الموضوع هو مجانية التعليم , وإذا كان مازال باقيا من هذه المجانية الوهمية ما يستحق الدفاع عنه فهو مجرد أن يكون من حق أبناء جميع الناس مقعد في مدرسة حتي ولو في فصول يتكدس فيها العشرات من الأطفال .. وحتي ولو كان الوجود في هذه الفصول دون تعليم حقيقي وحتي لو كان التعليم الحقيقي قد انتقل من المدارس إلي البيوت بفضل وباء الدروس الخصوصية .! لأن كل هذه الأعراض المرضية للتعليم من تكدس الفصول ومن غياب التعليم الحقيقي في المدرسة ومن انتشار للدروس الخصوصية هي مسئولية الدولة وتجسيد لغياب دورها في توفير الخدمة التعليمية السليمة داخل المدرسة . ولا يوجد أي مبرر لان يخرج علينا احد الأفاضل لكي يعايرنا كشعب ويمن علينا بأن الحكومة ربنا يقويها ويساعدها علي تحملنا بتصرف كام مليار جنيه علشان تعليم أبناء أولاد الايه اللي بيتعلموا تقريبا ببلاش !! وانه في ظل الشفافية وآليات السوق الحرة أصبح من اللازم أن يكون التعليم لمن يستطيع أن يدفع وانه من غير كسوف ولا مؤاخذة اللي مامعهوش مايلزموش !! والحكومة التي تعاير المواطن بنفقات تعليمه تنسي أو تتناسي أن مواردها التي تصرف منها علي هذا المواطن قد جاءت أصلا من نفس هذا المواطن الغلبان دافع الضرائب !! وإذا كانت الظروف والأوضاع الاقتصادية والحزام المشدود علي البطون تتطلب أن نسكن علي قد الحال بمعني أن يسكن القادرون في قصور عظيمة وفخمة تصبح قصور هارون الرشيد بجوارها كما المساكن الشعبية , وأن يسكن أولاد الايه من الفقراء في عشش منشية ناصر ودار السلام ومن الممكن ان يكون بيننا السادة الذين يركبون سيارات لا نعرف كيف ننطق أسماءها وتبلغ قيمة السيارة الواحدة كام مليون جنيه وان يتشعبط أولاد الايه في أتوبيسات النقل العام وميكروباصات العتبة إمبابة !! ومن الممكن أن يأكل أولاد الأكابر من القادرين السيمون فيميه والفواجراه وشرائح الديوك الرومي وان يأكل أولاد الايه قشر البطيخ المقلي علي أنه شرائح السمك الفيليه!! نقول إذا كان كل ذلك ممكنا ومفهوما وان كان غير مقبول فإن اللي مش مفهوم أو مقبول هو أن يكون هناك ناس تتعلم لأنها تملك الفلوس وناس لا تتعلم لأنها مفلسة وكذلك أن يكون هناك ناس تتعالج من المرض لأن معاها فلوس وناس مصيرها مدافن الغفير لأنها لا تملك نفقات العلاج .. باختصار شديد كل جوانب الحياة يجوز نقول يجوز أن يكون فيها مستويات وطبقات وكل واحد علي قده يسكن علي قده .. يركب علي قده .. ياكل علي قده إلا التعليم والعلاج وبصراحة فإن الحكومة التي تعجز عن تعليم وعلاج المواطن تفقد ببساطة أهم أسباب وجودها !! وباختصار أيضا في التعليم والعلاج ليس هناك أولاد الأكابر وأولاد الايه .. فالكل واحد أو هكذا يجب أن يكون !! والأمر الذي يدعو إلي الدهشة وربما إلي الخجل هو أن السادة الدكاترة أصحاب شعار إعادة النظر في مجانية التعليم لأنها أصبحت يا حرام عبئا علي الدولة هؤلاء السادة الدكاترة أنفسهم تعلموا في ظل مجانية التعليم وأوفدتهم الدولة علي نفقتها إلي الخارج للحصول علي الدكتوراه التي جعلتهم يصلون إلي ما وصلوا إليه ومع ذلك للدهشة وللخجل معا كانوا أول من يسعي لاغتيال مجانية التعليم .. تلك المجانية التي لولاها لما تعلموا هم أصلا !! وبعض الذين يقاتلون من أجل إلغاء مجانية التعليم يرفعون لأسباب انتخابية شعار يقول ترشيد المجانية .. يعني إيه؟ يقول لك يعني المجانية للطالب المتفوق والفقير معا .. وهي دعوة باطلة علي الأقل بالنسبة للتعليم الأساسي والتعليم العام فهذا المستوي من التعليم هو مسئولية الدولة وعليها واجب توفيره بصورة مناسبة لكل مواطن وآخرون يرفعون شعار أن حكاية المجانية هي من بقايا الفكر الشمولي والاشتراكي ويتناسون عن عمد أن اعتي وأعرق الدول الرأسمالية تكفل التعليم المجاني للمواطنين في فرنساوألمانيا وأمريكا بل أن مجانية التعليم تمتد في فرنساوألمانيا إلي مراحل التعليم الجامعي المختلفة وحين طرح في ألمانيا اقتراح بأن يتحمل الطالب الجامعي في الدراسات العليا رسما قدره مائة يورو فقط وقعت اضرابات طلابية في الجامعات وتراجعت الدولة عن الاقتراح .. ومرة أخري نقول أن التعليم والعلاج في أي دولة هما مسئولية الدولة وعليها توفير هما لجميع أبنائها سواء من أولاد الأكابر أو أولاد الإيه بل وعليها أن توفرهما لأولاد الايه من غير القادرين أولا باعتبار أن أولاد الأكابر أمامهم جميع أنواع التعليم بكل اللغات إنجليزي وأمريكاني وفرنساوي .. بفلوسهم .. أما أولاد الايه فليس أمامهم بعد الله سبحانه وتعالي سوي الحكومة فإذا تخلت عنهم الحكومة فالمصير الوحيد هو الضياع !