أصبحت الأعمال التركية واقعا فى عالمنا العربي، وذلك بعد النجاح الكبير الذى أدى لتهافت القنوات المصرية والعربية على عرضها، ليصبح نجومها أحد العلامات على خريطة المشاهدة ولكن ما هو السر وراء انتشارها؟؟ وما سر نجاحها؟ وكيف ينظر الفنانون الأتراك للعالم العربي؟؟ أسئلة بحثنا لها عن إجابة فلم نجدها إلا فى تركيا نفسها، حيث قابلنا دانيال عبد الفتاح الرجل المسئول عن وصول أول أربعين مسلسلا تركيا للعالم العربي.. التقيناه فى اسطنبول وكان معه الحوار التالي.. متى بدأت رحلتك فى تركيا؟؟ وما هى المناصب والمهام الإعلامية التى توليتها؟ البداية كانت عام 1985 عملت فى ترجمة المقالات وكتابة الرأى للنشرات الإعلامية الخاصة بالسفارات العربية والأجنبية ثم توجّهت إلى ترجمة الكتب وكانت فى حينها الترجمات الدينية الأكثر رواجا فى السوق التركية، وبخاصة كتب الطرق الصوفية، وأعلى منصب وأرفع مهمة إعلامية وصلت إليها فى حياتى المهنية هى منصب مراسل صحفى فقد راسلت اثنين وثمانين وسيلة إعلامية خلال سبعة وعشرين عاما هى مدة إقامتى فى تركيا، وعملت إلى جانب مهمتى الأساسية مديرا لمكاتب العديد من الفضائيات، وتولّيت مهام إدارية وتنفيذية فى وسائل إعلام عربية وأجنبية. ما الذى دفعك للتفكير فى دبلجة الأعمال التركية للعربية؟ وما الذى جعلك تتنبأ بنجاحها فى العالم العربي؟ حبى الشديد للدراما ومتابعتى بشغف للأعمال التركية, ومعرفتى القريبة للمجتمع العربى والتركى وقربى الشديد من الطرفين جعلنى أكون متيقنا من نجاح الدراما التركية وتقبلها فى عالمنا العربى .. فنحن فى المدن الحدودية القريبة من تركيا نتابع التلفزة التركية بكثرة ودائما ما كنت أرى فى عيون المتابعين وعلى ألسنتهم الكثير من الإعجاب والانبهار، بل وحتى التقليد لنجوم السينما والدراما التركية، قررت أن كل هذا القرب والتشابه لابد له أن يكون سببا كافيا فى تقبل ونجاح الأعمال التركية فيما لوتمت ترجمتها وإيصالها للمشاهدين العرب، كذلك كنا قد دخلنا فى بداية العام 2004 مرحلة التكرار والإعادة فى الأعمال العربية المنتجة فى مصر وسورية، وكان قطاع الإنتاج العربى يختنق نتيجة أزمة الكتّاب والسيناريوهات مع التوسع الكبير فى عالم الإنتاج والطلب المتزايد على الأعمال وانخفاض الأجور والأسعار المدفوعة للكتّاب ..فكانت الأعمال التركية البديل الأقرب والألطف والمشابه لبيئتنا ومجتمعاتنا. ومنذ متى بدأت محاولاتك فى هذا الموضوع؟؟ المحاولات بدأت فى 2004عندما حاولت إقناع منتجين وموزعين بدبلجة الأعمال التركية وعندما عرضت عليهم أول عمل تركى أجابونى أنهم لم يقتنعوا أبداً بالسيناريو ولم يستوعبوا الفكرة المطروحة، وقال لى أحدهم أن سير العمل وإيقاع الأحداث يبدو بطئ وثقيل وليس فيه حيوية وحركة .. حاولت إقناعه بأن عدم فهمه الحوار وكون أذنه لم تسمع سابقا هذه اللغة ولم تتعود على نغمة اللغة التركية سبب شعوره بغربة وخشونة فى اللفظ وعرضت عليهم أن أعود لهم بالحلقة مترجمة، وبعد طول تفكير قررت دبلجة الحلقة كى أمنع المنتجين والشركات التوزيع وأصحاب القرار من الاستماع إلى اللغة التركية والتأثر بها بشكل سلبى كما حدث فى المرة الأولى. بالفعل ترجمت الحلقة وسجّلت جميع الأصوات بصوتى أنا دون الاستعانة بأى صوت آخر وعدد الممثلين كان ثلاثة وعشرين فى تلك الحلقة .. أعجبتهم الدبلجة لكنّهم لم يتشجّعوا للفكرة ولم يقدموا أى عروض للشراء وبعد هذه المحاولات مع المنتجين والموزعين طلبت منى "إم بى سي" نهاية 2006 أن أعد دراسة متكاملة حول الإنتاج التركى من الأعمال وأن أحضّر للإدارة دراسة للسوق والمنتجين والمحطّات وأشهر الأعمال التركية مع جداول توضّح نسب المشاهدة وعدد الساعات .. أعددت دراسة متكاملة خلال3 شهور مع تفاصيل ومعلومات مفصّلة عن كل عمل وفيلم وأعداد هائلة من الأقراص المدمجة .. وهل تقبل المنتجون فى تركيا بسهولة فكرة دبلجة أعمالهم للغة العربية؟ قبل الحصول على موافقة الإدارة فى "إم بى سي" كنت بدأت اتصالاتى بالمنتجين ومالكى حقوق التوزيع والمحطات المالكة للأعمال، وكانت المشكلة الأكبر فى إقناعهم بجدوى دبلجة أعمالهم إلى العربية وإقناعهم بأن العالم العربى سيكون سوق توزيع واعد وجيد ومربح تجاريا، فكانوا دائما يقولون لى أن حلقة كلّفتنا أكثر من مائة ألف دولار لن نبيعها بألف دولار فقط، حتى أن البعض منهم إعتبر السعر المطروح عليهم بمثابة إهانة لأعمالهم والبعض منهم كان يرفض منحى فرصة للقاء والحديث .. أحدهم قال لى : " حتى لو وجدت نفسى مرغما على التسوّل لن أعطيك أعمالى بهذه الأسعار " !!؟ وما هى الأعمال الأولى التى تم دبلجتها؟ الدفعة الأولى من الأعمال التى تم التعاقد عليها كانت ثمانية أعمال والعمل الأول كان إكليل الورد والثانى سنوات الضياع ثم نور، وقد تم التعاقد على سعر سبعمائة دولار للحلقة الواحدة لكافة الأعمال فى الدفعة الأولى والثانية ولكافة العقود التالية حتى طلبت الجهة المالكة زيادة السعر بنسبة 50% للدفعات التالية، والعملان نور وسنوات الضياع كانا الأكثر مشاهدة ونجاحا فى العالم العربى، فقد حقق سنوات الضياع فى الحلقة الأخيرة مشاهدة 800 ألف بينما حطّم نور الرقم القياسى بواقع 85 مليون مشاهد للحلقتين الأخيرتين من العمل .. وما هى ردود فعل الأتراك على نجاح أعمالهم فى العالم العربي؟؟ الأتراك كانت ردود فعلهم هستيرية عندما بدأت الصحافة التركية تنشر أخبارى التى أوزعها عليهم حول النجاحات والأرقام القياسية والإقبال،حينها كنت أشعر بنشوة عارمة كلما أتصل بى عملاق من عمالقة السوق التركية ليسألنى عن إمكانية وأبواب الدخول والمزاحمة للحصول على حصّة من الكعكة، والغريب أن أى من المتصلين لم يذكر أننى كنت إلتقيته أو حاولت الحصول على موعد للقاء أيام العمل على تحضيرات المشروع ..والأغرب أننى عندما أذكّر أحدهم أننا سبق لنا أن التقينا كانوا ينكرون تماما أى لقاء أو حديث معى، بل كانوا يلوموننى لأننى أهملتهم ولم أعرض عليهم التعاون المشترك .. أما النجوم والممثلين فكانوا يطلبون منى مشاهدة مقاطع مدبلجة لهم بالعربية فأكثر ما كان يجذب إهتمامهم ويثير اندهاشهم سماعهم اللغة العربية وكأنّهم يجيدون النطق بها كانت تجربة فريدة لنا ولهم وكانت المرّة الأولى التى يتلمّس فيها المنتج والممثل والمثقف التركى كيف أنه مقبول ومحبوب فى العالم العربى وكيف أنه قريب وشبيه للعرب ولثقافتهم وأن اللغة كانت الحاجز الوحيد بين تواصلهما كيف تطورت الأسعار ليصبح سعر الحلقة الواحدة لحريم السلطان 60 ألف دولار؟؟ لعبة الأسعار بدأت منذ العام الثالث لدخولنا السوق التركية، حيث أننا عملنا لمدّة سنتين فى الشراء دون أن نعرض أى حلقة من أعمالنا، لكن بعد بداية العرض وتحقيق النجاحات فى العام الثالث من المشروع دخلت أعداد هائلة من الشركات والمحطات والأشخاص الى السوق التركية فى غزو لم يسبق له مثيل من أنحاء العالم العربى وبطريقة هستيرية للحصول على ما يشبه سنوات الضياع أو نور .. كنت تشاهد الموزعين والمدراء والمنتجين فى القنوات العربية حاملين حقائبهم يتجوّلون فى إسطنبول بحثا عن أعمال دراما تركية يكون فيها مهند أو يحيى ممثلا وتكون نور ولميس فى دور البطولة أو حتى ضيوف شرف، وهكذا بدأت عمليات المضاربة وتكسير العظام فكانت القفزات المتتالية والمضاربات فى الأسعار والخيانات والرجوع عن التعاقدات وعدم الإلتزام بما تم التوقيع عليه إلى درجة أن الشركات والمحطات العربية أساءت بشكل كبير لسمعة الوسط الإعلامى وشوّهت الصورة التى رسمناها فى أذهان الأتراك . هل تزايد الطلب على المسلسل التركى جعلهم يضعون المشاهد العربى فى مخيلتهم عند إنتاجهم لمسلسل تركي؟ طبعا أصبح المشاهد العربى أحد المحاور التى يهتمّون بها ويلحظون ذوقه فى الأعمال، كذلك بدأوا الاهتمام بالمشاهدين فى أكثر من 35 دولة حول العالم يتم توزيع الأعمال التركية فيها بعد نجاح الأعمال فى العالم العربى .. يعنى كنا السبب والمفتاح لإدخال الدراما التركية من أوسع أبواب الشهرة إلى العالمية، والآن هناك مشاريع تركية لإنتاج أعمال مخصصة للدوبلاج لن تعرض نهائيا فى تركيا . وهل فعلا النجوم المشهورين فى العالم العربى ليسوا هم نجوم الصف الأول فى تركيا؟؟ وهم فعلا نجوم الصف الأول من جيل الشباب، لكن هناك فكرة انتشرت فى الإعلام العربى تقول أنهم ليسوا من المشاهير وهذه المعلومات ليست صحيحة أبدا .. نعم هناك مشاهير عند الأتراك مثل جيم يلماز وسينان أرتشتين وتوركان شوراى، لكن هؤلاء العمالقة ليسوا معروفين عند العرب لأن أعمالهم الشهيرة هى أعمال سينمائية وكوميديا، ونحن فى العالم العربى لم ندبلج إلا القليل من الأعمال الكوميدية لصعوبة نقل الفكرة والنكتة من لغة إلى أخرى. ما سبب عدم نجاح السينما التركية فى الوصول إلى العالم العربي؟ سبب فشلنا فى دبلجة السينما التركية يعود إلى سبب جوهرى هو عدم إقبال المعلنين على رعاية الأفلام السينمائية بمبالغ كبيرة، بينما النجاح فى حاصلات الدراما كان السبب الأكبر فى حصولها على اهتمام المحطات.