في حوار أخير له، أجرته الزميلة عائشة المراغي ونشرته أخبار الأدب، وصف الأديب المبدع مصطفي نصر، الروائيين والقصاصين بقوله: نحن نتنتفس نجيب محفوظ دون أن ندري، وهي العبارة التي جعلتني أتأمل أركان مكتبة نصر في بيته بالإسكندرية، إذ تحتل مكانة القلب من شقته، وتزخر بالكثير من المؤلفات والدوريات، وفي حجرة مكتبه، مساحة صغير تتيح له أن يجلس أمام الكمبيوتر، وبمجرد أن سألته: هل يوجد لديك إهداءات بخط محفوظ أو مراسلات؟ صمت للحظات كانت كفيلة بأن أتجول بعيني في هذه المكتبة، لأري مجموعة كبيرة من مؤلفات محفوظ، وبعضها لعمل واحد في طبعات مختلفة، وقطع نصر هذا التجول بقوله: لا يوجد لدي شيئ بخط محفوظ. واعترف بأنه لم يكن من دائمي التردد علي مجالسه في الإسكندرية، وإن كان التقي به أكثر من مرة، وأبدي نصر حماسا للحديث عن صاحب نوبل، باعتباره الملهم له ولغيره، ويبدو من كلامه إطلاعه العميق علي أعمال محفوظ، بل تحليله للشخصيات، التي يري أن منها ما هو حقيقي، ويعرف هو شخصيا قصصهم الواقعية، لكن محفوظ أجاد ببراعة في رسم معالم شخصياته ليلبسها ثوب الأدب والخيال. وصمت مصطي نصر ليضيف ضاحكا: إن نجيب محفوظ بمستوي ما يقدمه، صعّب المسألة علي الأجيال الإبداعية، فقد وصل إلي مكانة كبيرة، وما جعل المسألة أكثر صعوبة أن صاحب الثلاثية مثله مثل الموسيقار العظيم محمد عبد الوهاب، كلاهما عاشا في جيلهما، وأجيال أخري عديدة بعد ذلك. لكنني فاجأته بأنه رغم عدم امتلاكه شيئا بخط يد محفوظ ، إلا أن الأخير احتفظ في مكتبته بروايته »الهماميل»، فكيف وصلت إليه، يعود نصر بذاكرته إلي سنوات كثيرة مضت، وتحديدا في 1988 عندما قابل محفوظ صدفة في القاهرة لا الإسكندرية وأعطاه هذه الرواية، هذا اللقاء العابر جعل رواية نصر جزءا من مكتبة محفوظ، ليظل محتفظا بها حتي وفاته، بل إنه أشاد بها في برنامج إذاعي، وعن تفاصيل اللقاء يقول نصر: كنت أسير بجوار مؤسسة الأهرام ومعي الصديق محمود قاسم، وقد تسلمت ما يخصني من نسخ رواية »الهماميل» بعد طبعها في روايات الهلال، ورأينا نجيب محفوظ يسير وحيدا، ذاهبا إلي الطريق العمومي لينتظر تاكسيا، صافحناه، وقلت لمحمود قاسم: هل أعطيه نسخة من الرواية؟ رد بالإيجاب. تذكرت وأنا أخرج النسخة من الحقيبة وأكتب الإهداء أن صديقي الراحل سعيد بكر، أرسل له روايته، فاعتذر له برسالة عن عدم تمكنه من قراءتها، لأنه منذ أن أصيب بالسكر، لا يقرأ إلا الأعمال التي يحتاجها في كتابة أعماله. وقلت هذا للأديب جمال الغيطاني، فاقترح أن يجري لقاء بيننا، المهم أعطيته الرواية، وعندما قرأ اسمي قال لي: أنت مصطفي نصر؟ وكنت أعلم أن اسمي ذكر أمامه في جلساته بالإسكندرية، وظننته لن يقرأ الرواية. بعدها بقليل حصل علي جائزة نوبل، واهتم العالم كله به، وفي هذه الأثناء فوجئت به يتحدث عن روايتي »الهماميل» في برنامج إذاعي اسمه »سمار الليالي» وأبدي إعجابه بالرواية وبالطريقة التي كتبت بها، واليوم أفاجأ منك أنها أصبحت في المكتبة المحفوظية.