تراجع أسعار الذهب اليوم الجمعة 30 مايو في بداية التعاملات    إصابة جندى إسرائيلى بجروح خطيرة فى معارك جنوب قطاع غزة    أخبار مصر: دهس سائق سيارة نقل لابنه النائم يهز الشرقية، نص مقترح ويتكوف عن حرب غزة، نصيحة الخطيب لإمام عاشور بشأن الزمالك    اليابان تقرر رفع العقوبات على سوريا بشكل جزئى    رويترز: هدنة 60 يوماً وتبادل أسرى بين حماس وإسرائيل    مواعيد مباريات اليوم الجمعة 30- 5- 2025 والقنوات الناقلة    أول رد رسمي من الأهلي على ضم كريستيانو رونالدو في كأس العالم للأندية    الأرصاد تكشف تفاصيل حالة الطقس خلال أيام عيد الأضحى    بعد وفاتها.. من هي الفنانة سارة الغامدي؟    أسعار اللحوم الجملي والضاني اليوم الجمعة 30-5-2025 في الأسواق ومحال الجزارة بقنا    زلزال بقوة 4.8 درجة يضرب إقليم ألباى الفلبينى    أسعار طبق البيض اليوم الجمعة 30-5-2025 في قنا    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم الجمعة 30-5-2025 في محافظة قنا    مصرع وإصابة 4 أشخاص في حادث تصادم بطريق مصر السويس الصحراوي    انخفاض أسعار الذهب الفورية اليوم الجمعة    وليد عبدالعزيز يكتب: الحلم.. سيارة مصرية 100%    الإفتاء: الأضحية المعيبة لا تُجزئُ عن المضحي    حاسوب فائق سمي تيمنا بعالمة الكيمياء جينيفر دودنا يعزز الذكاء الاصطناعي    لتغيير مفهوم رحلة اليوم الواحد، تفاصيل إقامة معارض أثرية في روسيا    اليوم.. الأوقاف تفتتح 20 مسجداً جديداً بالمحافظات    «مكتب شكاوى المرأة».. مأساة «سمر» تتحول لقصة فيلم مُلهم لضحايا العنف    «الجينوم الرياضي».. أولى الخطوات العلمية والعملية نحو مربع الدول العظمى    فوائد الزنجبيل، لتقوية المناعة وصحة الدماغ وجمال البشرة    كان نايم.. مصرع شاب دهسًا بسيارة والده في العاشر من رمضان    "قبل ريفيرو".. ماذا قدم المدربين الإسبان مع النادي الأهلي؟    إنييستا: إنريكي موهوب.. وإنتر يمتلك لاعبين كبار    «قرار الأهلي».. رد مفاجئ من سيد عبدالحفيظ على مزاعم بيع زيزو    مدحت العدل يصدر بيانا شديد اللهجة بشأن شكوى جمعية المؤلفين.. ما علاقة حسين الجسمي؟    إمام عاشور يوجه رسالة ل حسام حسن    ياسر إبراهيم يسخر من احتفالات بيراميدز بالدوري    نتيجة الصف الثاني الابتدائي 2025 الترم الثاني بالاسم في جميع المحافظات .. الروابط الرسمية للاستعلام الآن    هيشتغل إلى 2.30 صباحا، تعديل تشغيل قطار العاصمة الكهربائي اليوم بسبب حفل ضخم بالنهر الأخضر    نجاحات متعددة.. قفزات مصرية في المؤشرات العالمية للاقتصاد والتنمية    البرلمان يوافق نهائيًا على تعديلات قوانين الانتخابات    ترامب: يجب تمكين الرئيس من حماية الاقتصاد الأمريكي    بعد إمام عاشور.. (3) لاعبين ينتظرون عفو حسام حسن    أسامة كمال: 600 يوم من الإجرام الإسرائيلي وغزة لا تزال تتنفس وتكتب التاريخ بالدم    حزب "الجبهة الوطنية" يطلق مؤتمرًا موسعًا لريادة الأعمال في بورسعيد    ديوان عام محافظة الجيزة يعلن توفر عدد من الوظائف    بالأسماء، وزير البترول يصدر حركة تكليفات وتنقلات لبعض رؤساء شركات القطاع    ريا أبي راشد: مسرحية «ريا وسكينة» سبب تسميتي بهذا الاسم (فيديو)    رئيس "حماية المستهلك": 550 موظفا بالجهاز لخدمة 110 ملايين مواطن    موعد أذان الفجر اليوم الجمعة ثالث أيام ذي الحجة 1446 هجريًا    هل يجوز الجمع بين نية صيام العشر من ذي الحجة وأيام قضاء رمضان؟    "الإفتاء توضح" بعد الجدل الدائر.. حكم صلاة الجمعة إذا وافقت يوم عيد؟    أوروبا تضغط على إسرائيل لوقف مجازر غزة    مصرع شاب في انقلاب سيارة على طريق أسيوط – الوادي الجديد    ضبط 3431 أسطوانة غاز و1000 لتر سولار قبل بيعها في السوق السوداء بالبحيرة    بعد قرار الحكومة.. موعد إجازة عيد الأضحى 2025 في مصر رسميًا    والدة إبراهيم شيكا: "عايزة كل قرش في ورث ابني ومراته بصمته في المستشفى"    الإمساك.. الأسباب الشائعة وطرق العلاج بوصفات طبيعية    تجاهل تنظيف منطقة في الأذن قد يعرض حياتك للخطر.. تحذير خاص لأصحاب «النظّارات»    متحدث الأوقاف: صكوك الأضاحى بدأ فى 2015 ووصلنا إلى 10 ملايين أسرة    وكيل أوقاف الفيوم يشهد فعاليات كتاب مسجد على مفتاح.. صور    وزير الأشغال العامة الفلسطينى: نشكر مصر على دعمها للقضية الفلسطينية    «الإسعاف»| 123 سنة إنقاذ.. 3200 سيارة حديثة و186 مقعدا لاستقبال البلاغات يوميًا    بالصور- وقفة احتجاجية لمحامين البحيرة اعتراضًا على زيادة الرسوم القضائية    جامعة حلوان تواصل تأهيل كوادرها الإدارية بدورة متقدمة في الإشراف والتواصل    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



مترجمة درر شعراء الأرمن .. اللبنانية جولي مراد:لا نفع من جمال يُواري بعيداً عن الأعين
نشر في أخبار السيارات يوم 08 - 09 - 2018

تعتبر »المذبحة الكبري»‬ التي ارتكبها العثمانيون ضد الأرمن خلال وبعد الحرب العالمية الأولي، من أفظع جرائم الإبادة الجماعية في التاريخ الحديث، إذ قتل فيها نحو مليون إلي مليون ونصف مليون شخص، ونُفذت من خلال المجازر وعمليات الترحيل القسري التي كانت عبارة عن مسيرات في ظل ظروف قاسية استهدفت القضاء علي حياة المبعدين.
وعلي الرغم من مرور نحو مائة عام علي تلك الجريمة، لم تعترف بها تركيا، لكن لاتزال الإبداعات التي خلفها شعب الأرمن ما بين شعر ورواية وفن تشكيلي وغيرها، شاهدة علي المجزرة التاريخية، وما خلفته من دمار وعبث، ولاتزال كذلك أقلام توثق منجزات مبدعي الأرمن، ومن بينهم الكاتبة والمترجمة اللبنانية الأرمنية جولي مراد، التي أزاحت شيئاً من ركام الماضي واستخلصت درراً ثمينة، عبر مجلدين مهمين بدأتهما بمولودها الأول في هذا الإطار »‬شعراؤنا»، قبل أن يخرج حلمها الثاني إلي النور أخيراً في هيئة كتاب بعنوان »‬هتاف الروح» وهو أنطولوجيا للشعر الأرمني مترجماً إلي العربية.. »‬أخبار الأدب» التقتها في حوار حول رحلتها مع توثيق إبداعات الأرمن، وتجربتها عموماً مع الترجمة والتأليف.
متي بدأ إعجابك بالشعر الأرمني وما أكثر ما يميّزه؟
- يعود إعجابي بالشعر الأرمنيّ إلي الطفولة، فبيت العائلة في بلدة »‬ريفون» كان يعجّ كلّ نهاية أسبوع بشعراء وموسيقيّين ومسرحيّين يلتقون حول مائدة طعام وبعد غذاء الجسد ينتقلون إلي غذاء الروح بتلاوة قصائد لأبرز الشعراء الأرمن أمثال »‬هوفهانّس شيراز»، »‬سيامنتو»، »‬باروير سيفاك»، »‬دانيال فاروجان» وغيرهم. وترك فيّ هذا الشعر بالغ الأثر لروعته وتميّزه بجماله وغناه الصوريّ وشموليّته فهو شعر العنفوان والصمود والوطن والأمّ والرَّجاء.
وضعتِ كتاب »‬هتاف الروح» بعد »‬شعراؤنا.. صانعو مجد أرمينيا» هل يمثّلان عملًا توثيقيًّا مترجمًا أم أضفت إليهما مِن روحكِ الأرمينية؟
- لا شك أنه عمل توثيقي، كونه أعطي نظرةً شاملةً عن الشعراء والحركة الشعرية الأرمنية عبر الزمن مع مراعاة الأمانة والتأكد من ترجمة العمل بدقة. أما اللّمسة الذاتيَّة أو »‬النفَس» الذاتيّ إن شئت، فلا مهرب منه كون المترجم إنساناً أولاً وليس مجرد »‬آلة نقل»، فهو إذ يترجم يُشرك أحاسيسه في الفعل، ففي النتاج المُترجَم بعض من ذاته. لا ينأي المترجم بذاته عن النص بشكلٍ كامل فذلك مُستحيل، بل هو في الحقيقة شاعر بملكةٍ إضافيّة عن المؤلّف، هي قدرته علي نقل ما صيغ من دررٍ بلغةٍ أُخري لا تقل بلاغة عن اللغة التي كتبت فيها. من هنا وجوب العثور علي مترجمٍ يضاهي المؤلف براعة في أسلوبه وبلاغته وإلا فشل المشروع. تماماً كما يلحّن مؤلّفٌ موسيقيّ قصيدةً مع أنه ليس بكاتبها، تجده يعجز عن إعطائها حقها إن لم يتشرّب المعاني التي تنطوي عليها ولم يُكرم علي اللحن ببعضٍ مِن ذاته. فشرط العمل المترجَم الناجح هو هذا التلاقح الكلّي بين المؤلّف والمترجم حين ينصهران في وحدةٍ متكاملة، فيتحوّل المترجمُ إلي ناطقٍ بحال المؤلف ومرآة لروحه.
»‬شعراؤنا» عمل موسوعي ضخم يجمع بين الشعر والفن التشكيليّ الأرمني في باقةٍ واحدة. كم من الوقت استغرق، وكم تطلّب من مجهود وكيف كانت الأصداء؟
- ثمانية أعوام قضيتها في اختيار القصائد وترجمتها، والبحث والتدقيق في سِيَر الشعراء التي لا تقل أهمية عن الشعر، فسِيَر الشعراء موازيةٌ للقصائد في قيمتها. وعند اكتمال العمل ارتأيتُ تطعيم الكتاب بلوحاتٍ لفنانين أرمن عالميين تطابق في روحها ما أراده الشاعر في قصيدته، وقد أفردتُ لهم في خاتمة الكتاب فهرساً خاصاً بسيَرهم وصورهم الشخصية. أما أصداؤه فكانت ممتازة، خصوصاً من رجال الفكر والأدب ومتذوقي الشعر عموماً، ليس في لبنان فحسب، بل في مختلف أصقاع العالم العربي.
مَنْ صاحب الفضل في تشجيعك علي ترجمة روائع الشعر الأرمني؟
- كانت بدايتي مع قصيدة ترجمتُها للشاعر دانيال فاروجان بعنوان »‬ولدي المسافر». أُعجب بها الشاعر أُنسي الحاج فنشرها في جريدة »‬النهار» اللبنانية التي كان يرأسها. وما لبث أن طالبني بالمزيد. وهكذا بدأت رحلتي مع الشعر الأرمنيّ.
لماذا اقتصر الأمر علي الشعر ولم يمتد إلي فنونٍ أخري كالرواية. ألا تحمل الرواية الأرمنية الروعة ذاتها؟
- أعشق الرواية ولابد من خوضي غمارها قريباً، ولي رواية أقصّ فيها سيرة رجل أعمال أرمني مشهور نسجتها باللُّغة العربية ثم ترجمتُها إلي الأرمنية، فضلاً عن ترجمتي لروايات من الفرنسية والإنجليزية إلي العربية.
درب جلجلة
ترجمة الأدب عموماً عملٌ صعب يصل إلي حدّ المستحيل للبعض. ماذا عن تجربتك فيها؟
- الترجمة اختصاصٌ دقيق يتطلّب مجهوداً كبيراً، وتفرغاً لإتمام الموضوع بشكلٍ وافٍ. شروط النجاح في مضمارها هو أولاً إتقانُ اللُّغتَيْن قاموساً وحضارةً: المُترجَم مِنها وإليها، ثم تقمَّصُ المترجم شخصيّة المؤلف والغوص في أعماقه ليمنح النص أمانة الترجمة، خصوصاً عندما يكون مُطّلعاً علي عادات الشعب الذي يترجم أعماله. أما عن الاستِحالة فهي غير موجودة في قاموس مترجمٍ بارع، وإلا كيف وصلَتْ إلينا أعمالُ كبار الشعراء الأجانب؟ ولكن »‬المخاض» العسير حتي ولادة النصّ قد يكون »‬درب جُلجلة» فعلياً، وسرعان ما ينسي المترجم عذاباته ومشقته عند رؤيته مولوده نابضاً بالحياة.
هل يمكن اعتبار »‬شعراؤنا» بمثابة مرجع للشعر الأرمني، أم مجرّد نافذة مشرّعة علي هذا الإبداع الغني بآفاقه الرحبة؟
- »‬شعراؤنا» بوابتي المدهشة لولوج عالم الأدب الأرمني، استُهلّ الكتاب بالأساطير حتي القرن العشرين وضمّ أربعين شاعراً مع سيرهم الذاتية. وهو دعوة إلي كلّ راغب للتمتع بأجمل القصائد الأرمنية، وتعريفٌ بفكر وأدب شعبٍ سعي بعضهم عبثا إلي محوه وطمس تراثه. »‬شعراؤنا» بكل بساطة »‬صرخة الوجود» المضمخة بالدم ونداءٌ لنشر رسالة المحبّة وثقافة الرجاء وإحقاق العدالة، وبالتالي هو أبعد من مجرّد »‬نافذة» كونه يؤسّس لثقافةٍ فكرية بأكملها.
هل ترجمت القصائد كونك أرمنيّة أم أنّ هدفك إثراء المكتبة العربية بأدبٍ يستحق الاحتفاء كالذي بين أيدينا؟
- أنا متيّمة بالحضارتيْن اللتَيْن أنتمي إليهما: العربية والأرمنية. أحببتُ الشعر الأرمني كما عشقتُ الشعر العربي، ورغبتُ في نصب جسر تواصلٍ بين الحضارتَيْن وتلك وظيفة المترجم الأساسية. ولأنّي لم أجد في ترجماتٍ سابقة للشعر الأرمني معرّباً ما يروي غليلي، قررت تولّي المهمة وإغناء المكتبة العربيّة بها، فما النفع من جمال يواري بعيداً عن الأعين؟ خصوصاً أن القصائد الأرمنية تُرجمت إلي أكثر من أربعين لغة.
رغم أن كتابيك »‬شعراؤنا» و»‬هتاف الروح» لم يقتصرا علي الشعراء القدامي إلا أنهما لم يقدّما الكمّ ذاته من التجارب الشعرية الأرمنية الحديثة.. ما السبب؟
- جَمع الشعراء الأقدمين والمعاصرين في جزء واحد من المستحيلات ويتطلَّب إنجازه أجزاءً عدّة، علماً بأنّي أضأتُ بمجلَديَّ علي أبرز الشعراء المعاصرين أيضاً بشكل مرضٍ وإن لم يكن وافياً، فذلك مشروعٌ مستقل وربما أخوضه مستقبلاً.
الفتي الأجعد الشعر
شعراء الأرمن كُثر لكن مَن الشاعر الذي أسر قلبك، وما الذي يميّز قصائده؟
- أكثر من شاعر أثّر في نفسي وحملني إلي عوالم لم أدخلها قبلاً، أذكر منهم يغيشيه تشارنتس وقصيدته »‬الفتي الأجعد الشعر» التي صوَّر فيها الشاعر نفسَه، وجعل يخاطبها متقمِّصاَ روح »‬فاهاكن» (فتي المؤرّخ خوريناتسي الثائر الذي دحر الأعداء المغيرين علي أرمينيا في الميثولوجيا الأرمنية)، فكانتِ القصيدة المقصلة التي أنزلها السوفييت برأس تشارنتس الذي فُصل عن جسده، ليغدو شهيد الكلمة الحرة. وقد ضمّه الشاعر الفرنسيّ »‬لوي أراغون» إلي عظماء الشعر العالميين أمثال »‬كيبلينج»، و»إيلوار»، و»لوركا».
قرأت نصوصاً كثيرة لشعراء أرمن العنصر الأساسي فيها هو البكاء علي أطلال ماضٍ جميل قبل مذبحة الأرمن. ربّما هذا ما وصل مِن إرث الشعراء القدامي إلي القارئ المصري، فهل ثمّة موضوعات أخري تناولها الشعراء؟
- بدأت مؤامرات العثمانيّين لإبادة الشعب الأرمنيّ منذ أواسط القرن التاسع عشر، حتي تحقَّقت أمنيتهم خلال الحرب العالميّة الأُولي التي تلطّوا خلفها. ولابد مِن أن تنعكس المآسي تلك في أعمال الشعراء والرسّامين، كما يحصل عادة مع الشعوب المضطهدة، علماً بأن الأدب الأرمني لم يتقوقع يوماً في البكاء علي الأطلال، بل قارع الموضوعات الإنسانيّة بمختلف أشكالها. صحيحٌ أنه لم يتجاهل جثث شهدائه التي ظلّت ماثلة أمام ناظريه وبذاكرته، معلّقة علي المشانق، مذبوحة أشلاءً أو مرميةً علي الطرقات، من دون أن يسترها ثري المدافن أو أن يداوي اعترافٌ قلوب أهاليها، فالشعب الذي يرقص علي أجساد شعرائه ونوابغه متناسيًّا مأساتهم ملعونٌ إلي أبد الآبدين! ولكن أجمل ما في الشعب الأرمني أنّه حوّل ألمه إلي رسالة صمود وأمل واستبدال الكراهية بالحُب، وكان أول من قاوم بقلمٍ امتشقه وحوّله إلي سلاحٍ نبيل هو أمضي سفكاً من القنابل والبارود. وفي كتابي لوحة قديمة رسمها »‬بانوس ترليميزيان» هي دليل عنفوان شعبٍ رفض المهانة والاستسلام، فصنع يومَه وغدَه، من دون استجداء أشخاصٍ أو دولٍ. لم يستدرّ عطف الآخرين، بل كافح وناضل وعمل بكدّ، وشيَّد مستقبله بنفسه برغم مناصبة القاصي والداني العداء له، لأسبابٍ لم يعرف لها مسوّغاً. أما عن الحضارة الأرمنية فهي موغلةٌ في التاريخ الشاهد علي تطوّر الأرمن منذ دهور خلتْ، فقد كتب هؤلاء الشعر منذُ عبدوا الشمس التي سمّوها »‬فاهاكن» ونسجوا حولها أغنياتٍ تطرد الأشرار، وتردّ الغزاة المغيرين. وبدخول المسيحيّة تحوّلوا من عبادة الأوثان إلي الربّ خالق الأكوان. وما وصل للقارئ المصريّ غيضٌ مِن فيض ذلك الشعر، ولعلّ التجارب المضمّخة بالدم والمعاناة أسرع في الوصول إلي قلوب قرائنا في العالم العربي، كوننا نتشاطر المأساة ذاتها في منطقةٍ دامية لا تجيد إلا اجترار المجازر المرعبة، ولكن في الكتاب أيضاً قصائد عن الحب والرجاء والأم والأب وجمال الطبيعة وغيرها من الموضوعات.
روح صوفيّة
القارئ للشعر الأرمني يلمس روحاً صوفيّة مسيحية تشبه نظيرتها الإسلامية.. ما صحة ذلك، وإلي أي مدي تمنح الصوفية عموماً زخماً ومعني إنسانياً للشعر؟
- أرمينيا أول دولة أعلنت تنصّرها وتخلّيها عن عبادة الأصنام. نجد في أشعارها المتداولة خلال القرن الخامس، روحاً صوفيّة تجلّت بكتاب المراثي للاهوتي القدّيس الشاعر غريغوريوس ناريكاتسي. وفي المقام عينه، ألّف القدّيس نرسيس شنورهالي الأناشيد الدينية ولحّن الأُغنيات الوطنية، واتّسم شعر الأب غيفونت اليشان بحرارة الإلهام الربّاني والحكمة. إن ما يجمع بين الصوفيّة الإسلاميّة ونظيرتها المسيحيّة هو الاندماج والتماثُل في محبّة الخالق الوهّاب. والصوفيّة لا تمنح الشعر دفقًا إنسانيًّا وحسبْ، بل ترفعه إلي عوالم سامية.
علي الرغم من انتشار الجاليات الأرمنية في الشرق الأوسط إلا أنّ الترجمات العربية للشعر الأرمني غير وافية. ما السبب برأيك؟
- انصرف الأرمن الذين استوطنوا البلدان العربية، إلي إثبات وجودهم كأعضاء فاعلين ومنتجين في تلك المجتمعات، وعملوا بمختلف الحقول بمهارة ومثابرة، حتي برعوا بها. كانوا مُنشغلين ب »‬البقاء» وتضميد جراح الإبادة. لذا لم يتسنّ للمجتمعات المستضيفة التعرّف إلي حضارتهم بسبب تقصير غير مقصود بنشر تراثهم الفكري والأدبي. أما اليوم فبين يدي القارئ العربي النَّهم ما يريد معرفته مِن ملامح الشعر الأرمني القديم والمعاصر.
إلي أي مدي سهّلت إجادتك لعدّة لغات منها الفرنسيّة والإنجليزية مهمّتك في ترجمة الشعر عموماً حتي وإن كانت من لغةٍ أخري هي الأرمنية هنا. هل اللّغات كلّها تنبض بقلب واحد؟
- إجادة اللُّغات تثري ثقافة المرء وتساعده علي التعرف بالمجتمعات الأُخري. والإنسان بقيَمه ومشاعره ووجعه واحدٌ في أيّ بقعة من هذا العالم الشاسع. فالحب والبغض والإيمان والحقد والظلم والعدل والتعلّق بالأرض، والاستشهاد في سبيل الوطن، كلّها قضايا تعتمل في صدر كلٍّ منّا، أينما حللنا، ومهما كان التفاوت بين عاداتنا ومفاهيمنا وتقاليدنا كبيراً ومتبايناً!
للشاعر الكبير سعيد عقل مكانة كبيرة لديكِ. إلي أي مدي ساهم الشاعر الراحل في منحك دفعة إلي أمام لمواصلة عملك في رحاب الشعر وترجمته، وما حكاية تلقيبه لكِ ب»‬جوهرة اليسوعية»؟
- أشكرُ السانحة التي أُتيحتْ للتعرُّف إلي شاعر قلّما أنجبتِ الأوطان مثله، سعيد عقل ساحر الكلمة وسيد الشعر الذي طوّع الحرف واللّحن والصورة وسكبها في أوانٍ تحاكي الإبداع. رأيتُه في احتفالٍ ثقافيّ لمناسبة صدور ديوانَين ترجمتُهما عن الفرنسية للمطران أشكاريان: »‬أجل نحن الزمن»، و»‬شدو العناقيد»، فأهداني جائزته علي مرحلتَيْن قائلًا: »‬هذان الديوانان يُحفظان عن ظهر قلب. إنّهما من نغاشة ونار معاً، وزادهما ألقاً قلم المترجمة جولي مراد، جوهرة الجامعة اليسوعية. نحن الذين تذوقنا الديوانين بالفرنسية، قرأناهما بترجمتهما بلذة... سَلِمَ القلمُ الذي نقل عن الفرنسيَّة تُحفتَيْن بتُحفتَيْن».
أدب الطفل
تكتبين أيضاً للأطفال.. حدثينا عن هذه التجربة، وعمّا ينقص أدب الأطفال العربيّ اليوم؟
- منذ صغري راودتني الكتابة للأطفال، وعندما جاءَني مَن يطلب قصص أطفال، أعددتُ مجموعة بثمانية أجزاء تناولت السلوكيات، من خلال قصص شائقة، مستمدَّة من واقع يغري الطفل علي المطالعة ويدفعه إلي طلب مزيدٍ من القصص. أما أدب الأطفال بلغتنا العربيّة، فيعوزه انقلاب في بعض مفاهيم ورثها مجتمعنا. فالانفتاح علي العالم حولنا يتزايد. لا ضير في كتب تُراثٍ تتحوّل إلي قصص للأطفال وتتحدّث عن الأمجاد الغابرة، لكن أين نحن اليوم من كتبٍ تنمّي قُدرات الطفل وتوسّع مداركه. فلْنبتعِد بكتبنا عن أساليب التوجيه الواعظ، فأطفالنا أذكياء ويستحقّون منّا الاحترام وإطلاعهم علي كلّ جديد بأسلوب سهل بسيط.
أخيراً ما الذي لايزال كامناً في جعبة جولي مراد وربما يخرج إلي النور مستقبلاً؟
- حاولتُ بمسيرتي الأدبيّة تنويع الموضوعات سواء في الترجمة أو التأليف، فوضعت قصص الأطفال وأعددتُ قاموسَين مدرسيّين في اللّغة العربية وقاموسين للأضداد والمترادفات، وكتباً عن الأمثال ومقارنتها بلغات ثلاث، الإنجليزيّة والعربية والفرنسية. كما أنجزتُ كتابَين لتعليم الفرنسية والإنجليزية. وأنا اليوم بصدد إعداد مشروعٍ ضخم لتعليم الأجانب اللغة العربية التي أعشقها، حيث بيتي، وحقلي وملعبي!
وُلدت جولي مراد في بلدة »‬ريفون» في لبنان. تخرّجت في »‬مدرسة الترجمة» بجامعة القديس يوسف في بيروت، وتتنوع أنشطتها المتعلقة بالكتابة والإبداع والترجمة، فهي محاضرة في الترجمة واللّغات بجامعة القدّيس يوسف، وكاتبة صحفية، ولها مؤلفاتٌ متنوّعة. لقبها الشاعر الكبير سعيد عقل ب »‬جوهرة اليسوعيّة» ونالت جائزته وتشجيعاً كبيراً منه للمضيّ في عالم الكتابة والكلمة.
أصدرت العديد من الكتب والقواميس التعليمية، وارتبطت شهرتها في الآونة الأخيرة بترجمتها لجانب كبير من منجزات شعراء الأرمن من اللغة الأرمنية إلي العربية، عبر كتابيها »‬هتاف الروح»، و»شعراؤنا.. صانعو مجد أرمينيا».


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.