يمثل الأدب الروسي المعاصر مجموعة المؤلفات والأعمال الأدبية التي صدرت لأول مرة في روسيا منذ منتصف الثمانينيات من القرن الماضي وحتي الآن. وقد لعب النقد الأدبي والمجلات والجوائز الأدبية العديدة دوراً كبيراً في تشكيل عملية التطور الأدبي في روسيا. و خلافا للستينيات والتي ساد فيها منفرداً اتجاه الواقعية الاشتراكية، يتسم الأدب المعاصر بتنوع اتجاهاته وتياراته. وهناك عدد كبير من النقاد يعتبر أن عام 1991م هو البداية الحقيقية للأدب الروسي المعاصر والذي شهد بالإضافة إلي التحولات الاجتماعية العميقة انشقاقاً في اتحاد الكتاب السوفيت. ويعيش الأدب الروسي مرحلة انتقالية جديدة في تاريخه تشبه تلك التي عاشها في نهاية القرن التاسع عشر وبدايات القرن العشرين. شهدت العقود الثلاثة الأخيرة انتقال الأدب الروسي من مرحلة سيطرت فيها الرقابة علي الإبداع في الحقبة السوفيتية إلي مرحلة جديدة استفاد فيها الأدب كغيره من الفنون من أجواء حرية التعبير. وهناك الكثير من أوجه الشبه بين تلك الحقبة وفترة العصر الفضي في الأدب الروسي. وشهد النصف الأول من تسعينيات القرن العشرين ثورة أدبية روسية. فقد تم إلغاء الرقابة تماما و إعلان سياسة المكاشفة و العلانية، وأدي ذلك إلي ترجمة الكثير من الأعمال الأدبية الأجنبية إلي الروسية. كما عاد الكثير من الأدباء الروس الذين تم نفيهم أو هاجروا إلي الخارج أو منعت كتبهم من النشر في السابق. وقد أطلق علي كتب هؤلاء "الأدب العائد" ونذكر منهم علي سبيل المثال الكسندر سولجنتسين صاحب "أرخبيل الجولاج" ورواية بوريس باسترناك "دكتور زيفاجو" و رواية ميخائيل بولجاكوف "المعلم ومارجريتا". وقد استفاد الأدب الروسي من غياب الرقابة وانطلق بحرية يتناول كل القضايا ويجرب نفسه في مختلف الأجناس الأدبية. وفضلاً عن الحرية في الطرح يتسم الأدب الروسي المعاصر بسيطرة موضوعات الحوار بين الحضارات والثقافات حيث يلتحم الكتاب الروس في فضاء واحد مع الكتاب المعاصرين في العالم. كما يتسم بغياب المنهجية الواحدة أو الأسلوب الواحد أو الزعيم الأوحد. وأخيرا يتميز الأدب المعاصر بكونه يجمع أكثر من جيل من الكتاب حيث يجمع النقاد علي أن هناك أربعة أجيال من الكتاب ينشطون حاليا علي الساحة الأدبية. الجيل الأول هو جيل الستينيات الذين بدؤوا الكتابة في فتره ذوبان الجليد ومن أمثالهم فاسيلي أكسيونوف وفلاديمير فوينوفيتش و فالينتين راسبوتين و غيرهم. و يعتبر هؤلاء اليوم من الكتاب الكلاسيكيين في الأدب المعاصر. أما الجيل الثاني فهو جيل السبعينيات أو الجيل السوفيتي. وقد بدأ هؤلاء الكتابة في أجواء الرقابة والمنع ونذكر منهم أندري بيتوف وليودميلا بيتروشيفسكايا وفيكتوريا توكاريوفا وهؤلاء يرون أن الإنسان بطبيعته جيد ولكن الظروف المحيطة هي السيئة. ومع البيروسترويكا ظهر الجيل الثالث ويضم تاتيانا تولستايا وفيكتور بيليفين وليودميلا اوليتسكايا وفلاديمير سوروكين. وقد بدأ هؤلاء العمل دون رقابة وقاموا بالتجريب في مختلف فنون الأدب و طرح موضوعاته خاصة تلك التي كانت محظورة في السابق. أما الجيل الرابع فبدأ نشاطه في نهاية التسعينيات وأغلبه من الكتاب الشباب من أمثال دينيس جوتسكو وأندري جيلاسيموف ورومان سينتشين وزاخار بريليبين. ومن الظواهر اللافتة بالنسبة للحياة الأدبية في التسعينيات - الجوائز الأدبية والتي تلعب دوراً في اكتشاف الأسماء الجديدة. وحاليا هناك العديد من الجوائز الأدبية في روسيا و يقدر عدها بالمئات. ومنها البوكر الروسي الذي تأسس في عام 1991م وتعد أول جائزة أدبية روسية غير رسمية منذ عام 1917م. وبعد أن مر الأدب بفترة انتقالية صعبة أخذ في التطور المتواصل فصار أكثر إمتاعا وظهر التجريب وتم طرح مواضيع جديدة. واليوم يتوزع الأدب بين اتجاهات متعددة منها الواقعية الجديدة والتي تتناول بشكل تقليدي القضايا الاجتماعية والأخلاقية في الحياة ويواصل في ذلك تقاليد الأدب الروسي. ويتسم هذا الاتجاه بغلبة الفسيولوجي والفلسفي فيه وتفعيل دور البطل الباحث عن حل للمشكلات وتكرار الحوار بين المؤلف والقارئ. وهناك من يطلق عليه اتجاه "ما بعد الواقعية"، ويعرفونه بأنه منظومة محددة للتفكير الفني حيث يتم قبول الواقع بوصفه معطي موضوعيا وتطابقا بين ظروف مختلفة تؤثر علي المصير الإنساني. وقد لوحظ في أعمال ما بعد الواقعية ابتعاد الكاتب عن الباعث الاجتماعي مع منح الأولوية لتصوير الحياة الشخصية للإنسان ونظرته الفلسفية للعالم المحيط. وقد استمر الاتجاه الواقعي في ترسيخ أقدامه في الأدب الروسي المعاصر بل و تشعب إلي فروع منها السيريالية والواقعية النقدية والواقعية السحرية. و تتطور المبادئ التي وضعها ماركس و بورخيس علي أيدي جيل جديد من الكتاب من أمثال الفريد يلينيك و جوران بيتروفيتش و ماريو فارجوس و غيرهم. وهناك أيضا الأدب الجماهيري والذي يتسم باستخدام خليط من الاكليشيهات المضمونية ومنظومة أجناس فنية صارمة مثل الأدب البوليسي و الميلودراما و الفانتازيا وغيرها. كما يضعف وأحيانا يغيب تماما موقف الكاتب في العمل الأدبي. ويتسم هذا الأدب أيضا بتناول الموضوعات التي تناقش الغرائز و الرغبات الإنسانية. ومازال الأدب البوليسي يحتل الصدارة نظرا لإقبال القراء علي هذا النوع إلا أن الأعمال البوليسية أصبحت تتضمن موتيفات تاريخية و ساخرة و خيالية و فكرية. ومن أشهر الكتاب سيرجي لوكيانينكو و بوريس اكونين. وإذا تحدثنا عن أدب السيرة الذاتية يمكن القول إنه يحتل مساحة ليست كبيرة. ويرجع ذلك لقلة إقبال القراء علي هذا النوع من الأدب بالإضافة إلي أن قيمتها الأدبية ليست كبيرة. ومن أهم الاتجاهات الأدبية المعاصرة في روسيا "ما بعد الحداثة" و يتمثل في إعادة تقييم المعايير الجمالية ومزج الأساليب واللغات والثقافات والاقتباسات الساخرة من التجارب الفنية العالمية. وعلي الرغم من أن الاتجاهات الحديثة في الأدب الروسي قد تخطت مرحلة ما بعد الحداثة وتمضي قدما إلا ان هذا الاتجاه ما زال صامدا وخاصة بين النخبة من المثقفين. وتتمحور أهم الموضوعات التي يتناولها الكتاب الروس المعاصرون بين الحديث عن الأساطير (فلاديمير ارلوف واناتولي كيم و أليكسي سلابوفسكي وفلاديمير سوروكين و تاتيانا تولستايا) أو تناول القرية الروسية (يفغيني نوسوف و فاسيلي بيلوف وفالينتين راسبوتين و بوريس يكيموف) أو الفانتازي (مانويل سيمينوف و سيرغي لوكيانينكو وميخايل اوسبينسكي) والمذكرات المعاصرة (يفغيني جابريلوفيتش و دافيد سامويلوف وليف رازجون) بالإضافة إلي الأدب البوليسي الذي ما زال مزدهرا (ألكساندرا مارينينا وبولينا داشكوفا وبوريس اكونين). وهكذا نخلص إلي ان الأدب الروسي المعاصر يعيش مرحله البحث عن الهوية ويحاول اثبات قدرات ومواهب الأدباء الجدد علي مواصله التقاليد العظيمة في الأدب الروسي وتحقيق اكتشافات إبداعية جديدة. كما يمكن القول أن وفره الكتاب الشباب الواعدين يبعث علي التفاؤل بمستقبل الأدب الروسي خلال النصف الأول من القرن الحادي والعشرين.