حصل الروائي السكندري مصطفى نصر على منحة تفرغ من وزارة الثقافة المصرية لمدة أربع سنوات (2002 – 2005). أنجز خلالها روايته الضخمة "يهود الإسكندرية" التي طبعت مؤخرا، ورشحت لجائزة البوكر للرواية العربية 2017. إنه كاتب يهتم بكل ما هو سكندري – وأمله أن يستكمل مشروعه بأن يكتب عن أهم ظواهر الإسكندرية – وأهم شخصياتها، فقد كتب عن سفاحي الإسكندرية وعن أعلامها الراحلين – وعن موسيقيين ومغنيين ومؤلفي أغاني عاشوا في الإسكندرية، وعن ممثلين من أصول سكندرية. ويتمنى أن يجد أماكن نشر لكي يكتب عن كتّاب الدراما والمخرجين والممثلين والمذيعين في إذاعة الإسكندرية. ويرى نصر أن يهود الإسكندرية أثروا في الشعب السكندري – وبعضهم أحب الإسكندرية وكان ولاؤه لها قبل أن يكون لليهودية. وقد ذكر هذا في روايته "اسكندرية 67". حيث صور صاحب سينما في حي بحري يعشق مصر – ورفض أن يسافر لإسرائيل – وكانوا في انتخابات النوادي الخاصة باليهود (نادي المكابي، والنادي الإسرائيلي، ونادي قطاوي باشا) يصل الخلاف بين مؤيدي مصر ومؤيدي الصهيونية للشجار والضرب. معظم أصحاب محلات الأزياء في الإسكندرية كانوا يهودا: شيكوريل وهانو وداود عدس وبنزيون (بني صهيون) وغيرهم – ومعظم أصحاب البنوك في مصر كلها كانوا يهودا. وهو مقتنع أن الجاليات الأجنبية هي التي أعطت للشعب السكندري، مذاقه الخاص في تناول الأطعمة والحديث وحبه للفن. واليهود جزء لا يتجزأ من الشعب السكندري. فكان لا بد أن يكتب عنهم. تعد "يهود الإسكندرية" من أكبر روايات مصطفى نصر حجما (551 صفحة)، وتحمل فكرة رواية الأجيال، وهو يرى أننا عشقنا روايات ديستويفسكي وتولستوى وأبناء وعشاق لدافيد هربرت لورانس وغيرها من الروايات الطويلة جدا - لكن في عصرنا هذا، يفضل أن تكون الرواية أقل حجما – لكنه قرر أن يتناول يهود الإسكندرية في: 1 – بداية تكاثرهم وزيادة عددهم وقت حكم الوالي سعيد 2 – وقت الحرب العالمية الثانية ووصول الألمان لقرب الإسكندرية، وخوف اليهود على مصيرهم. 3 – بعد اتفاقية السلام بين مصر وإسرائيل في عصر السادات. على أساس إن كل جزء سيكون في كتاب مستقل – لكن الضرورة الفنية استوجبت أن يضع الأحداث كلها في كتاب واحد. لدى مصطفى نصر مكتبة عامرة بكتب التاريخ، وكانت من ضمن الأسباب التي دفعته للحصول على منحة التفرغ لكتابة رواية "يهود الإسكندرية"، وأن يجد المال الكافي لشراء الكتب والمراجع للموضوع. لقد رأينا في السنوات الأخيرة أعمالا أخرى عن اليهود مثل مسلسل "حارة اليهود" 2015 بطولة منة شلبي وإياد نصار وريهام عبد الغفور، ورواية "اليهودي الأخير" لعبدالجبار ناصر (الدار المصرية اللبنانية 2015 وهي الأخت الكبرى لدار الكتاب العربي التي أصدرت رواية "يهود الإسكندرية") ورواية "آخر يهود الإسكندرية" لمعتز فتيحة، ورواية "اليهودي الحالي" لليمني علي المقري (دار الساقي بيروت 2015). ويوضح مصطفى نصر أنه كتب روايته خلال الفترة من 2003 حتى 2005 – وقرأها الشاعر الكبير أحمد محمود مبارك – الذي يقرأ أعماله قبل طبعها، وكان غاضبا لأنه لا يسعى لطبعها مع روايات أخرى قرأها له. وفي انتخابات اتحاد الكتاب الأخيرة، قال له: أخذوا روايتك وعملوها مسلسل تليفزيوني، فصدم مصطفى نصر وقلق – وما أن عاد للبيت حتى بحث عن موضوع "مسلسل حارة اليهود" الذي يكتبون عنه كثيرا، فوجده بعيدا تماما عن موضوع روايته. ومن يقرأ رواية "يهود الإسكندرية" سيجد أن الرئيس أنور السادت ظهر فيها مرتين، وعن هذا الظهور يقول مصطفى نصر: من أهم دوافعي لكتابة يهود الإسكندرية، إنني عشت في منطقة الطابية منذ عام 1974 وحتى عام 2000. حيث كنت موظفا بشركة الورق هناك. وكان الكثير من العاملين بالشركة يعيشون في العزب التي ذكرتها في الرواية، ومنهم سيدة عملت معي، تربت في المنطقة، فزعمت أن السادات وقت تخفيه عن الشرطة بعد حادث قتل أمين عثمان، اختبأ هناك. وحددت لي الأسرة التي آوته وأخفته، وكان أحد السعاة يأتي كل يوم من إدارة المخازن، ليسلمنا الأوراق، فقالت لي هذه السيدة: إنه جدته هي التي أخفت السادات في بيتها. لكن موضوع الانفجار الذي حدث في ورش البمب والصواريخ لم يحدث في منطقة الطابية، لكنه حدث في حارة اليهود بالقاهرة. أما عن زيارة السادات للمنطقة بعد أن صار رئيسا، فالخيال الشعبي يزعم إنه جاء للمنطقة ورد الجميل للأسرة التي أوته وأخفته عن الشرطة التي تبحث عنه، هذا ما يحونه هناك. ولعل السؤال الذي يطرح نفسه بعد قراءة "يهود الإسكندرية" لمصطفى نصر: هل استطاعت هذه الرواية خلخلة الصورة النمطية السائدة عن اليهود المصريين مثلما وردت في أفلام وروايات ومسلسلات سابقة؟ ويعلق مصطفى نصر بقوله: قرأ سيناريست مشهور روايتي "اسكندرية 67" فقال لي: لو كتبت سيناريو لها، فسأغير هوية صاحب السينما، سأجعله يونانيا – فالجمهور العربي لا يطيق رؤية يهودي محب للدولة العربية التي يعيش فيها. وعندما تم عرض فيلم "بحب السيما" الذي تعرض لأشياء مسكوت عنها في الديانة المسيحية، تغير موقف الكثير من المسلمين ناحية المسيحيين، فقد أحبوهم أكثر – وغيرت نظرة الكثير ناحيتهم للأحسن. ومن ناحية أخرى قد يتساءل قارئ الرواية: هل الرواية تؤرخ ليهود الإسكندرية، أم تصنع أسطورة فنية؟ ويجيب مصطفى نصر: في كل كتاباتي أعلن بصوت مرتفع إنني لست مؤرخا – حتى عندما أكتب عن شخصيات فنية: سينمائية أو غنائية، أقول يا عالم أنا لست مؤرخا. وسئلت هذا السؤال كثيرا: هل كل ما في الرواية من حقائق حدث فعلا، وأجيب لقد اعتمدت على ثوابت تاريخية لا أملك تغييرها – مثل دور اليهود الإقتصادي في مصر منذ عصر الوالي سعيد – ومرض الوالي سعيد الذي أدى لانبعاث روائح كريهة من جسده يصعب احتمالها – وتواريخ الحرب العالمية الثانية واتفاقية السلام – لكن كل التفاصيل الصغيرة والشخصيات من وحي خيالي وهي تصنع أسطورة فنية. وتعليقا على ترشيح "يهود الإسكندرية" لجائزة الرواية العربية (البوكر) 2017 يقول مصطفى نصر: عانيت كثيرا من تجاهل النقاد الكبار لكتبي – حتى أتعبوني – وأنا لا أسعى لجائزة ولا لشهرة إلا بقدر أن تساعدني هذه الشهرة لكي أنشر قصصي ومقالاتي وكتبي بسهولة – حتى تحويل أعمالي لدراما سينمائية أو تليفزيونية، لا تهمني إلا بقدر أن تزيدني شهرة لكي أنشر أعمالي بسهولة. والترشح لجائزة كبيرة، أرجو أن يؤدي لأن يعرفني كبار النقاد – ويضعوني ضمن قائمتهم. لو حدث هذا فقط، سأكون قد حققت ما أتمناه منذ زمن بعيد. وحول توقعه لتحويل روايته إلى عمل سينمائي قال: موضوع تحويل أعمالي للدراما، لم يعد يشغلني – من كثرة المواقف الصعبة التي عشتها في هذا الخصوص – أكثر من مخرج تحمس لتحويل روايتي "الهماميل" لمسلسل، وسافرت للتلفزيون، وقابلت الأستاذ يوسف عثمان، لكي أزكي مخرجا من المخرجين الذين قدموا الرواية للرقابة – وانتهى الوضع لرفض وزارة الداخلية بسبب: المغالاة في إظهار سلبيات الشرطة، واشترى محمود ياسين روايتي "الجهيني"، ثم اشترتها مدينة الإنتاج الإعلامي، لينتجها التليفزيون ولم يحدث شيء، حتى وصلت لحالة ألا أشغل نفسي إلا بالكتابة. وأسأله: هل تعتقد أن الأبعادية أو الإقطاعية التي منحها الوالي سعيد لحلاق الصحة اليهودي جون، كانت من الممكن أن تكون هي الأرض التي يمكن أن تجمع شتات اليهود في العالم كما كان يحلم عامير (أحد شخصيات الرواية) بذلك؟ ويجيب: لا طبعا، فالصراع بين الخير والشر بين الناس متواجد بصفة خاصة لدى اليهود – وتكوين إسرائيل – لم يتم إلا يسبب خيانات بعض الحكام العرب وقت تكوين إسرائيل – ولم يتم الانتصار إلا لضعف المنطقة العربية، وانحياز القوى الكبرى لاسرائيل. ويرى مصطفى نصر أن الشيء الجديد في يهود الإسكندرية، هو الناشر – فلدي روايات لا تقل جودة عن "يهود الإسكندرية" مثل "جبل ناعسة" و"الهماميل" و"ليالي غربال" و"سينما الدورادو" و"المساليب". كنت أبحث في فروع هيئة الكتاب في كل مدينة أزورها، وأسأل عن نسخة من جبل ناعسة، فلا أجد، فقد بيعت كل النسخ، لو طبعتها لدى ناشر خاص، كان سينشر منها طبعات عديدة. وهذا الكلام ينطبق على كل الروايات التي طبعت في سلاسل تابعة للحكومة. كان من الممكن أن أطبع "يهود الإسكندرية" في المجلس الأعلى للثقافة، فتخيل ما الذي سيحدث – يطبع 1000 نسخة، ولو تم عرضها بطريقة حسنة وبيعت كل النسخ، لن يسأل أحد، بل لن يحسوا بأن النسخ كلها بيعت. الكتابة عند مصطفى نصر هي عمره وحياته ولا يستطيع البعد عنها، إنه يكتب لأنه لا يستطيع الإفلات من الكتابة، وقال: وأنا ميال لكتابة الرواية أكثر من غيرها، فجموعاتي القصصية أقل – ولكن كتابة الرواية تحتاج لوقت طويل – فقبل البدء في الكتابة، تقرأ للرواية، وتجمع معلومات – وبعد الكتابة تعيد وتزيد فيها. وقبل أن أشيخ هكذا – كنت انتهي من كتابة الرواية على الورق، وابدأ في كتابتها على الآلة الكاتبة، كتابة في مكان عملي، وكتابة في البيت – مهما كانت الرواية طويلة لا تأخذ مني سوى يومين – لكنني الآن لا أستطيع هذا، فكتابة الرواية يحتاج لصحة وعافية. التطور في الكتابة الروائية والقصصية لا يأتي إلا بجهد ثقافي عال جدا – وظللت لسنوات طويلة غير قادر على التعبير عن الحي الشعبي الذي أكتب عنه الآن بكثرة. ولا بد من الممارسة الطويلة لتطوير أدوات الكتابة. ومنذ سنوات طوال كنت صديقا لصبيين – مثلي – وعندما وصلت لحالة القدرة على كتابة رواية، فكرت في الكتابة عن علاقتي بهما – على أن يكون لكل منا جزء أو "سفر" مستقل. وكتبت عنهما في ليالي غربال – لكنني فشلت في الكتابة عن نفسي. فبعد الانتهاء من الكتابة عن نفسي لم أستطع تقديم ما كتبته للناس لكي تقرأه. فاكتفيت بما كتبته عن زميلي. يحرضني البعض كثيرا لكي أكتب سيرة ذاتية، وأشعر بالرعب من ذلك. وكنت أنصح الشاعر الصديق الراحل صبري أبوعلم بأن يبقى في بيته كثيرا ليستطيع أن يكتب. كنت أقول له: لو فيه واحد بيحضر عفاريت، فلازم يهيئ المكان لحضورها – بخور وأشياء تساعدها على الظهور – وأنا لا تشغلني الموضوعات فهي كثيرة جدا. وقلت للصديق الروائي الراحل سعيد بكر يوما ونحن سائرين: وأنا سائر معك الآن لدي خمسة أفكار لروايات، المشكلة في الشكل الذي سأقدم به الرواية. إنني لا أستطيع الكتابة إلا في بيتي وبين كتبي. وقال صديق لي لآخر وكنا نجلس على القهوة: مصطفى نصر بيشتغل قدنا عشر مرات. ويرى مصطفى نصر أن هناك فترات لكتابة الرواية – أولها التفكير فيها والاستعداد لها – وهي أجمل فترة عندي – لأنني أمني نفسي بأنني سأكتب عملا لم يسبقني إليه أحد قبلي – وأفكر في الرواية في كل وقت، حين أسير وقبل أن استغرق في النوم وفي الأوقات الباقية من اليوم. ثم ابدأ، وقد أكتبها أكثر من عشر مرات، لكنني لا يمكن أن أحقق ما حلمت به، وطالما الرواية لم تطبع، أظل أعيد وأزيد فيها. وأعرض ما أكتبه على أصدقائي المقربين، فأنا فاقد الثقة بنفسي ككاتب. وظللت لسنوات طويلة غير مقتنع بقدراتي، ولا بد أن أعرض ما أكتبه على الأصدقاء – قبل إرساله للنشر – بشرط أن أكون قد كتبت كل ما أريد – فلو عرضت عملي قبل أن يكتمل، فقد يشوشر البعض على أفكاري، وأفقد الموضوع كله. وكنت أكتب في البداية بالقلم الرصاص – وأعيد كتابة الفصل الواحد أكثر من مرة – ولا أعرف طريقة الحشر بين السطور – ولكنني أعيد الكتابة من أولها وأغير وأضيف إليها. وكانت الكتابة على الآلة الكاتبة نوعا من الإبداع – فاكتب الجملة، وقد أتوقف، وأغيّر الورقة، أو أمحو ما كتبته بالكوريكتر وأعيد الكتابة ثانية، ووقت الكتابة على الآلة الكاتبة أكون في عالم آخر. لكن ظهور الكمبيوتر غير كل شيء. فيمكنني أن أمحو ما كتبته، وأعيد الكتابة لمرات دون كوريكتر ولا أستطيع الكتابة في حضور أي انسان. ومن حسن حظي أن رواياتي تتأخر في طباعتها – فلا بد من ترك الرواية لبعض الوقت ثم العودة إليها – ففور الكتابة يصعب حذف ما نريد – والحذف عندي أهم من الإضافة – وهناك قصص قصيرة وروايات فشلتُ في كتابتها، اتركها أحيانا لوقت طويل، ثم أعود إليها، والغريب أن قصصي ورواياتي التي كتبتها أول مرة وأحسست بالفشل في كتابتها، هي الأجود عندي بعد العودة لكتابتها. لقد كتبت رواية "الجهيني" واشتركت بها في مسابقة نادي القصة بالقاهرة، ولم أفز – وكالعادة تركتها لبعض الوقت – واقتنعت بضرورو حذف عائلة بأكملها من الرواية – وإذا بالرواية "تفوق" من الزحام وتصحو – واشتركت بها في مسابقة نادي القصة ثانية ففازت بالمركر الأول. أما عن موقف النقد من أعماله فيقول الروائي مصطفى نصر: النقد مهم جدا للكاتب فهو الذي ساهم في صنع مجد نجيب محفوظ. وناقد مثل رجاء النقاش كان سببا في نجومية: محمود درويش والطيب صالح ومحمود دياب وغيرهم. لكن وجودي في الإسكندرية جعل الكثير من النقاد لا يهتمون بما أكتب – وقد كتب عني نقاد مهمون لم أقابلهم أو أرسل كتبي إليهم. وفي الإسكندرية استفدت من نقاد كبار خاصة أساتذة اللغة العربية في الآداب والتربية. والآن كم الإبداع الجيد في الإسكندرية كثير جدا، والنقاد قلة. ولا بد أن أذكر إن في الإسكندرية حركة كتابة نسائية مهمة جدا – لم تكن موجودة في السنوات الفائتة، ويمكنني أن أقول إنها الآن أهم ما يميز الحركة الأدبية في الإسكندرية، لكنها في حاجة لمتابعة نقدية جادة. وعن تأثير شبكة الإنترنت عليه كأديب وكاتب ومثقف يقول نصر: كتبت روايتي الهماميل في أواخر عام 1986 – وأذكر إنني احتجت لمعلومة تاريخية – فوقفت أبحث في مكتبتي لعدة أيام حتى وصلت لما أريد – الآن بفضل النت، أخرج من الموضوع الذي أكتبه، وأبحث فتأتيني المعلومة فورا ثم أعود ثانية للصفحة التي كنت أكتبها – وعلى رأي صديقنا رجب سعد السيد: "مش عارف كنت عايش إزاي من غير نت؟!". كما أنني لم أعد قادرا على الحركة كما كنت زمان– فتم طبع كتبي كلها في الفترة الأخيرة عن طريق النت – ارسل مخطوط الكتاب لجهة النشر- ويأتيني تقرير الفحص، وأرد عليه بالنت أيضا. كنت أكتب مقالة واحتجت لمعلومة أعرف إنها موجودة في كتاب عن محمد توفيق البكري نقيب الأشراف في وقته، وأعلم إنني سأجد صعوبة في إيجاد الكتاب من مكتبتي المزدحمة جدا. فبحثت في النت عن الكتاب، فجاءني، وأخذت منه ما أريده في المقالة. وفي صراحة معهودة منه يقول مصطفى نصر: الاهتمام بروايتي "يهود الإسكندرية" أعادني بشوق لكتابة الرواية، وفوجئت بأكثر من رواية مكتوب منها صفحات تزيد عن أربعين ورقة ولم أكن أسأل عنها. وقد انتهيت من كتابة رواية عن حي بحري، وكدت انتهي من كتابة رواية عن المعاش المبكر.؟ ويجيب: لا طبعا، فالصراع بين الخير والشر بين الناس متواجد بصفة خاصة لدى اليهود – وتكوين إسرائيل – لم يتم إلا يسبب خيانات بعض الحكام العرب وقت تكوين إسرائيل – ولم يتم الانتصار إلا لضعف المنطقة العربية، وانحياز القوى الكبرى لاسرائيل. ويرى مصطفى نصر أن الشيء الجديد في يهود الإسكندرية، هو الناشر – فلدي روايات لا تقل جودة عن "يهود الإسكندرية" مثل "جبل ناعسة" و"الهماميل" و"ليالي غربال" و"سينما الدورادو" و"المساليب". كنت أبحث في فروع هيئة الكتاب في كل مدينة أزورها، وأسأل عن نسخة من جبل ناعسة، فلا أجد، فقد بيعت كل النسخ، لو طبعتها لدى ناشر خاص، كان سينشر منها طبعات عديدة. وهذا الكلام ينطبق على كل الروايات التي طبعت في سلاسل تابعة للحكومة. كان من الممكن أن أطبع "يهود الإسكندرية" في المجلس الأعلى للثقتفة، فتخيل ما الذي سيحدث – يطبع 1000 نسخة، ولو تم عرضها بطريقة حسنة وبيعت كل النسخ، لن يسأل أحد، بل لن يحسوا بأن النسخ كلها بيعت. ماذا تعني الرواية عموما بالنسبة لمصطفى نصر؟ وكيف تقيم رحلة الكتابة طوال العقود السابقة؟ الكتابة عند مصطفى نصر هي عمره وحياته ولا يستطيع البعد عنها، إنه يكتب لأنه لا يستطيع الإفلات من الكتابة، وقال: وأنا ميال لكتابة الرواية أكثر من غيرها، فجموعاتي القصصية أقل – ولكن كتابة الرواية تحتاج لوقت طويل – فقبل البدء في الكتابة، تقرأ للرواية، وتجمع معلومات – وبعد الكتابة تعيد وتزيد فيها. وقبل أن أشيخ هكذا – كنت انتهي من كتابة الرواية على الورق، وابدأ في كتابتها على الآلة الكاتبة، كتابة في مكان عملي، وكتابة في البيت – مهما كانت الرواية طويلة لا تأخذ مني سوى يومين – لكنني الآن لا أستطيع هذا، فكتابة الرواية يحتاج لصحة وعافية. التطور في الكتابة الروائية والقصصية لا يأتي إلا بجهد ثقافي عال جدا – وظللت لسنوات طويلة غير قادر على التعبير عن الحي الشعبي الذي أكتب عنه الآن بكثرة. ولا بد من الممارسة الطويلة لتطوير أدوات الكتابة. ومنذ سنوات طوال كنت صديقا لصبيين – مثلي – وعندما وصلت لحالة القدرة على كتابة رواية، فكرت في الكتابة عن علاقتي بهما – على أن يكون لكل منا جزء أو "سفر" مستقل. وكتبت عنهما في ليالي غربال – لكنني فشلت في الكتابة عن نفسي. فبعد الانتهاء من الكتابة عن نفسي لم أستطع تقديم ما كتبته للناس لكي تقرأه. فاكتفيت بما كتبته عن زميلي. يحرضني البعض كثيرا لكي أكتب سيرة ذاتية، وأشعر بالرعب من ذلك. وكنت أنصح الشاعر الصديق الراحل صبري أبوعلم بأن يبقى في بيته كثيرا ليستطيع أن يكتب. كنت أقول له: لو فيه واحد بيحضر عفاريت، فلازم يهيئ المكان لحضورها – بخور وأشياء تساعدها على الظهور – وأنا لا تشغلني الموضوعات فهي كثيرة جدا. وقلت للصديق الروائي الراحل سعيد بكر يوما ونحن سائرين: وأنا سائر معك الآن لدي خمسة أفكار لروايات، المشكلة في الشكل الذي سأقدم به الرواية. إنني لا أستطيع الكتابة إلا في بيتي وبين كتبي. وقال صديق لي لآخر وكنا نجلس على القهوة: مصطفى نصر بيشتغل قدنا عشر مرات. ويرى مصطفى نصر أن هناك فترات لكتابة الرواية – أولها التفكير فيها والاستعداد لها – وهي أجمل فترة عندي – لأنني أمني نفسي بأنني سأكتب عملا لم يسبقني إليه أحد قبلي – وأفكر في الرواية في كل وقت، حين أسير وقبل أن استغرق في النوم وفي الأوقات الباقية من اليوم. ثم ابدأ، وقد أكتبها أكثر من عشر مرات، لكنني لا يمكن أن أحقق ما حلمت به، وطالما الرواية لم تطبع، أظل أعيد وأزيد فيها. وأعرض ما أكتبه على أصدقائي المقربين، فأنا فاقد الثقة بنفسي ككاتب. وظللت لسنوات طويلة غير مقتنع بقدراتي، ولا بد أن أعرض ما أكتبه على الأصدقاء – قبل إرساله للنشر – بشرط أن أكون قد كتبت كل ما أريد – فلو عرضت عملي قبل أن يكتمل، فقد يشوشر البعض على أفكاري، وأفقد الموضوع كله. وكنت أكتب في البداية بالقلم الرصاص – وأعيد كتابة الفصل الواحد أكثر من مرة – ولا أعرف طريقة الحشر بين السطور – ولكنني أعيد الكتابة من أولها وأغير وأضيف إليها. وكانت الكتابة على الآلة الكاتبة نوعا من الإبداع – فاكتب الجملة، وقد أتوقف، وأغيّر الورقة، أو أمحو ما كتبته بالكوريكتر وأعيد الكتابة ثانية، ووقت الكتابة على الآلة الكاتبة أكون في عالم آخر. لكن ظهور الكمبيوتر غير كل شيء. فيمكنني أن أمحو ما كتبته، وأعيد الكتابة لمرات دون كوريكتر ولا أستطيع الكتابة في حضور أي انسان. ومن حسن حظي أن رواياتي تتأخر في طباعتها – فلا بد من ترك الرواية لبعض الوقت ثم العودة إليها – ففور الكتابة يصعب حذف ما نريد – والحذف عندي أهم من الإضافة – وهناك قصص قصيرة وروايات فشلتُ في كتابتها، اتركها أحيانا لوقت طويل، ثم أعود إليها، والغريب أن قصصي ورواياتي التي كتبتها أول مرة وأحسست بالفشل في كتابتها، هي الأجود عندي بعد العودة لكتابتها. لقد كتبت رواية "الجهيني" واشتركت بها في مسابقة نادي القصة بالقاهرة، ولم أفز – وكالعادة تركتها لبعض الوقت – واقتنعت بضرورو حذف عائلة بأكملها من الرواية – وإذا بالرواية "تفوق" من الزحام وتصحو – واشتركت بها في مسابقة نادي القصة ثانية ففازت بالمركر الأول. أما عن موقف النقد من أعماله فيقول الروائي مصطفى نصر: النقد مهم جدا للكاتب فهو الذي ساهم في صنع مجد نجيب محفوظ. وناقد مثل رجاء النقاش كان سببا في نجومية: محمود درويش والطيب صالح ومحمود دياب وغيرهم. لكن وجودي في الإسكندرية جعل الكثير من النقاد لا يهتمون بما أكتب – وقد كتب عني نقاد مهمون لم أقابلهم أو أرسل كتبي إليهم. وفي الإسكندرية استفدت من نقاد كبار خاصة أساتذة اللغة العربية في الآداب والتربية. والآن كم الإبداع الجيد في الإسكندرية كثير جدا، والنقاد قلة. ولا بد أن أذكر إن في الإسكندرية حركة كتابة نسائية مهمة جدا – لم تكن موجودة في السنوات الفائتة، ويمكنني أن أقول إنها الآن أهم ما يميز الحركة الأدبية في الإسكندرية، لكنها في حاجة لمتابعة نقدية جادة. وعن تأثير شبكة الإنترنت عليه كأديب وكاتب ومثقف يقول نصر: كتبت روايتي الهماميل في أواخر عام 1986 – وأذكر إنني احتجت لمعلومة تاريخية – فوقفت أبحث في مكتبتي لعدة أيام حتى وصلت لما أريد – الآن بفضل النت، أخرج من الموضوع الذي أكتبه، وأبحث فتأتيني المعلومة فورا ثم أعود ثانية للصفحة التي كنت أكتبها – وعلى رأي صديقنا رجب سعد السيد: "مش عارف كنت عايش إزاي من غير نت؟!". كما أنني لم أعد قادرا على الحركة كما كنت زمان– فتم طبع كتبي كلها في الفترة الأخيرة عن طريق النت – ارسل مخطوط الكتاب لجهة النشر- ويأتيني تقرير الفحص، وأرد عليه بالنت أيضا. كنت أكتب مقالة واحتجت لمعلومة أعرف إنها موجودة في كتاب عن محمد توفيق البكري نقيب الأشراف في وقته، وأعلم إنني سأجد صعوبة في إيجاد الكتاب من مكتبتي المزدحمة جدا. فبحثت في النت عن الكتاب، فجاءني، وأخذت منه ما أريده في المقالة. وفي صراحة معهودة منه يقول مصطفى نصر: الاهتمام بروايتي "يهود الإسكندرية" أعادني بشوق لكتابة الرواية، وفوجئت بأكثر من رواية مكتوب منها صفحات تزيد عن أربعين ورقة ولم أكن أسأل عنها. وقد انتهيت من كتابة رواية عن حي بحري، وكدت انتهي من كتابة رواية عن المعاش المبكر.