على بعد 170 كم غرب العاصمة المقدونية " سكوبي " تقع مدينه تاريخيه اسمها " أوهريد " ، وهو نفسه اسم البحيرة التي تطل عليها المدينة ، هناك تمتزج الأساطير مع الطبيعة الساحرة وحكايات البشر لتعكس مشهداً رائعاً يرتفع فوق سطح البحر لنحو 690 كم يرجع تاريخه لملايين السنين ، وفي السطور القادمة يسرد لنا محمد شمروخ عضو الجمعية الفلكية المصرية تفاصيل زيارته لهذه البحيرة الاسطورية .. رسالة مقدونيا : محمد شمروخ في وسط اوروبا ؛ البلقان تحديدا ؛ بين مقدونيا و ألبانيا و اليونان ، توجد بحيرات ذات طبيعة جيولوجية نحتتها الجبال خلال تشكلها ، فيعتقد ان بحيرات " أوهريد " و " بريسبا " الكبرى و الصغرى والبحيرات الاصغر كلها نشأتها واحدة ولا تفصل بينها سوي الجبال ؛ و بدورها اليوم تفصل هذه البحيرات الان بين مقدونيا شرقاً و ألبانيا غرباً و اليونان جنوباً ؛ وعلى ارتفاع حوالي 690 متراً فوق سطح البحر تقع اكبر هذه البحيرات و أعمقها " أوهريد " ..يمكنك ان تتصور مساحة هائلة بين جبلين و الماء محتجز فيها بعمق يصل في أقصاه إلى 300 متر ؛ هذه بالضبط بحيرة أوهريد ، و مصدر هذا الماء هو الجليد أعلى هذه الجبال و الذي يمد البحيرة بمصدر عذب للمياه و كذلك المياة الجوفية . 5 ملايين عام ! بحيرة " أوهريد " يقدر عمرها بنحو 5 ملايين عام ؛ و هو رقم كبير للغاية حيث كان يجب ان تطمر هذه البحيرة من زمن بعيد بالرواسب مع مرور الوقت ؛ و لكن يبدو ان عمقها الكبير و النشاط الجيولوجي حولها حفظها للتاريخ لتصبح واحده من اشهر البحيرات العالمية ؛ و تعتبرها منظمة اليونسكو عام 1979 واحده من اهم مواقع التراث العالمي التاريخي و الحيوي ؛ ثم تختارها ناسا مؤخراً- عام 2010- لتطلق اسم البحيرة " أوهريد " على واحده من بحيرات القمر " تيتان " و هو اكبر قمر يدور حول كوكب زحل ، ورغم حقائق الطبيعة .. لكن الأسطورة الحقيقية تكمن في البشر الذين يعيشون حولها في الجانب الشرقي لها في مقدونيا .. .. الحياة فوق الماء ! منذ 3000 الاف عام عاش المقدونيون ليس على ضفاف البحيرة .. و لكن داخل مياة البحيرة نفسها ؛ تاركين البر ليحيوا فوق الماء .. هكذا ببساطة عاشوا فوق الماء ، ليشيدوا بيوتاً - كما ترى في الصور- بأعمدة يصل طولها لثلاثة امتار تقريبا مثبته في قاع البحيرة ؛ ليمدوا فوقها رصيفاً تقام عليه بيوتهم و لا يربطهم بالبر سوى جسر من الخشب كان في الغالب قابلاً للحركة ..و مع ارتفاع و تذبذب مستوى الماء في البحيرة ؛ فإن هذه القرى أو المستوطنات جميعها تحت الماء الأن على عمق يتراوح في الاغلب بين 3 و 5 متر تحت سطح الماء تقريبا ، و يبدأ تاريخ الاستكشافات تحت الماء و العثور على أول الخيط مع إكتشاف هذه الاعمدة التي حملت البيوت قديما " كأنها مسمرة في قاع البحيرة " في القاع قرب الشاطئ و حولها بعض المشغولات من السيراميك و الطين و غيرها ؛ ليبدأ من منتصف التسعينات من القرن العشرين مهام الاكتشاف الدوري تحت الماء..بعدها توالت الاستكشافات تحت الماء لتصل التقديرات الأن الى ان هناك نحو 8 مستوطنات في الجانب المقدوني و مستوطنه في الجانب الالباني ( غرباً) في بحيرة أوهريد ؛ كما تم العثور على مستوطنه ايضا في بحيرة أخرى في الجانب اليوناني ، واهمها مستوطنة " خليج العظام - Bay of Bones " بالقرب من قرية ( بشتاني – Peshtani ) في الجانب المقدوني ، وقد ترك هؤلاء الناس اليابسة ليبنوا رصيفاً خشبيا فوق مياه البحيرة ؛ تحمله الأعمدة التي تم تثبيتها في قاع البحيرة ؛ لتحمل الرصيف الذي بدوره يحمل البيوت المقامه عليه .. و هي الان تحت الماء تماما في قاع البحيرة على عمق حوالي 5 أمتار ؛ و لتقدير عدد من كانوا يسكنون هذه القرية أو المستوطنه في هذه المكان ؛ فبعض التقديرات كبيرة في الواقع مقارنة بهذه الفترة ؛ تصل لعدة مئات و ربما ألف شخص مثلا ، صحيح أن هذا تقدير كبير ربما فيه مبالغة واضحه ولكن لتعلم بالارقام ما تم اكتشافه من بقايا هذه المستوطنه الرئيسيه ( خليج العظام) ؛ ربما يعطي العذر لبعض المبالغة؛ حيث أن عدد الأعمدة تحت الماء حوالي 6 ألاف عمود و تمتد لحوالي 155 متر عرضا – في اتجاه البحيرة - و55 متر طولا موازية للشاطئ لتغطي مساحه حوالي 8500 متر مربع ، وهذا رقم كاف لعمل مستوطنه كبيرة بمقاييس هذا العصر البعيد ، حيث كان الناس وقتها بالكاد عشائر – و ليسوا شعباً كما الحال مثلا في مصر في هذا الوقت ، ووفقا لما تم اكتشافه من أدوات ؛ و تم تأريخها بالفعل بأنه عصر البرونز لهذه المنطقة ، و داخل البيوت كانت هناك أفران و أدوات للحياكة ( نول كبير ) ؛ كما وجدت أدوات لصيد الاسماك ؛ و كذلك عظاماً لحيوانات ، ولأن هذه الفترة تنتمي لعصر ما قبل التاريخ .. فلم تكن الكتابة عرفت في هذا الوقت. .. الحيرة تحت المدينة ! المفاجأة الأهم أن الاكتشافات وجدت عدداً من المستوطنات ؛ في اليابسه الآن في مدينة أوهريد نفسها مطمورة تحت البيوت ؛ ليس معنى هذا أنهم عاشوا على اليابسة و لكن كانت البحيرة نفسها منذ الاف السنين تغطي مساحات اكبر ، ثم مع تذبذب مستوى الماء في البحيرة تراجع الماء ليترك الارض مكشوفة فطمست معالم البيوت القديمة التي بنيت على سطح الماء؛ حيث أن في قلب المدينة وجدوا أعمدة لمسافة 4 امتار من الطمي ؛ بمعنى ان مياة البحيرة كانت تغمر سابقا هذا المكان ، و كانت هناك مستوطنات في هذا المكان – و هي الان جزء من المدينة مطمور ؛ تم فقط اكتشافه نتيجة الحفر لتشييد للبنايات الحديثة ، و يكمن التحدي في هذا الاكتشاف ؛ ان هذا المستوطنات الجديده الأن تشير كل التقديرات انها اقدم بشكل جذري ربما لألاف أخرى أقدم من السنين ، و هو ما يفتح الباب لفصل جديد من حياة البشر في هذه الازمنه ؛ خاصة في اوروبا وو مدى كفاءتهم و قدرتهم على التأقلم ؛ و التغلب على مصاعب الطبيعة ، و بقي شئ أخير لم أقتنع به قط من ناحيتي ؛ و هو لماذا عاشوا على الماء و تركوا اليابسة ؛ هل ليكونوا أقرب للسمك و الصيد كما قيل لي .. أم ليبتعدوا عن الاعداء ؟! فالبعض يؤكد انهم كانوا يصطادون بهذه الطريقة .. وآخرون يؤكدون انهم هربوا بذلك من الاعداء ، لكنني لم أقتنع في الواقع بهذا ؛ فمشقة جلب الاخشاب و تثبيتها اصعب بكثير من هدف القرب من الاسماك لصيدها ، كما أن الهروب من الأعداء بالعيش على الماء أمر كوميدي ؛ فهذه المستوطنات عاشت لمئات السنين ؛ فأي عدو هذا الذي لم يستطع وضع خطة للهجوم و عبور امتار من الماء طوال مئات السنين ليصل اليهم ؟! عموماً .. لازال البحث عن إجابة جارياً . .. .. .. .. ..