(بدلتي الزرقا لايقة فوق جسمي في كمال لونها مركزي واسمي ...بدلتي الزرقا .. بدلتي الزرقا من نسيج ايدي لبسها يزيني حتي يوم عيدي ....مش مفارقاني برضه ستراني حافظة مقداري ليلي ونهاري) تصوير : محمود شعبان هذا ما كان يغنيه عمال مصر في الخمسينيات والستينيات وراء عبد الحليم حافظ , لكنهم لم يتخيلوا أن يصبح العمال في 2012 طبقة مهددة بالانقراض , فعلي مسافة 20 كيلومترا من حلوان تقع مدينة الحديد والصلب التي شهدت تصنيع حوامل الدبابات والسلاح المصري في حرب أكتوبر 1973 , ومنها خرجت قطارات التروماي لتسير في شوارع حلوان , وقد اسسها الرئيس الراحل جمال عبدالناصر لتكون نواة للصناعات الثقيلة في مصر , لكن اليوم وبعد مرور 54 عاما علي انشائها ننقل لكم الصورة من هناك بداية من معاناة العمال وخطط أحمد عز لإيقاف العمل بها وحقيقة الاستيلاء علي كل أراضي الشركة .. البداية كانت من أمام بوابات المصنع والتي علقت عليها لافتة تشير إلي أنه تم افتتاحه يوم 27 يوليو 1958 في عصر الرئيس الراحل جمال عبدالناصر , وهناك استقبلنا صلاح الديب المدير العام لادارة العلاقات العامة والذي قال : إن كل مصانع الحديد والصلب الخاصة المصرية تقوم علي ما تحصل عليه من مصنع الحديد والصلب , وأن محاولات هدم الشركة وايقاف العمل بها مستمرة حتي بعد الثورة , وقد بدأت هذه المحاولات بقرار الخصخصة الذي اتخذته حكومة الدكتور عاطف عبيد والذي جاء بالخراب علي الشركة بالكامل و يقول : رغم أن الشركة كانت تربح ولم تكن لدينا ديون الا أن قرار الخصخصة جاء اجباريا من الشركة القابضة وسمح للعمال دون سن ال 45 بترك العمل تحت مسمي المعاش المبكر في مقابل الحصول علي مكافأة نهاية خدمة , ومنذ هذا الوقت تسرب عدد كبير من العاملين في الشركة .. فكان عددنا 26 ألف عامل والآن وصل الي 13 ألف عامل , كما ترفض الشركة تعيين أي عمال جدد , وهؤلاء العمال كانوا يعيشون في المساكن التي أنشأها جمال عبدالناصر للعمال علي شكل بلوكات مميزة , وبالرغم من أن قرار الخروج في معاش مبكر كان قرارا اختياريا الا أن عددا كبيرا من العمال خرجوا بسبب ضعف الأجور وقتها ولرغبتهم في الحصول علي المكافأة , ومنذ وقتها قلت إنتاجية الشركة إلي النصف وتم إغلاق عدد من الأقسام في المصنع , وللعلم مصنع الحديد والصلب لم يكن الوحيد الذي يعاني هذه العملية ولكن هناك عددا كبيرا من المصانع سواء في قطاعات الأسمدة أو الغزل والنسيج أو الكتان تعرضت للهدم الكامل بحجة أنها تخسر . وأضاف محمد عبدالمنصف عضو اللجنة النقابية أن معظم من خرجوا علي المعاش المبكر منذ 10 سنوات هم من شكلوا نواة للبلطجية في مدينة الحديد والصلب , فالعمال موجودون داخل مصانعهم منذ الساعة السابعة صباحا ويتبادلون العمل علي 3 ورديات يوميا ويعودون الي منازلهم والتي توجد إلي جوار المصنع وأولادهم اغلبهم التحقوا بالمدرسة الفنية الثانوية الصناعية للحديد والصلب , ويقول : قرار المعاش المبكر أفسد الحياة تماما وقام بتحويل مناطق بالمصنع الي خرابات , وخرج العمال من المصنع ليشتروا ميكروباصات ويمارسوا البلطجة علي سكان المنطقة , اضافة الي قيام عدد كبير من عمال المصنع ببيع شققهم في المدينة بعد تملكها وبالتالي فقدت المدينة أهم عنصر كان يميزها وهو أنها بنيت خصيصا لعمال المصنع , وبعد ثورة 25 يناير طلب عدد كبير من العمال العودة الي أعمالهم لأنهم لم يكونوا يتخيلون أن تحدث هذه الثورة في مصر وعاد اليهم الأمل ليعود العمل في المصنع كما كان بعد ان انخفضت نسبة الانتاج بدرجة كبيرة بحجة الخسارة , ولكن المشكلة ليست في الانتاج ولكن تسويقه كما كان يقوم أحمد عز بالتسويق لإنتاج مصنعه رغم أنه قائم علي منتجات مصانعنا , لكنه كان يربح مليارات الجنيهات سنويا بسبب الاعلانات علي منتجاته التي لم تكن لتخرج للنور لولا مصنع الحديد والصلب . وبداخل المصنع المقام علي مساحة 5 آلاف فدان قابلنا فوزي حسني وهو عامل في المصنع منذ 32 عاما في الصيانة الكهربائية , والذي أكد أن الأجور في المصانع لم تكن مجزية ولكن الآن الوضع تغير تماما , يقول : أجري بعد سنوات الخدمة وصل الي 4 آلاف جنيه , ولم يكن يتخيل أي عامل ممن اختاروا المعاش المبكر أن تزيد أجورنا بهذا الشكل , لكن المشكلة بالنسبة للمصنع الآن ليست في الأجور وانما في قلة العمال , فالمصنع يحتاج الي 5 آلاف عامل علي أقل تقدير حتي يستطيع أن ينتج بنفس الكفاءة القديمة له , فاليوم المصنع ينتج 25 مليون طن صلب سنويا و 10 % من هذه الكمية للتصدير , ولكن القدرة الانتاجية للمصنع هي ضعف هذا الرقم ولكن لا يوجد عمال للانتاج , اضافة الي حالة الاحباط التي يعيشها كل العمال الذين يعتبرون المكان بالنسبة لهم كل شيء , فعندما جاءت هوجة الخصخصة وانتشرت الشائعات عن نية الحكومة غلق المصنع وتسريح كل العمال حتي يعطوا فرصة لمصانع أحمد عز للسيطرة علي سوق الحديد والصلب في مصر .. وقف كل العمال ضدهم , ورغم استجابة عدد كبير من العمال للمعاش المبكر الا أن أكثر من النصف رفضوا ووقفنا أمام الادارة ضد أي محاولة لتخريب الشركة أو افساد الآلات بها , خاصة أن وقتها ظهر عدد من العمال الذين يقومون بتخريب ماكينات المصنع لصالح أحمد عز وتصدي لهم العمال . وأضاف رمضان عبدالحي أحد عمال المصنع : العمال مازالوا متمسكين بزيهم القديم وبدلهم المميزة والتي كانت تأتي لهم من صناعة شركات الغزل والنسيج في المحلة خصيصا , وهم لن يتخلوا عن بدلهم ولن نترك المكان حتي لو متنا بداخله . وأضاف محمد فهيم عامل في المصنع : منذ 40 عاما والمشكلة هي نقص العمالة , فكل العمال الذين لم يختاروا المعاش المبكر هم من كبار السن , وخلال الثلاث سنوات القادمة سوف يخرج 684 عاملا للمعاش ولا يتم تعيين عمالة جديدة لتعويضهم , وبهذه الطريقة خلال 3 سنوات لن يوجد عمال في المصنع , وسوف ينجحون فيما أراده النظام السابق وهو اغلاق مصنع الحديد والصلب نهائيا , فمبارك كان يكره جمال عبدالناصر بسبب حب العمال له وكان يريد أن يحطم أي شيء به رائحة لجمال عبدالناصر , وهذا المصنع وغيره من المصانع تشتم فيه رائحة عبدالناصر من البوابة , ويكفي أنه حتي الآن يعيش 4 من المهندسين الروس في مدينة الحديد والصلب في مساكن معروفة باسم مساكن الروس ومهمتهم هي متابعة الماكينات لأنها صناعة روسية واذا حدث بها أي عطل يتولون مسئولية اصلاحها , وكانت هناك 120 أسرة روسية تعيش في مساكن الروس إلي أن قرر الرئيس الراحل السادات طردهم حفاظا علي علاقته بأمريكا , ولكن استمر 4 مهندسين فقط لصيانة الماكينات وحتي الآن يعيشون في هذه المنطقة المعروفة باسمهم . ومن نكسة عمال المصنع قبل ثورة 25 يناير بسبب الخصخصة إلي نكسة المصنع بعد الثورة بسبب الانفلات الأمني الذي تعيشه المدينة , حيث أوضح لنا اللواء محمد تمام رئيس قطاع الأمن بالمصنع أن أكبر مشكلة تعانيها الشركة الآن هي حالة التعدي علي المواد الخام في المصنع , فبالرغم من وجود وحدة عسكرية الا أن المواد الخام مثل النيكل والحديد الخردة والخبث والألومنيا وغيرها من المواد التي تشتق من الحديد يقومون بتعبئتها في لودرات يوميا ولا يستطيع أمن الشركة التصدي لهم لأنهم مسلحون , وهناك هجمات يوميا علي نفس المنطقة لسرقة المواد الخام من جانب العرب والبدو من منطقة أبو ساعد , اضافة الي حالات التعدي الجماعية علي أراضي الشركة والتي وصلت الي وضع اليد علي 4 ملايين متر مربع من ممتلكات الشركة , ولا توجد أي جهة أمنية تساعد المصنع علي استعادة ممتلكاته رغم أنها في النهاية ممتلكات الدولة .