فهم البعض التقدم بطريقة خاطئة وصار كل جديد بالنسبة لهم »تقدما» كما أصبح استخدام عبارة »الدنيا اتغيرت» و»نحن في عصر السرعة» في صدارة الأحاديث المتبادلة بين الناس وهم لا يدرون إن كان تقدما إلي الأمام أو عودة إلي الوراء بعد أن طغت الأمزجة واختفت العقول ومع اختلاف وجهات النظر مما يحدث وعلي غرار التقسيم في كل شيء حتي في النوع الواحد من السلعة رأي البعض أن الدنيا كلها تغيرت ورأي البعض الآخر أن جزءا منها تغير أما المحايدون فرأوا أن الدنيا كما هي لم تتغير وبين كل هذه الآراء يبرز التقدم المذهل إلي الخلف في قاموس الألفاظ والشتيمة وقلة القيمة التي تتعرض لها الأمهات والآباء ويتعرض لها أيضا كل من يعمل بسخاء ومشي في طريق البناء فقد نالته هذه الألفاظ التي تخترق الآذان يوميا حتي أن مطلقها يعتبرها من علامات القوة التي تشعره بالزهو والافتخار والإحساس أنه تغلب علي منافسه في عدد الشتائم التي يصاحبها تلويث الجو العام. هذه النوعية رأت أن هناك تطورا حدث في الشتيمة ولابد من استخدامه كاستخدامهم لكل شيء دخيل كتقطيع البنطلون ورقصة الكيك وعرعورة الديك. ورغم أننا في الماضي لم نكن نتمتع بتلك الوسائل الحديثة في الاتصالات والطاقة والمواصلات والبناء والتعمير إلا أننا أطلقنا علي هذا الزمن »الجميل» لأننا لم نكن نري هذه النوعية من البشر التي تطلق للسانها العنان وتتخيل أن من بعدها الطوفان؛ ولم نكن نركب الطائرة ولكن كانت وسيلتنا الحمار الذي كان يطلق العنان لساقيه وكان يفهم أن لسانه للتنبيه وليس بالسفالة والزعيق. لم نكن نتلقي التهاني والأخبار عن طريق الفيس والواتس وتويتر ولا حتي صورة علي الإنستجرام ولكن كل همنا انتظار تلغراف من أهلنا في القاهرة يحمل عبارة »نحن بخير اطمئنوا» أو »انتظرونا في قطار المساء» كل هذا ونحن سعداء فليس بيننا هذه الطبقة الرعناء. أما منبع طاقتنا فكان في لمبة الجاز والوابور أبو كوشة الذي كانت تزداد طاقته في تسليك الفونية أما البناء والتعمير فتجلي في البيت القديم الذي ازدادت سعادتنا فيه فقد أناب عن المروحة والتكييف والمدفأة. مصر لا تنهض بالشتامين والشامتين، مصر ستحيا دائما بأبنائها المخلصين الذين وهبوا أنفسهم لبنائها وجعلوا قوتها وتقدمها ورفعتها في المقدمة لتعيش مرفوعة الهامة قوية البنيان.