؟ الأقلية المسلمة فى الهند هى أكبر أقلية دينية فى العالم كله؛ حيث يبلغ عددها نحو 185 مليونًا تقريبًا حسب الإحصائيات الجديدة، وهذا العدد يشكل 14 فى المائة من مجموع سكان الهند البالغ عددهم نحو مليار وثلاثمائة مليون. وأول وأهم المشكلات التى تواجهنا نقص التربية الدينية الحقيقة؛ لأنه قد فشا الجهل بين المسلمين على الرغم من محاولات التثقيف التى قامت بها بعض الجهات، خاصة فى شمال الهند، فهناك أقطاب العلوم الشرعية والمتبحرون من العلماء، ولكن عامة الناس لم تصل إليهم الثقافة الدينية. وقد أدى هذا الجهل إلى الخوف من تهديد هويتهم بما يسمى بالحرب على الإرهاب الذى ينخدع فيه بعض الشباب. الأمر الثانى هو أن المسلمين فى الهند ليست لهم مرجعية واحدة تقوم بتوعيتهم بما ينبغى عليهم وتحدد مسارهم وتوحِّد مواقفهم فى انتماءاتهم الدينية والثقافية والاجتماعية حسبما تتطلب الأحوال والظروف. ولكننا نحن فى جنوبالهند وبالتحديد فى ولاية «كيرالا» تختلف أوضاعنا إلى حدٍّ مّا - عن الشمال فى هذه الأمور، فعندنا مرجعيات دينية توحِّد صفوفنا وترشدنا بمتطلبات العصر حتى أصبحنا نتقدم شيئًا فشيئًا فى مسيرتنا إلى المستقبل، وقد شهدت بهذا التقدم بعض المفوضيات الرسمية فى الأيام الأخيرة. والمشكلة الثالثة سياسية، حيث لا توجد أحزاب أو تكلات تمثل هذه الأقلية الكبيرة أو تطالب بحقوقها فى البرلمان والمجالس التشريعية المختلفة حتى أصبح المسلمون ألعوبة فى أيادى الأحزاب السياسية تلعب بهم كما تشاء، ولكن الوضع فى ولاية كيرلا يختلف فى هذا الموضوع أيضًا بوجود حزب رابطة المسلمين الذى هو ثالث أكبر الأحزاب السياسية بالولاية شعبية ونفوذًا، ويحوز الحقائب المرموقة فى حكومة الولاية كما يحتل دورًا رياديًّا سواء كان فى الحكم أو المعارضة. وماذا عن التعايش السلمى فى الهند بين أصحاب الديانات المختلفة؟ وما دور المسلمين فيه؟ الشعب الهندى يتعامل بالتعايش السلمى القائم على التفاهم والتعاون والاحترام المتبادل، فهم يعيشون مختلطين مع أصحاب الأديان الأخرى يتلاقون جميعًا، ويساعد بعضهم البعض الآخر فى مرافق الحياة ويهنئون ويشاركون فى الأعياد والمناسبات، وهذا التعايش شيء متحتم لتقدم الشعوب، من دونه لا يتم التقدم الحضارى والثقافى والاقتصادي، وسوف نظل إن شاء الله - محافظين على هذا التعايش بكل الجهد المستطاع، ولا نسمح لأحد بخرقه أو المساس به. أما دور المسلمين فى هذا التعايش، فإنهم هم الذين درَّسوا للشعوب الأخرى قيم هذا التعايش. ولو كان المسلمون - كأقلية دينية- متعصبين لدينهم أو لثقافتهم أو لتقاليدهم من دون أن ينظروا إلى العواقب لم يتم هذا التعايش، بل تنقسم الدولة إلى طوائف متناحرة. وأيضًا فإن التعايش شيء أصيل فى الإسلام الذى يقول بالتعاون والتفاهم والاحترام المتبادل بين أبناء البلد الواحد. ما هى أهم التيارات الإسلامية فى الهند؟ إن المسلمين الهنود ينتمون إلى تيارات مختلفة، وهذه التيارات تحمل فى أفكارها واتجاهاتها نفس الأفكار الموجودة فى العالم العربى والإسلامى مثل التيارات الوسطية والحركية والمتشددة واللبرالية واليسارية، ولكنا نستطيع القول بأن جمهور المسلمين فى الهند يتبعون المنهج الوسطى المعتدل الذى يمثله الإسلام الحنيف.