ربما يكون من الأفضل لو أعددت لنفسك كوبا من الشاي بينما تقرأ هذه الصفحات. حاول أن تحتسي مشروبك الآن ببطء وهدوء، تذوق كل قطرة منه بروحك فأنت الآن تمر بتجربة روحية وتاريخية عميقة عمرها آلاف السنين بدأت منذ تلقت الرنسانية هدية الشاي المبهجة عام 2732 ق. م. في قصة الشاي اختلطت الوقائع التاريخية بالأساطير، وهو ما يرصده كتاب يصدر قريبا عن المركز القومي للترجمة تحت عنوان "البشم السائل- قصة الشاي من الشرق إلي الغرب" في تأليف بياتريس هو هنجر وترجمة دعاء قنديل، وقبل صدوره تنشر منه هذه الصفحات التي ترصد كيف اعتبر القدماء هذا المشروب إكسيرا لخلود الروح. شين نونج دليلاً علي وجود الشاي في وقت مبكر جدا. بيد أنه كتب بعد ذلك بكثير خلال حقبة الهان المتأخرة (25- 220م) وقدم بواسطة مؤلفين مجهولين غير معروفين، ويبدو أن الشاي قد أضيف بعدها بأكثر من ثلاثة قرون. لكن وبصرف النظر عن التناقضات التاريخية فإن »البن تساو تشينج« يحتوي علي معلومات مثيرة للاهتمام عن الشاي ويتضمن تعليقات ثاقبة مثل: «الشاي أفضل من النبيذ لأنه لا يؤدي إلي السكر، ولا يجعل الرجل يتفوه بحماقات يندم ويأسف عليها في لحظات إفاقته، وهو أفضل من الماء؛ لأنه لا يحمل المرض ولا يحدث تسمماً مثل المياه حينما تحتوي الآبار علي أشياء كريهة وفاسدة». وبحسب عالم النباتات الفرنسي جورج ميتاليه الذي يدرس علاقاتها بالأعراق البشرية فإن كتاب «تاريخ هوايانج» لا كتاب «البن تساوتشينج» الذي ضم أقدم إشارات للشاي؛ حيث نجد فيه أن الشاي كان جزءاً من الجزية المقدمة للإمبراطور الشاو: «وو» في وقت مبكر في القرن الحادي عشر قبل الميلاد، وظهرت عدة إشارات أخري محتملة للشاي حول بدايات التاريخ الميلادي. ولأنه كان يوجد الكثير من اللغات المختلفة المتحدث بها في الصين، ولأن اللغة الصينية المكتوبة تختلف عن المنطوقة أصبح سوء الفهم أمراً لا مفر منه، وما كان يترجم شاياً ربما كان يعني شيئاً آخر مختلفاً تماماً. وكان يانج هس يانج (53 ق، م - 18م) العالم والفيلسوف الذي عاش في فترة أسرة الهان أول من فحص اللغات المختلفة وكتب قاموس ال «فانج - ين» والذي ذكر فيه أيضا أن سكان أقاليم سزشوان ويونان في الصين هم أول من استخدم الشاي؛ لقد كانت هذه المناطق مناطق جنوبية وغربية؛ حيث انتقل فيها الشاي لأول مرة من عشب بري إلي محصول زراعي علي الأرجح خلال زمن ال هان (206 ق.م - 220م). وبمرور الوقت انتشرت أيضاً زراعة الشاي في أجزاء أخري من الصين ومع حلول القرنين الثالث والرابع الميلاديين، ظهرت إشارات للشاي موثوق فيها في أحوال كثيرة نسبيا. فقد روي عن الطبيب الشهير هوا تو أنه قال: إن شرب الشاي يجعل المرء يفكر بطريقة أفضل ويعطي قاموس «إره - يا» تعريفاً للشاي علي أنه مشروب يصنع من الأوراق عن طريق غليها، وتقرأ في «الشيه شوا» وهو نص يرجع إلي القرن الرابع أن الإمبراطور هو - تي كان يحب الشاي وكان يقدمه لأصدقائه «لكنهم عندما وجدوه مرا جدا كانوا عامة يرفضون تناوله متظاهرين ببعض التوعك، ومع حلول القرن الرابع الميلادي أصبح الشاي بنداً للتجارة ومادة شائعة الاستخدام في الصين علي الرغم من أنه كان غالباً ما يعد مغلياً ومختلطاً عادة بمكونات أخري. لكن علي الرغم من أن القليلين يشككون في أن عادة شرب الشاي عمت في الصين، وأن الصين هي التي حولته إلي المشروب الأشهر عالميا والمقدر الذي هو عليه اليوم، فإن الموطن الفعلي، ومكان ميلاد نبات الشاي نفسه مشكوك فيه بسبب الأساطير المتعارضة والمتضاربة. الصين أم الهند؟ فوفقاً لأسطورة مختلفة ترجع إلي عصر الهان المتأخر، ذهب العالم الصيني «كان - لو» إلي الهند ليدرس البوذية ومن هناك أحضر معه سبع نباتات شاي وزرعهم علي جبل مينج - تينج في سزشوان، ومن ثم يكون الهند هو موطن الشاي، وبالفعل ربما كان السكان المحليون في شمال شرق الهند قد ألفوا الشاي لقرون، وقد تكون آلاف السنين وهي حقيقة ستكون ذات أهمية حاسمة في قصة الشاي كما سنري لاحقا. ولاتزال الطرق المحلية القديمة في إعداد الشاي ليس مشروبا فحسب، ولكن طعاماً يتم تخليله مع الزيت والملح والثوم والسمسم، أو يخلط مع السمك أو الدهون الحيوانية تستخدم اليوم في تلك المناطق الجغرافية، وربما يكون سكان الأدغال الذين كانوا يعيشون علي القنص وجمع الثمار قد نقلوا بذور الشاي وممارساته إلي جيرانهم من السكان الصينيين في بداية الحضارة الزراعية، لكن لأنه لايوجد تاريخ مكتوب ومدون متاح يبقي هذا التفسير هو مجرد احتمال. وفي أي من الاتجاهين فهذه النقطة موضع نقاش؛ لأنه وكما يقول ويليام أو لكرز في أطروحته الموسوعية عام 1935 «كل شيء عن الشاي» وجود نبات الشاي قد سبق الحدود القومية بآلاف السنين، ومن منظور نباتي محض، ففي الطبيعة الأم توجد مزارع الشاي الأولية في المناطق كثيرة التلال شمال شرق الهند وجنوب الصين (إقليمي سزيشوان ويونان)، شمال لاوس مينامار (بورما سابقا) وتايلندا، وقد لاتعرف أبداً إذا ما كان رجل قبيلة يسكن أدغال الهند أو معالج صيني هو من صنع أول قدح من الشاي؛ لكن لايمكن إنكار أن موطن الشاي بوصفه محصولاً مزروعاً هو الصين وأن عمره بوصفه مشروباً لايقل عن ألفي سنة..