التاريخ فى مصر مجلد كبير .. يسجل فيه الزمن كل يوم حرفا أو كلمة.. لكن بين كل وقت و آخر يأتى عليه يوما تُكتب فيه صفحته بالدم .. . تماما مثل يوم نصر السادس من اكتوبر عام 1973 ..عندما كتب كل المصريين بالنور والدم صفحة إنتصارهم على إسرائيل ..ومنهم من سجّل بين قوسين بالصمت حبه لمصر.. فقد ثبُت بالدفاتر فى أقسام الشرطة المصرية أنه فى هذا اليوم وما تلاه من أيام لاحقه بمدة لاتقل عن ثلاثة اسابيع..أنه لم يتم عمل محضر واحد فى كل اقسام الدولة..لا مشاجرات أو تعديات..ولا سرقات.. أى أن كل الناس ترفعوا عن مشاكلهم ونقائص الحياة فى وقت الشدة ..وقت أن إحتاجت مصر إليهم ..حتى اللصوص والمعروف عنهم اللامبالاة بأى قواعد أو ضوابط أو اعتراف بممتلكات وخصوصيات الغير..امتنعوا عن كل هذا بواعز داخلى خاص جدا ممكن أن نطلق عليه" الضمير المصرى "... هذا الضمير الذى يُستنفر وقت أى شدة تمر بالوطن..فتجد الكل كما أسراب الطيور والأسماك..يغير إتجاهه ويوحده فى نفس اللحظة باتفاق فطرى وتلقائى ..كما لو أن الكل قد رضعوه من النيل وسرى فى دماء المصريين على حد سواء . كان خاطر الضمير المصرى هذا يصطدم بفكرى بعد مرحلة نصر اكتوبر وما تلاه من الإنفتاح والدخول فى عصر السماوات المفتوحة أثناء عملى بمبنى الاذاعة والتلفزيون المصرى القائم بكورنيش النيل بماسبيرو..عندما كان يفاجئنى هناك عدد كبير من المتسولين الزائفين الذين يتجولون بحرية داخل المبنى ..ويقتحمون بمنتهى البلاده المكاتب ..أو يصطفون أمامها ..خاصة فى اوقات بدايات الشهور حيث موعد صرف الأجور.. أو أيام ماقبل الاعياد والمناسبات الدينية حيث تجزى لهم الهبات...وكنت أحزن على المبنى الذى فقد الكثير من انضباطه و بهائه الداخلى والخارجى .. حيث يتواطىء بعض عناصر الأمن من ضعاف النفوس مع هؤلاء الشحاذون ويسمحون بمرورهم من بوابات الأمن الصارمة التى لا تتهاون ربما مع موظف رسمى لم يحضر كارنية الدخول فى احد الايام ..بينما تُدخِل بيُسر هؤلاء المتطفلون مقابل ان يقتسموا معهم ماسيتم اقتناصه من الموظفين بإسم الصدقة والزكاة ..وكان يتم هذا تحت مرأى ومسمع مسئولين كبار من الأمن كنت أراهم يسمحون بدخول بعض هؤلاء البهاليل عليهم حتى وإن كانوا فى اجتماعات عمل .. لأنهم مقتنعون بأن هؤلاء هم محاسيب اولياء الله الصالحين.. وانهم يأتون لهم برسائل من الأولياء تبشرهم بمزيد من الثبوت على المناصب...ورفع من مراتبهم..ورواتبهم ...!!!! وكنت احزن ..وأتسائل : هل لابد للمصريين من شدة متواصلة ليمشوا على الصراط المستقيم ؟؟ هل الرخاء فى مصر يعنى إنتشار الفساد ..؟؟ سؤال أجاب عنه الزمن بعدها بسنين ..حيث انتفض الغضب فى كيان شباب كان أبائهم اطفالا وقت نصر اكتوبر..شباب لم يولد فى ثورة يوليو ولا حتى فى ثورة التصحيح أو انتفاضة يناير فى عهد السادات ..شباب ولد فى حقبة المفترض إنها بلا حروب وإنها حجر الأساس فى تاريخ وردى قادم على مصر والمصريين..حيث رفاهية الحياة وتواصل الكرة الارضية بلمسات لأزرار الهواتف والكومبيوترات والريموت كنترول.. والسيارات ببصمة الصوت ..وحسابات البنوك ببصمة العين ..شباب أجاب عن الجزء المظلم فى سؤالى... نعم ..لابد من ان ينطحن المصرى للإستخراج مصريته ..أو للحق سنرتب الإجابة للإنصاف : المصرى الحقيقى مهما انطحن وقاسى الُمر.. يقدم مصريته عن أى مكسب شخصى... هذا ليس بحسب ما سطره الشباب وحدهم وانما كان معهم جميع انماط واعمار الشعب المصرى فى جمعة الغضب فى الثامن والعشرون من يناير 2011 ..وهذا ما فتح به المصريين باب جديد فى فصل من فصول التاريخ الحديث لمصر ..فعندما يقيموا بأجسادهم درع واقى لمنع نهب حضارتها الموجودة داخل المتحف المصرى ..وعندما يصدون بقلوبهم التى فى الصدور أى محاولة لنهب تاريخها...عندها لا يستحقون فقط وساماً..بل من حقهم أن ينزعوا الجنسية المصرية عن أى رجل أعمال غير شريف سرق خيرات بلدهم بطرق خسيسة وهرب بكنوزها عند أول لحظة تسديد حق تلك الجنسية المصرية.. من حق كل المصريين "الجدعان " أن ينزعوا الجنسية المصرية عن أى شخص حال ثبوت تواطئة مع الفساد..و سمح لهذا السرطان أن يتفشى فى جسد مصر ويقودها إلى هاوية لن ينقذها منها إلا كل مصرى حقيقى..مصرى لم يرى خيرها مثلهم ..ومع هذا دافع عنها بكل ما يملك..بقلبه وجسده الذى لا يملك سواهما بعد أن سلبه المزيفون كل شىء.. سلبوه قوت يومه.. والحلم بمستقبل عادى..وليس حتى مستقبلا سعيدا.. لكن هل ياترى بعد تلك الصحوة سيبقى هذا الضمير المصرى يقظا باستمرار فى تاريخها القادم أم أنه لابد فى كل مرة من وجود خطراً موجّهاً لمصر لكى يستنفره ...؟؟؟ همت البشبيشى