وزير الخارجية يعلق على دعوات الحرب مع إسرائيل خلال العدوان على غزة    متحدث الصحة: قانون 71 لسنة 2007 للصحة النفسية تأكيد على سرية بيانات متلقي العلاج    رمضان 2026 يشهد صراعًا دراميًا منتظرًا.. دُرّة وأحمد العوضي في قلب أحداث «علي كلاي»    حكيمي يوجه رسالة قوية لجماهير المغرب ويدعو للوحدة خلف المنتخب    خلال جولاته الميدانية.. محافظة الإسكندرية يشن حملة مكبرة بمنطقة باكوس وشارع سينما ليلى بحي شرق    حزب المحافظين يدعو لترحيل علاء عبد الفتاح من لندن.. والديهي ساخرا "خليه عندكم مش عايزينه"    قوات الاحتلال الإسرائيلي تقتحم قرية عابود شمال غرب رام الله بالضفة الغربية    محافظ الفيوم يتابع غلق لجان التصويت في اليوم الثاني لانتخابات النواب بالدائرتين الأولى والرابعة    مدير مكتبة الإسكندرية يوزع جوائز المبدعين الشباب 2025    رئيس وزراء الصومال: نستخدم القنوات الدبلوماسية للدفاع عن أرضنا ووحدتنا    التشكيل الرسمى لقمة كوت ديفوار ضد الكاميرون فى بطولة كأس أمم أفريقيا    تامر أمين ينتقد أداء الأهلي بعد الخروج من كأس مصر: المشكلة غياب الروح    المستشار إسماعيل زناتي: الدور الأمني والتنظيمي ضَمن للمواطنين الاقتراع بشفافية    أشرف الدوكار: نقابة النقل البري تتحول إلى نموذج خدمي واستثماري متكامل    بوليسيتش يرد على أنباء ارتباطه ب سيدني سويني    تفاصيل وفاة مُسن بتوقف عضلة القلب بعد تعرضه لهجوم كلاب ضالة بأحد شوارع بورسعيد    تفاصيل اجتماع وزير الرياضة مع اتحاد رفع الأثقال    القضاء الإداري يسقِط قرار منع هيفاء وهبي من الغناء في مصر    عاجل- رئيس الوزراء يستقبل المدير العام للمركز الأفريقي لمكافحة الأمراض ويؤكد دعم مصر لاستضافة الآلية الأفريقية للشراء الموحد    الأزهر للفتوي: ادعاء معرفة الغيب والتنبؤ بالمستقبل ممارسات تخالف صحيح الدين    إيمان عبد العزيز تنتهي من تسجيل أغنية "إبليس" وتستعد لتصويرها في تركيا    سكرتير مساعد الدقهلية يتفقد المركز التكنولوجي بمدينة دكرنس    تراجع أسواق الخليج وسط تداولات محدودة في موسم العطلات    نائب محافظ الجيزة يتفقد عددا من المشروعات الخدمية بمركز منشأة القناطر    أمم أفريقيا 2025| منتخب موزمبيق يهزم الجابون بثلاثية    شوط سلبي أول بين غينيا الاستوائية والسودان في أمم أفريقيا 2025    ترامب يعلن توقف القتال الدائر بين تايلاند وكمبوديا مؤقتا: واشنطن أصبحت الأمم المتحدة الحقيقية    هذا هو سبب وفاة مطرب المهرجانات دق دق صاحب أغنية إخواتي    جامعة بنها تراجع منظومة الجودة والسلامة والصحة المهنية لضمان بيئة عمل آمنة    «مراكز الموت» في المريوطية.. هروب جماعي يفضح مصحات الإدمان المشبوهة    نجاح أول عملية قلب مفتوح بمستشفى طنطا العام في الغربية    سقوط عنصرين جنائيين لغسل 100 مليون جنيه من تجارة المخدرات    محافظ الجيزة يشارك في الاجتماع الشهري لمجلس جامعة القاهرة    «اليوم السابع» نصيب الأسد.. تغطية خاصة لاحتفالية جوائز الصحافة المصرية 2025    وزير الإسكان: مخطط شامل لتطوير وسط القاهرة والمنطقة المحيطة بالأهرامات    نقابة المهندسين تحتفي بالمهندس طارق النبراوي وسط نخبة من الشخصيات العامة    إسكان الشيوخ توجه اتهامات للوزارة بشأن ملف التصالح في مخالفات البناء    هيئة سلامة الغذاء: 6425 رسالة غذائية مصدرة خلال الأسبوع الماضي    محمود عاشور حكمًا لل "VAR" بمواجهة مالي وجزر القمر في كأس الأمم الأفريقية    قضية تهز الرأي العام في أمريكا.. أسرة مراهق تتهم الذكاء الاصطناعي بالتورط في وفاته    رسالة من اللواء عادل عزب مسئول ملف الإخوان الأسبق في الأمن الوطني ل عبد الرحيم علي    وزارة الداخلية تضبط 4 أشخاص جمعوا بطاقات الناخبين    صاحب الفضيلة الشيخ / سعد الفقي يكتب عن : شخصية العام!    " نحنُ بالانتظار " ..قصيدة لأميرة الشعر العربى أ.د.أحلام الحسن    من مخزن المصادرات إلى قفص الاتهام.. المؤبد لعامل جمارك بقليوب    انطلاقا من إثيوبيا.. الدعم السريع تستعد لشن هجوم على السودان    قيادات الأزهر يتفقدون انطلاق اختبارات المرحلة الثالثة والأخيرة للابتعاث العام 2026م    لتخفيف التشنج والإجهاد اليومي، وصفات طبيعية لعلاج آلام الرقبة والكتفين    أبرز مخرجات الابتكار والتطبيقات التكنولوجية خلال عام 2025    أزمة السويحلي الليبي تتصاعد.. ثنائي منتخب مصر للطائرة يلجأ للاتحاد الدولي    دار الإفتاء توضح حكم إخراج الزكاة في صورة بطاطين    بدون حبوب| أطعمة طبيعية تمد جسمك بالمغنيسيوم يوميا    كييف تعلن إسقاط 30 طائرة مسيرة روسية خلال الليل    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم فى سوهاج    هيئة الرعاية الصحية تستعرض إنجازات التأمين الصحي الشامل بمحافظات إقليم القناة    لافروف: روسيا تعارض استقلال تايوان بأي شكل من الأشكال    الناخبون يتوافدون للتصويت بجولة الإعادة في 19 دائرة ب7 محافظات    أول تعليق من حمو بيكا بعد انتهاء عقوبته في قضية حيازة سلاح أبيض    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



صائد النهار في سيرته الذاتية: يعبر الصعاب وسط الزحام

قد تبدو قراءة السيرة الذاتية ممتعة ومشوّقة للقارئ، فيما قد تكون مُعذِّبة ومؤلمة لكاتبها الذي يروي فيها تفاصيل حياة كاملة بحلوها ومرها. إنها نوع من التعري أمام الجميع، وقبله أمام النفس، طالما أراد الكاتب أن يرويها بصدق، دون أن يحذف منها ما قد يخجل منه، والسيرة الذاتية هي نوع من الكتابة السردية، يجذب القارئ إليه، وربما بحث عنه القارئ الذي يريد أن يفيد من تجارب الآخرين، سواء أكانوا أدباء أم فنانين، أم سياسيين أم غيرهم.إذ هناك من يكتب سيرته الذاتية بحثًا عن شهرة وذيوع صيت لما قد تتضمنه من أحداث ومشاهد مسكوت عنها ويقوم هو بتعريتها للجميع، وهناك من يكتبها، ولا هدف له سوي أن يبوح بما في جعبته ليتخلص مما قد يجثم علي صدره جراء كتمانها، وهناك من يكتبها لينقل تجربته الشخصية، إنسانية كانت أم إبداعية، ليفيد منها الآخرون.
إصرار ومثابرة
لولا إصراره علي دخول المدرسة لأصبح عمار علي حسن أجيرًا مكسور الظهر في حقول الفلاحين، أو عامل تراحيل ينتظر من يطلبه لأداء عمل ما، أو تاجر حبوب، فيما كان والده يتمني له أن يصبح محاميًا شهيرًا أو قاضيًا.منذ بدايته وعمار علي حسن يواجه الصعاب: أباه الذي لم يكن متحمسًا لدخوله المدرسة، نطقه حرف الراء ألفًا، كتابته للكلمات مقلوبة الحروف، نسيانه أدواته في أي مكان يجلس فيه.هذا ما يعرفه قارئ سيرة عمار علي حسن التي صدرت حديثًا عن الدار المصرية اللبنانية تحت عنوان »مكان وسط الزحام..تجربة ذاتية في عبور الصعاب»‬.
عمار علي حسن المتمرد الذي كان تلميذًا متواضع المستوي حتي الصف الثالث الابتدائي، أصبح بعد ذلك تلميذًا متفوقًا ذائع الصيت، وكان من أوائل الثانوية العامة بقسمها الأدبي، لم ينفذ طلب والده لدخول دار المعلمين ليصبح مدرسًا، بل التحق بكلية الاقتصاد والعلوم السياسية. هنا يقول الكاتب إنه كان يعمل في الحقول وبنايات المدن كي يوفر جزءًا من نفقات دراسته في الجامعة، مساعدًا أباه الذي أثقلت كاهله نفقات أخوته الآخرين.وهو طفل كان وقت حسن موزعًا بين المدرسة والحقل ولعب كرة القدم، وكان أبوه يقول له »‬لا أريدك أن تحني ظهرك أمام أحد، فأنت ستصير أفضل منهم جميعًا». أصعب شيء تعرض له عمار وهو صغير هو درس القمح في القيظ وري الأرض فجرًا في شهر طوبة.
ما أعجبك أيتها الحياة! الطفل الذي كان يعمل في الحقول لجمع دودة القطن من علي أوراق نبات القطن، صار بعد ذلك، بإصراره ومثابرته، مفكرًا وكاتبًا وروائيًا يكتب أوراقًا ينير بها دروب الآخرين. في سيرة عمار علي حسن نجد أشياء كثيرة يستفيد منها القارئ في حياته، يقول عمار إن الحظ إن أتي عليك أن تلتقط خيطه وتديره بوعي وذكاء ودأب وإصرار، خاصة أن هناك من يواتيه الحظ فيبدده ولا يختلف حاله عمن غرقوا في بحار سوداء من النحس.
أفكار خيالية
عمار يؤكد هنا أيضًا أن من ليس له حظ كبير سينتصر إن أحسن التعامل مع القدْر اليسير الذي تجود به الأيام عليه، وإذا أتعب ذهنه في التفكير والترتيب ودراسة الخيارات والاحتمالات، والمفاضلة بينها بوعي .عمار الذي تعلم من الدومينو أن الحظ يحتاج إلي إدارة واعية، تعلم من كرة القدم أن بذل الجهد الفائق وارتفاع الروح المعنوية المستمر والإخلاص في الأداء، بوسعه أن يغلب أي موهبة متكاسلة أو متعالية أو مغرورة.هنا أيضًا لا ينسي عمار فضل باعة الكتب القديمة عليه، إذ كانت يده مغلولة عن شراء الكتب الجديدة، ورغم شغفه بالقراءة إلا أنها لم تمنعه من أن يشارك أقرانه ألعابهم، بعد أن تخلي عن توحده وعزلته.وهو في طفولته، وباستثناء يوم العيد، لم يكن ينخرط في الألعاب، وكان يفضل الاختلاء بنفسه لساعات في حديقة جده ليغرق في أفكار خيالية كانت تأخذه من نفسه، وكان يتملكه وقتها شعور غامض بأن له دورًا ينتظره في هذه الحياة، وعليه أن يسعي خلفه ولا يضل الطريق.طفلاً، كانت عزلة عمار وأطواره الغريبة، تجعل الآخرين يرونه طفلاً طيبًا، وبعضهم أطلق عليه لقب »‬ شيخ» .ومرددًا حكمة أننا نأكل لنعيش، لا نعيش لنأكل، اعتاد ألا يقف طويلاً أمام طعام، وأن يأكل ما يجده، دون أن تكون له طلبات خاصة.
سيرة عمار علي حسن ملأي بمشاهد عديدة منها المؤلم، المحرج، المفرح، ومنها ما يبث الأمل، وما يصيب بالإحباط، وحياته مكتظة أيضًا بالتمرد والشغب والسعي وراء تصحيح الأوضاع الخاطئة، وهو الذي كان يأمل في إنشاء حزب معارض.عمار الذي يرفض أن يهينه أحد يعتبر أن المعرفة قوة في وجه التسلط والطغيان، وقد تعلم في الجيش الانضباط والوصول إلي الهدف من أقرب طريق وقوة التحمل والعمل تحت ضغط شديد، وبعد أن خرج منه وتعامل مع المؤسسات المدنية وجد علي رأس كل منها جنرالاً يتصرف فيها وكأنها عزبة ورثها عن أبيه، مما جعله يواصل تمرده ومقاومته.عمار علي حسن عزيز النفس الذي أورثه تعففه وكبرياؤه متاعب لازمته منذ صغره وصعدت معه في أيام العمل إلي أقصي حد، يراه أصدقاؤه والمحيطون به طفلاً كبيرًا.
صائد النهار
هنا أيضًا يؤكد الكاتب أن السياسة، رغم أنها أعطت تجربته عمقًا وذيوعًا، فإنها جرّت عليه متاعب جمة، أقلها التعمية علي كتاباته الأدبية لسنوات، وهو الذي يري الأدب أحب ما يكتبه إلي نفسه. الكاتب أيضًا يعتبر الكفاح من أجل الحرية والعدل والكرامة والكفاية واجبًا لا يمكنه التخلي عنه، وتبقي محاولته في محاربة النهج العشوائي في التفكير والتدبير لها ما يبررها في بلد كان في حاجة ماسة إلي »‬ثورة فكرية» قبل أن يقوم أهله ب »‬ثورة سياسية».
عمار يختتم سيرته الممتعة هذه قائلاً إنه، ورغم كل ما جري في نهر حياته من مياه غزيرة، لا يزال يري نفسه عامل التراحيل الذي عليه أن يكدح طويلاً حتي يحصل علي القليل ثم يحمد ربه عليه، رافضًا كل ما يأتيه بلا عرق أو كد، وزاهدًا في ما هو بيد غيره، وساعيًا قدر استطاعته إلي أن يمشي علي الأرض هونًا، لكن لخطوه علامة. عمار علي حسن أوصي أسرته أن تأخذ نسخة من كل كتبه لتدفن إلي جواره، وأن يُكتب علي شاهد قبره، الوصف الذي أطلقه عليه رجل ذو علم وبصيرة، هنا يرقد صائد النهار.
وبعد.. مكان وسط الزحام كتاب يحتوي علي تجربة ثرية للغاية لكاتب ومفكر مرموق، لم يجد أدني حرج في ذكر بدايته البسيطة والتي قد يخجل منها كثيرون، أو يقومون بتجميلها كذبًا كي يوهموا الآخرين أنهم أبناء عز منذ نعومة أظفارهم. جميل صدق عمار علي حسن وبساطته، ورائعة كتابته التي تجعل منه كاتبًا متفردًا سواء أكتب أدبًا أم فكرًا أم سياسة.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.