شهد الأدب الروسي قبيل نهاية القرن العشرين أوقاتا عصيبة، وخلت مكتبته من الأعمال المميزة، عدا بعض الأصوات القليلة التي نجحت في تجاوز تلك الفترة. ورغم تراجع الرقابة على الإبداع وإتاحة المجال أمام الكتاب في روسيا الجديدة للتعبير عن آرائهم، إلا أن ظروف ما بعد الانهيار، تركت آثارها على طباعة الكتب. يأتي القصاص والروائي فيكتور بيليفين في مقدمة كتاب تلك الفترة، يليه الروائي والمسرحي فلاديمير سوروكين، والشاعر ديميتري بريجوف. واتسمت تلك الفترة بظهور كاتبات قصة قصيرة، مثل: تاتيانا تولستايا، لودميلا بتروشيفسكايا، والروائيات لودميلا أوليتسكايا، ودينا روبينا، إلى جانب كتاب الخط التقليدي مثل: ميخائيل شيشكين، وفاسيلي اكسينوف. وقد بشر القرن الحادى والعشرين بجيل جديد من الكُتّاب، تختلف نصوصه كلياً عن نثر ما بعد الحداثة قبيل نهاية القرن العشرين، مما دفع النقاد لتحديد ملامح واقعية جديدة يدشنها الشباب الذي كبر بعيداً عن أحضان الاتحاد السوفيتي. ويكتب الواقعيون الجدد عن الحياة اليومية دون استخدام العناصر الصوفية والسيريالية الخاصة بأسلافهم، فهم يرون أن الفن يختلف عن الوعظ الذي يجد له متسعاً في الصحافة، وفي الكتابة السياسية والاجتماعية. ومن بين الكتاب المميزين في هذه الفترة، الروائي والقاص أندريه فيكتوروفيتش ديميترييف، الحاصل على جائزة البوكر الروسية عام 2012 عن روايته "الفلاح والصبي". وديميترييف من مواليد ليننجراد في مايو 1956، أنهى دراسته الجامعية للسيناريو في 1982، ثم عمل محرراً، وكاتبا للسيناريو في ستوديو جوسكينو في الفترة من 1983: 1986. نشر أول قصة قصيرة في 1983، بعنوان "الهدوء" في مجلة "نوفي مير"، وجريدة "زناميا"، كما كتب سيناريوهات أفلام: "الرجل الخفي" (1983)، و"سعادة منتصف العمر" (1984)، و"أليسا وبائع الكتب القديمة" (1989)، و"الحجاب الأسود" (1996)، و"المفتش" (1996). لم ينل ديميترييف شهرة في الأوساط الأدبية إلا مع نشر "فاسكوباييف وإليزابيث" (1992)، و"منحنى النهر" (1995)، والأخيرة تدور أحداثها في مدرسة داخلية تقع خارج المدينة للأطفال من مرضى السل. يعاني سميرنوف أحد تلاميذ المدرسة من مضاعفات نتيجة تأخر حالته. يأتي والده بصحبة الشرطة لاصطحابه، معتقداً أن بقاء الطفل بالبيت سيدفع زوجته، التي تريد تركه، للبقاء. ويعترض سنيتكوف كبير الأطباء، ويقرر إخفاء الطفل، الذي يحلم بعالم من الخيال، في دير قديم يضم رسوماً لقوى خارقة. والمكان في "منحنى النهر" واقعي، تمتزج فيه الحقيقة بالخيال بانتقال مستمر من عالم لآخر، عبر أزمنة متغيرة، تتعدد فيه مستويات الحكي عبر شخصيات متباينة، بسيطة وإنسانية. يترك ديميترييف النهاية مفتوحة، دون أن يعمد إلى الوعظ، تاركاً للقارئ حرية التفسير، ليظل مستقبل سميرنوف الصغير غامضاً. أما "طريق العودة" (2001)، تجري أحداثها في منطقة بسكوف، في فترة ما بعد الحرب العالمية الثانية، بطلتها ماريا الطيبة التي تعمل مربية في بيت الراوى، وهي فلاحة غير متعلمة، تتطلع لحياة مريحة، ولكنها تتعرض للغواية ممن يستغلونها. ضعيفة لحد العجز عن مقاومة جاذبية الحرية، الكحول، الجنس؛ لتقع في مشاكل دون قصد. ويتداخل مصير ماريا مع الاحتفال بعيد ميلاد شاعر روسيا الكبير بوشكين. تٌروى القصة بلغة مكثفة من خلال الراوي الشخصي والراوي المُشاهِد، غنية بالمجاز ووصف الطبيعة، ويأتي الترميز فيها ضمنياً من خلال قدر إنسان يعاني دون ذنب اقترفه. وهكذا، يكتب ديميترييف قصصاً شيقة، حكاياته خلاقة وملهمة، لغته سهلة، هدفه أن يروي حكايات مؤثرة عن ناس عاديين يقعون في مواقف تثير الشفقة لنحتفظ بإنسانيتنا الحقة.