ارتفاع سعر الذهب اليوم.. تعرف على سعر عيار 21    حدث ليلا.. شهداء بغزة وهجوم على قاعدة عراقية وكوريا الشمالية تختبر صواريخ جديدة    وفاة السوري محمد فارس ثاني عربي يصعد إلى الفضاء    كوريا الشمالية تختبر رأسا حربيا كبيرا وصواريخ مضادة للطائرات    ملامح التعديل الوزاري المرتقب .. آمال وتحديات    سعر الدولار اليوم في البنوك والسوق السوداء    الحق اشتري.. انخفاض 110 ألف جنيه في سعر سيارة شهيرة    موعد مباراة مانشستر سيتي وتشيلسي اليوم في نصف نهائي كأس الاتحاد الإنجليزي    عمر مرموش يساهم بهدف في فوز آينتراخت فرانكفورت على أوجسبورج 3-1    تشكيل آرسنال المتوقع أمام وولفرهامبتون    حبس المتهم بقتل سيدة لسرقتها بالبساتين    مشتت وفاصل ..نصائح لتحسين التركيز والانتباه في العمل    بايدن: إنتاج أول 90 كجم من اليورانيوم المخصب في الولايات المتحدة    7 أيام في مايو مدفوعة الأجر.. هل عيد القيامة المجيد 2024 إجازة رسمية للموظفين في مصر؟    فودة وجمعة يهنئان أسقف جنوب سيناء بسلامة الوصول بعد رحلة علاج بالخارج    شعبة المخابز: مقترح بيع الخبز بالكيلو يحل أزمة نقص الوزن    الإفتاء: التجار الذين يحتكرون السلع و يبيعونها بأكثر من سعرها آثمون شرعًا    ارتفاع جديد في عز.. أسعار الحديد والأسمنت اليوم السبت 20 إبريل 2024 بالمصانع والأسواق    بيان عاجل من الجيش الأمريكي بشأن قصف قاعدة عسكرية في العراق    ميدو يكشف احتياجات الزمالك في الميركاتو الصيفي    تراجع سعر الفراخ البيضاء واستقرار البيض بالأسواق اليوم السبت 20 أبريل 2024    ابسط يا عم هتاكل فسيخ ورنجة براحتك.. موعد شم النسيم لعام 2024    الوزيرة فايزة أبوالنجا    اندلاع مواجهات عنيفة مع قوات الاحتلال في بلدة بيت فوريك شرق نابلس    داعية إسلامي: خدمة الزوج والأولاد ليست واجبة على الزوجة    سفيرة البحرين بالقاهرة: زيارة الملك حمد لمصر تأكيد على التكامل الإستراتيجي ووحدة الصف بين البلدين    3 إعفاءات للأشخاص ذوي الإعاقة في القانون، تعرف عليها    بصور قديمة.. شيريهان تنعي الفنان الراحل صلاح السعدني    ملف رياضة مصراوي.. إغماء لاعب المقاولون.. رسالة شوبير.. وتشكيل الأهلي المتوقع    سيف الدين الجزيري: مباراة دريمز الغاني المقبلة صعبة    بركات قبل لقاء الأهلي: مباراة مازيمبي وبيراميدز شهدت مهازل تحكيمية    كرة يد.. تعليمات فنية مطولة للاعبي الزمالك قبل مواجهه الترجي التونسي    خالد منتصر: ولادة التيار الإسلامي لحظة مؤلمة كلفت البلاد الكثير    "شقهُ نصُين".. تشييع جثة طفل لقي مصرعه على يد جاره بشبرا الخيمة (صور)    أهالى شبرا الخيمة يشيعون جثمان الطفل المعثور على جثته بشقة ..صور    فحص السيارات وتجديد الرخصة.. ماهى خدمات وحدات المرور المميزة فى المولات    ضبط نصف طن لحوم فاسدة قبل استعمالها بأحد المطاعم فى دمياط    9 مصابين في انقلاب سيارة ربع نقل في بني سويف    "محكمة ميتا" تنظر في قضيتين بشأن صور إباحية مزيفة لنساء مشهورات    هل يتم استثناء العاصمة الإدارية من تخفيف الأحمال.. الحكومة توضح    GranCabrio Spyder| سيارة رياضية فاخرة من Maserati    حدث بالفن| وفاة صلاح السعدني وبكاء غادة عبد الرازق وعمرو دياب يشعل زفاف نجل فؤاد    إياد نصار: لا أحب مسلسلات «البان آراب».. وسعيد بنجاح "صلة رحم"    نسرين أسامة أنور عكاشة: كان هناك توافق بين والدى والراحل صلاح السعدني    يسرا: فرحانة إني عملت «شقو».. ودوري مليان شر| فيديو    انطلاق حفل الفرقة الألمانية keinemusik بأهرامات الجيزة    بعد اتهامه بالكفر.. خالد منتصر يكشف حقيقة تصريحاته حول منع شرب ماء زمزم    العميد سمير راغب: اقتحام إسرائيل لرفح أصبح حتميًا    تجليس نيافة الأنبا توماس على دير "العذراء" بالبهنسا.. صور    أعظم الذكر أجرًا.. احرص عليه في هذه الأوقات المحددة    أدعية الرزق: أهميتها وفوائدها وكيفية استخدامها في الحياة اليومية    بجوائز 2 مليون جنيه.. إطلاق مسابقة " الخطيب المفوه " للشباب والنشء    آلام العظام: أسبابها وكيفية الوقاية منها    باحث عن اعترافات متحدث الإخوان باستخدام العنف: «ليست جديدة»    مرض القدم السكري: الأعراض والعلاج والوقاية    متلازمة القولون العصبي: الأسباب والوقاية منه    «هترجع زي الأول».. حسام موافي يكشف عن حل سحري للتخلص من البطن السفلية    نصبت الموازين ونشرت الدواوين.. خطيب المسجد الحرام: عبادة الله حق واجب    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



المدينة علي ضفاف السينما والتاريخ
نشر في أخبار السيارات يوم 28 - 04 - 2018


عصام زكريا
جاء ختام الدورة العشرين من مهرجان الإسماعيلية الدولي للأفلام التسجيلية والقصيرة »11-17 إبريل 2018»‬، ليُكمل الإيقاع الخاص بالمدينة التي لها جسارة الفدائي وعنفوان الفنان وحكمة الكاتب، كل شيء هنا في الإسماعيلية هو صدي للتاريخ والذكري الغنية بإشارات تتوّج الخيال والواقع في الحاضر، لذلك كانت الأغاني الوطنية المُجمعة التي استهل بها حفل الختام؛ هي خيط التواصل مع مدينة تشكلت ملامحها بالمقاومة والنضال، وتوتدت علي البحيرات المرة وبحيرة التمساح وقناة السويس التي تفصلها عن سيناء التي قدمت لها الإسماعيلية للتو شهيداً من أبنائها،الشهيد مقدم مصطفي الخياط، من أبطال الصاعقة، استشهد خلال المواجهات مع العناصر الإرهابية في العملية العسكرية بشمال سيناء، انفطرت قلوب الحضور في قاعة قصر ثقافة الاسماعيلية بظهور صورته علي خلفية الأغاني التي امتدت من الوطن إلي السينما: »‬عشرين سنة هنا/ عشرين سنة أفلام بتحكي عننا».
شوارع المدينة تفضي إلي محطات تاريخية تزخر بالكثير من حكايات الفن والنضال، هنا علي ضفاف بحيرة التمساح كان الاحتفال الأسطوري بحضور ملوك أوروبا لافتتاح قناة السويس في العام 1869، العام الذي صار اسمها فيه الإسماعيلية؛ نسبة إلي الخديو إسماعيل، بدلاً من مدينة التمساح كما أسماها سعيد باشا حين أنشأها في العام 1862، امتداداً لحضورها التاريخي منذ عصر ما قبل الأسرات الفرعوني، حيث كانت المقاطعة الثامنة في مقاطعات إقليم مصر السفلي، وكانت من أكبر المقاطعات في هذا العصر وعاصمتها تسمي »‬برأتوم» بمنطقة تل المسخوطة »‬مدينة أبوصوير حالياً»، وهنا تماثيل وميادين توثق حكايات هذا البلد الذي شهد ما يكفيه من حروب وتضحيات كأخويه في بلاد القناة »‬السويس، بور سعيد»، ما جعله أنشودة نضالية كما ينبغي أن تكون، من قناة السويس إلي الطرقات القديمة والجداريات علي جدرانها ونصبها التذكارية وتمثال مؤسسها الخديوي إسماعيل وميدان الشهيد عبد المنعم رياض الذي شهد واقعة استشهاد قائد الأركان أثناء حرب الاستنزاف، إلي تمثال الصمود والتصدي الذي تشكّل من بقايا شظايا المدفعية والقنابل الإسرائيلية التي ألقيت علي الإسماعيلية منذ نكسة 1967 وحتي نص ر أكتوبر في 1973، علي هيئة جندي يحمل بندقية.
هنا أيضاً بيوت مهندسي وموظفي قناة السويس علي الطراز الفرنسي، تحيطها أشجار الكافور الميموزا والنخيل والجوافة والمانجو التي طبعت لون ثمرها الأصفر علي فانلة فريق كرة القدم في نادي الإسماعيلي، النادي الذي أقيمت علي سوره جدارية تجسد تاريخه؛ تضمنت نجومه ميمي درويش ورضا وأبو جريشة وغيرهم من أصحاب الشعبية الطاغية في المدينة، ومن هذه النقطة افتتح المهرجان بفيلم »‬الإسماعيلي حبي.. جيل ورا جيل» الذي يرصد لحظة فارقة في مسار النادي عبر مباراته الشهيرة في يناير 1970، حين واجه نادي تي.بي.إنجلبرت الكونغولي في نهائي كأس أفريقيا، وفاز الإسماعيلي 3-1؛ ليكون أول فريق مصري يفوز بالبطولة، أراد الفيلم أن يبرز أهمية النادي الذي يطلق عليه »‬برازيل مصر»؛ مشيراً إلي أنه لا يزال يفرخ أجيالاً من اللاعبين ولا يزال معشوقاً للملايين، برؤية قدمها مجدي عبد الرحمن مستخدماً مواد أرشيفية متفرقة منها فيلما »‬ستاد القاهرة» إخراج نجدي حافظ، و» مباراة الإسماعيلي – إنجلبرت» إعداد ومونتاج حسن رضا.
قدم الباحث مجدي عبد الرحمن أيضاً كتابه البحثي »‬ذاكرة ضد النسيان»، متوافقاً مع هذه الدورة التي اختارت »‬الذاكرة» شعاراً لها في إطار الاحتفال بمرور عشرين دورة، كاحتفالية خاصة قال عنها رئيس المهرجان الناقد عصام زكريا:»‬ليس احتفاء بالماضي بقدر ما هو إحياء له وتأكيد علي أن المهرجان ليس دورات منفصلة عن بعضها البعض، وإنما كيان واحد حي يستمد اسمه وهويته وحاضره من تاريخه وماضيه»، وبدا واضحاً الجهد الذي بذله الباحث ليقدم مرجعاً عن المهرجان منذ تأسيسه حتي دورة العام الماضي، سواء بتجميع المعلومات عن الأفلام والمشاركين، أو بالكتابات الصحفية والنقدية وإن لم تتضمن جميع الصحف؛ وعلي أية حال فإنه يبقي جهداً يحسب للمهرجان، كما يحسب له أيضاً إصداره لكتب أخري عبرت عن شعار هذه الدورة، وشكلت أيضاً إضافة ثقافية وفنية نوعية، علي اعتبار أن الكتاب لابد وأن يلعب دوراً في زيادة المعرفة، ومن هذا المنطلق جاء كتاب »‬علي أبو شادي في رحاب السينما والثقافة»، في إطار تكريم المهرجان للناقد السينمائي الكبيرعلي أبوشادي الذي أعاد المهرجان بعد توقفه، وقام خلال عشر سنوات هي عمر رئاسته للمهرجان ببلورة اتجاهاته، كحدث سينمائي تنبع أهميته من تقديمه لسينما مختلفة، وهو ما يرصده هذا الكتاب الذي يتناول مشوار أبو شادي في النقد السينمائي ودوره الفاعل عبر المناصب الإدارية التي تقلدها، ويكشف عن جوانب في تكوينه الثقافي كجزء من جيل تأسس لإضاءة مساحات واسعة في السينما، إنه كتاب يقص حكاية جيل بأكمله، كان أبو شادي عموداً أساسياً فيه صانعاً وشاهداً وكذلك معتركاً، هناك أيضاً كتاب »‬سمير فريد وتأسيس النقد السينمائي العربي»؛ متضمناً مجموعة من الدراسات البحثية للاحتفاء بالناقد الكبير سمير فريد، وفارداً لإسهاماته المتنوعة في الحركة النقدية، عبر الكتابة عن مشروع سمير فريد النقدي وسماته الأساسية والمداخل الرئيسة إلي عالمه، في حلقة بحث موسعة علي مدار يومين، حاولت أن تجيب عن أسئلة تخص إشكالية النقد بشكل عام، وذلك بحضور النقاد أصحاب الأبحاث الستة التي احتواها الكتاب وهم: كمال رمزي، محمد بدر الدين، أحمد شوقي، أحمد عبد العال، صفاء الليثي، رامي عبد الرازق، بينما قام الناقد محسن ويفي بتقديم الكتاب وإدارة حلقة البحث وشاركه الناقد د. ناجي فوزي في اليوم الأول، معلقاً علي ما تقدم من كتابات، بما يلائم هذا اللقاء كحدث ثقافي يخلق حواراً مشتركاً في مهرجان إعتمد منذ البداية حالة ال »‬ديالوج» والتفاعل، وابتعد عن تجربة ال »‬مونولوج» وحديث النفس والصوت الواحد.
في دورة الذكريات هذه التي ضمت معرضاً لملصقات ومطبوعات وصور الدورات السابقة، كان من الملائم ما أقدم عليه د. خالد عبد الجليل رئيس المركز القومي للسينما؛ الجهة المنظمة للمهرجان، من إصدار مجلدين يضمان أعداد مجلة »‬السينما والتاريخ»، التي سبق أن أصدرها سمير فريد علي نفقته الخاصة ونشر فيها كتابات ووثائق ونصوصاً لكُتاب وسينمائيين مصريين وعرب وأجانب، من بينهم مفكرون مثل إدوارد سعيد وفؤاد زكريا وأحمد صدقي الدجاني وعبدالوهاب المسيري، هذا غير نجيب محفوظ ويوسف شاهين وأحمد عبد المعطي حجازي وإميل حبيبي وأنور السادات الذي كتب »‬قصتي مع الفن»، وهو حصاد ثقافي ضروري علي قدر أهميته، ووفق الاتجاه الذي اتخذه المهرجان هذا العام علي درب التوثيق ومنه إلي إحداث طفرة نوعية؛ أملاً في إثراء النقد السينمائي، أو بالأحري في إصلاح حاله، إلي الحديث في النهاية عن حتمية إنشاء سينماتيك يحفظ ذاكرتنا السينمائية.
»‬سمير الذي لا ينسي»، عنوان الكتاب الذي يلعب علي وتر الذاكرة أيضاً، ويقدم صورة للمخرج العراقي المولد السويسري الجنسية سمير جمال الدين، أو سمير بدون لقب عائلي كما يوقع أفلامه، نتعرف من خلالها علي أهم ملامح مشروعه السينمائي؛ في إطار تكريمه الذي أتبعه عرض فيلمه »‬إنس بغداد» في البرنامج الذهبي لعرض الأفلام الفائزة بالجائزة الكبري للمهرجان في الدورات السابقة، والذي عرض أكثر من 45 فيلماً، وكان »‬إنس بغداد» قد فاز بجائزة المهرجان الذهبية في العام 2003، يتناول الفيلم المثير للجدل ذكريات وآراء أربعة من الكتاب العراقيين اليهود المعروفين: »‬سمير نقاش، سامي ميخائيل، شمعون بلاص، موشي خوري»، هم رفاق قدامي لوالد المخرج في الحزب الشيوعي العراقي في أربعينيات القرن الماضي، نجح المخرج في اقتفاء أثر عشرات الآلاف من اليهود العراقيين ونقل علي امتداد ساعتين صور معبرة جداً عن بعض حقيقة ما حدث، تتأجج عواطفهم وذكرياتهم بوطنهم الذي فارقوه قسًراً.
كما كان “إنس بغداد” من بين عشرة أفلام 10 تمت ترجمتها إلي اللغة العربية لأول مرة في تاريخ المهرجان، مثل الفيلم الأمريكي »‬إدانة حقيقية» إخراج جيمي ميلترز في مسابقة الأفلام التسجيلية الطويلة والذي دار في 84 دقيقة حول ثلاثة رجال يحققون حلمهم بأن يصبحوا محققين، والفرنسي »‬الأساطير» إخراج فينسنت لو بورت في مسابقة الأعمال التسجيلية القصيرة؛ متوغلاً في مكان ما بفرنسا، علي أحد التلال، حيث يسعي البعض لإقامة تمثال من الجرانيت لقديسي العصور القديمة، وكل من الأمريكي”ابتدائية ديكالب”إخراج ريد فان ديك، والسويسري »‬اتجاه القِبلة» إخراج جان إريك ماك والذي فاز بجائزة لجنة التحكيم في مسابقة الأفلام الروائية القصيرة، ودار في أجواء شجية حول اللاجيء السوري فريد الذي تخبره إدارة المستشفي بأن السرطان تمكن من زوجته ووصل إلي مراحله النهائية، وتموت الزوجة تاركة إياه مع ابنتيهما؛ فيما يرغب فريد في دفن زوجته وفقاً للدين الإسلامي في ظل المشاكل التي تحاصره وتتطور من حوله بسرعة، وتضم هذه القائمة كذلك الفيلم التسجيلي القصير »‬الراكب الأسود» إخراج بيبي دانكارت، الألماني صاحب الأوسكار والجوائز الكبريورئيس لجنة التحكيم التي ضمت في عضويتها: المخرج والمنتج المغربي حميد باسكيط، أورماس جوميز من أستونيا، الأسباني نيكولاس مونيوز، البرازيلية كلاوديا نونيس، من صربيا الكاتب والمخرج جوران رادوفانوفيتش، المخرجة المصرية هبة يسري، أما فيلم »‬الراكب الأسود» لدانكارت والذي عُرض في الافتتاح؛ فإنه يتماس هو الآخر مع شعار المهرجان الذي يستدعي الذاكرة، فهو الفيلم الفائز بجائزة أوسكار أحسن فيلم قصير عام 1994، عمل متقن مثير يبدأ دقائقه الإثني عشر بلقطة تستعرض مدينة برلين من محطة ترام يتحرك ويلتزم بمساره، لا توحي اللقطة بالتطور المثير الذي يكتسبه الفيلم، إننا أمام شاب أسود مهاجر تعامله سيدة عجوز، مواطنة ألمانية بعنصرية فجة تثبت أنها أسيرة أفكارها القديمة، ما بين الإتقان الحرفي والقدرة علي الجذب تتحرك كاميرا دانكارت وتلتقط التفاصيل بينهما كشخصيتين رئيستين، وتتنقل بسرعة بين الركاب الذين يحيطونهما، في البداية يسألها إذا كان المقعد بجوارها خالياً، فتنظر له شذراً ولا ترد، ثم تنهال كلماتها تهينه وهو لا يرد طوال الفيلم ولا يلتفت إلي تعليقاتها الجارحة: ألم تجد مكانا غير هذا المقعد..السود كسالي ولهم رائحة قبيحة ومصابون بالإيدز.. هل كان ينقصنا الأفارقة، ألايكفينا البولنديون والأتراك؟، لا تتوقف عن سيل الإهانات حتي يأتيها مفتش الترام ويسألها عن تذكرتها، وحين تخرجها من حقيبتها يخطفها منها الراكب الأسود ويبتلعها، وهي أمام دهشتها لم تستطع التكلم، فيسألها المفتش مرة أخري عن التذكرة، تجيبه: ابتلعها هذا الراكب الأسود، فلا يصدقها ويصحبها خارج الترام، بينما يواصل الراكب الأسود رحلته بعد أن أظهر للمفتش بطاقة الرحلة، نهاية تحمل ملمحاً كوميدياً يسخر من العنصرية التي لم تعد موضوعاً لهذا العصر، فالجميع مشغولون بهموم أخري، بدا ذلك واضحاً في تجاهل الركاب لسلوك السيدة العجوز حتي أنهم لم يتعاطفوا معها ولم يخبروا المفتش برؤيتهم للراكب الأسود يبتلع التذكرة.
إذن. فالرهان علي حيوية المهرجان لا يفشل مع أفلام لا تنتهي متعة مُشاهدتها، وتبدو كدعوة مفتوحة إلي تعارف أقوي مع أنماط بصرية متنوعة، يتجلي هذا في فيلم »‬آلات حادة» للمخرجة الإماراتية نجوم الغانم والذي فاز بجائزة أحسن فيلم في مسابقة الأفلام التسجيلية الطويلة، »‬آلات حادة» يحسم السؤال المتكرر في مناسبات عدة: هل السينما تختصر سائر الفنون؟ حسناً، هو فيلم يغذيه الشعر؛ خصوصاً أن مخرجته وكاتبة نصه هي أيضاً شاعرة تثري الصورة بالكلمات، عبر بناء متماسك يزاوج بين السينما والفن التشكيلي، متمحوراً حول الفنان التشكيلي الإماراتي حسن شريف »‬مواليد 1951 - 18 سبتمبر 2016»، مؤسس التيار المفاهيمي في الخليج والإمارات، حيث يعتبر حسن شريف كأب روحي في مجال الفنون البصرية، والأكثر اختلافا وتأثيراً وإثارة للجدل يسرد حكاياته بنفسه ويتطرق إلي أسباب اختياره لهذا الأسلوب الإشكالي في زمن لم يكن جاهزاً للثورات الفنية. الكاميرا وهو وسحر أعماله في مواجهات فريدة وحالات كشف استثنائية تكشفهاسيناريو كتبته المخرجة نجوم الغانم وأنتجه خالد البدور، من تصوير إلياس طراد ومونتاج آن دي مو وموسيقي محمد حداد.نجوم الغانم تتّوج الصورة بالكلمة وترسم بورتريهاً فريداً لشخصية أكثر تفرداً، متماهية مع مفاهيمه ونسقه الفلسفي والنفسي والفني، بعين شغوفة ومهارة لا تؤت إلا من حس إبداعي يدرك تجربة فنان هيأ حياته كلها لفنه بين الصمت والبوح الكاشف لشخصية حسن شريف الذي يظهر وحده في الفيلم بناء علي رغبته، فلم يرد أن يتحدث عنه أحد غيره، وهو أمر صعب علي أي مخرج؛ مع ذلك بدا الفيلم ثرياً ومشرعاً علي عالم مختلف ولكنه ممتع مع هذا الرجل الذي لا يشتتنا كلامه، كذلك مع مخرجة قدمت مشاهداً معنونة بسطور شعرية، فيما تأت الصور لتؤكد علي الكلمات، دقة شديدة يسير الفيلم علي وتيرتها، فيترك أثره كما بطله الذي يري أن ترك الأثر مهم جداً.
فيما ينقلنا الفيلم المجري »‬سجينة» إخراج برناديت توزا ريتر، الفائز بجائزة لجنة التحكيم إلي عالم آخر متوغل في قسوته الإنسانية التي طالت ماريش التي تبلغ 52 عاماً وتخدم عائلة لمدة 10 أعوام بواقع 20 ساعة يومياً بدون أجر بعد أن تحفظوا علي بطاقتها الشخصية ومنعوها من الخروج بدون إذن. هو بالتأكيد عالم يختلف عما رأيناه في فيلم »‬العائلة» إخراج روك بيشيك، إنتاج مشترك بين سلوفينيا والنمسا، الحاصل علي تنويه خاص من المهرجان، حيث قام المخرج لمدة عشرة أعوام بمتابعة عائلة لها ابن من ذوي الاحتياجات الخاصة، فانتبه المخرج للأخ الصغير المراهق والمعافي الذي أنجب في عمر المراهقة، وتابعه خلال السنوات العشر هو وطفلته التي ظلت مع أمها.
طفرة أخري نلحظها في الأفلام التسجيلية القصيرة، منها الفيلم المصري »‬آخر من يغادر ريو» إخراج أسامة عياد، عنوان لافت خاصة حين نعرف أن ريو هي من أقدم دور العرض في بور سعيد وأن آخر من يغادرها هو محمد العملاوي عارض أفلام في السبعين من عمره، والذي يحاول أن يحافظ علي روتين حياته التي أصابها الإهمال كما السينما التي يعمل بها بعد ظهور السينما الرقمية. فيما ينقلنا الفيلم الصربي الفائز بجائزة أحسن فيلم »‬نفس الشيء» إخراجديان بيتروفيتش، إلي الحياة اليومية للمحكوم عليهم في أحد أكبر سجون صربيا. أما البولندي »‬السر العربي» إخراج جوليا جروسزك الحاصل علي جائزة لجنة التحكيم، فيتوغل في البحث عن الجذور لشخصيته المحورية المشدودة بين الشرق والغرب.تنوع آخر يطالعنا في الأفلام الروائية القصيرة، كما ظهر مثلاً في الفيلم اليوناني »‬ التذكرة» إخراجهاريس ستاثوبويلوس، الفائز بجائزة أحسن فيلم، الذي ينقل قصصاً مختلفة عبر تذكرة للنقل العام تنتقل من يد لأخري وترسم ملمحاً للأزمة اليونانية. علي صعيد آخر نجد في »‬دعاء» إخراج محمد شيرواني، من كوردستان – العراق، أجواء مشحونة وموترة بإيقاع سريع ومتصاعد علي مدار 11 دقيقة حول فتاة اسمها دعاء تعيش في قريتها، يذهب والدها إلي المدينة ليعرف إذا كانت ابنته قبلت في الدراسات الإسلامية كما يتمني، فيجدها قبلت في الفنون الجميلة يعترض أشقائها الذكورعلي اعتبار أن الفن حرام، لكنها لا تلتفت لتهديداتهم وتتعرض للضرب، لكنها لاتستسلم وترسم علي الجدران. يما يفاجئنا في أفلام التحريك، الفيلم الكويتي »‬نقلة» إخراج يوسف عبد الأمير البقشي، عن يتيم معاق يعيش مع والدته ويحاول أن يضع حداً لآلامه.
يبقي أن الدورة العشرين من مهرجان الاسماعيلية الدولي للأفلام التسجيلية والقصيرة، بما احتوته من فعاليات مختلفة منها أفلام الطلبة التي تعد بنفس سينمائي، ومنها فيلم »‬زي الشمس» اخراج هنا محمود، التي حاولت أن تبحث عن ذاتها في رحلة استكشاف وبحث عن أستاذها الذي تأثرت به وكان مساهماً في تشكيل وجدانها وتكوينها الإنساني،. كذلك الورش الفنية المختلفة وكلنا تابعنا دأب المصور السينمائي سعيد شيمي وجديته أثناء المهرجان، وتوقيع مذكرة تفاهم علي هامش الفعاليات بين د. خالدعبدالجليل رئيس المركز القومي المصري للسينما، وصارم الفاسي الفهري، رئيس المركز السينمائي المغربي، تضمن التعاون بين الجانبين في ما يتعلق بتبادل الخبرات والثقافة السينمائية، إضافة إلي توقيع مذكرة تفاهم مصرية أردنية، بين المركز القومي للسينما المصرية، والهيئة الملكية الأردنية للأفلام، تشمل تنظيم فعالية دورية تحت عنوان أيام مهرجان الإسماعيلية في الأردن، يتم من خلالها عرض مجموعة أفلام مختارة من القائمة المشاركة في المهرجان.ما يؤكد أن المهرجان يستمد قوته وجماله من هذه الجدية التي تمثل الاختبار الحقيقي للفعل الناجح، الذي شارك فيه الجميع، أما أبهي أنواع الجدية فظهرت مع المتطوعين من شباب الإسماعيلية الذين أشاعوا الأمل في تغيير الصورة النمطية بدرجات متفاوتة أبرزها تفعيل التواصل بين المهرجان والشارع في الإسماعيلية.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.