فى الفترة الأخيرة تم الكشف عن حوادث فساد أثارت تساؤلات كثيرة .. فنحن نعيش في مرحلة انتقالية واضح أن القيادة السياسية أعلنت فيها الحرب علي الفاسدين ، وهناك جهات رقابية عديدة ووسائل إعلام تراقب بشدة وضمائر مستيقظة في كل مكان .. ورغم ذلك يظهر من يمكن وصفه بصاحب " القلب الميت " الذي يتحدي الجميع ويتقاضي رشاوي أو يتورط في مخالفات تعبر عن " بجاحته " ، فما هو سر "التركيبة" النفسية التى تجمع بين شلة الفاسدين ؟ يشعر بقلق واضطرابات ومع ذلك يتظاهر أمام الجميع بأنه واثق جدا من نفسه بعض الأشخاص لديهم استعداد طبيعى للفساد وهل يرتبط الفساد بصفات شخصية معينة ، وهل هناك مسئول لديه استعداد سلوكى لتقبل الرشوة أكثر من غيره؟ وبعد قيام ثورتين أصلا ضد الفساد والدور الرقابى الشديد للدولة ما سر الجرأة التى تدفع المسئول المرتشى لتحدى ترسانة القوانين والرقابة الحكومية والشعبية؟ يقول الدكتور علاء مرسي، الأخصائى والمحلل النفسى المعروف :إن الفساد فى حد ذاته لا يشكل مرضا نفسيا، ولا يمكن ان نتصور أن جميع الفاسدين فى مؤسسات الحكومة مرضى نفسيون، وإنما يمكن ان نقول :إنه مرض اجتماعى ينشأ فى تكوين المسئول منذ طفولته، وهنا يبدأ تكوين الشخص الفاسد، عندما ينشأ فى أسرة لا تحاسب الطفل على أخطائه، وعندما يرسب هذا الطفل فى الامتحان فيذهب رب الأسرة إلى المدرسة وقد يدفع رشوة حتى ينجح ابنه مثلا، وعندما ينشأ الطفل على عدم الأمانة ولا يعلم منذ الصغر أن هناك ثوابا وعقابا، أيضا قد ينشأ هذا المسئول فى بيئة تشجع على السلبية واللامبالاة والإفراط فى التسيب والاستسهال والفهلوة ومن ثم تنشأ قيم وصفات سلبية تشكل دوافع للسلوك الفاسد. ويشير مرسي إلى أن هناك مجموعة من الصفات المشتركة تجمع بين الفاسدين وهى ان المسئول الفاسد يعانى من هواجس نفسية سلبية نسميها فى علم النفس ب "التقدير الذاتى السييء"، ومن مظاهره الغرور والأنانية والعناد الخارج عن الحدود الطبيعية، اما الصفة الثانية فى "السيكوباتية" فالشخص السيكوباتى هو شخص بلا قلب ووصولى لا يعترف بالعواطف ولا يشعر بداخله بتأنيب الضمير ولا يخاف من أحد، وعنده مشكلة فى تركيبة المشاعر المرتبطة بالخوف والمرض والقلق فهو شخص لا يشعر بشيء وفى نفس الوقت من الوارد جدا أن يكون شخصا ناجحا، ويرغب فى الوصول لما يسعى إليه بأى طريقة مهما كانت، والصفة الثالثة تتمثل فى أنه شخص فهلوى يسعى لجنى الأموال والثروات بكافة الطرق غير المشروعة استنادا إلى شعور داخلى ب "الشطارة" والفهلوة والعلاقات وخلافه، وهذا الشخص الفهلوى عادة ما يكون غير قادر على تحمل المنافسة الشريفة مع الآخرين ومن ثم يسبقهم دائما بخطوات سريعة عن طريق الخداع والفهلوة! ومن الصفات الأخرى أيضا النرجسية وعشق الذات بصورة مريبة. ويضيف مرسى أن المسئول الفاسد موجود فى كل مكان فى العالم، يوجد فى أمريكا فاسدون ومرتشون ونصابون لكنهم اكثر ذكاء لأنهم يباشرون أعمالهم على أكمل وجه، لكن المسئول الفاسد فى مصر إلى جانب أنه يأخذ رشوة فإنه يعطل العمل ويتسبب فى تأخر الإنتاج ويشيع حالة من السلبية وهذا هو الفارق، فالفاسد فى مصر شخص يتصف بغباء سلوكى! ومن جانب آخر أشارت دراسة أعدها مركز الدراسات التربوية والأبحاث النفسية، إلى أن المفسدين يتصفون بأنهم أشخاص طفيليون ووصوليون، وهم أشبه بالثعالب المخادعة التى تميل إلى الخداع والتخفى والتظاهر بغير الواقع، ووفقا لهذه الدراسة فإن الفساد يثير لدى الفرد المفسد انفعالات نفسية متعددة مثل القلق والشك والحقد وضعف الشعور بالأمن النفسى وخيبة الأمل والخوف وهى انفعالات تؤذى صاحبها قبل أن تؤذى المجتمع، وقد تشكل له نوعا من أنواع الاضطرابات النفسية على الرغم من ظهوره أحيانا بموقف القوى الواثق من نفسه. وتضيف هذه الدراسة الهامة أن الفساد كانحراف سلوكى ينشأ من وساوس سلبية بالقيام بالسرقة أو الرشوة أو الاختلاس وهذه الوساوس تولد شعورا بالحاجة والحاجة تولد دافعا والدافع يولد عزما وإرادة، وأخيرا استجابة منحرفة أو سلوكا غير مقبول، وقد تثار الدوافع نتيجة لعوامل متعددة منها تعلق الإنسان بالبحث عن "المتعة" والمال والمبالغة فى السعى لإشباع الحاجات المادية بشكل يدفعه دوما للحصول على المزيد منها بطريقة مشروعة وغير مشروعة، ويندفع الأفراد نحو هذا السلوك لرغبتهم فى امتلاك ما لا يستطيعون امتلاكه، وقد يمثل الحرمان قوة دافعة لسلوك المفسد إلا أنها لا تعمل على استمراريته التى يكون سببها الطمع وعدم الأمانة. وتشير دراسات أخرى إلى أن الفساد يرتبط بشخصيات ذات ميول إجرامية بصرف النظر عن مستواها التعليمى والثقافى والحضارى، منها صفات الشخص السيكوباتى الذى يجيد التمثيل، وإعطاء الوعود، حيث أن 25% من الشخصيات الإجرامية؛ هى نتاج الشخصية السيكوباتية، وهناك شخصية سيكوباتية متقبلة وهى الأقل شيوعا ويتميز بها بعض الذين يصلون إلى المناصب القيادية، والذين يستغلون ذكاءهم فى الوصول لما يريدون.