الوزير فى مصر ما أن ينعم الله عليه بكرسى الوزارة حتى يعتقد وهو على يقين من أن مجرد الجلوس على كرسى الوزارة يهبه مفاتيح العلم والحكمة والمعرفة ولولا إيماننا أن سيدنا محمد - صلى الله عليه وسلم - هو آخر الرسل وخاتم الأنبياء لكان الوزير على يقين من أنه قد أوتى من الحكمة والنبوة يوم أن أدى اليمين الدستورية ما وهبه الله للأنبياء والرسل. والوزير المصرى من عهد رمسيس الأول على يقين بأن ما يراه هو الحق المطلق وأن ما يفعله هو الصواب الذى لا يحتمل الخطأ لأن الوزير - لا سمح الله - لا يخطئ.. فكل أفكاره وتخيلاته يراها هو ومن هم حوله - مع كل التواضع - خطط واستراتيجيات المستقبل المشرق على يديه لتحقق أهدافا سامية حتى لو عجز المواطن عن إدراكها، أو ادعى المواطن أنه لم يلمس أى نتائج إيجابية لهذه الخطط والاستراتيجيات الوزارية فالمواطن بسذاجته لا يعرف مصلحته أكثر مما يعرفها الوزير.. لأن المواطن – فى رأى الوزير- يعجز عن إدراك ما يدركه الوزير وما يتفتق عن ذهنه من قرارات لولا انقطاع وحى السماء لكانت وحيا وإلهاما. وفى مصر ما أن يفكر الوزير وينطق بفكرة حتى لو كانت مشوشة – وهى كذلك فى معظم الأحوال – حتى تبادر البطانة التى تحيط به من المساعدين والمستفيدين إلى أن تغمره بكل نظرات الإعجاب المصحوبة بالدهشة والانبهار من عبقرية سيادته التى أفرزت تلك الفكرة التى لم يأت بها الأوائل وتصبح مهمة هذه البطانة – التى تعيد تشكيل نفسها حتى تلائم مقاس كل وزير هى تنفيذ أفكار الوزير العبقرية والدفاع عنها باستماتة والتصدى بكل قوة لكل من يفكر – مجرد تفكير – فى مناقشة فكرة سيادته.. أما من يفكر فى معارضتها فهو قطعا ويقينا من أعداء الوطن. طيب بذمتك – وأنا أرتضى ذمتك – عمرك سمعت أو قرأت أو شاهدت على شاشة التليفزيون وزيرا يقول إنه أخطأ فى قرار ما؟! هل اعتذر أى وزير عما ارتكبه فى الثانوية العامة وفى الضريبة العقارية وفى اعتصام العمال والموظفين وفى انهيار الرعاية الصحية وفى بيع أراضى الدولة للأصحاب والأحباب؟ يقينا لم يحدث ولو مرة واحدة.. فالوزير دائما على صواب ودائما يقف الحق بجانبه.. وهناك من يجد أو يخترع مبررا لكل أزمة تحدث بسبب فكرة وزارية.. والمبررات كثيرة أولها أن الناس لم تفهم أو أساءت تفسير فكر سيادة الوزير أو أن المواطن كما قلنا لا يعرف مصلحته أو أن من ينتقد الوزير هو مغرض وحاسد للوزير على نعمة الوزارة!! باختصار: الحقيقة هى ما يراه الوزير ولو رأى عكسها بعد قليل فهى أيضا الحقيقة وهى ما سوف يطبق سواء رضينا أو رفضنا ولن نملك له تبديلا أو مراجعة.. فما بالك بمن يزعم أن الوزير- حاشا وكلا - قد أخطأ؟! ويكفى أن يقول: "أنا الوزير".. فيصبح كل ما يفعله هو الحق واليقين والصواب.. ولله الأمر من قبل ومن بعد.