الشعراوي الحق سبحانه وتعالي يريد أن يعلمنا أن الإنسان يدعو بالخير لنفسه، وأنت لا تستطيع أن تحدد هذا الخير، لأنك قد تنظر إلي شيء علي أنه الخير وهو شر. كأن الداعي قد يأخذ صفة يدعو بها غير مؤهل للإجابة، والحق هنا قال: »أُجِيبُ دَعْوَةَ الداع إِذَا دَعَانِ» أما إذا ذهب فدعا غير قادر علي الوفاء فالله ليس مسئولا عن إجابة دعوته. إن الحق سبحانه وتعالي يريد أن يعلمنا أن الإنسان يدعو بالخير لنفسه، وأنت لا تستطيع أن تحدد هذا الخير؛ لأنك قد تنظر إلي شيء علي أنه الخير وهو شر، ومادمت تدعو فأنت تظن أن ذلك هو الخير، إذن فملحظية الأصل في الدعاء هي أنك تحب الخير، ولكنك قد تخطئ الطريق إلي فهم الخير أو الوسيلة إلي الخير، أنت تحب الخير لا جدال، لذلك تكون إجابة ربك إلي دعائك هي أن يمنع إجابة دعوتك إن كانت لا تصادف الخير بالنسبة لك، ولذلك يجب ألا تفهم أنك حين لا تجاب دعوتك كما رجوت وطلبت أن الله لم يستجب لك فتقول: لماذا لم يستجب الله لي؟. لا لقد استجاب لك، ولكنه نحَّي عنك حمق الدعوة أو ما تجهل بأنه شر لك. فالذي تدعوه هو حكيم؛ فيقول: »أنا سأعطيك الخير، والخير الذي أعلمه أنا فوق الخير الذي تعلمه أنت، ولذلك فمن الخير لك ألا تجاب إلي هذه الدعوة». وأضرب هذا المثل ولله المثل الأعلي: قد يطلب منك ابنك الصغير أن تشتري له مسدساً، وهو يظن أن مسألة المسدس خير، لكنك تؤخر طلبه وتقول له: فيما بعد سأشتري لك المسدس إن شاء الله، وتماطل ولا تأتيه بالمسدس، فهل عدم مجيئك بالمسدس له علي وفق ما رأي هو منع الخير عنه؟ إن منعك للمسدس عنه فائدة وصيانة وخير للابن. إذن فالخير يكون دائما علي مقدار الحكمة في تناول الأمور، وأنت تمنع المسدس عن ابنك، لأنك قدرت أنه طفل ويلهو مع رفاقه وقد يتعرض لأشياء تخرجه عن طوره وقد يتسبب في أن يؤذيه أحد، وقد يؤذي هو أحدًا بمثل هذا المسدس. وكذلك يكون حظك من الدعاء لا يستجاب لأن ذلك قد يرهقك أنت. والحق سبحانه وتعالي يقول: »وَيَدْعُ الإِنسَانُ بِالشَّرِّ دُعَاءهُ بِالْخَيْرِ وَكَانَ الإِنسَانُ عَجُولًا (11)» سورة الإسراء.. والعلماء يقولون: إن الدعاء إن قصدت به الذلة والعبودية يكون جميلا، أما الإجابة فهي إرادة الله، وأنت إن قدرت حظك من الدعاء في الإجابة عليه فأنت لا تقدر الأمر. إن حظك من الدعاء هو العبادة والذلة لله؛ لأنك لا تدعو إلا إذا اعتقدت أن أسبابك كبشر لا تقدر علي هذه، ولذلك سألت من يقدر عليها، وسألت من يملك، ولذلك يقول الله في الحديث القدسي: »من شغله ذكري عن مسألتي أعطيته أفضل ما أعطي السائلين».