منذ نعومة أظفارها أحبت الرسم وسحر الألوان وأكدت بمرور الوقت أن الفن بالنسبة لها رسالة وشغف لا تستطيع إسكاته، ولهذا فضلت دخول كلية الفنون الجميلة وحصلت علي البكالوريوس وتلاه درجتا الماجستير والدكتوراه بامتياز في التصوير الجداري وتقنياته وترميمه، وكان لشخصيتها المرحة وطموحها السبب في أنها أصبحت صاحبة منهج خاص في التصوير الجداري وأعمال الموزاييك والزجاج المعشق، ساهمت من خلاله في تجميل وتزيين جداريات أماكن عامة كثيرة في مصر واستفادت من أصولها وتراثها وثقافتها في تنمية حسها الفني التشكيلي، ما ساعدها كثيرا في رحلة الترقيات التي شهدتها خلال رحلة عملها بكليات التربية النوعية بأشمون ثم الفنون الجميلة بالمنيا وبعد توليها منصب وكيلة كلية الفنون جامعة القاهرة لخدمة المجتمع لست سنوات تولت بعدها منصب العمادة، وحصلت من خلال تركيزها علي قضايا المجتمع في لوحاتها علي فرص متميزة لإقامة الكثير من معارضها الإبداعية الدولية داخل وخارج مصر بالإضافة لنجاحها في إقامة متحف الكلية الذي ضم روائع أعمال كبار أساتذة ومبدعي الفنون الجميلة.. إنها عميدة كلية الفنون الجميلة الدكتورة صفية القباني، التي تربعت علي عرش العمادة بعد 107 سنوات من حكم الرجال. الموهبة الإبداعية خصوصا الفنية والثقافية لا تأتي صدفة، بل ترتبط في الغالب بشخص يمتلك صفات إيجابية كثيرة وإمكانات متميزة تتيح له الإبحار في طريق النجاحات.. هذا هو ما أشارت إليه الدكتورة صفية مؤكدة أن الفضل في كل خطوات نجاحها وتفوقها يرجع لوالدتها وهي واحدة من ضمن الهوانم التي تتميز بجمالها وأناقتها في مدينة الإسكندرية، ووالدها رجل الأعمال الكبير الذي كان عاشقا للأدب والفن، وأشارت إلي أن علاقتها بالرسم بدأت من رحاب حصة الرسم بالمدرسة وهي متعة هوايتها التي تحولت إلي أعمال فنية واعدة كانت تعبر عنها ببراعة هي من شدت نظر الكثيرين في محيطها المدرسي والعائلي لموهبتها ودفعهم لأن يطلقوا العنان لخيالها لترسم كل ما يقابلها في الحياة والطبيعة بروح إبداعية، ونظرا لأن أمنيتها كانت دخول كلية الفنون الجميلة فهذا دفعها لتغيير ترشيحها لكلية التجارة الخارجية وتعديل رغبتها بدخول بستان حبها في كلية الفنون الجميلة جامعة القاهرة قسم التصوير، وأكدت الدكتورة صفية أن الدراسة الأكاديمية أتاحت لها الشعور بأنها تعيش في خضم إبداعها بجانب الفوز بالجديد في اختيار الأفكار ورسم اللوحات وإبلاغ صوت ريشة رسوماتها للآخر داخل حدود الوطن وخارجه بعدما صُقلت يوما بعد يوم خبرتها علي يد أساتذتها من الفنانين العظماء أمثال حامد ندا، زكريا الزيني، أحمد نبيل، وعظماء قسم التصوير الذين تكن لهم كل احترام. وتشير إلي أن الدراسة صقلت موهبتها ومنحتها الكثير من العلم والمعرفة والثقافة وقراءة مفردات كل الأعمال الفنية ولهذا انطلقت بعد تخرجها وخروجها للحياة حيث عملت لفترة ثلاث سنوات في كلية التربية النوعية بأشمون ووقتها أطلق عليها الدكتور أحمد المتنبي عميد كلية التربية النوعية وأستاذ بالرسوم المتحركة، والدكتور عبدالهادي الوشاحي الذي دفعها للتدريس هناك لقب د.صفية "ضابط فايتر" لذهابها وعودتها يوميا من القاهرة لأشمون لعملها بدون توقف. رحلة فنية جديدة خاضتها د.صفية عندما تم قبولها بكلية الفنون الجميلة جامعة المنيا بناء علي إعلان تم نزوله بالجرائد.. ووقتها لفتت النظر لموهبتها واختارتها لجنة الامتحان برئاسة "د.مأمون الشيخ" الفنان والنحات الكبير الذي أكدت د.صفية أنه كان له عليها أيادٍ بيضاء تعلمت منها وحصدت ثمار إبداع مختلفة في مسيرتها الفنية خاصة أنها تم تعيينها في أول دفعة تخرجت في الكلية بالمنيا عام 1993 ونتيجة تفوقها حصلت علي درجة الماجستير بعدها بشهرين من كلية الفنون الجميلة بالقاهرة وبعدها حصلت علي درجة الدكتوراه بامتياز من نفس الكلية برسالة "التصوير الجداري" وتقنياته الحديثة وترميمه عام 1996 وبعدها بعام انتقلت للكلية بالقاهرة في منصب مدرس بقسم التصوير ويذكر أنها كانت أول حالة في النساء تعمل بالكلية وخلالها قدمت أعمالا فنية كثيرة تحمل روح الفخامة في التصوير الجداري "أعمال الموزاييك" ساهمت بها في تجميل أماكن عديدة منها نادي النقل للقوات المسلحة بشبرا، ونادي الشرطة بالجزيرة والنادي النهري بوزارة الخارجية مستشفي سيدي كرير العسكري، سور جامعة حلوان، وتنوعت الأعمال الجدارية مابين الموزاييك والزجاج المعشق، فضلا عن العديد من المعارض الخاصة والأخري الفنية والتي تخطي عددها 60 معرضا حازت فيها علي شهادات تقدير وأوسمة عطاء وضعتها علي جبين المحروسة،ونتيجة لهذا التألق تمت ترقيتها لدرجة أستاذ مساعد بالكلية،وظلت تعطي خلاصة خبرتها الفنية لطلبة السنة الثالثة والرابعة وانطلقت لمرحلة أخري تطرح فيها تفسيرات فلسفية وجمالية للتصوير الجداري والتصميم والتنفيذ والإبداع في ساحة شوارع الحسين والمعز لدين الله الفاطمي.. وتباعا فالتألق يأتي بتألق جديد دفعها لإقامة أكثر من خمسة عشر معرضا وأبحاث منشورة عن التصوير الجداري في بلدان كثيرة علي رأسها إيطاليا واضطرت للإفراج عن روعتها وقدمتها في جدران محطات مترو الأنفاق وأماكن أخري كثيرة وكانت الأبحاث حول أثر العولمة علي التصوير الجداري والزجاج المعشق ويذكر أن هذا الأمر حصلت من خلاله علي درجة أستاذ ثم درجة وكيل الكلية لخدمة المجتمع لفترة ست سنوات بجانب قيامها بمنصب أعمال العميد لفترة ستة شهور.. وشهد لها بكفاءتها في حصول الكلية علي الانتماء الأكاديمي من هيئة ضمان الجودة. * ما حقيقة عملك لمتحف الكلية؟ نجحت في تحويل "فيلا مني عبود" بالجهود مع إدارة الجامعة والإدارة الهندسية لمتحف تحت إشراف د.محمد إلهامي أستاذ العمارة وجمعنا المقتنيات المتميزة للدكتور صلاح عبدالكريم وزودناها بتبرعات أعمال الأساتذة الفنانين وقام بتجهيزه وفرشه وطرق عرضه معي خريجو الكلية الذين أصبحوا فيما بعد رجال أعمال وتم افتتاح المتحف في عيد الكلية رقم 108 يوم 22 مايو 2016 والمتحف يضم روائع أخري لجميع أعمال رواد الفنون الجميلة منذ عام 1908 وحتي اليوم.. ويوجد في المتحف نسخة كتاب وصف مصر "الأصلية" والمعروف أن كل فناني العالم ومثقفيه تم دعوتهم لحضور الافتتاح الكبير، وأوضحت الدكتورة صفية أنها تشارك سنويا في معارض جمعية "أميكا" وهي جمعية فناني الموزاييك في العالم ومكانه في فينسيا بإيطاليا. وتعيش الدكتورة صفية حياة وردية جميلة مع زوجها الدكتور ممدوح مهدي أستاذ أمراض الباطنة بطب عين شمس والذي يشغل الآن منصب عميد كلية طب حلوان، وأكدت أنه عاشق للفن وتدين له بكل الفضل في مشوارها الحياتي والعملي ولا تنسي أنه يعتبر الجدارية التي صنعتها له بيديها في مكتبه تميمة الحظ والنجاح في حياته، كما أنها تستنشق رحيق الحب مع أولادها د.ريهام الصيدلانية التي تخرجت في الجامعة الألمانية وتستكمل دراستها في كندا وابنها مصطفي الذي يدرس العلوم في جامعة "يورك" بكندا، كما أنها تعشق الموضات البسيطة ولكن الأنيقة والشيك، وهي أيضا لاتدخل المطبخ إلا وقت شهر رمضان لكونها تتحدي أي شيف علي المائدة الرمضانية بخلاف أنها تعشق السفر لكندا وكل بلاد العالم والنمسا وأمريكا واليابان التي ذهبت إليها ممثلة عن قارة إفريقيا في السمبوزيوم للفنون بمناسبة مرور 130 عاما علي إنشاء جامعة طوكيو للفنون.. ونظرا لأنها قارئة جيدة وتعشق شعر نزار قباني وأحمد فؤاد نجم والأبنودي وأمل دنقل وأدب نجيب محفوظ وإحسان وأنيس منصور فهي تختتم حديثها بإيمانها بالحكمة القائلة "اتق شر من أحسنت إليه".