طلب رمسيس نجيب امامي من حسين كمال ان يقاسم لبني عبدالعزيز بطولة فيلم »العنب المر» ولكنه رفض نجومية الممثل وأصر علي الاخراج. من بين كتبي الثلاثة عشر الذي أعتز به في خصوصية حميمة كتاب »نصيبي من الحياة» وهو شبه سيرة ذاتية. وعنوان الكتاب يشي بالرضا. والرضا بما قسم لك فضيلة، بل فضيلة الفضائل. والرضا لايعادي الطموح ولكنه ضد الطمع. وحين استعرض فصول حياتي، لابد أن أتوقف عند استاذ فلسفة الجمال د.مصطفي سويف. فالرجل يعظم قيمة الموهبة ويراها »اساسا» لأي ابداع. والرجل يعتقد أن كل انسان يملك قدرا من الموهبة قد يكبر وقد يتضاءل المهم الكشف عنه وهذا دور الكشافين العظام في المجتمع. ود.سويف يري ان الموهبة تترعرع بالاهتمام وقد تموت من الاهمال. وليس بالضرورة أن يكون الفرد موهوبا في الادب أو الفن انما من الممكن أن تكون موهبته في الادارة أو البيزنيس. وعندما يطل الانسان بموهبته علي الحياة ويعترف المجتمع بها، فهنا -كما يقول د.سويف -»توثيق للموهبة» والأهم ان تكون- والرأي لسويف -»موهبة حقيقية وليست مجرد محاولات ساذجة» ان عبدالرحمن الخميسي -مثلا- هو أول من اشار إلي موهبة سعاد حسني. واحسان عبدالقدوس أول من قابل عبدالحليم حافظ واستمع لصوته. وحسين كمال أول من اكتشف »الممثلة» في نادية لطفي وأدت باقتدار. ومصطفي أمين وراء الافصاح عن عشرات المواهب من الكتاب والصحفيين. وأنا- علي المستوي الشخصي - مدين للكاتب المستنير احمد بهاء الدين في منحي »الفرصة» في الكتابة في صباح الخير التي صرت رئيسا لتحريرها بعد سنوات. المهم هو »الفرصة» لانه بدون الفرصة تظل الموهبة مختبئة بين الضلوع. لقد طلب رمسيس نجيب امامي من حسين كمال ان يقاسم لبني عبدالعزيز بطولة فيلم »العنب المر» ولكنه رفض نجومية الممثل وأصر علي الاخراج. كان حسين كمال واثقا من ادواته كمخرج، مثلما كان يوسف ادريس واثقا من امكانياته ككاتب اكثر منه كطبيب. و»نصيبي من الحياة» يكشف اني لم أسع في حياتي إلي شيء، بل ان السيناريو الالهي كان بطلا واقصد بايمان حقيقي بالمشيئة الألهية. انها تدبر شئون الكون فيأتي ما اتمني ومالم اتمن حتي بابي! فأنا لم اسع إلي الإذاعة في مطلع حياتي ولكن ظروف رحيل بيرم التونسي جعلتني اكتب تخاريف فكرة لكنها راقت لآمال فهمي ورددت اسمي طيلة شهر رمضان وظللت اكتب فوازير نثرية طيلة 10 سنوات لآمال فهمي! وانا لا أدعي الذكاء ولا الفطنة ولكن المشيئة الالهية الهمتني بفكرة ما في التو واللحظة علي ترابيزة في الهيلتون تضم مجموعة من الاصدقاء من بينهم الاستاذ كامل البيطار متعه الله بالصحة وهو شاهد علي تلك اللحظات. فأنا لم اطلب ان اكون كاتبا للفوازير ولا اعرف كيف أصل إلي حل فزورة يختبر فيها ذكائي. ولكن ماجري مع آمال فهمي يثبت ان الموهبة قد افصحت عن نفسها ذات ليلة. وأنا ايضا لم أسع إلي العظيمة مديحة نجيب مديرة اذاعة الشرق الاوسط لأكون متحدثا في الاذاعة ولكنها قالت لي ذات صباح »ماتجرب تقول شوية ملاحظات مش سياسية بصوتك» قلت لها بلهفة وخوف: اقولها فين؟ قالت مديحة نجيب: عندي في برنامج الوان واختم بك الحلقة! ودخلت الاستوديو هذه المرة متحدثا لخمس دقائق وقدمتني الحاجة مديحة »اما الآن فموعدكم مع مفيد فوزي وخواطره ع الهوا» وكانت رحمها الله تحضر التسجيل منعا من الشطط وللدقة بعض ارائي الصادمة. ظللت كل سبت علي مدي سنين اكتب خواطري واذهب إلي استوديو 15 لأسجلها وربما كانت الناس تسمع صوتي الجاد النبرات المحدد لأول مرة. وبعد ذلك كلفتني مديحة نجيب بالسفر مرتين إلي باريس ولم يمانع مايسترو الاعلام وحافظ نسق المنظومة صفوت الشريف. وذلك لأقابل الموسيقار عبدالوهاب وفي العام التالي عمر الشريف كانت فوازير من نوع مبكر فأنا اتحدث بصوتي مع الموسيقار عن 30 شخصية رحلت من حياتنا والنصوص مكتوبة والهدف استنباط اسم الشخصية التي يدور حولها الحوار! وفي نفس الوقت كنت »أعد» لسامية صادق بعض شخصيات برنامجها الشهير »فنجان شاي» وهذا ما جعلها تلتفت لي عندما تولت رئاسة التليفزيون ذات يوم. أنا لم أسع لأكون مذيعا علي الشاشة ولاعمري. فكرت في هذا الحلم. لقد »اتقنت مهمة اعداد البرامج» للنجوم: ليلي رستم واماني ناشد وسلوي حجازي وسمير صبري وفريال صالح ونجوي ابراهيم. ولم أذهب للتليفزيون وأدق علي بابه ولكني تلقيت تليفونا من صلاح زكي اشهر قارئ نشرة علي شاشة التليفزيون ورئيس القناة الاولي. دعاني إلي نادي القاهرة وعرض علي التعاون معه ووافقت بقلق وفي اليوم التالي اصطحبني لاختيار المذيعة التي ستقدم »نجمك المفضل» واخترت مذيعة »لديها القدرة علي الاشتباك» وكانت ليلي رستم. نعم رسم السيناريو الالهي الخطوات حتي ظهر البرنامج وكان اكتشافا للنجوم والادباء لم يسبق للشاشة ان تعرفه وظهر اسمي كمعد. ليس- بالمناسبة- بيني وبين صلاح زكي أي صداقة ولكن مشيئة الله رتبت اللقاء معه حتي ميلاد برنامج يعتبر »تلفزة للصحافة» أو تصحيف للتليفزيون. إلي الحد الذي حصلت فيه علي جائزة مصطفي أمين وعلي أمين في الصحافة عن »برنامج» تليفزيوني قدمته بعنوان رباعية لم تتم عن صلاح جاهين!! لم أحصل علي الجائزة عن مقال أو تحقيق صحفي! حين جلست سامية صادق علي مقعد رئيس التليفزيون ورأت بعض لقاءات أدرت حوارها بتكليف من المخرج الفنان جميل المغازي كلفتني باعداد برنامج عن »أم كلثوم» اخترت له عنوان »عصر من الفن» وذهبت للاهرام وانتظرت وصول المذيعة ولكنها لم تصل واذا بالساعي الواقف علي مكتب الفنان الكبير صلاح طاهر يهمس في أذني »لك تليفون في مكتب صلاح بك» ودخلت مهرولا وانا أردد »خير»! كانت المتحدثة سامية صادق شخصيا تكلفني بتقديم البرنامج استنادا كما قالت »أفضل من يقدم مادة هو من اعدها». هكذا كانت المشيئة الالهية ان أبدأ من تلك الليلة رحلة ظهوري علي الشاشة كمقدم برنامج وللدقة كمحاور علي مدي اكثر من ثلاثين عاما. متلألئا بين هذا الجهد برنامج الشارع المصري علي مدي 20 سنة هو حديث المدينة الذي قدمني دون أي سعي من جانبي لمحطة الاوربيت متعاونا مرة في التقديم مع النجم عمرو أديب ومرة أخري برنامج علي الهواء مباشرة »مباشر مع مفيد فوزي» ومرة ثانية احكي عن »شخصيات عرفتها» ومرة ثالثة برنامج مسجل في موضوعات تهم جموع الناس في الوطن العربي »علامات استفهام» كنت بمجرد الاقتراح تأتي الموافقة دون سعي أو واسطة. تعلمت ان المجتمع حين »يثق» في موهبة ويعترف بها، يلقي القبول. ولا أغفل تكليف MB» لي في بدء مشوار المحاور حيث سافرنا »المخرج الأردني وانا» عواصم العالم العربي لنقدم 30 شخصية أدبية وفنية من شتي البلدان الشقيقة ليذاع في رمضان بعنوان »ابحار»، كان أول »طلة» لي من شاشة غير شاشة بلدي وحين كلفت بحديث المدينة، كان أول توك شو من الشارع يقيس نبضه ويتحسس افراحه واحزانه وسخطه احيانا وحين اسدل »الإخوان» الستارة في زمن وزير اعلام الجماعة صلاح عبدالمقصود علي حديث المدينة. اخذت التقط انفاسي بعد طول المشوار للمحاور ولكن المهندس اسامة الشيخ الحقني بقناة دريم برعاية د.احمد بهجت لأقدم علي مدي عامين واكثر برنامج »مفاتيح» الذي اعتبره قمة نضج المحاور. في الصحافة، كنت محررا في صباح الخير ولم اكن سكرتيرا للتحرير أو نائبا لرئيس التحرير أو مديرا للتحرير وقد اختارتني القيادة السياسية رئيسا للتحرير طوال 8 سنوات، هكذا كانت مشيئة الله والسيناريو الالهي الذي كان بطلا في حياتي ومازال. في الحس الشعبي يقولون »تجري جري الوحوش غير رزقك لم تحوش» وهي كلمات عميقة الدلالة. من تجارب عمري، تعلمت: 1- ما هو مقسوم لك.. سيصل اليك. 2- ليس بالتخطيط المسبق تحقق ماتريد، انما الاجتهاد موصل جيد لشاطئ الامنيات. 3- كنت طموحا لا»طماعا» وجاءت طيور احلامي تعشش علي اغصان شجرتي. 4- مهما كان للارادة الانسانية من قوة، فمشيئة الرب اكبر. 5- التشتت يؤدي إلي الاحباط والتركيز هو عسكري المرور، فلم اقترب من اية مشاريع أخري مادام الله حدد لي مربع نجاحي. 6- لم اتكاسل أو اتخاذل بل استثمرت مواهبي- ان كان لي مساحة في شارع النجاح - فهي »رزق». نعم هي رزق من الله، احمده عليها لأصونها.