كابوس الصباح

استيقظ جريجور سامسا مفزوعًا، صارخًا:
• لاااااا
أفاقت زوجته إيرين علي صوته خائفة، نظرت إليه، رأت الذعر في عينيه، أنفاسه متلاحقة، يقلب نظره باستغراب في غرفة نومه الفاخرة، وشرفتها التي تطل علي البحر.
أمسكت بكوب الماء الموجود فوق الكومودينو، قدمته إليه، تحسست صدره بحركة دائرية هادئة، شرب، غص الماء بحلقه، سعل ثم هدأ قليلاً، أعادت الكوب مكانه، تأملته، بإمكانها أن تسأله الآن:
• ماذا أصابك يا جريجور؟
•رأيت حلمًا مفزعًا، بل عشت كابوسًا متوحشًا، كابوس يخيفني كل صباح يا إيرين.
اقترب منها بجسده النحيل، أمالت رأسه إلي صدرها العاري، ضمته بحنان:
• لا تقلق، كل شيء بخير.
تأمل جسده، تحسس وجهه ولحيته بكفيه، مد ذراعيه إلي الأمام، ثني ساقيه وفردهما، فتح فمه:
• أنا إنسان طبيعي؟
• بالطبع يا حبيبي، أنت أجمل رجل في العالم.
• صوتي يبدو طبيعيًا؟
• بنبرته المحببة لي يا جريجور.
• كان صوتي في الكابوس مثل الزقزقة الصارخة المخيفة.
تسمعه بإنصات، أصابعها تلاعب شعره الناعم، يدها الأخري ترفع شعرها عن وجهه، سكت.
• وماذا رأيت أيضًا في الكابوس؟
• كنت حشرة هائلة الحجم، أشعر كأن أحدهم يرغب في تحويلي إلي خنفساء، كل يوم يؤلمني ظهري، جسدي كله يتخشب، عاجزًا عن الحركة، لم تكوني معي في ذلك العذاب المستمر.
نهض من الفراش، مشي بهدوء، تمطي، أثني ظهره، فرده، رفع ذراعيه، وقفت إيرين قبالته، عانقته.
• هل سينجح في تحويلي؟
• حبيبي أنه مجرد كابوس، لا تنزعج، لو كنت معك فيه؟
• لصار حلمًا جميلاً، جريتا أختي كانت معي وأبي وأمي.
• أممممممممم.
واتجهت نحو التسريحة.
• هل ما فعلته معهم له علاقة بكوابيسي المتكررة يا إيرين؟ أم ظلمًا أوقعته علي آخرين؟ أم هروبنا من زوجكِ السابق؟
جلست علي الكرسي، مشطت شعرها الأشقر، حدثت انعكاس صورته في المرآة.
• حبيبي يكفي الحديث عن هذا الموضوع، حقك وأخذته، كابوس عادي يحدث كثيرًا، لا تعطِ الأشياء أكبر من حجمها.
• سأزورهم اليوم، أمنحهم بعض المال.
حركت يدها كأنها لا تبالي باقتراحه الأخير.
فكر جريجور في إهمالهم له في الكابوس، حين كان حشرة في غرفة مضطربة بلا عون، هل يستحقون إهماله؟ إنهم أسرته، المال الذي استحوذ عليه، ملكهم جميعًا، هو من اهتم بالحصول علي ميراث عمه، لكن ذلك لا يعطيه حق التصرف فيه كله، وتركهم في حالة فقر، الكثير من التجاوزات قد أفترقها، لكن من ذلك الذي يريد أن يمسخه؟ أي قدرة يمتلكها حتي يسيطر علي أحلامه ويقظته أحيانًا؟!
بدت زوجته شهية بعد تبديل ثيابها، تصفيف شعرها، ملامحها الوديعة، جسدها الناعم الذي يعشق ملامسته، يلفها رائحة عطره المفضل، نفض كل أفكاره، احتضنها بشوق، معتذرًا عن إيقاظها علي ذلك النحو المفزغ.
جريجور سامسا بطل قصة التحول للكاتب/ فرانتس كافكا
ترجمة/ مبارك وساط
إصدار منشورات الجمل