خارج القطر العربي؛ يتباين الأمر بوضوح. ففي حين يتجلي المسمي حرفيا بروسيا وإسبانيا، نجده شبه مختف في الصين. بينما في فرنسا وإسبانيا تتحكم فيه عوامل أخري مثل تيارات الكتابة والأحداث التي يفرضها التاريخ. فيما يلي يوّضح لنا أساتذة اللغات الظاهرة ومعاييرها، من واقع خبرتهم، واطلاع كل منهم علي أدب اللغة المتخصص فيها. د.علي منوفي : أسبانيا.. الجيل أو »الدفعة» يقول خوسيه أورتيجا إي جاست، الفيلسوف الإسباني: »واقع الحياة ليس ذلك الذي يراه آخر من الخارج، بل هو ذلك الذي يعيشه ويكابده من الداخل وهو يحياه، ومن هنا فإن معرفة حياة أخري ليست حياتنا تدفعنا إلي أن ننظر إليها لا من المكان الذي نتموقع فيه ولكن من داخلها، أي من الذات الذي يحياها». بهذه العبارة بدأ أورتيجا تأملاته حول نظرية الأجيال في إسبانيا. غير أنه لم يكن هو المنظر الأول في العالم لها، بل سبقه كثيرون منهم كانط وجون ستيوارت ميل وجوستين دورميل وأنطوان كورنت وويليام دلتي. وضع لتأملاته الضوابط المتعلقة بالأجيال من حيث المرحلة العمرية والتقارب في المشارب الأدبية والأحداث السياسية والاجتماعية. إذا ما تأملنا المشهد الأدبي والفني في إسبانيا ابتداء من نهاية القرن التاسع عشر وحتي الآن لوجدنا أجيالا عديدة ووجدنا أيضا تعايش جيلين في فترة زمنية واحدة، ولوجدنا كذلك الربط بين الجيل وبين الأحداث السياسية الكبري أو الطموحات القومية والأدبية.. وعندما تكون هناك بعض الصعوبات في الالتزام بمصطلح الجيل الأدبي، يجري استخدام مصطلح آخر مثل »الدفعة» أو الاتجاه. وحتي نكون أكثر تحديدا نشير إلي مايلي في النقد الإسباني: جيل 1898، أي التاريخ الذي فقدت فيه إسبانيا آخر مستعمراتها في ما وراء البحار، وكان ذلك نكسة كبري دفعت الأسبان إلي التساؤل حول الأسباب التي أدت إلي هذا الانهيار وشمل ذلك الإبداع الأدبي ودراسات تتعلق بالهوية الإسبانية، ومنها أسبنة أوربا أو أوربة إسبانيا. وبعد ذلك بإثنتي عشرة سنة ظهر جيل/ دفعة أطلق عليه »جيل بداية القرن» والذي إليه يُنسَب أورتيجا إي جاسيت. كانت مهمة هذا الجيل التوصل إلي قول الفصل لحل أزمة إسبانيا الثقافية والسياسية، فكان النصر حليف أوربة إسبانيا أي انخراطها في محيطها الأوروبي. كانت ثمرة هذا الجهد الفكري الفلسفي ظهور الجيل الشهير، جيل السابع والعشرين، أي الجيل الذي يُنسَب إليه كل من لوركا وبيثنتي ألكساندري وخورخي جيين...(المدارس الطليعية والفن السريالي). من الملاحظ أيضا أن جيلا واحدا لا يسير علي الاتجاه الذي بدأه دائما، وهذا ينطبق علي كافة الاجيال، إذ يتأثر السابق باللاحق أحيانا حتي لا يفوته الركب، أو أن يغير الجيل من مساره الإبداعي حسب المعطيات الجديدة مثلما حدث مع لوركا وديوانه »شاعر في نيويورك» ومع ألبرتي وتأسيسه عام 1930 لمجلة »أكتوبر» تيمنا بالتوجهات الشيوعية التي اجتاحت أوروبا خلال الفترة نفسها (شعر الالتزام مثلا). هناك عناصر أخري تسهم في إحداث تغيرات في المسار، وهو الاحتفال بمئوية أديب بارز، ومن ذلك الاحتفال بمئوية الشاعر الإسباني جارثيلاسو دي لابيجا في منتصف ثلاثينيات القرن الماضي وعودة الرومانسية ولو علي استحياء. ثم تأتي الحرب الأهلية الإسبانية (1936 - 1939) وما ترتب عليها من محاولات لوضع دفة قيادة أدبية تعضد النظام الجديد، لكنها لم تدم طويلا.. وأطلق علي الفترة التي حكم فيها الجنرال الراحل فرانكو (1939 - 1975)، »فترة ما بعد الحرب»، حيث ظهرت أجيال واتجاهات ومسميات منها: »جيل الخمسينيات»، أو »دفعة الخمسينيات» والشعر الاجتماعي.. و»جيل السبعينيات» والواقعية الجديدة والواقعية الاجتماعية. د.علا عادل : ألمانيا.. اتجاهات داخل الأجيال يوجد في الأدب الألماني تقسيم أجيال، لكن ليس كل عشر سنوات أو زمنيا، وإنما بشكل أكبر، فألمانيا تاريخها دائما مقسم لمواضيع سياسية، سنجد جيلا كان منشغلا بالحرب، وجيل ما بعد الحرب، وجيل الانقسام، جيل ما بعد التوحيد، فالأجيال هناك مرتبطة بشكل أكبر بحدث يكتبون جميعا عنه. الآن بدأت تظهر الاتجاهات داخل الأجيال، فقد ظهر مؤخرا جيل صغير جدا، أعمارهم في أوائل العشرينيات، أحدثوا طفرة مثيرة للدهشة ونالوا العديد من الجوائز، الغريب في الأمر أن أساليبهم متشابهة إلي حد كبير، وحينما أُجرِيَت عليهم دراسات اكتشفوا أن أغلبهم يحضرون ورش كتابة، لذا تتكرر الجمل فيما بينهم. كما أنهم لا يكتبون فقط عن أشياء آنية، وإنما عن أشياء قديمة، حيث تغلب علي أعمالهم »العودة إلي قصص الأسر» التي تتمحور حول عائلة من جد وجدة وأب وأم ثم جيل أصغر، فمعظمهم يكتبون عن امتداد عائلتهم من الزمن القديم حتي العصر الحالي. د.أنور مغيث :فرنسا.. تيارات أدبية في فرنسا لا نسمع عن تقسيم زمني، وإنما عن تيارات، مثل »الرواية الجديدة» وتُحسَب من 1945 إلي 1965، وجماعة »أوليبو» أو الأدب التجريبي في الستينيات، تيار ما بعد الحداثة، لكنها تسمية متأخرة لزمن بودلير وأواخر القرن التاسع عشر. بالإضافة إلي »أدب ما بين الحربين» الذي يبدأ من 1918 وحتي 1939، وكتب فيه أندريه جيد وفرنسوا مورياك، سبقهم جيل كامل من الأدباء يضم أعلاما كباراً مثل بلزاك ومارسيل بروست وغيرهما، وتلاهم الأدب الجديد الذي ظهر مع ناتالي ساروت وألبير كامو وجون بول سارتر. روايات الجيل الجديد أغلبها تتسم بالجرأة ويغلب فيها الطبع النسائي ومتأثرة كثيرا بالرواية الجديدة، لكنها عادت تتضمن أحداثا، لأن تيار »الرواية الجديدة» كان يحكي دون أحداث، شخصيات فقط، بينما هم احتفظوا بأسلوب الرواية الجديدة وطريقتها في السرد، مع تضمين أحداث فيها، كما كانت من قبل. لكن لتحديد جيل لابد أن تتوافر فيه مجموعة من الخصائص تميزه عما سبقه، وهذا لم يتضح بعد. د.أنور إبراهيم : روسيا.. الذهبي والفضي والبيروسترويكا فكرة الجيل مرتبطة بمدي انفتاح أو انغلاق السلطة الحاكمة، وظروف المجتمع. كانت قمة ازدهار الأدب الروسي، في العالم، في العصر الذي بدأه بوشكين، حيث كان ظاهرة، وتلاه عدد من الكتاب الكلاسيكيين المعروفين في العالم كله مثل جوجول ودستويفسكي وغيرهما، تمت تسميتهم بالجيل الذهبي، الذي انتهي عند تولستوي وتشيخوف في مطلع القرن العشرين، لكن داخل الظاهرة نفسها تجلت فترات مهمة مثل ستينيات القرن التاسع عشر، وهي تشبه مثيلتها في القرن العشرين بمصر إن صحت المقارنة. بعدهم في 1910 تقريبا، بدأ جيل مخضرم في الظهور، ممن تعلموا من الأجيال القديمة ويعيشون في مطلع القرن العشرين، وعندما اندلعت ثورة 1917 احتفوا بها، فظهر عدد من المدارس والتيارات الأدبية مثل الطليعية والمستقبلية والذروية، كان فيهم أكثر أدباء روسيا موهبة، وسُمِّي بالجيل الفضي. فكلمة »الجيل» موجودة في الأدب الروسي حرفيا، ويكون مرتبطا بحدث مع ظهور اتجاهات جديدة في الكتابة. تعرض الجيل الفضي للملاحقة والاضطهاد من جانب النظام السوفييتي، مع توقف عدد منهم عن الكتابة واختلافه مع الثورة مثل ماياكوفسكي، بسبب أدلجة الأدب، حيث بدأ في العشرينيات والثلاثينيات عصر الرعب الأكبر مع ستالين، الذي فرض شكل في الكتابة. ما حافظ علي التوازن هو اندلاع الحرب العالمية الثانية، حيث فرضت أن تكون الأولوية للوطن والدفاع عنه وقيم التضحية والشجاعة، فظهر ما يسمي بأدب الحرب. استمر ذلك حتي بعد وفاة ستالين عام 1964، فجاء خوروشوف وألقي خطابا في المؤتمر العشرين للحزب الشيوعي السوفييتي، كاشفا جرائم ستالين وكانت تلك نقطة تحول »فترة ذوبان الجليد»، حيث بدأت تتراخي قبضة الدولة عن الكتابة المختلفة. بعدها جاءت مرحلة الركود، وشهدت بعض الحرية في الكتابة. إلي أن وصلنا لجورباتشوف ومرحلة »البيروسترويكا» أو »إعادة البناء»، مع بدايات انهيار الاتحاد السوفييتي وزوال القبضة الحديدية عن الأدب نهائي، وعادت الأعمال الممنوعة للظهور مرة أخري وعودة كتابات المهجر، وبدأ عصر »ما بعد البيروسترويكا» الذي نعيشه الآن. د.محسن فرجاني : الصين.. المسمي غير واضح بقوة تاريخ الأدب الصيني الحديث بشكل عام، يترافق في مسيرته مع الأحداث السياسية، ومعظم التقسيمات كذلك أيضا، بدليل أن آخر مرحلة في الأدب الصيني الحديث هي مرحلة »الفترة الجديدة»، وتلك تسمية سياسية، تعود إلي الثمانينيات وبداية فترة الانفتاح، وفيها »مو يان» و»يو هوا» وغيرهما، لكن لا يمكن تسميتهم بالجيل، وإنما هي مرحلة لها خصائصها. أيضا مرحلة »نادي الأدب الجديدة» التي استمرت من 1919 وحتي الأربعينيات، كانت أكثر من عشر سنوات، وكانت تلك الفترة التي بدأت الصين فيها تحديث روحها وأشكالها الأدبية والثقافية، وكان واضحا أن التحديث فيها باستلهام نماذج الإبداع الموجودة في أوروبا وروسيا، فظهر الأدب اليساري، ولم تكن فكرة الحقبة أو الجيل بارزة بوضوح. وقد توقع زعماء حركة الثقافة الجديدة يوما ما أن أحد أحفادهم سيحصل علي جائزة نوبل، وهذا ما حدث مع مو يان، الذي ظهر بعد الانفتاح، وبهذا يمكن أن نعتبره بشكل أو بآخر صدي للثورة الثقافية الأولي، لذا لا يمكن اعتباره جيلا جديدا، وإنما امتداد لتيار 1919. في حدود معلوماتي كقارئ للأدب الصيني، لم ألاحظ مسمي »الجيل» ضمن مظاهر تطوره، بالوضوح الذي عليه في مصر، إلا مرة واحدة حسبما أتذكر، فالعشر سنوات الوحيدة في تاريخ الصين هي فترة الثورة الثقافية من 1966 إلي 1976، ولم تكن مرحلة أدبية وإنما سياسية بالدرجة الأولي يطلق عليها المؤرخون جيل »العشر سنوات»، وهي ليست تسمية أدبية بل يقصد بها المجتمع ككل. علما بأن العشر سنوات تستخدم لملاحقة التغيرات التي تتم، باعتبارها تتضمن قفزة في الظروف الاجتماعية أو السياسية أو الأدبية أو الإبداعية، تؤدي إلي تغيير. أظن أن العشر سنوات أو الحقبة، ربما كانت تناسب نهايات القرن العشرين، أما ما يحدث في العالم والتطورات الموجودة الآن فلم يعد مناسبا لها تسمية حقبة، لأن ثورة المعلومات والاتصالات جعلت التراكم الذي من شأنه إحداث قفزة من مرحلة لأخري يستغرق أقل من عشر سنوات.