ذكر الكاتب الصحفى المصرى فهمى هويدى أن كلمة الربيع العربى لا تعبر بشكلصحيح عن مجمل الأحداث الواقعة فى العالم العربي، مشيرا إلى أن الحاصل فىالوطن العربى إنما هو ثورة عربية عارمة تجتاحه من أقصاه إلى أقصاه تعبر عنرغبة عميقة وجارفة فى التغيير، وليست قاصرة على عدد ما من الأقطار. جاء ذلك فى كلمة ألقاها الكاتب المصرى فى ندوة بعنوان "الصحوة العربية: مصروالشرق الأوسط"، والتى نظمت مساء أمس فى قاعة مؤتمرات رئاسة الوزراءالتركية بقصر "دولمه بهتشه" بمدينة اسطنبول، برعاية وقف تحالف الحضاراتالتابع "لجامعة السلطان محمد الفاتح الوقفية". وأضاف هويدى أن هذه الثورة غريبة فى ذاتها، لأنها ثورة بعضها معلن من خلالما يذكره الإعلام حينما يتحدث عما حدث فى مصر، وفى ليبيا، وفى تونسوالمغرب، وما يحدث فى سوريا، ومنها ما هو كامن خفى لا يسلط عليه الضوء. وتابع قائلا " هناك من الجزائر، إلى منطقة الخليج إلى موريتانيا إلى أقاصىعمان، ثورة عارمة ورغبة شديدة فى التغيير تنطلق عبر الإنترنت ومواقعالتواصل الاجتماعى، الأمر الذى يضعنا أماما موقف غاية فى الأهمية، وأيضافريد فى ذاته، بمعنى أن هذه الثورة تقوم بها الكتل الجماهيرية. ثانيا يتحركفيها الشعب بلا قائد، وبلا مشروع سياسى واضح، ثالثا يتم التواصل فيها بشكلأغلبه غير مرئى وأقله هو المرئى". ولفت إلى أن العالم العربى ينتقل الآن من إعلان الحرب ضد الاستعمار، إلىإعلان الحرب ضد الاستبداد والظلم الاجتماعي، مبينا أن هذا يتم بتوافق شديد،ودون ترتيب، وتلعب فيه التكنولوجيا الحديثة ومواقع التواصل الاجتماعى دوراكبيرا. لتكون بذلك ثورة مختلفة عن غيرها من الثورات التقليدية. وعلل هويدى تلك الثورات بنفاد طاقة الناس، وضجرها من الاستبداد والظلمالاجتماعى، وإصرارها الكبير على التغيير، وإعلان الرأى، مشيرا فى الوقتذاته إلى أن هناك نوعا من الفوضوية التى يتبعها البعض فى سبيل تحقيق تلكالأغراض. وقال هويدى: إن الفرق بين الثورات الكائنة فى مناطق النفط والخليج العربى،وغيرها من البلدان العربية، يكمن فى أن ثورات مناطق النفط ليست لديها نيةلإسقاط أنظمتها، وإنما تسعى فقط لإصلاحها، فى حين أن غيرها من الثوراتانتهت بإسقاط الأنظمة، على الرغم من بدايتها رغبة فى الإصلاح، لكن سرعان ماانقلبت إلى إسقاط الأنظمة بعد إصرارها على العناد، وممارسة العنف ضدالمتظاهرين. ولخص هويدى الوضع الراهن فى العالم العربى قائلا "هذه أمة استيقظت تستعيددورها فى التاريخ، وستحتاج وقتا طويلا لكن المهم أن ثمة تغييرا حاصلا علىالساحة". وعن أهمية مصر وثورتها بالنسبة للمنطقة ذكر هويدى أن مصر تتمتع بموقعاستيراتيجى كبير، مشيرا إلى أن التعداد الرسمى لها فى الوقت الحاضر بلغ 91مليون نسمة، منهم 7 ملايين يعيشون فى الخارج من المهاجرين تم شملهم ضمنالإحصائيات على اعتبار أنه أصبح من حقهم التصويت فى أى انتخابات تجرى فىالبلاد. واستشهد هويدى بمقولة لنابليون ليدلل على أهمية مصر الكبيرة، تلك المقولةالتى قال فيها "إن من يستطيع حكم مصر، فإنه يستطيع حكم العالم، مصر ينبغىأن تكون درة الإمبراطورية الفرنسية، كما كانت الهند درة الإمبراطوريةالبريطانية"، مؤكدا أن مصر بلد كبير من يضع يده عليه، يضع يده على مفاتيحمهمة فى المنطقة بأكملها. وأوضح الكاتب المصرى أن منطقة الشرق الأوسط لها ثلاث دول تتمتع بثقل كبيرمن الناحية الاستيراتيجية، هى تركيا ومصر وإيران، وقال إنها عبارة عن كتلجماهيرية كبيرة، وأنها تعد الأعمدة الرئيسية التى يقوم عليها الشرق الأوسط. فهى "دول لها تاريخ، وثراء وموقع استيراتيجى" وأنها تشكل مثلث القوة فىالمنطقة، موضحا أن هذا المثلث مع الأسف اجتمعت فيه مصالح غربية كبرى، هىالنفط وإسرائيل، لافتا إلى أن الرغبات فى التغيير التى ينادى بها المصريونتتصادم مع تلك المصالح التى تنشدها القوى الغربية فى مصر. وتابع قائلا: إن إسرائيل كانت تعتمد فى بعض الأوقات على ما يعرف بسياسة شدالأطراف، وكانت ركائزها بالدرجة الأولى فى المنطقة، فى تركيا، ثم إيران ثمإثيوبيا، وسرعان ما خرجت إيران من تلك المعادلة، فحلت مصر مكانها، ومن ثمرأت إسرائيل أن أى تغيير فى مصر من شأنه أن يغير لها استيراتيجيتها، مشيراإلى أن الولاياتالمتحدةالأمريكية تعتبر إسرائيل على رأس استيراتيجياتهافى المنطقة. ومن ثم فإن كل هذه تعد دوافع كبيرة لعدم وقوف إسرائيل وغيرها من القوىالغربية موقف المتفرج لمشاهدة ما يحدث فى المنطقة من تغيير، ومن ثم يودونعرقلته بكافة الطرق، لأن حدوث أى تغيير فى مصر لا يتوافق مع مصالحهميعتبرونه خطوطا حمراء لا يمكن تجاوزها، مؤكدا أن هذه الدوائر تعمل حاليالوقف ذلك، لكن لا يعلم أحد كيف تعمل. وتابع قائلا الثورة المصرية التى هى جزء من هذا الكل الحاصل فى العالمالعربى ثورة فريدة فى ذاتها قامت بها الجماهير، بلا رأس ولا مشروع، تعرف ماترفضه، ولا تعرف ما تقبله، والثورة فى حد ذاتها كانت مفاجئة للجميع، وكانتصدمة للبعض على كل المستويات. وأوضح أن مصر أسقط فيها رأس النظام، بعد ثلاثين سنة من الحكم، "أنجز فيهاأشياء، وأفسد أشياء أخرى كثيرة، وحكم فيها باستبداد ضمر فيه الحاضر،والمستقبل معا"، مبينا أن تدميره للحاضر حدث حينما أنهى على مؤسساتالمجتمع، مثل التعليم والاقتصاد والصحة، بينما دمر المستقبل بحرق بدائله. واستشهد بتركيا فى هذا الأمر، فقال: إن النظام فى تركيا قبل مجىء حزبالعدالة والتنمية، كانت له ثلاث أدوات هى الجيش، والقضاء والأمن، والإعلام،وهذه الأدوات مازالت موجودة فى تركيا على الرغم من خروج الجيش من المعادلةالسياسية، إذ تحول من صانع للسياسة إلى متفرج على هامش السياسية. وذكر أن هذا هو نفسه ما حدث فى مصر، فالجيش خرج، لكن مازال الإعلام والقضاءموجودان فى المعادلة السياسية، مشيرا إلى أن مصر تعانى من فترة انتقاليةمازال النظام القديم موجودا فيها بأدواته، وخصوصا الإعلام الذى ينقل صورةغير حقيقة عن مصر على الإطلاق تجعل المصريين المقيمين بالخارج، وغيرهم منالمتابعين للشأن المصرى يصدمون فى أوضاع البلاد بسبب الصورة التلفزيونيةالتى يقدمها الإعلام المصر، وتختلف تماما عن مصر الحقيقية على أرض الواقع. وناشد الجميع بعدم القلق حيال ما تنقله وسائل الإعلام من أوضاع مصرية،لأنها غير حقيقة، كما أن مصر حاليا فى فترة انتقالية تمر فيها بمرحلةنقاهة، ستصل بعد ولا شك إلى مرحلة التعافى تماما، حتى وإن لزم ذلك بعدالوقت ستتخلص فيه من مفاسد نظام استمرة فى البلاد لثلاثين عاما كاملة. وقال هويدى أن كل شىء وارد فى المرحلة الانتقالية فى مصر، مثل ارتكابالأخطاء، وغيرها من الأمور التى يبديها الإعلام على أنها فوضى، وهى فىحقيقة الأمرة من سمات الفترات الانتقالية التى سرعان ما ستزول بعد تعافىالبلاد، متمنيا ألا تطول تلك الفترة، خصوصا أن مصير الثورات العربية أصبحمعلقا بالثورة المصرية، وبما يجرى فى مصر، على حد قوله. وعن التعددية الحزبية وتعدد القوى السياسية فى مصر قال إن مصر بها حاليا 70حزبا مدنيا، و16 حزبا ذات مرجعية دينية، بينهما صراعات وخلافات، وهذاالأمر لا يدعو للقلق فهذا أمر صحى يشير إلى عودة الناس للسياسة، وبدأوايهتمون بها، وهذا من فوائد الربيع العربى التى عادت على مصر وعلى الوطنالعربى كله. وكمثال على ذلك، قال هويدى: إن أهم قوتين فى مصر حاليا، هم الإخوانالمسلمون، والسلفيون، فالقوة الأولى حديثة العهد بالسلطة، والثانية حديثةالعهد بالسياسة وبالسلطة، وهذه القوى تحتاج مزيدا من الوقت لتكتسب الخبراتاللازمة لها، وتتعاون مع بعضها، حتى تنتقل من فكرة قيادة الجماعة إلى قيادةالوطن. ورأى هويدى أنه من الصعب وضع عنوان واحد لقوى المعارضة فى مصر، موضحا أنفيها قوى وطنية حقيقية تخاف على الديمقراطية، وهناك معارضون يخافون منالديمقراطية، وهناك أناس يخافون من الإخوان، وهناك من يخافون من الإسلام. واستنكر هويدى ما تقوم به بعض الصحف ووسائل الإعلام من وصف رئيس البلادبالمستبد، فى حين أنها أول من يتجرأ عليه بالسب والقذف، واستغرب كذلك لماتقوله بعض الصحف بأن مصر صار بها فرعونا جديدا، موضحا أن هذا الكلام إهانةللفراعنة، لأنهم لم يكونوا يعاملون بهذه الطريقة التى فيها سب وقذف. واتهم هويدى النظام السابق بأنه المتسبب فى حدوث فراغ سياسى على الساحةالسياسية فى مصر، إذ أنه لم تكن هناك أى مشاركة سياسية من الأحزاب التىكانت موجودة فى عهد الرئيس السابق، على الرغم من أن عددها وصل إلى 24 حزباتقريبا، كما أنه لم تكن هناك أى فرصة لتداول السلطة على الإطلاق. وأوضح هويدى أن مصر بها مشكلات اقتصادية وسياسية، مشيرا إلى أن النظامالمصرى يضغط عليه كثيرا بالجوانب الاقتصادية، وأوضح أن اليونان حينما تعثرتقدم إليها الاتحاد الأوروبى 150 مليار يورو، وأن مصر حينما تعثرت قدمتإليها قطر 4 مليارات دولار، والسعودية نصف مليار، وتركيا مليارين، فى حينأن هناك أقطارا عربية لديها فائض 700 مليار دولار، ورفضت أن تقدم دولاراواحدا إلى مصر. فهناك ضغوط ليست فقط موجهة ضد الثورة المصرية، ولكن كذلك موجهة ضد الرغبةفى التغيير بصفة عامة، مشيرا إلى أن هناك دول عربية محافظة لا ترغب فى نجاحالثورة المصرية حتى لا تنتقل العدوى إلى دول وأماكن أخرى غير مرغوب فيهامثل هذه الأشياء. وعن أوجه الشبه والخلاف بين تركيا ومصر سردالكاتب المصرى عدة نقاط أوضحفيها أوجه الشبه والخلاف بين مصر وتركيا من عدة جوانب، ولفت فى هذا السياقإلى أن الجيش له فضل فى إقامة الجمهورية فى تركيا بعد إلغاء الخلافة، وأصبحصانعا للسياسة فيها على الأقل حتى عام 2002، وفى مصر كان الجيش المصرى هوالمؤسس للجمهورية فى مصر، لكنه لم يكن طرفا فى اللعبة السياسية. وأوضح كذلك أنه لما قامت الثورة فى تركيا، أحدث النظام الذى جاء على سدةالحكم فى البلاد، قطيعة مع تاريخه ومع العروبة ومع الإسلام، لافتا إلى أنهذا لم يحدث فى مصر، ومبينا أن الجمهورية لما قامت فى تركيا فى البداية،بدأت متصالحة مع الغرب وإسرائيل، كما تركت تركيا مكانها فى العالمالإسلامى، أما مكانة مصر فتعززت فى العالم العربى بعد إعلان جمهوريتها، كماأن الثورة فيها قامت فيها مخاصمة للغرب وإسرائيل. وأشار إلى أن تركيا كانت فيها الدولة العميقة متمكنة وتمارس نشاطا، لكن فى مصر مازالت فى بواكيرها، ولم تصل بعد إلى مرحلة المؤسسة. وعن التركيبة الاجتماعية فى البلدين قال إنها فى تركيا مختلفة عنها فى مصر،ففى تركيا تنوعات عرقية كبيرة ليست موجودة فى مصر على الإطلاق، بحسب قولهموضحا أن الأمر فى مصر يقتصر فقط على مسلمين وأقباط، وبدونه لا توجد أىشروخ فى المجتمع المصرى يمكن العبث فيها. وذكر كذلك ضمن مقارنته بين البلدين، أن علاقة مصر بالعالم الإسلامى لازالتقائمة، وعلاقة تركيا بالعالم الإسلامى بدأت من جديد، وإن كان اتجاهها إليهاتجاها اقتصاديا، وليس سياسيا. وأوضح الكاتب المصرى أن تركيا منذ كان الجيش فيها هو الصانع الحقيقىللسياسة، وهى تتمتع بهامش ديمقراطى سمح بإنضاج بعض الحركات والتيارات، مثلالتيار الإسلامى الذى بدأ على يد نجم الدين أربكان، وانتهى حاليا برئيسالحكومة التركية رجب طيب أردوغان، لافتا إلى أن كل منهما يمثل مرحلةمختلفة، الأول هو مرحلة البداية، والثانى هو مرحلة النضج السياسى، لافتاإلى أن مصر حاليا فى مرحلة أربكان، وليست مرحلة أردوغان. ويرى هويدى أن السبب فى عدم وصول مصر إلى مرحلة النضج السياسى التى وصلتإليها تركيا، إنما هو التهميش السياسى الذى قام به النظام السابق للعديد منالحركات والأحزاب، مما أدى إلى مشكلات موجودة حاليا فى مصر المعاصرة، مثلغياب الديمقراطية، وأن القوى السياسية فيها تسىء الظن ببعضها، ولا تثق فىبعضها على الإطلاق، وذلك بالطبع راجع قلة الخبرة السياسية الناجمة عن حالةالتشويه الفكرى والسياسى التى تسبب فيها النظام السابق، على حد تعبيره. وفى نهاية مقارنته بين البلدين أكد هويدى أن تركيا ومصر ليسا بلدين، وإنماكل واحدة منهما أمة، فتركيا أمة بحكم التاريخ، أما مصر فأمة بحكم التاريخ،والموقع الجغرافى الذى من خلاله يسمع كل ما يحدث فى مصر، ويكون له رنينوصدى فى العالم العربى. وشدد على الأهمية البالغة للشراكة بين مصر وتركيا، ولافتا إلى أن استقرارالشرق الأوسط ونموه مرهون بالارتباط الوثيق بين مثلث القوة فيه تركيا ومصروإيران.