بعد تفرغ لمدة أربع سنوات من وزارة الثقافة.. أصدر الروائي مصطفي نصر أحدث رواياته "يهود الإسكندرية".. لقيت الرواية اهتماماً لافتاً لتركيزها علي السنوات الأخيرة لوجود اليهود في المجتمع المصري باعتبارهم مكوناً رئيسياً في نسيجها. قبل أن يتبدل الحال بقيام الدولة الصهيونية واجتذابهم لها. بالترغيب أحياناً. وبالتهديد أحياناً كثيرة. حصل مصطفي نصر - والرواية له - علي منحة تفرغ من وزارة الثقافة لمدة أربع سنوات. كتب في العام الأول رواية عن صعيد مصر باسم "المساليب" وهم جماعة تشبه الغجر يعيشون في وجه قبلي كله. وكان يعرفهم شاعر العامية الكبير عبدالرحمن الأبنودي. وأخذ السيرة الهلالية عن أحدهم فالغناء والموسيقي من اهتماماتهم؟ وعندما علم الروائي المعروف عبدالوهاب الأسواني بأنه كتب هذه الرواية. قال له: أنت سبقتني. فقد كنت أنوي أن أكتب عنهم. يقول مصطفي نصر: كتبت في السنوات الثلاثة التالية رواية عن يهود الإسكندرية كان عنوانها في الأول "ثلاثية اليهود في الإسكندرية" علي أساس أن أنشر كل جزء منها في كتاب منفصل.. وأخطأت حين قدمت الجزء الأول منذ فترة طويلة للمناقشة بقصر التذوق.. ناقشه الدكتور السعيد الورقي - وكان هو الوحيد الذي قرأ الرواية - فهاجمها حتي جعلني لا أتحمس لمراجعة الجزء الثاني منها. ولا أكمل الجزء الثالث. رغم أني أنصح الكتاب المبتدئين دائما بألا يعرضوا أعمالهم علي أحد. قبل أن يفرغوا من كتابتها. حتي لا يتأثروا بملاحظات أحد.. ما حدث جعلني أبتعد عن كتابة الرواية لفترة. ثم قرأ الجزء الأول الدكتور سمير المندي. وكان يشغل وظيفة المسئول عن النشر بالمجلس الأعلي للثقافة.. فأبدي إعجابه بالرواية. وطلب مني إرسال الجزأين الآخرين فعدت للرواية وكان من رأيه أيضا أن أنشرها جمعياً في كتاب واحد.. يبدأ الجزء الأول بتشجيع الوالي سعيد لليهود للإقامة في مصر والتجارة فيها. ومنحهم مزايا خاصة. فما أصيب الوالي بمرض غامض جاء زعماء اليهود لزيارته. والحصول علي مزايا أخري. وعن مصادره ومراجعه في كتابة الرواية يقول مصطفي نصر: اعتمدت علي مصادر حقيقية. كعلاقة الوالي سعيد بأسرته. ونسيت المصدر الذي أتيت منه بمرض الوالي سعيد الذي جعل رائحة جسده لا تطاق.. وبعد أن انتهيت من كتابة الرواية اتصل بي الصديق محمد عبدالله عيسي من الاسماعيلية. وقرأ عليّ ما حدث بعد موت الوالي سعيد.. فقد مات في الإسكندرية كما مات والده محمد علي في الإسكندرية أيضا.. ونقلوا جثمانه في مركب شراعي إلي القاهرة عبر ترعة المحمودية ثم النيل - ولكن الرائحة الكريهة التي فاحت من جسد الوالي سعيد جعلتهم يسرعون بدفنه في مسجد النبي دانيال بالإسكندرية وبوالينو الذي أطلقوا اسمه علي شارع بحي محرم بك - كان صيدلياً تحمل. وعالج جسد سعيد. ولم يأبه بالرائحة.. وقد ولاه الخديو إسماعيل إدارة الأوبرا والمسرح الكوميدي بعد ذلك. ويتحدث مصطفي نصر عن قصة أعماله الكاملة التي بدأت هيئة الكتاب في إصدارها. يقول: الكتاب الذين يعيشون خارج القاهرة يعانون مشكلات كثيرة. فالبعد عن دائرة الضوء يؤدي للتجاهل. وربما النسيان أيضاً. فالبعيد عن العين بعيد عن القلب. والمفروض أن تكتفي الإسكندرية ذاتيا بمدعيها ونقادها. لكن نقاد الإسكندرية - رغم جودتهم - عددهم قليل جداً لا يستطيع مواكبة كم الابداع الجيد والكثير في والقصة والرواية وقد مررت بظروف صحية ونفسية جعلتني أكاد لا أخرج من البيت.. وتم نشر رواية يهود الإسكندرية والأعمال الكاملة وأنا قابع في بيتي.. قرأ الكاتب بلال فضل بعض أعمالي. وأبدي إعجابه. وأعلن أنني لم أحصل علي المكانة التي استحقها. واتصل بي تليفونيا راغبا في مقابلتي.. سألته: ممكن تجيني البيت؟. وبالفعل استقبلته في الصومعة التي أقضي بها معظم وقتي واكتشفت أن معظم رواياتي نفدت نسخها. فكتب عن هذا وفوجئت بالدكتور أحمد مجاهد يعلن عبر "الفيسبوك" عن نيته في طبع أعمال الكاملة. واتصل بي تليفونيا وتم طبع أعمالي وطرحت المجلدات في معرض الكتاب بالإسكندرية. وعن الصدي الذي أحدثته رواية يهود الإسكندرية. بدأ نشر أعماله الكاملة. يقول مصطفي نصر: أنا قلق. ما مررت به من تجاهل يجعلني غير متفائل كنت أخشي أن يحدث ما يمنع نشر روايتي يهود الإسكندرية. ولم اطمئن إلا عندما أبلغوني في أول يوم لمعرض الكتاب بالقاهرة بصدورها وعرضها وسألني صديق: أنت فاكر إن طبع روايتك سيجعلك في المقدمة؟ قلت: أتمني هذا فقال: لن يحدث. ثم استدرك مكملا: مش علشان عيب فيك. وإنما لأن الحالة الثقافية والأدبية في مصر هكذا.. هذا الحوار يؤرقني. فهناك أعمال روائية وقصصية عظيمة يتجاهلها النقاد. وقد يحتفون بالأقل منها قيمة وأهمية.. وأنا لا أمتلك الإمكانيات المؤهلة للفوز. فقد أثني صديق علي كتاباتي أمام أستاذ للأدب فقال: أعلم. لكننا لا نراه في ندواتنا بالقاهرة.. ثرت غاضباً: المفروض أن نكتفي بقراءة كتاباتي وإلي جانب عدم اجتماعيتي. فقد زادت وغطت ظروفي التي تمنعني من السفر في الفترة الأخيرة وعلي فكرة تم طبع أعمالي الأخيرة بفضل "النت" ربنا يبارك فيه. فقد أغناني عن السفر إلي القاهرة.