تابعت مثل كثيرين، ذلك الجدل حول قضية الفيديو الفاضح المنسوب لأحد المخرجين المعروفين، والحقيقة أن تلك القضية المثيرة للاشمئزاز لو بقيت في إطارها الشخصي، لما استحقت عناء التعليق والكتابة، لكن ما يهمني أن أناقشه هنا هو ذلك الجدل والتبرير المثير للدهشة، ومحاولة تمرير تلك الممارسات غير الأخلاقية باعتبارها »حرية شخصية»، أو من خلال »تسييس» القضية بحثا عن »مَخرج» ل»المُخرج المشبوه»! ولهذه القضية عدة وجوه تستدعي التوقف، فأخلاق المجتمعات لا يمكن اختزالها في فكرة الحرية الشخصية، لا سيما إذا تعلق الأمر بشخصيات معروفة، أما الجانب الأخطر - من وجهة نظري- فهي تلك الحالة من السلبية وعدم الإنكار التي استقبل بها كثيرون ذلك الفعل وغيره من الأفعال غير الأخلاقية التي نراها ونتابعها في حياتنا اليومية، وهذا في حد ذاته مؤشر خطر، فتقبل المجتمع يبدأ باعتياد الأمور، فتصبح غير مستهجنة اجتماعيا، ثم تتحول بفعل الزمن إلي نمط مقبول، وبالتالي تنتشر وتستشري. وانظروا إلي كثير من الأمور التي تجري حولنا، وتجعل كثيرين يتأسفون علي انحدار الأخلاقيات العامة وتدهورها، فأفعال مثل الرشوة، الكذب وازدواجية المواقف، انتشار الألفاظ البذيئة، التحرش، الصداقة غير البريئة بين الشباب والفتيات لم تعد تثير ذلك القدر من الرفض الاجتماعي الذي كانت تثيره من قبل، وبالتالي لم يعد مرتكبها يواجه حرجا في ارتكابها، فصارت تمارس علنا ودون رادع. وقد يحاول البعض الاصطياد في الماء العكر، ويدفع بالقول إن غياب بعض التيارات المتأسلمة عن الساحة كان ضمن أسباب ذلك الانحدار الأخلاقي، والحقيقة أن ذلك من قبيل التزييف والتضليل، فقد ساهمت تلك التيارات - بقصد أو بدون قصد - في انتشار مظاهر التحلل والانحدار الأخلاقي، عندما أشاعت ثقافة النفاق الاجتماعي والازدواجية الأخلاقية، فلم يعد عيبا أن تمارس فعلا خاطئا، لكن العيب أن تضبط بممارسته، ولعل الكثير من القضايا غير الأخلاقية المنسوبة لرموز ذلك التيار أكثر مما تحصي أو تعد، سواء علي المستوي المحلي، أو حتي الدولي (قضية طارق رمضان مثالا). ومخاطر الانحدار الأخلاقي لا تقتصر علي الأمور الشخصية، لكنها تمثل خطرا حقيقيا علي تماسك الجتمع، فضلا عن انهيار النموذج والقدوة، وبالتالي تخرّج أجيالا لم تترب علي قيم أساسية لبناء أي مجتمع قوي، وليس لديها نماذج محترمة اخلاقيا أو مهنيا أو علميا أو سلوكيا تقتدي بها في حياتها، فتصبح تلك الأجيال عرضة للضياع، وتربة خصبة لمن يتلاعب بعقولها ووجدانها، وهذه النماذج غالبا ما ينتهي بها الحال إما إلي التطرف أو إلي الانحلال، وكلاهما خطر داهم. عدالة تطبيق القانون وصرامته قد تكون من الحلول، لكن الأخلاق تتطلب معالجة أكثر شمولا. إننا بحاجة إلي ثورة اجتماعية علي تلك الأنماط السلبية وعلي التدني الأخلاقي، ثورة حقيقية تبدأ من البيت والمدرسة ومؤسسات التنشئة الاجتماعية، وصولا إلي الإعلام والدراما التي صارت - للأسف الشديد- جزءا من المشكلة وليس الحل!!