د. محمود عطية لم تصمد الحياة علي سيرتها الأولي كما وجد عليها الإنسان الأول ورآها.. فتركت ملامحها الأولي وتزينت بإبداعه لأنها خُلقت تكره الثبات وتعشق التحول.. ولم تتخلف يوماً عن التبدل والتغير كما أراد لها خالقها سبحانه وتعالي ونفخ فيها من روحه.. وبات ناموسها التحول دوما.. وتحولها أشبه بالثبات في إصراره علي التبدل والتلون والتغير.. ومن لا يؤمن بحكمة الحياة ويحاكيها في تحولاتها المدهشة يبقي أبد الدهر عائشا بين الحفر.. فمنذ أن كانت صحراء جرداء لا نبت فيها ولا زرع يخاف إنسانها الليل ويعشق النهار لا يستر جسده العاري شيء، لم يهنأ حتي بدلها كما أراد لها الخالق وأراده خليفة يتحضر ويتطور ويبدع ويسيطر ويتملك. وتحجرت عقول آخرين ظنوا أن ثبات الحياة فيه كل الخير ورفضوا محاكاتها في تبدلها وتغيرها.. وفضلوا العيش بين الحفر رافضين حقائقها المتبدلة دوما.. فتركتهم في غياهب الجب متخلفين محصورين يقتل بعضهم بعضا ويكفر بعضهم بعضا.. يظنون أن الخير كله في القديم لقدمه وحديثه بدعة وزيف وبهتان.. يحاربون طواحين الهواء متحدين سنة الحياة في التبدل والتغير..! ولم يدركوا رغم نور الحضارة والمدنية أن الأمم المتوثبة للنهوض تضع الماضي في المتاحف تتأمله، تدرسه ولا يرسم لهم خطوات الحاضر ولا يبين لهم معارج المستقبل.. ولم يحفظوا أبدا أنهم أعلم بأمور دنياهم المتجددة.. أمم المستقبل مستعدة بأفرادها لتقبل كل جديد ومعايشة الحياة المتغيرة كما هي لا كما تصورها صفحات الماضي ويرسمها تخيلهم البائس.. فقد وهبت لنا الحياة ولم يكن لنا اختيار سوي العيش علي قوانينها التي لن نستطيع لها تبديلا ورسمت لنا كيف يكون المستقبل في التبدل والتغير والتلون..! تغيير قناعاتنا أقرب طريق للمستقبل.. وتقبل ناموس الحياة أسلم طريق للمضي قدما بلا تعثر.. ودراسة ماضي الأمم لمعرفة كيف تقدمت يوما وليس للنقل فكل عصر له آلياته ووسائله وما نجح وحقق تقدما بالأمس ليس بالضرورة صالحا لليوم.. والحقائق بنت وقتها وحتما تتغير وتتبدل بتطور الرؤي.. فالحقائق وقتية لزمانها تدرس ولا تحفظ وتكرر.. ولنحسن الظن بالحياة صاحبة كل جديد وما نفهمه منها اليوم ربما نري غيره بعد غد.. فلا شيء ثابت وكل شيء قابل للتبدل والتحول، إنها سنة الحياة. ولو أجهدنا أنفسنا قليلا لرأينا وأدركنا كيف تتغير الدنيا وتتبدل أفكارها وتتحقق الظنون وتتحول الأماني المستحلية إلي حقائق شاخصة بين أيدينا.. ولو تدبرنا مليا نجد الجديد يبلي والصغير يكبر والكبير إلي زوال فلا شيء ثابت ولا شيء نهائي.. قانون الحياة أنها في تبدل وتغير مستمرين.. نحن عادينا الحياة، كفرنا بتغيرها وتبدلها، صنعنا أكوام الجهل وعشوائيات التفكير وبات يرفل فيها معظم شبابنا ومتعلمينا.. علمناهم تقديس القديم لقدمه والاستهانة بالحديث لجدته.. علمناهم الحفظ والتلقين وأقمنا الاحتفالات للحفظ لا للابتكار والتجديد.. ونلوم جماعات علي ما هي عليه ونتعجب لمعاداتها كل طوائف المجتمع لفرض ما حفظته دون تدبر.. متي نفهم أن معاداة الحياة سر التخلف؟.