يميل لون الزجاج للأصفر المغلق وهو لون يمثل السمة العامة لتلك البيوت الكائنة في موضع سحيق من الصحراء الممتدة بلا نهاية، يقولون إن هذا اللون الذي هو مزيج من أصباغ ومواد كيميائية وأعشاب صحراوية له تأثير سحري يرد هوام الصحراء ويضلل الريح ويحد من هجماتها العنيفة المتكررة، مسح رأس الفتي واستطاع أن يلمح شرخاً في الرقبة الزرقاء النحيلة، إن الحياة لتظل هبة عظيمة في كل الأحوال، كنا في مثل عمرك تقريباً في ذلك الزمان، كان عندي أسلوبي فيما يتعلق باستخدام القوة، يسيران في الدرب الصاعد، يميلان بجسديهما إلي الأمام، ترتد أشعة الشمس عن الجسد الطويل خاطفة براقة وعلي مقربة يومض جسد الفتي باللون الأزرق، أشار إلي أذن الحمارالزجاجي، لقد حك رأسه في الصخر، تتلاحق الأنفاس اللاهثة كلما ازداد الطريق الزلق صعوداً أقبلت عصابة من الكلاب تزمجر وتتقاتل في شراسة، برز بينهم كلب قوي البنية كان يصدر أصواتاً مخيفة فيما تطبق أنيابه الزجاجية علي رقبة كلب يخمش الهواء تحت وطأة الألم ويعوي في إعياء يائس، تكسر عنق الكلب المحتضر، بلغ هياج الزمرة المتقاتلة مداه ، تدحرجت كرة السعار الملون عبر المنحدر، كان صوت الزجاج المتكسر والمتناثر شظايا مرعباً، أشار بكفه في وجه الرجل الزجاجي بلون الرماد المنزرع وسط أكوام الحجارة الملونة، لا تبخسنا أشياءنا، أفرغ الفتي حمولة الحمار، تعرف الظروف يا أخي، تقدم الرجل الطويل النحيل خطوات، أنت تماطل من جديد تعرف مدي جودة بضاعتنا، رمي الرجل الرمادي أشياء كانت بيده فتحطمت، غير بعيد بدأ الفتي متحفزاً، أنت تعلم يا أخي إن الكساد يضرب البلاد، أشار إلي أكوام الحجارة الساطعة الألوان لا أكاد أبيع شيئاً إنني أتاجر في الخسارة. تترامي غابات الزجاج عبر المدي في زخم لوني تزيده انعكاسات الضوء سحراً يفضي إلي غموض شفيف الإحساسات البرتقالية الساطعة الوهج والوحوش المختبئون بين الأشجار، تهتز الأفرع الزجاجية محدثة رنيناً خافتاً وتطير فراشات هشة زاهية الألوان، أزاح غصناً يعترض وجهه، أصدرت الأعشاب الزجاجية المنسحقة تحت ثقل صوتاً رهيفاً، لقد طرحت السؤال ذاته علي بعضهم ولها شئ أحياناً يراودني شعور بأنه لا شئ هنالك. كن حذراً، تلتمع رءوس الصخور المدببة تحت الضوء، كانا يسيران بصعوبة بالغة بين النصال المشرعة، يتأمل أشكال الصخور الغريبة المتنوعة والألوان المتناغمة المتسقة والنقوش المبهرة الجميلة بتفاصيلها الدقيقة التي لا تتكرر من موضع لآخر، كان يخطو مذهولاً حين علقت قدمه في شق صخري، حاول أن يخلص قدمه برفق لكن ذلك كان يورط القدم أكثر بين الصخور المسننة ولما تعذر عليه أن يسترد قدمه باللين لجأ إلي القوة فأحكمت المصيدة الحجرية إطباقها علي القدم، صرخ متألماً، سطع الضوء علي وجه الرجل الذي التفت للخلف متحفزاً منزعجاً ثم أسرع إلي الفتي، كانت القدم الزرقاء منغرسة حتي الكامل في الشق الصخري العميق، أراد أن يوبخ الفتي غير أن مقدار الألم الذي كان يكسو ملامح الوجه الأزق جعل الرجل يصرف كل همه في محاولة تخليص القدم العالقة، كان يعلم أنه قد اختار طريقاً صعب المراس، شعر بشئ من الأسي والغضب فيما كان يدس أصابعه البيضاء الشفافة الطويلة في عمق الشق الصخري محاولاً سحب القدم التي كانت تحتك بالصخر فيتأوه الفتي ألماً، للحظات بدا عاجزاً مشوش الذهن نظر إلي الأفق وتحاش النظر إلي الوجه المكروب، كور قبضته ولكم الفراغ، فكر في المعول يخطو فوق الصخور الناتئة بخفة ونعومة يوشك جسده الرهيف يطير لها، تفكر في ذلك، ربما انهارت الصخور كاشفة عن هوة عميقة تبتلع الفتي وربما حطمت ساقه، لن تجني من وراء قتال الصخر سوي الخسران عليك باللين في مواجهة صلابة الموقف، تعجب من هذا المنطق كان جسده يعكس أضواء شديدة السطوع وضع كفه فوق عينيه أأنت، نظر حوله تحرك بسرعة نحو الحمار الذي كان يقف ساكناً، قلب محتويات الخرج، فكر أن يسأل الفتي عن علبة زيت مفاصل الحمار، رفع الخرج عالياً وأفرغ محتوياته علي الأرض، ضغط أسنانه حين عثر علي العلبة أخيراً، صب السائل اللزج علي قدم الفتي، عليك أن تتحمل وابتلع ألمك.