الفنان سمير فؤاد في فترة شبابه الأولى ربما تختلف تجربة الفنان سمير فؤاد عن كثير من الفنانين إذ إنه درس الهندسة وظل يمارس الفن هاويا فترة قبل أن يتفرغ له فارضا حضورا طاغيا علي الساحة التشكيلية، وللفنان سمير فؤاد حكايات طريفة مع مدرس الرسم يبدؤها من عام 1952 قائلا : كان هذا في 1952...عام الأحداث الجسام...حريق القاهرة وثورة يوليو... في السنة الأولي بمدرسة الخلفاء بمصر الجديدة... وأول أستاذ للرسم أذكره كان الفنان أبو العينين.. كان شخصية جذابة له صوت عميق وعينان خضراوان تشعان طيبة وذكاءً.. كان حكاءً ماهرا يقص علينا قصصا كل ما أذكره منها هي تلك الرسوم المصاحبة للقصة والتي كان يخطها علي السبورة بالطباشير الملون... فقد استهوتني الرسوم أكثر من القصة.. غادرنا أبو العينين سريعا ربما لأن الصحافة أخذته من مهنة التدريس. في الصفوف الابتدائية تعاقب علينا عدد لا أذكره من مدرسي الرسم وفي السنة الأولي من المرحلة الإعدادية جاءنا الأستاذ الحفناوي وهو الذي استمر معنا حتي تركنا المدرسة إلي مصر الجديدة الثانوية. كان الأستاذ الحفناوي في الخمسينات من عمره.. شخصية في غاية الطيبة.. لا أذكره يوما يرسم أو يخطط وكان أسلوب تدريسه يقتصر علي تحديد الموضوع الذي نرسمه وربما بعض التصورات عن العناصر التي ينبغي أن تحتويها اللوحة.. ثم يمر علينا مبديا بعض الملاحظات هنا وهناك.. ولأن موهبتي في الرسم والتلوين بالألوان المائية بدأت تتضح في ذلك الوقت.. فقد تركني الأستاذ الحفناوي أرسم ما أشاء وكانت مهمته تكاد تنحصر في إمدادي بالأدوات والألوان وكلمات التشجيع والاستحسان وربما إبداء ملاحظة كل حين تأكيدا علي مكانته كأستاذ لاأكثر ولا أقل. نظرا لطيبة أستاذنا الحفناوي الزائدة ولأن حصة الرسم كانت في العادة تتسم بمستوي من الانضباط أقل من المواد الأخري والذي كان في بعض الأحيان يصل إلي حالات من الهرج والمرج الخارج عن المألوف... فقد دفع هذا أستاذنا العزيز إلي التسلح بعصا طويلة يقرع بها كل تلميذ يخرج عن حدود النظام... ومثل شارلي شابلن في فيلم العصر الحديث تحول هذا إلي متلازمة مرضية فكان يدور في الفصل يهوي بها علي التلاميذ توبيخا أو استحسانا فتطول العصا الجميع بدون تفرقة. في المرحلة الثانوية كان أول احتكاك لي بفنان محترف وليس مجرد مدرس رسم.. هو إبراهيم يوسف يهودي مصري من خريجي الفنون الجميلة.. وكانت ملامحه وأسلوبه في الحديث وحركات يديه وهو يعبر عما يقوله هي النموذج النمطي للفنان.. وكانت له مقولة يكررها »ارسم بخطوط واضحة وصريحة».. ومثل سابقيه عندما عرف مستواي في الرسم تركني لحالي وكانت ملاحظاته عن أعمالي شحيحة.. كان أسلوبه في التدريس تقدميا فكان يعطي الطلبة تدريبات في تراكيب مساحات الأبيض والأسود وكيفية إيجاد علاقات إيقاعية أو عمل تركيبات بالقماش والورق بأسلوب الكولاج ثم إضافة ألوان لخلق بؤر اهتمام.. لم أع ما كان يفعله في وقتها وفهمت مرامه بعدها بسنوات وتعجبت لماذا لم يشركني في هذه التدريبات التي كانت ستكون مفيدة لي أكثر من غيري... وما أثار عجبي أكثر إنني علمت من أصدقائي بعد سنوات عديدة أنه كان يقول عني في غيبتي أنني رسام ماهر فقط . قبل أن نترك المدرسة إلي الجامعة كانت هجرة اليهود قد وصلت إلي ذروتها وقرر إبراهيم يوسف الهجرة وعلمت بعد ذلك أنه ذهب إلي إسرائيل لفترة ولم يعجبه الحال فهاجر إلي أمريكا... قبل أن يغادرنا أسر إلي أنه لديه مجموعة من كتب الفن يريد أن يعرضها علي إذا كنت أرغب في اقتناء بعض منها.. وكان أن زرته في منزله الذي اكتشفت أنه كان في نفس منطقة سكني...عرض عليَّ لوحاته وكان أسلوبه تأثيرياً مقارباً لأسلوب صبري راغب في شبابه وإن كانت ألوانه تميل إلي الأزرقات وليست بحيوية ألوان صبري راغب.. عرض عليَّ ثلاثة كتب وألمح أنه اختارها لي لأنها ستفيدني...رمبراندت.. فيلاسكيز.. وماري كاسات. اخترت الأول والثاني وهما من طبعات مؤسسة فايدون الشهيرة في ذلك الوقت وطلب مني ثمنا رأيته زهيدا وعندما أخذت الكتابين لأغادر شد علي يدي بحرارة مشوبة بالحزن.. وما زال الكتابان في حوزتي في المرسم حتي الآن وتعلمت منهما الكثير خلال رحلتي مع الفن.