هل يمكن أن يخذلك المصري ؟؟ أنا ممن يعتقدون أن هذا هو المستحيل السابع لكن يبدو أن الزميل محمد إبراهيم الدسوقي - نائب رئيس تحرير الأهرام - كانت له رؤية خاصة شديدة المنطقية والجاذبية في العرض عندما تناول هذا الأمر في كتابه الشيق " عندما يخذلك المصري". هذا الكتاب الذي سعى من خلاله لتركيز الضوء على زاوية جديدة توضح أسباب تعثرنا الدائم على درب التقدم، بعد ثورتي الخامس والعشرين من يناير والثلاثين من يونيو، والإطاحة برئيسين في غضون عامين، حيث توصل إلى أن المواطن العادي يتحمل قدرًا كبيرًا من المسئولية وليس فقط القوى السياسية والثورية والدينية المتصارعة على اقتطاع ما تراه نصيبها المستحق من كعكة السلطة. ويشير المؤلف في كتابه الصادر قبل أيام قليلة من الهيئة العامة للكتاب إلى أن المصريين كأفراد لم يتوقفوا قط عند نصيبهم من مسئولية فشلنا، رغم ما عاصرناه من تقلبات وتخبط خلال السنوات الثلاثة الماضية إلى أن سقطنا في بئر حكم جماعة الإخوان. .. ويبدى المؤلف أسفه عبر فصول كتابه الخمسة لضياع البوصلة المؤدية لبلوغ هدف قومي يجمع عليه الشعب المصري، ليجتهد ويجاهد لإنجازه بدلا من تفرق كلمته وبعثرة جهوده في معارك جانبية ترتد بنا للخلف، وتحجب عنا شمس النهوض، وتأسيس دولة حديثة قادرة على البقاء بفضل أسس ودعائم قوية ثابتة الجذور لا تهتز ولا تضعف مع هبوب أي عاصفة. ويضيف أن أزمتنا الحقيقية في لحظتنا تلك أننا لا ندرى إلى أين تتجه بلادنا، وما يزيدك حزنًا وكمدًا أن الفشل يلاحقنا كظلنا أينما ذهبنا، وساعد العام الحزين الذي تولى فيه الرئيس السابق محمد مرسى الرئاسة في تعميقه وشيوعه. ويقول المؤلف إننا أضعنا الوقت والطاقة في تشييد حصون الدفاع وتأكيد وتبادل الاتهامات والمخاوف بين التيار الديني والليبرالي والإخوان والقوى الثورية، وطغت الأحقاد والمواقف الشخصية على رؤية الجميع. فغالبيتنا تعاطي مع الثورة بمنطق "السبوبة"، فانصب على ما سنحصل منها دون إظهار ما ينم عن استعداد بسيط للتضحية بتأجيل رغباتنا الشخصية ضيقة الأفق والمدى لحين استرداد الوطن عافيته، مثلما تفعل كل الشعوب الغيورة الراغبة في بناء مستقبل أفضل لها وللأجيال القادمة. وتنعمنا في لذة الفوضى المدمرة، فأطلقنا العنان لنزواتنا في انتهاك القانون بقدر طاقتنا، وقررنا تأميم ما يقع تحت أيدينا من هذا البلد، وخير شاهد انفلاتنا السلوكي متعدد الأوجه. وأشار المؤلف في كتابه إلى أن هذا المناخ ترتب عليه أن الباطل امتزج مع الحق في أناء واحد، وبات من الصعب التمييز بين الصواب والخطأ، ومعرفة مَنْ الصادق ومَنْ الكاذب؟ فكل منا سن قوانينه وأعرافه المناسبة له ولبرنامج حياته ولمشروعاته المستقبلية، وتأجل كل شيء من الواجب عمله للخروج من مطبات وانهيارات الأزمة الاقتصادية والسياسية، وتوقفنا عن العمل لمدة طويلة، مكتفين بالتظاهر وإلقاء اللوم على أصحاب الأعمال، الذين لا يوافقون على زيادة المرتبات أو على القوى السياسية والثورية غير الراغبة في أن تهدأ الأوضاع في بلادنا والإخوان الذين أوصلوا مصر لوضع بالغ البؤس والتردي على مختلف الأصعدة الاقتصادية والسياسية والاجتماعية، ويسعون حاليا لتخريب وعرقلة كل شيء. والمحصلة كانت سلسلة متصلة من الإخفاق المريع على كافة المستويات، ونسينا أننا شركاء في توجيه دفة المستقبل، وأن نجاح الحاكم بصرف النظر عمَن يكون يعتمد على تجاوب الرعية وقدر تحمسهم للعمل والتضحية وإنكار الذات، فالتقدم لن يدق أبوابنا ونحن نيام أو ونحن جلوس في منازلنا منتظرين قدوم الفرج. وتلك جزئية مهمة وخطيرة في مشكلتنا، فحكامنا أبان الفترة التالية للخامس والعشرين من يناير لم ينجحوا في إقناع المواطنين بأنهم شركاء في العمل وعليهم إبراز سواعدهم وليس عضلاتهم الغليظة، وأن مصرنا يلزمها التواضع وليس الاستعلاء والإحساس الزائف بقوة التمكين، مثلما كان حال الإخوان، ولهذا ندور في حلقة مفرغة، فالمواطن ينتظر تحرك الحكومة، والحكومة تنتظر تحرك المواطن، والاثنان لا يقدران على التلاقي في منتصف الطريق. ويرى المؤلف أن الكتاب في مجمله دعوة للتأمل، فالفرصة لم تفت بعد لتصحيح الأخطاء القاتلة، حينها وحينها فقط ستنهض مصر وسيتبدل حالها وسوف تعود البسمة لوجهها الصبوح.