وزير العمل يلقي كلمة المجموعة العربية في الملتقى الدولي للتضامن مع شعب وعمال فلسطين    التنظيم والإدارة يزف بشرى سارة للمتقدمين لمسابقات الوظائف الحكومية    «حلوان» و«حلوان الأهلية» تستعرضان برامجهما المتميزة في «نيجيريا»    مجلس حكماء المسلمين يهنِّئ الأمة العربية والإسلامية بعيد الأضحى    وزير الأوقاف يهنئ الرئيس السيسي بيوم عرفة وعيد الأضحى المبارك    في شكوى مها الصغير.. الأعلى للإعلام يستدعي ممثلين المواقع والوسائل الإعلامية المشكو في حقها    محافظ قنا منافذ بيع اللحوم ويفاجئ مستشفى «حميات نجع حمادي»    برلماني: المنصة الإلكترونية الموحدة ستسرع إصدار تراخيص الاستثمار وتقضي على البيروقراطية    س وج.. كل ما تريد معرفته عن خدمات الجيل الخامس "5G"    نائب وزير المالية ورئيس مصلحة الجمارك فى جولة ميدانية بمطار القاهرة: حريصون على تسهيل الإجراءات الجمركية للعائدين من الخارج    واشنطن قد تعارض تصنيف روسيا "أخطر تهديد" للأطلسي في قمة لاهاي وسط خلافات حول الأولويات    ماكرون: نعمل مع بريطانيا على زيادة الضغوط على إسرائيل لإنهاء حرب غزة    اتهامات ليبرمان.. تفاصيل تزويد إسرائيل جماعة أبو شباب بالسلاح في غزة    واشنطن تعيد تموضع قواتها عالمياً.. أولويات جديدة في حماية الحدود والردع الآسيوي    رئيس إيران يهنئ الرئيس السيسى بعيد الأضحى ويؤكدان أهمية تجنب التصعيد بالمنطقة    تشيفو يقترب من قيادة إنتر ميلان بعد تعثر مفاوضات فابريغاس    شاهد ملعب مباراة الأهلي وباتشوكا الودية استعدادا لكأس العالم للأندية    مصدر ليلا كورة: بيراميدز يسجل عقود لاعبيه ال3 بعد تمديدها    «بعتنا ناخده».. رسالة نارية من أحمد بلال ل هاني شكري بعد «سب» جمهور الأهلي    شوبير يكشف موقف أحمد عبد القادر من الاستمرار في الأهلي بالموسم المقبل    جرعة مخدرات زائدة وراء وفاة شاب داخل سيارة بأكتوبر    "المسرح النسوي بين النظرية والتطبيق" في العدد الجديد من "مسرحنا"    المسرح النسوي بين النظرية والتطبيق في العدد الجديد لجريدة مسرحنا    تهنئة أول أيام عيد الأضحى برسائل دينية مؤثرة    بعروض فنية وسينمائية وأنشطة للأطفال.. قصور الثقافة تحتفل بعيد الأضحى بمحافظات وسط الصعيد    وزير الخارجية الألمانى: نرفض سياسة الاستيطان التى يجرى تنفيذها فى الضفة الغربية    يوم عرفة.. أفضل أوقات الدعاء وأعظم ما يُقال من الذكر    يوم الرحمة.. كيف تستغل يوم عرفة أفضل استغلال؟    تنبيه بخصوص تنظيم صفوف الصلاة في مصلى العيد    رئيس هيئة التأمين الصحي يتفقد مستشفى 6 أكتوبر بالتزامن مع عيد الأضحى    تقديم الخدمة الطبية ل1864 مواطنًا ضمن قافلة علاجية بعزبة عبد الرحيم بكفر البطيخ    «يمامة» يكشف حقيقة توافق «الوفد» مع قوى سياسية لخوض انتخابات الشيوخ 2025    أحمد سعد يحيي أولى حفلاته في بورتو مارينا ضمن احتفالات عيد الأضحى 2025    محمد منير يستعد لطرح أول أغانيه مع روتانا    3 أبراج تهرب من الحب.. هل أنت منهم؟    استعدادا ل عيد الأضحى.. رفع درجة الاستعداد داخل مستشفيات دمياط    الرئيس البرازيلي: الاعتراف بدولة فلسطينية واجب أخلاقي    زلزال بقوة 4.6 درجة على مقياس ريختر يضرب بحر إيجة    كيف تؤدى صلاة العيد؟.. عدد ركعاتها وتكبيراتها وخطواتها بالتفصيل    توريد 173ألف و821 طن قمح إلى الشون والصوامع بسوهاج    طارق يحيى: حظوظ الزمالك متساوية مع بيراميدز للفوز بكأس مصر    الصحة: فحص 17.8 مليون مواطن ضمن مبادرة الكشف عن الأمراض المزمنة    لهذه الأسباب.. طبيب بيراميدز يحذر من موعد نهائي كأس مصر    استشاري تغذية مُحذرًا من شوي اللحمة: يعرّض للإصابة بالأورام - فيديو    كل ما تريد معرفته عن جبل عرفات ويوم عرفة    مفاجأة.. ماسك طلب تمديد مهمته في البيت الأبيض وترامب رفض    الهلال يعلن إنزاجي مديرا فنيا للأزرق لمدة موسمين    «24 ألف ماكينة ATM».. خطة البنوك لتوفير النقد للمواطنين خلال إجازة العيد    قبل عيد الأضحى.. حملات تموينية بأسوان تسفر عن ضبط 156 مخالفة    بث مباشر من عرفات.. مئات الآلآف يقفون على المشعر الحرام    تعليم القاهرة تعلن أماكن مقار لجان قبول اعتذارات الثانوية العامة    وزير التعليم العالي: إعداد قيادات شبابية قادرة على مواجهة التحديات    أسعار البقوليات اليوم الخميس 5-6 -2025 في أسواق ومحال محافظة الدقهلية    مصرع عامل في حادث انقلاب دراجة نارية بالمنيا    تكثيف الحملات التموينية المفاجئة على الأسواق والمخابز بأسوان    مسجد نمرة يستعد ل"خطبة عرفة"    موعد أذان المغرب اليوم في القاهرة والمحافظات يوم عرفة.. هنفطر الساعة كام؟    أحمد سالم: صفقة انتقال بيكهام إلى الأهلي "علامة استفهام"    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



عبدالهادي سعدون يترجم قرنا من الشعر الإسباني الحديث
نشر في صوت البلد يوم 26 - 04 - 2018

هذه أول أنطولوجيا شاملة للشعر الإسباني في قرن كامل (القرن العشرين) التي تعد وتترجم وتنشر باللغة العربية، هكذا ابتدأ المترجم والكاتب د. عبدالهادي سعدون مقدمته لكتابه "هكذا هي الوردة.. أنطولوجيا الشعر الإسباني في القرن العشرين.. قرن من الشعر الإسباني الحديث 1900 2000"، وعلل ذلك أنه نادراً ما نجد ترجمات عربية متكاملة عن الشعر الإسباني المعاصر، ناهيك عن شعرية قرن كامل، باستثناء الترجمات المتعددة لشعراء معروفين مثل لوركا وألبرتي وماتشادو، ولكن وهناك نقل جديد مختلف لأسماء شعرية معاصرة وبمنتخبات شاملة ولأكثر من صوت شعري تكاد المكتبة العربية تفتقر لها.
وأضاف "من المعروف أن الشعر الإسباني المعاصر لم ينتشر ويخرج عالمياً سوى في ظرف الثلاثين سنة الماضية، وبالأخص بعد انتهاء حكم فرانكو، وأسبابه عديدة لا مجال لذكرها، غير أننا ملزمون بالتأكيد على المناخ الثقافي الجديد وفرص الاطلاع على نموذج الآداب العالمية الأخرى، وهي الفرص التي ساعدت على شيوع التجديد والتجريب في الأدب الإسباني، وإن جاء متأخراً عن الآداب الأوروبية، والمتوسطية على وجه الخصوص.
والمتتبع لحركة الشعر الإسباني المعاصر، يلمس تنوعاً تجريبياً وتداخلاً ضمنياً بين الأساليب والرؤى الشعرية وطرق نقلها وتفصيلها، حتى إن الجيل الأدبي الواحد (أو ما يصنَّف على هذا الأساس) يربط تنوع الأصوات واختلافها بالتجربة الشخصية والاطلاع والتأثر سواء الداخلي أو الخارجي."
ولاحظ سعدون في مقدمته للمنتخبات الصادرة بالتعاون بين النادي الأدبي الثقافي بنجران، ومؤسسة أروقة للدراسات والترجمة والنشر أن أغلب الشعراء الإسبان كانت تحدوهم رغبة للحاق والمواصلة على الأقل مع النموذج القريب، ونعني به الشعر الأميركي لاتيني (لغويا على الأقل، الإسبانية كمحدد مشترك)، وكذلك محاولة التفرد والتميز عن النموذج الأوروبي الآخر (تواجداً جغرافيا)، الذي شكَّل بتنوعه ونماذجه الرئيسية بؤرة جذب تقليدي أحياناً، ومتابعة وتداخلاً تاماً في أحيان أخرى. من هنا نرى أن الشعر الإسباني المعاصر قد تمثَّل بقدر وآخر، التجربة الإسبانية العريقة، ابتداء بنماذج شعراء القرن الوسيط حتى موجات الحداثة في القرن التاسع عشر، دون أن يلغي كثيراً مسألة التداخل والتجريب والمعاينة مع النموذج الشعري العالمي. وهكذا في انتقاء نماذج تامة منذ بداية القرن العشرين حتى بداية الألفية الثالثة، ستجعلنا نقرأ مختلف المدارس والأساليب من الرومانتيكي حتى السوريالي إلى آخر موجات التجريب، رجوعاً إلى شعر الحياة أو اليومي كما يطلق على آخر نماذجه الشعرية، بشهادة أوكتافيو باث نفسه.
ورأى أن أنطولوجيا متكاملة نوعاً ما لشعر شعراء القرن العشرين، ستشكَّل للقارئ العربي بانوراما متكاملة لأهم الأصوات الشعرية التي كونت - ولا تزال - خريطة الشعرية المعاصرة في إسبانيا. حاولنا هنا، أن نمنح للجغرافيا الإسبانية حيِّزها المتسع، فانتقينا أكثر من صوت يكتب باللغة الإسبانية إضافة للغته الأم من لغات الجغرافيا الإسبانية الرسمية، مثل شعراء كاتلونيا وغاليثيا أو الباسك، لكننا لم ندرج هنا شعراء إسبانيا ممن يكتب فقط باللغات المذكورة الأخرى الرسمية، فهذا له مجال ومكان آخر.
ولفت د. سعدون أن النصف الثاني من القرن العشرين، يعد جيل التأسيس الثاني بعد شعراء جيل 1898. فإذا كان شعراء جيِّلي 1898 و1914 قد أخذوا على عاتقهم بناء مفهوم شعري جديد خروجاً من الوصمة التاريخية (سقوط أوج الإمبراطورية الإسبانية بخسارتها آخر مستعمراتها في كوبا) والذهاب به إلى أبعد مدياته، في التنظير والبحث عن هوية ثقافية وفكرية جديدة. فإن أجيال ما بعد الحرب الأهلية الإسبانية (وهم ما نطلق عليهم بشعراء النصف الثاني من القرن العشرين)، قد حاولوا بعد الخسارة الكبيرة لحريتهم والوقوع في شرك الفاشية الفرانكوية ونظامها الديكتاتوري، حاولوا ما يمكن أن نسميه بناء بنية ثقافية نظيفة ومتجددة نوعاً ما، بعيداً عن كل معايير التسلط الفرانكوي ومحاولاته التوقيع بين شطري الأدباء الإسبان بين منحاز لسياسته التعسفية أو من كانوا بالضد منها، أولئك الذين ماتوا في صف القوات الجمهورية المنهزمة أو من هرب ونفي وتشرد في بلدان العالم الاوروبي أو الأميركي لاتيني أو من بقي محاصراً داخل إسبانيا بدون مجال وحرية حقيقية لنشر إبداعه الشعري.
وقال "لا يمكن الحديث عن فترة ما بعد الحرب الأهلية الإسبانية دون الرجوع لأجياله الأولى (منتصف الأربعينيات أو الخمسينيات) والممتدة حتى نهاية الخمسينيات، وهي الأسماء الشعرية التي جعلت من شعرها المرتبط بقضية الإنسان والمجتمع، هدفاً أسمى وتجربة للخروج من النمطية التعبوية نحو ارتباط واع بقضايا الشارع والناس، ومن هنا جاءت التسمية التي أطلقها عليه النقاد باسم الشعر الاجتماعي، ولكن علينا التأكيد هنا على أن نوعية الشعر الاجتماعي وإن كانت طاغية، إلا أن التمرد والأصوات المتفردة كانت حاضرة بشكل كبير، وهذا ما يمكن تلمسه من خلال قراءة النماذج المنتخبة في هذا الكتاب.
في هذه الحقبة سنرى تأثير العديد من كبار النصف الأول من القرن العشرين مثل: أنطونيو ماتشادو أو خمينث أو لوركا، بل أن البعض من أسماء هذه الأجيال من حاول، على الرغم من تعتيم السلطات الفرانكوية، للرجوع لشعرية هؤلاء وغيرهم كمحاولة لجمع المتناثر من الشعرية الإسبانية، ومنحها بعداً إنسانياً خالصاً، بكون الأدب والثقافة خطاً متواصلاً لا إنقاص فيه، بعيداً عن الاختلافات والتحزبات".
جيل الستينيات
وأكد سعدون أن التحول الحقيقي في اعتقادنا جاء به ما سمي بجيل الستينيات والذي امتد أثره تقريباً وصولاً لجيل الثمانينيات (جيل الديموقراطية بعد موت فرانكو) وهو الجيل الذي شرع ضمن عدته الثقافية إلى التنصل مما يحد من شعرية الشاعر، أي كل ما يمكن أن يدخل ضمن ما يسمى بالمسئولية ضمن معانيها الاجتماعية المتصلة بالتزام الأديب ومسئولية الوطنية. فهذا الجيل وجد أن على الشاعر مسئولية وحيدة لا غير هي (النص نفسه) وكل محاولاتهم بالبحث عن الحركات الشعرية العالمية، التواصل معها، ترجمتها للإسبانية، الخوض في غمار المسائل الوجودية والتحرر الإنساني.
من هنا حصلت الانعطافة الحقيقية للخروج بالشعر الإسباني من قوقعته المحلية وانعتاقه في البحث عن تصورات جمالية معاصرة، ومواكبة العالم في ثورته الثقافية والفكرية، دون التنصل عن الهدف الرئيسي للفرد الإسباني آنذاك، وهي الحرية القصوى في الحياة العامة كما عليه في الكتابة الإبداعية.
وأضاف "يكاد يكون جيل السبعينيات خطوة وصل مع الجيل السابق، ولكنه حلقة مهمة في التواصل مع الأجيال القادمة، لا سيما الجيل الذي يليه (وهو الثمانينيات). فهذا الجيل الثمانيني الشاب قد اتخذ من أسماء شعراء الستينيات نموذجاً يقتاد به، بل وطَّد البنية على أن التجديدية الحقة قد نبعت من بين أسمائه. من هنا شاع بين الشعراء الجدد تسمية (الحساسية الشعرية الجديدة) وذلك بالاتجاه بالشعر نحو هدفه الأسمى، أي استنطاق ما بعد الكلمة والانحياز للجمالية الكتابية أياً كان مصدر نبعها. لذا فقد نلاحظ على أجيال ما سمي بنهاية القرن (الجيلين الأخيرين منه) اللجوء لكل الوسائل الفنية والكتابية لبناء قصيدتهم، ولم ينقطعوا بالتواصل مع زمنهم بكل عيوبه ومنجزاته التقنية والآلية. عليه تعددت اتجاهاتهم وتصوراتهم، تقاطعت وتشعبت، وتشكَّلت منهم أكثر من مجموعة واتجاه، ولكنهم بقوا بصورة وبأخرى منحازين لمنطق الجمال في بذر الكلمة واستيعاب تعدديتها الخلَّاقة.
وكشف سعدون أن الأسماء التي اختارها من شعراء نهاية القرن وبداية القرن الحادي والعشرين، هي أسماء جديدة في وسطها، ولكنها كوَّنت نفسها بشكل صلب ومتماسك، وعلى معرفة واعية بشعريتها وهدفها بخوض التجربة على أكملها. أصوات شابة ولكن راسخة، أهميتها تكمن فيما نشرته وما نالته من إطراء نقدي منحها حجمها داخل الوسط الثقافي، وكذلك لقربها من التجربة العالمية في تقلَّباتها وسرعة تطورها ضمن منظومة العالم وتعدديته الثقافية ووسائل انتشارها ومنظوماتها التي نكاد نجزم على سرعة تجددها وتغيرها في العام الواحد.
كذلك ندرجهم هنا ليقف القارئ العربي اليوم ومعه أجيال الشعراء على ما يكتبه الشعراء الجدد في إسبانيا، ومدى اختلافهم وتلاقيهم معهم في الرؤية والذائقة. لقد منحنا الأهمية لشعراء قد وطَّدوا مكانتهم داخل النموذج الشعري المعاصر بانتخاب نماذج شعرية كافية، أما من أتى بعدهم في الجيل أو في الأهمية، فقد ترجمنا لهم نماذج أقل، وذلك ليتسع المجال لأكبر قدر من الأسماء، ومع ذلك فالمنتخبات مهما جهدنا فيها تبقى متجزئة لا تضم كل الأصوات، بل أغلبها، والتي نظن بها الأهمية والتميز.
وذكر سعدون أن المنتخبات اعتمدت أكثر من مصدر مما تزدحم به المكتبة الإسبانية من أنطولوجيات لأسماء هذه الأجيال التي ترجمنا لها هنا، دون اعتماد مصدر واحد بعينه. في أحيان كنا قد انتخبنا القصائد من دواوين الشعراء مباشرة، وأحيان أخرى اعتمدنا فيها على كتب منتخبات وأنطولوجيات إسبانية مهمة ومعروفة ومتميزة في انتقائها ومعاييرها النقدية، وهي في الواقع كثيرة، ونحن دون مبالغة قد اطلعنا على عشرات الكتب من منتخبات شعرية والدواوين الشخصية، ليقع اختيارنا أخيراً على ما ترونه بين أيديكم.
المنتخبات تبدأ بأهم شاعر لبدايات القرن العشرين ألا وهو أنطونيو ماتشادو، وتنتهي بنماذج لشعراء ولدوا عام 1968 والذين حققوا بشكل وآخر حضوراً شعرياً متميزاً قبل نهاية القرن وقد نشروا أكثر من كتاب شعري ونالوا اهم الجوائز، أو الألفية الثالثة تؤكد حضورهم القوي والمستمر في الخارطة الشعرية الإسبانية.
هذه أول أنطولوجيا شاملة للشعر الإسباني في قرن كامل (القرن العشرين) التي تعد وتترجم وتنشر باللغة العربية، هكذا ابتدأ المترجم والكاتب د. عبدالهادي سعدون مقدمته لكتابه "هكذا هي الوردة.. أنطولوجيا الشعر الإسباني في القرن العشرين.. قرن من الشعر الإسباني الحديث 1900 2000"، وعلل ذلك أنه نادراً ما نجد ترجمات عربية متكاملة عن الشعر الإسباني المعاصر، ناهيك عن شعرية قرن كامل، باستثناء الترجمات المتعددة لشعراء معروفين مثل لوركا وألبرتي وماتشادو، ولكن وهناك نقل جديد مختلف لأسماء شعرية معاصرة وبمنتخبات شاملة ولأكثر من صوت شعري تكاد المكتبة العربية تفتقر لها.
وأضاف "من المعروف أن الشعر الإسباني المعاصر لم ينتشر ويخرج عالمياً سوى في ظرف الثلاثين سنة الماضية، وبالأخص بعد انتهاء حكم فرانكو، وأسبابه عديدة لا مجال لذكرها، غير أننا ملزمون بالتأكيد على المناخ الثقافي الجديد وفرص الاطلاع على نموذج الآداب العالمية الأخرى، وهي الفرص التي ساعدت على شيوع التجديد والتجريب في الأدب الإسباني، وإن جاء متأخراً عن الآداب الأوروبية، والمتوسطية على وجه الخصوص.
والمتتبع لحركة الشعر الإسباني المعاصر، يلمس تنوعاً تجريبياً وتداخلاً ضمنياً بين الأساليب والرؤى الشعرية وطرق نقلها وتفصيلها، حتى إن الجيل الأدبي الواحد (أو ما يصنَّف على هذا الأساس) يربط تنوع الأصوات واختلافها بالتجربة الشخصية والاطلاع والتأثر سواء الداخلي أو الخارجي."
ولاحظ سعدون في مقدمته للمنتخبات الصادرة بالتعاون بين النادي الأدبي الثقافي بنجران، ومؤسسة أروقة للدراسات والترجمة والنشر أن أغلب الشعراء الإسبان كانت تحدوهم رغبة للحاق والمواصلة على الأقل مع النموذج القريب، ونعني به الشعر الأميركي لاتيني (لغويا على الأقل، الإسبانية كمحدد مشترك)، وكذلك محاولة التفرد والتميز عن النموذج الأوروبي الآخر (تواجداً جغرافيا)، الذي شكَّل بتنوعه ونماذجه الرئيسية بؤرة جذب تقليدي أحياناً، ومتابعة وتداخلاً تاماً في أحيان أخرى. من هنا نرى أن الشعر الإسباني المعاصر قد تمثَّل بقدر وآخر، التجربة الإسبانية العريقة، ابتداء بنماذج شعراء القرن الوسيط حتى موجات الحداثة في القرن التاسع عشر، دون أن يلغي كثيراً مسألة التداخل والتجريب والمعاينة مع النموذج الشعري العالمي. وهكذا في انتقاء نماذج تامة منذ بداية القرن العشرين حتى بداية الألفية الثالثة، ستجعلنا نقرأ مختلف المدارس والأساليب من الرومانتيكي حتى السوريالي إلى آخر موجات التجريب، رجوعاً إلى شعر الحياة أو اليومي كما يطلق على آخر نماذجه الشعرية، بشهادة أوكتافيو باث نفسه.
ورأى أن أنطولوجيا متكاملة نوعاً ما لشعر شعراء القرن العشرين، ستشكَّل للقارئ العربي بانوراما متكاملة لأهم الأصوات الشعرية التي كونت - ولا تزال - خريطة الشعرية المعاصرة في إسبانيا. حاولنا هنا، أن نمنح للجغرافيا الإسبانية حيِّزها المتسع، فانتقينا أكثر من صوت يكتب باللغة الإسبانية إضافة للغته الأم من لغات الجغرافيا الإسبانية الرسمية، مثل شعراء كاتلونيا وغاليثيا أو الباسك، لكننا لم ندرج هنا شعراء إسبانيا ممن يكتب فقط باللغات المذكورة الأخرى الرسمية، فهذا له مجال ومكان آخر.
ولفت د. سعدون أن النصف الثاني من القرن العشرين، يعد جيل التأسيس الثاني بعد شعراء جيل 1898. فإذا كان شعراء جيِّلي 1898 و1914 قد أخذوا على عاتقهم بناء مفهوم شعري جديد خروجاً من الوصمة التاريخية (سقوط أوج الإمبراطورية الإسبانية بخسارتها آخر مستعمراتها في كوبا) والذهاب به إلى أبعد مدياته، في التنظير والبحث عن هوية ثقافية وفكرية جديدة. فإن أجيال ما بعد الحرب الأهلية الإسبانية (وهم ما نطلق عليهم بشعراء النصف الثاني من القرن العشرين)، قد حاولوا بعد الخسارة الكبيرة لحريتهم والوقوع في شرك الفاشية الفرانكوية ونظامها الديكتاتوري، حاولوا ما يمكن أن نسميه بناء بنية ثقافية نظيفة ومتجددة نوعاً ما، بعيداً عن كل معايير التسلط الفرانكوي ومحاولاته التوقيع بين شطري الأدباء الإسبان بين منحاز لسياسته التعسفية أو من كانوا بالضد منها، أولئك الذين ماتوا في صف القوات الجمهورية المنهزمة أو من هرب ونفي وتشرد في بلدان العالم الاوروبي أو الأميركي لاتيني أو من بقي محاصراً داخل إسبانيا بدون مجال وحرية حقيقية لنشر إبداعه الشعري.
وقال "لا يمكن الحديث عن فترة ما بعد الحرب الأهلية الإسبانية دون الرجوع لأجياله الأولى (منتصف الأربعينيات أو الخمسينيات) والممتدة حتى نهاية الخمسينيات، وهي الأسماء الشعرية التي جعلت من شعرها المرتبط بقضية الإنسان والمجتمع، هدفاً أسمى وتجربة للخروج من النمطية التعبوية نحو ارتباط واع بقضايا الشارع والناس، ومن هنا جاءت التسمية التي أطلقها عليه النقاد باسم الشعر الاجتماعي، ولكن علينا التأكيد هنا على أن نوعية الشعر الاجتماعي وإن كانت طاغية، إلا أن التمرد والأصوات المتفردة كانت حاضرة بشكل كبير، وهذا ما يمكن تلمسه من خلال قراءة النماذج المنتخبة في هذا الكتاب.
في هذه الحقبة سنرى تأثير العديد من كبار النصف الأول من القرن العشرين مثل: أنطونيو ماتشادو أو خمينث أو لوركا، بل أن البعض من أسماء هذه الأجيال من حاول، على الرغم من تعتيم السلطات الفرانكوية، للرجوع لشعرية هؤلاء وغيرهم كمحاولة لجمع المتناثر من الشعرية الإسبانية، ومنحها بعداً إنسانياً خالصاً، بكون الأدب والثقافة خطاً متواصلاً لا إنقاص فيه، بعيداً عن الاختلافات والتحزبات".
جيل الستينيات
وأكد سعدون أن التحول الحقيقي في اعتقادنا جاء به ما سمي بجيل الستينيات والذي امتد أثره تقريباً وصولاً لجيل الثمانينيات (جيل الديموقراطية بعد موت فرانكو) وهو الجيل الذي شرع ضمن عدته الثقافية إلى التنصل مما يحد من شعرية الشاعر، أي كل ما يمكن أن يدخل ضمن ما يسمى بالمسئولية ضمن معانيها الاجتماعية المتصلة بالتزام الأديب ومسئولية الوطنية. فهذا الجيل وجد أن على الشاعر مسئولية وحيدة لا غير هي (النص نفسه) وكل محاولاتهم بالبحث عن الحركات الشعرية العالمية، التواصل معها، ترجمتها للإسبانية، الخوض في غمار المسائل الوجودية والتحرر الإنساني.
من هنا حصلت الانعطافة الحقيقية للخروج بالشعر الإسباني من قوقعته المحلية وانعتاقه في البحث عن تصورات جمالية معاصرة، ومواكبة العالم في ثورته الثقافية والفكرية، دون التنصل عن الهدف الرئيسي للفرد الإسباني آنذاك، وهي الحرية القصوى في الحياة العامة كما عليه في الكتابة الإبداعية.
وأضاف "يكاد يكون جيل السبعينيات خطوة وصل مع الجيل السابق، ولكنه حلقة مهمة في التواصل مع الأجيال القادمة، لا سيما الجيل الذي يليه (وهو الثمانينيات). فهذا الجيل الثمانيني الشاب قد اتخذ من أسماء شعراء الستينيات نموذجاً يقتاد به، بل وطَّد البنية على أن التجديدية الحقة قد نبعت من بين أسمائه. من هنا شاع بين الشعراء الجدد تسمية (الحساسية الشعرية الجديدة) وذلك بالاتجاه بالشعر نحو هدفه الأسمى، أي استنطاق ما بعد الكلمة والانحياز للجمالية الكتابية أياً كان مصدر نبعها. لذا فقد نلاحظ على أجيال ما سمي بنهاية القرن (الجيلين الأخيرين منه) اللجوء لكل الوسائل الفنية والكتابية لبناء قصيدتهم، ولم ينقطعوا بالتواصل مع زمنهم بكل عيوبه ومنجزاته التقنية والآلية. عليه تعددت اتجاهاتهم وتصوراتهم، تقاطعت وتشعبت، وتشكَّلت منهم أكثر من مجموعة واتجاه، ولكنهم بقوا بصورة وبأخرى منحازين لمنطق الجمال في بذر الكلمة واستيعاب تعدديتها الخلَّاقة.
وكشف سعدون أن الأسماء التي اختارها من شعراء نهاية القرن وبداية القرن الحادي والعشرين، هي أسماء جديدة في وسطها، ولكنها كوَّنت نفسها بشكل صلب ومتماسك، وعلى معرفة واعية بشعريتها وهدفها بخوض التجربة على أكملها. أصوات شابة ولكن راسخة، أهميتها تكمن فيما نشرته وما نالته من إطراء نقدي منحها حجمها داخل الوسط الثقافي، وكذلك لقربها من التجربة العالمية في تقلَّباتها وسرعة تطورها ضمن منظومة العالم وتعدديته الثقافية ووسائل انتشارها ومنظوماتها التي نكاد نجزم على سرعة تجددها وتغيرها في العام الواحد.
كذلك ندرجهم هنا ليقف القارئ العربي اليوم ومعه أجيال الشعراء على ما يكتبه الشعراء الجدد في إسبانيا، ومدى اختلافهم وتلاقيهم معهم في الرؤية والذائقة. لقد منحنا الأهمية لشعراء قد وطَّدوا مكانتهم داخل النموذج الشعري المعاصر بانتخاب نماذج شعرية كافية، أما من أتى بعدهم في الجيل أو في الأهمية، فقد ترجمنا لهم نماذج أقل، وذلك ليتسع المجال لأكبر قدر من الأسماء، ومع ذلك فالمنتخبات مهما جهدنا فيها تبقى متجزئة لا تضم كل الأصوات، بل أغلبها، والتي نظن بها الأهمية والتميز.
وذكر سعدون أن المنتخبات اعتمدت أكثر من مصدر مما تزدحم به المكتبة الإسبانية من أنطولوجيات لأسماء هذه الأجيال التي ترجمنا لها هنا، دون اعتماد مصدر واحد بعينه. في أحيان كنا قد انتخبنا القصائد من دواوين الشعراء مباشرة، وأحيان أخرى اعتمدنا فيها على كتب منتخبات وأنطولوجيات إسبانية مهمة ومعروفة ومتميزة في انتقائها ومعاييرها النقدية، وهي في الواقع كثيرة، ونحن دون مبالغة قد اطلعنا على عشرات الكتب من منتخبات شعرية والدواوين الشخصية، ليقع اختيارنا أخيراً على ما ترونه بين أيديكم.
المنتخبات تبدأ بأهم شاعر لبدايات القرن العشرين ألا وهو أنطونيو ماتشادو، وتنتهي بنماذج لشعراء ولدوا عام 1968 والذين حققوا بشكل وآخر حضوراً شعرياً متميزاً قبل نهاية القرن وقد نشروا أكثر من كتاب شعري ونالوا اهم الجوائز، أو الألفية الثالثة تؤكد حضورهم القوي والمستمر في الخارطة الشعرية الإسبانية.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.