رئيس ضمان جودة التعليم: الجامعات التكنولوجية ركيزة جديدة فى تنمية المجتمع    إتاحة الاستعلام عن نتيجة امتحان المتقدمين لوظيفة عامل بالأوقاف لعام 2023    قطع المياه عن نجع حمادي.. وشركة المياه توجه رسالة هامة للمواطنين    الحكومة: نرصد ردود فعل المواطنين على رفع سعر الخبز.. ولامسنا تفهما من البعض    «حماس» تصدر بيانًا رسميًا ترد به على خطاب بايدن.. «ننظر بإيجابية»    محامي الشحات: هذه هي الخطوة المقبلة.. ولا صحة لإيقاف اللاعب عن المشاركة مع الأهلي    رونالدو يدخل في نوبة بكاء عقب خسارة كأس الملك| فيديو    أحمد فتوح: تمنيت فوز الاهلي بدوري أبطال أفريقيا من للثأر في السوبر الأفريقي"    هل يصمد نجم برشلونة أمام عروض الدوري السعودي ؟    حسام عبدالمجيد: فرجانى ساسى سبب اسم "ماتيب" وفيريرا الأب الروحى لى    هل الحكم على الشحات في قضية الشيبي ينهي مسيرته الكروية؟.. ناقد رياضي يوضح    محامي الشحات: الاستئناف على الحكم الأسبوع المقبل.. وما يحدث في المستقبل سنفعله أولًا    مصارعة - كيشو غاضبا: لم أحصل على مستحقات الأولمبياد الماضي.. من يرضى بذلك؟    اليوم.. بدء التقديم لرياض الأطفال والصف الأول الابتدائي على مستوى الجمهورية    32 لجنة بكفر الشيخ تستقبل 9 آلاف و948 طالبا وطالبة بالشهادة الثانوية الأزهرية    استمرار الموجة الحارة.. تعرف على درجة الحرارة المتوقعة اليوم السبت    اعرف ترتيب المواد.. جدول امتحانات الشهادة الثانوية الأزهرية    صحة قنا تحذر من تناول سمكة الأرنب السامة    أحمد عبد الوهاب وأحمد غزي يفوزان بجائزة أفضل ممثل مساعد وصاعد عن الحشاشين من إنرجي    دانا حلبي تكشف عن حقيقة زواجها من محمد رجب    الرئيس الأمريكي: إسرائيل تريد ضمان عدم قدرة حماس على تنفيذ أى هجوم آخر    "هالة" تطلب خلع زوجها المدرس: "الكراسة كشفت خيانته مع الجاره"    حدث بالفن| طلاق نيللي كريم وهشام عاشور وبكاء محمود الليثي وحقيقة انفصال وفاء الكيلاني    أبرزهم «إياد نصار وهدى الإتربي».. نجوم الفن يتوافدون على حفل كأس إنرجي للدراما    مراسل القاهرة الإخبارية من خان يونس: الشارع الفلسطينى يراهن على موقف الفصائل    عباس أبو الحسن يرد على رفضه سداد فواتير المستشفى لعلاج مصابة بحادث سيارته    "صحة الإسماعيلية" تختتم دورة تدريبية للتعريف بعلم اقتصاديات الدواء    ثواب عشر ذي الحجة.. صيام وزكاة وأعمال صالحة وأجر من الله    أسعار شرائح الكهرباء 2024.. وموعد وقف العمل بخطة تخفيف الأحمال في مصر    العثور على جثة سائق ببورسعيد    الأمين العام لحلف الناتو: بوتين يهدد فقط    سر تفقد وزير الرى ومحافظ السويس كوبرى السنوسي بعد إزالته    نقيب الإعلاميين: الإعلام المصري شكل فكر ووجدان إمتد تأثيره للبلاد العربية والإفريقية    كيف رفع سفاح التجمع تأثير "الآيس" في أجساد ضحاياه؟    "حجية السنة النبوية" ندوة تثقيفية بنادى النيابة الإدارية    ضبط متهمين اثنين بالتنقيب عن الآثار في سوهاج    «الصحة»: المبادرات الرئاسية قدمت خدماتها ل39 مليون سيدة وفتاة ضمن «100 مليون صحة»    وكيل الصحة بمطروح يتفقد ختام المعسكر الثقافى الرياضى لتلاميذ المدارس    وصايا مهمة من خطيب المسجد النبوي للحجاج والمعتمرين: لا تتبركوا بجدار أو باب ولا منبر ولا محراب    الكنيسة تحتفل بعيد دخول العائلة المقدسة أرض مصر    للحصول على معاش المتوفي.. المفتي: عدم توثيق الأرملة لزواجها الجديد أكل للأموال بالباطل    القاهرة الإخبارية: قوات الاحتلال تقتحم عددا من المدن في الضفة الغربية    «القاهرة الإخبارية»: أصابع الاتهام تشير إلى عرقلة نتنياهو صفقة تبادل المحتجزين    «ديك أو بط أو أرانب».. أحد علماء الأزهر: الأضحية من بهمية الأنعام ولا يمكن أن تكون طيور    الداخلية توجه قافلة مساعدات إنسانية وطبية للأكثر احتياجًا بسوهاج    ارتفاع الطلب على السفر الجوي بنسبة 11% في أبريل    «صحة الشرقية»: رفع درجة الاستعداد القصوى لاستقبال عيد الأضحى    وزير الصحة يستقبل السفير الكوبي لتعزيز سبل التعاون بين البلدين في المجال الصحي    مفتي الجمهورية ينعى والدة وزيرة الثقافة    الأونروا: منع تنفيذ برامج الوكالة الإغاثية يعنى الحكم بالإعدام على الفلسطينيين    الماء والبطاطا.. أبرز الأطعمة التي تساعد على صحة وتقوية النظر    «الهجرة» تعلن توفير صكوك الأضاحي للجاليات المصرية في الخارج    رئيس الوزراء الهنغاري: أوروبا دخلت مرحلة التحضير للحرب مع روسيا    «حق الله في المال» موضوع خطبة الجمعة اليوم    بمناسبة عيد الأضحى.. رئيس جامعة المنوفية يعلن صرف مكافأة 1500 جنيه للعاملين    السيسي من الصين: حريصون على توطين الصناعات والتكنولوجيا وتوفير فرص عمل جديدة    الحوثيون: مقتل 14 في ضربات أمريكية بريطانية على اليمن    أسعار الفراخ اليوم 31 مايو "تاريخية".. وارتفاع قياسي للبانيه    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



وردة الصقيع التي لن تزول
نشر في أخبار الأدب يوم 12 - 05 - 2018

بخطي دقيقة محسوبة منذ الكلمة الأولي: »هكذا»‬ وحتي آخر فقرة، وبمعمار باذخ الثراء، شديد العناية بأدق التفاصيل، وبدأب هانيبالي، ويطموحٍ جلجامشي، يقدم عبدالهادي سعدون سفره القيم عن الشعر الإسباني في القرن العشرين، إذ بدأ كتابه بمقدمة ضافية علي رغم القصر، ونماذج ممثلة علي رغم صعوبة الحصر، ودراسة أدبية نقدية رغم اتساع المدي الزمني وتنوع النصوص، وتعقد الأحداث، لنجد بين أيدينا ما هو أكثر من منتخبات، وأعمق من رؤية نقدية.
»‬من هنا، رأينا أنّ نهاية القرن العشرين لا يقل عطاء وجودة عن نهاية القرن التاسع عشر، وذلك علما بأن الفوارق المادية بين النهايتين كثيرة جدا لأن تلك الدولة الإسبانية المتخلفة المهمشة إسبانيا، المعرضة للنكسة العسكرية والدبلوماسية والسياسية تلو الأخري، غدت اليوم دولة حديثة منسجمة مع محيطه الأوروبي وهي عاكفة علي تطبيق برنامج حضاري لا تحيد عنه. وإذا كان أدباء أواخر القرن التاسع عشر تثقل عليهم إسبانيتهم فيفردون الصفحات والصفحات للنقاش حول الهوية الإسبانية والتأسف علي انحطاط أوضاع وطنهم فإن الكتاب الأسبان المعاصرين يأبهون لأمور مختلفة تماما لم يعودوا يبحثون عن أجوبة لأنهم لا يحسون بالضياع والحرمان والارتباك إزاء نظام اجتماعي وسياسي آيل للسقوط. إن شعراء اليوم مثل كل الكتاب، يداهمون حياتهم مداهمة لا تنطلق من حافز الحيرة والتساؤل وإنما الرغبة في التجربة والتأمل». بهذه النتيجة اختتم عبدالهادي سعدون سفره »‬هكذا هي الوردة.. قرن من الشعر الإسباني الحديث» الصادر عن دار أروقة القاهرية، والواقع في450 صفحة وفيه يقدم سعدون الشعر الإسباني الحديث، اختيارًا وترجمة ودراسة نقدية.
يقدم لنا سعدون 84 شاعراً، ينتمون لمختلف الأجيال الشعرية في القرن العشرين، بدءا بأنطونيو ماتشادو ومروراً بشعرية جيل ال27 وشعراء ما بعد الحرب الأهلية الإسبانية، وحتي آخر نماذج جيل الثمانينيات في القرن العشرين.
(1)
ظل لوركا وماتشادو شجرتين حجبتا غابة الشعر الإسباني الذي يحول أن يقتصر علي هذين العملاقين، كما يحول أن تقتصر الرواية المكتوبة بالإسبانية علي ثربانتس، وماركيز، ولولا جهود مخلصة مستمرة لما عرف العالم العربي أدب أمريكا اللاتينية، ولما كانت روائعه منهلا من مناهل القراءة، ورافدا من روافد الكتابة العربية، ولما كان الاهتمام بالرواية، قراءة ونشرا وتوزيعا، ولما كان الشعر فن (الندرة) نشرًا وتوزيعًا، ولما كان مترجموه أكثر ندرة، فإننا بإزاء معضلة حقيقية، لذلك فالاحتفاء بفكرة صدور ديوان شعر مترجم، ناهيك عن أنطولوجيا، أمرًا شديد الأهمية، ولا يمكن لكاتب عربي إلا أن يُحيي هذه الفكرة، وتحية الكاتب هي القراءة، وأحسب أن من يقرأ ما قدمه عبد الهادي سعدون سيدين بكثير من العرفان والامتنان.
سعدون المولود في بغداد عام 1968ببغداد، والمقيم بمدريد منذ عام 1993، الذي نقل من الإسبانية إلي العربية أكثر من عشرين كتابًا لأهم أدباء إسبانيا وأميركا اللاتينية مثل بورخس، لوركا، ألبرتي، الكساندري، خابير مارياس، بيلا ماتاس وغيرهم، ومما صدر له: (اليوم يرتدي بدلة ملطخة بالأحمر) قصص،و(كنوز غرناطة) رواية للأطفال، و(تأطير الضحك) شعر (بالعربية والإسبانية)، و(ليس سوي ريح) شعر، و(انتحالات عائلة) قصص،بالعربية والإسبانية، و(عصفور الفم) شعر، و(الكتابة بالمسمارية) شعر، (باللغة الإسبانية)، و(دائمًا) شعر، (بالعربية والإسبانية)، و(حقول الغريب) منتخبات شعرية (بالإسبانية) ، و(سقف لا يحيد) شعر، (بالإسبانية والكتالانية)، ومذكرات كلب عراقي، رواية، و(توستالا)، قصص.
يقسم الكتاب إلي ثلاثة أقسام رئيسية، المقدمة، والمختارات، ورؤية تاريخية للشعر الإسباني ومراحل تطوره وسماته العامة، وفيما أتت المقدمة في لغة أقرب للغة الحوار، جاءت المقدمة علي هيئة مقال علمي صيغ في رصانة ودقة.
(2)
في المقدمة يحدد سعدون موقع كتابه مما سبقه، ويشير دون توغل لمحلية الشعر الإسبانية حتي ثلاثين عامًا، وكيف أن الظروف السياسية كانت عاملا مؤثرا في ذلك، وإن لم يتوغل سعدون في تفصيل أسباب هذه المحلية، ويوضح بذكاء أن وجهة الشعراء الإسبان عندما عادوا إلي الساحة العالمية لم تكن شعر القريبين مكانًا أعني الأوروبيين، بل أبناء لغتهم الإسبان أي أدباء أمريكا اللاتينية.
وفي حصافة يبين سعدون أنه اعتني بالمستهدَف، القارئ العربي، ذاهبًا إلي إعطائه جرعة جمالية معرفية: »‬ إن أنطولوجيا متكاملة نوعاً ما لشعر شعراء القرن العشرين، ستشكل للقارئ العربي بانوراما متكاملة لأهم الأصوات الشعرية التي كونت وما تزال خريطة الشعرية المعاصرة في إسبانيا. حاولنا هنا، أن نمنح للجغرافية الإسبانية حيزها المتسع، فانتقينا أكثر من صوت يكتب باللغة الإسبانية إضافة للغته الأم من لغات الجغرافيا الإسبانية الرسمية، مثل شعراء كاتلونيا وغاليثيا أو الباسك، لكننا لم ندرج هنا شعراء إسبانيا ممن يكتب فقط باللغات المذكورة الأخري الرسمية، فهذا له مجال ومكان آخر».
وفي فقرات موجزة يوضح سعدون الأجيال الشعرية التي شكلت حلقات النص الإسباني - جيل التأسيس الثاني، جيل الأربعينيات والخمسينيات - جيل الستينيات (طفرة النص الإسباني) جيل السبعينيات (الهامشي)، جيل الثمانينيات (الابن الشرعي المجدد لجيل الستينيات).
أما لماذا اختار أسماء بعينها، وكيف قدمها؟ »‬نشير إلي أننا قد منحنا الأهمية لشعراء قد وطدوا مكانتهم داخل النموذج الشعري المعاصر بانتخاب نماذج شعرية كافية، أما من أتي بعدهم في الجيل أو في الأهمية، فقد ترجمنا لهم نماذج أقل، وذلك ليتسع المجال لأكبر قدر من الأسماء».
يبدأ بأنطونيو ماتشادو، وتنتهي بنماذج لشعراء ولدوا عام 1968 وهم من حققوا بشكل وآخر حضورًا شعريًّا متميزًا، واعتمد تاريخ الميلاد للترتيب، وفي حال اتفاق شاعرين في تاريخ الميلاد، فيكون التقديم للشاعر المتوفي.
يحدد سعدون مصادره: »‬اعتمدت أكثر من مصدر مما تزدحم به المكتبة الإسبانية من أنطولوجيات لأسماء هذه الأجيال التي ترجمنا لها هنا، دون اعتماد مصدر واحد بعينه. في أحيان كنا قد انتخبنا القصائد من دواوين الشعراء مباشرة، وأحيان أخري اعتمدنا فيها علي كتب منتخبات وأنطولوجيات إسبانية مهمة ومعروفة ومتميزة في انتقائها ومعاييرها النقدية» .
(3)
الوصول إلي الوردة، القصائد الشعرية تكون بعد هذه المقدمة السابغة مقدرة السرد، وعبر منهجية علمية تجد أمامك صورة شخصية للمؤلف، واسمه بالعربية والإسبانية، وتاريخ ميلاده ووفاته، ثم تعريف بطريقتين إحداهما تذكر البيانات الأساسية، تاريخ الميلاد والوفاة وذكر الدواوين، والثانية تعتني بعدة محددات نبينها من خلال ترجمة ماتشادو: البيانات الأساسية: ولد في أشبيلية عام 1875 وتوفي عند الحدود الفرنسية عام 1936. وظروف الحياة المؤثرة: هرباً من دكتاتورية الجنرال فرانكو وبطشه بعد اندلاع الحرب الأهلية الإسبانية ما بين شطري الجمهوريين واليمينيين الذين ترأسهم زمرة من العساكر بزعامة الجنرال فرانكو ليحكم بقبضة من حديد لم تفك حتي مماته في عام 1974.
والجيل الذي ينتمي له فنيًّا: ينتمي لما يسمي بجيل ال 1898، علي الرغم من أنه دائماً ما يؤكد انتماءه لجيل 1914، أول أجيال القرن العشرين. صنع وزملاؤه الأدباء ما سمي في حينه (استرداد الحس الشعبي) كردة فعل ضد الأوضاع المتردية سياسياً واجتماعيا وثقافياً خاصة بعد أن خسرت إسبانيا ثقلها الاستراتيجي في العالم كله. لقد بدأ حياته الأدبية في وقت مبكر جداً.. بعد قيام الحرب الأهلية الإسبانية يعيش جزءاً منها في مدريد وسقوبية، لينتقل للعمل في الصحافة في مدينة برشلونة عام 1938. لكن سقوط المدينة علي أيدي الفاشيست من قوات فرانكو، يضطره للهرب برفقة أمه العجوز مجتازاً الحدود حتي فرنسا. لكنه لن يعمر طويلاً فيموت في 22 من شهر شباط عام 1939 ويدفن في مدينة كويار الحدودية.
ومسرد لدواوينه وبعض كتبه:أول نصوصه الشعرية قد نشرها عام 1901 في مجلة ألكترا. أصدر أول كتبه بعنوان (عزلات) عام 1907 مروراً بديوان (حقول قشتالة) 1917، ووصولاً لديوانه الأخير (قصائد غنائية جديدة) عام1930، ترك بعد موته قصائد عديدة جمعت من قبل النقاد في مجموعة أشعاره الكاملة التي صدرت طبعتها الأولي عام 1945. كما أنه كتب كتباً تقترب من المنحي الفلسفي وإن لم يفارق الشعر فيها، فصبها بقالب تأملي غنائي.
يبدو لي - وقد يكون ذلك صوابًا - أن سعدون لم يكن معنيا فقط بتمثيل الأجيال الشعرية والمستقلات الإسبانية فقط، وإنما كان أيضًا يختبر مفهوم الشعر في مختاراته، أو يختبر وعي الشعراء بمختاراته في إدراكهم ماهية الشعر، ودوره الإنساني في التعبير الحر المطلق عن صاحبه، فما من نص تقريبا إلا وسؤال الشاعر عن الشعر حاضر، سواء أكان النص لمن بدأ القرن أو لمن ودعه:
في عروقي يجري دمٌ متطرف لكن شِعري ينبتُ من نبع صافي لم أكن رجلاً يتلفع بمعارفه قط، ذلك أنني، بالمعني الحق للكلمة، | لست سوي رجل طيب. »‬أنطونيو ماتشادو - (1939-1875)»
أغنيتي، أشجي، قبل أن تغني أمنحي انفعالك وظرافتك للذي ينظرك قبل أن يقرأك انبعثي من نفسك، طرية ومتعطرة! »‬خوان رامون خيمينيث.» (1958- 1881)
أمنح صوتي للهواء، أن يكون الهواء ملكُ للجميع، أن يتعرف عليه الكل مثله كالجبل أو المساء. لا ليس للغصن وحسب يحضر أبريل ولا الماء ينتظر الجفاف فقط. »‬ كلاوديو رودريغث»(1999-1934)
أكتب لكي أستطيع شرب | هذا الماء المسمم. »‬شانتال مايارد - (1951)»
منذ زمن وعائشة لا تنتظر المعجزة | فقط أن يرد أحدهم علي نداءاتها. »‬ خوسي ساريّا - ( 1960)»
داخل هذه القصيدة تكونين حقيقة، خارجها لن تكوني سوي حبر، فيما لو ناديتك تكونين، و لو أغلقت الخط تصبحين رقماً فارغاً. داخل هذه القصيدة تكونين حقيقة، خارجها لن تكوني سوي حبر، فيما لو ناديتك تكونين، و لو أغلقت الخط تصبحين رقماً فارغاً. بنخامين برادو(1961)
الشعر لأنه الشيء الوحيد الذي أعرف. الشعر لأجل أن يكون الظلام نوراً، والنور ظلام. الشعر لإطالة الحياة. الشعر لأقول »‬ أحبك». الشعر لكي أنتصب. الشعر بلا شعرية. الشعر لأجل الثورة. الشعر للا شيء. الشعر لأجل كل الكلمات. الشعر في الصمت. الشعر لأجل أن لا يخدعونا.»‬إدواردو موغا » - (1962)
من هنا فاهتمام الشاعر بمفهوم الشعر ودوره، يأتي ركيزة أساسية، إضافة إلي تمثيل النص لزمانه وسياقه، وموقع ناصه منه.
اجتهد سعدون في مفارقة لافتة في تقديم عددٍ من الشعراء بمعزل عن الظرف السياسي والاجتماعي والعسكري، ويبين ذلك أكثر ما يبين في شعراء الستينيات ومن بعدهم، ويبدو لي أن هذا ينبع من إيمان سعدون بأن انتصار الشاعر لا يكون بمواجهة العابر السياسي، بل بتشكيل أفق إنساني يتجاوز هذا الصغير، السياسي، وصغائره، قيوده ومكبلاته، وسيظهر هذا للقارئ عندما يواجه سعدون النصوص التي أعلنت مقاومتها لفرانكو وهي شعريًّا ليست علي ما يُنتظَر.
(4)
يقدم القسم الثالث »‬ نحو رؤية تاريخية عن الشعرية الإسبانية في القرن العشرين» ما يتعدي النظرة التاريخية العجلي، بل والمتأنية، إذ نحن إزاء تشريح دقيق لحالة الشعر قبل أن يدخل القرن العشرين أرض الحدث، وإلي أن يلملم أطرافه تاركًا أرض المسرح، جري هذا فيما دون خمسة آلاف كلمة.
انهيار امبراطورية القرون الأربعة 1898م أدخل الشعراء التجربة، فتحركوا لإنقاذ وطنهم دون خوف من رقابة أو إعدام عبثي، بنص ذي آليات متعددة، وبنزوع ظاهر نحو المواجهة: »‬نحن هنا بصدد إمبراطورية دامت أربعة قرون أطلقت عليها كارثة 1898 رصاصة الرحمة. بطبيعة الحال، انعكس كل هذا الغليان علي المسار الأدبي تاركا بصماته علي جميع أشكال الإنتاج الفني. أفرز العصر فيما أفرز تعددية المدارس الفكرية مما جعل من الكاتب رمزا أدبيا وإيديولوجيا في آن واحد». لكن الأمر لم يكن مرده الخوف علي الوطن فقط بل تكاثر الصحف والمجلات، وتراجع نسب الأمية، وتطوير آليات وأدوات صناعية خفضت من المصاريف المطبعية ووسعت رقعة التوزيع. ووجد الأدباء في الصحف والمجلات أرضية خصبة لنشر مؤلفاتهم، وقد انفرد جيل 1898 م - وفق المؤلف - »‬بمواهب نادرة وحدة البصر والشعور بأنهم منوطون بدور حضاري». ويمد سعدون الخط علي امتداده: »‬وإن أردنا أن نسميهم حداثيين بالمعني العام للعبارة فلا ضرر في ذلك لأنهم جميعا متفقون علي ثلاثة عناصر لا غني عنها في طريق بناء صرح الحداثة الأدبية: البحث الدؤوب عن لغة تعبيرية خاصة وشخصية، إحساسهم بأزمة الأنواع الأدبية الكلاسيكية وحرصهم علي تشييد ذاتهم الكتابية الفذة».
ينتقل سعدون إلي »‬شعرية جيل ال 1914»: أو »‬التجديديون» ومنهم مانويل دي فايا و خواكين تورينا و إينريكي آلبينيث و إسحاق غرانادوس. ويبدو المائز فيهم عند المقارنة مع جيل ال98 فهم: »‬كسروا طوق القومية الثقافية الإسبانية الضيقة والانفتاح علي الموارد الأوروبية والانتهال منها» .
ثم يأتي الحديث عن جيل عام 1927: وهم مجموعة من الشعراء أحدثوا تغييرا جوهريا في مسار الشعر الإسباني، ولا غلو إن قلنا إنهم يشكلون، إلي جانب القرن الذهبي (ثربانتيس، كيبيدو، الخ)، وجيل ال1898 المرحلة الأكثر تألقا وتنويرا في تاريخ الأدب الإسباني.
ويصل الشعر الإسباني إلي محطة »‬آثار الحرب الأهلية الإسبانية (المنفي)فمع انتهاء الحرب رحل الآلاف من المثقفين والمفكرين مع تربع فرانكو ولكنهم زاولوا نشاطهم في المهجر لاسيما الأمريكي، ومن آثار دكتاتورية فرانكو تطبيق الرقابة علي الأنشطة الثقافية ولا شك أن الحرب أدت إلي انهيار مستوي التأليف الإسباني، لكن هذا لم يحطم سفينة الأدب بل: »‬ الحركة الأدبية المبدعة لم تهلك نتيجة للديكتاتورية كما أن أصوات المنفي كانت تصل إلي إسبانيا باستمرار عن طريق الكتب المهربة والأصدقاء والأهالي الذي يعودون من أمريكا محملين بالمخطوطات» .
شعرية الاستمرارية والاتجاهات الأدبية لغاية 1960:يستمر الشعر المقاوم في الازدهار أو قل المحافظة علي ما وصل إليه من تطور فيما يسقط الشعراء الموالين لفرانكو في التكرار والجدب والسطحية: »‬ وتكفي المقارنة بين ديوان »‬قصائد الثور» لليميني رفائيل موراليس المائل إلي الوجودية والتعقيد المعنوي وبين اليساري خوسي لويس كانو و»‬قصائد الخليج» المجبولة علي النغمات التقليدية والمواضيع المحلية» .
سنوات التغيير ما بين عام 1960 ووفاة فرانكو أطلت إسبانيا علي الحداثة بانتقال الدولة من عصر الزراعة إلي عصر الصناعة، وباقتراب فرانكو من المعسكر الأمريكي، وبنمو قطاعات إنتاجية مربحة كالسياحة والصناعة تنامت الجمعيات الأهلية والنقابات المهنية وأدي ذلك إلي تشكيل وعي سياسي فيما أفاد الشعر أنه : »‬ سلك دروبا مماثلة لمسالك الأصناف الأدبية الأخري، إذ تحولت الواقعية الجديدة إلي وسيلة للتواصل بين الشاعر والواقع والتعبير عن تجربة الألم والضياع» .
الآداب في الربع الأخير من القرن العشرين:انتصر الشعر والأدب علي فرانكو قبل رحيله 1975 بسنوات عدة، وتجلي أن: »‬معظم التجارب الأدبية الناشئة وقتها تتحرك وفقا لعقلية ذات خصوصية لا علاقة لها بتوجيهات النظام المتآكل. وربما أطلق النفير الأكثر دويًا عندما أُصدرت مختارات شعرية بعنوان »‬تسع شعراء إسبان جدد» في عام 1970، وأهم ما ترتب علي صدور الكتاب هو التأسيس لاتجاه أدبي تجديدي» ثم جاءت الأموال الضخمة التي شرعت المؤسسات والهيئات الحكومية تضخها من أجل النهوض بالعمل الثقافي، وتوسيع رقعة التعليم ومحو الأمية ونشوء طبقة متوسطة مثقفة هي عوامل أدت إلي تكاثر دور النشر والمجلات الأدبية».
إذن فقد وصل سعدون بانطولوجيته إلي: سواء كانت المحنة عسكرية أو سياسية أو اقتصادية أو اجتماعية فإن الشعر درع الإنسان وكهفه الآمن، وسواء عاشت الدولة مراحل الاضمحلال والتراجع، أو واكبت النهضة التي تشمل الكون، وسواء كان قمعا أو زال، كان منفيا أو انتفي، فالشعر حاضر لا يغيب، كوردة الصقيع التي لا تذبل، ولا تزول.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.