كان لافتاً جدا أن كتبا إنجليزية لفتيات مصريات غير معروفات تتصدر قائمة مبيعات مكتبة ديوان لعدة أشهر. من حق أى شخص أن يكتب باللغة التى تريحه لكن الغريب هو أن تختار الفتيات الثلاث اللغة الإنجليزية لانتقاد أوضاع فى صميم المجتمع المصرى. «مى طاهر» صاحبة كتاب When the Honeymoon is Over أى «عندما ينتهى شهر العسل» ترى أن ربط شرف البنت بغشاء بكارتها هو أمر سخيف وتقول «مروة حلوانى» صاحبة كتاب Think About It - رغم إبداء تحفظها - أن كثيرا من معارفها أصبحوا لا يجدون مشكلة فى الارتباط بفتاة غير عذراء، أما كتاب «ليلى النقيب» forget me not فهو يتحدث عن مشاعر فتاة حبلت من حبيبها قبل أن تتزوجه.. الكتب الثلاثة والفتيات الثلاث فى الواقع يعبرون عن طبقة اجتماعية وفكرية تعيش بالعقلية الغربية فى مصر. *مجتمع تناقضات ربما تكون مظاهر التشدد الدينى هى التى تطفو على السطح وتظهر وكأنها المظهر الاجتماعى السائد إلا إنه فى واقع الأمر هناك طبقات اجتماعية فى مجتمعنا تعيش بأسلوب حياة وعقلية مختلفتين تماما، لكن من صفات هذه الطبقة أنها تؤثر الصوت الهادىء ولا تتخذ من أسلوب حياتها قضية تنادى بها، لذلك كان من المهم الالتفات إلى كتب الفتيات الثلاث لأنها تعتبر من وسائل التعبير النادرة عن هذه الطبقة الاجتماعية التى تعيش فى مجتمعنا. «مى طاهر» درست التسويق فى الجامعة الأمريكية وبعد أن تخرجت عملت فى عدد من الشركات المحلية الكبيرة إلا أنها قررت أن تحول مسار عملها فجأة مثلما يفعل كثيرون من جيلها المنتمين لنفس الطبقة الاجتماعية. تركت «مى» العمل فى مجال التسويق الذى درسته فى الجامعة الأمريكية لتنتقل إلى العمل فى مجلة مصرية تسمى Community Times وهى واحدة من تلك المجلات الترفيهية التى تجدها فى الكافيهات يكتبها شباب مصريون لجمهور القراء الشباب المنتمين لنفس هذه الطبقة الاجتماعية التى تستسهل اللغة الإنجليزية عن العربية. وأخيرا قررت «مى» أن تكتب أول كتاب لها When The Honeymoon Is Over أو «عندما ينتهى شهر العسل» والذى تناولت فيه أسباب فشل مؤسسة الزواج فى مصر. تقول «مى» عن نفسها «خرجت من بيت يرفض فيه الأب ثقافة الحجاب والنقاب. علمنى أبى أن الإنسان بأعماله لا بمظهره. وهذه هى نفس المبادئ التى تربت عليها أمى فى بيتها، وبالرغم من ذلك عندما كنا فى أمريكا كانت هناك عائلات من باكستان تسكن بالقرب منا ألحوا على والدتى أن ترتدى الحجاب حتى وافقت تحت ضغط إلحالهم لكن والدى استطاع أن يقنع أمى أن الدين ليس بالحجاب فخلعته». وتعرب «مى» عن استيائها من مجتمعاتنا قائلة: «المجتمع أصبح يتدخل فى شئون الغير بشكل مبالغ فيه، الجميع يرتدى حجاب الشرف والفضيلة بالرغم من أنهم يفعلون كل شىء لكن بشكل مستتر». فكرة الكتاب قفزت إلى ذهن «مى» عندما سافرت مع زوجها للعمل فى قطر وهناك اقتربت من أزواج مصريين كثيرين.. تقول: كان أغلب الأزواج يحاولون أن يتظاهروا أمامنا وكأنهم أسعد الناس فى حياتهم الزوجية لدرجة أننى صدقت أن جميع المتزوجين سعداء وليست لديهم مشاكل، لكن بتعمق علاقاتى بالزوجات عرفت أن هذه السعادة التى أراها هى مجرد نوع من أنواع التظاهر الكاذب بينما الحقيقة هى أن المشاكل التى لديهم فى بيوتهم لا يصدقها عقل.. فكان هناك زوجان يتظاهران بعشقهما لبعضهما البعض أمامنا لدرجة أنهما كانا يقبلان بعضا بطريقة تتسبب فى إحراج بعضنا وكنت أظنهما أسعد زوجين فى الوجود حتى اكتشفت أنهما فى بيتهما ينامان فى غرفتين منفصلتين من كثرة المشاكل بينهما».. تستكمل: «بدأت اقترب من كل أصدقائنا وسمعت حكايات لها العجب من خيانات زوجية وخلافات تصل إلى حد الضرب والاستغلال الجنسى». كانت هذه الحكايات هى الوقود الذى دفع «مى» إلى كتابة كتابها الأول الذى سجلت فيه هذه القصص والتى عكست من خلالها شكل الحياة الزوجية فى مصر ومن أهم الاستخلاصات التى توصلت لها: معظم الشباب المصرى يتزوج مدفوعا برغبة ممارسة الجنس فى الحلال. بعض أبطال قصص «عندما ينتهى شهر العسل» كانت مشكلتهم الأساسية عدم المصارحة. الزوج يخون زوجته دون أن يخبرها والزوجة تشعر أن زوجها يخونها لكنها لا تكشف له عن مشاعرها. كما كانت مشاكل الزواج المبكر أحد الموضوعات التى تطرقت لها «مى» من خلال إحدى قصص الكتاب.. وتعلق «مى» على الزواج المبكر فى مصر قائلة: «لا أعرف لماذا تتزوج المصريات فى أوائل العشرينيات ففى الغرب يتزوجن فى الثلاثينيات وفى الأربعينيات». تقول «مى» «لم أعد اندهش عندما تقول لى إحداهن أنها تعيش مع زوجها لكنها لا تحبه.. كثيرات جدا قلن لى ذلك». تشجع «مى» على الطلاق فى مثل هذه الحالات من خلال إحدى قصص كتابها التى قرر فيها الزوجان أن ينفصلا ويعيشا كصديقين. وتسخر من ربط شرف البنت بغشاء بكارتها قائلة: «لا أفهم ما هو معنى ربط شرف البنت بوجود غشاء بكارتها أو عدم وجوده؟ وأسأل هؤلاء ما رأيكم فى الفتيات اللواتى يمارسن علاقات جسدية كثيرة ويحافظن على غشاء بكارتهن ليرضين المجتمع؟» تنتقد الكاتبة الشابة إقبال المصريين على الزواج قائلة: «أهالينا ربونا على أن عدم الزواج هو خطيئة ووضع غير مقبول وتكون النتيجة كوارث خلف جدران البيوت المصرية». * قصص قبل نوم الرومانسية تذهب «مروة الحلوانى» من حين إلى آخر إلى مكتبات ديوان لتتأكد بنفسها من مبيعات كتابها think about it والذى لم تتوقع أبداً أن يصبح من أكثر الكتب مبيعاً فى مصر. مروة عاشت فترة طويلة من عمرها فى لندن قبل أن تعود إلى القاهرة للدراسة فى كلية الألسن قسم اللغة الإنجليزية. اللغة الإنجليزية بالنسبة لمروة هى الأكثر قدرة على التقاط مشاعرها الداخلية والتعبير عنها. مروة التى تعمل كمحللة تسويق فى واحدة من شركات البترول، كانت واحدة من ضحايا الزواج المبكر الذى تحدثت عنه «مى» فى كتابها.. مما نتج عنه أنها أصبحت واحدة من ضحايا الطلاق المبكر، تقول «الزواج فى سن مبكرة كان خطأ ارتكبته فى حق نفسى». يبدو أن تجربة «مروة» الشخصية كان لها أثر كبير على موضوعات كتابها الذى ناقشت من خلال قصصه افتقاد المجتمع المصرى إلى الرومانسية وقيم أخرى كثيرة. فكرة كتاب «مروة» هى فكرة مبتكرة على قدر بساطتها، وهى عبارة عن مجموعة من قصص قبل النوم لكنها موجهة للكبار وليس للصغار فمن قال إن الصغار فقط هم من يحبون قصص قبل النوم؟.. تقول «مروة» «من خلال 40 قصة كتبتها للكبار لكى يقرأوها قبل النوم حاولت أن أناقش معانى أصبح مجتمعنا يفتقدها مثل الصدق والصداقة الحقيقية والوضوح والوفاء». من ضمن قصص الكتاب قصة «الضفدعة الأميرة» تتحدث عن «ضفدعة» تقابل ضفدعاً فى الشارع فيلقى لها بكرة من ذهب فتهتم بالكرة وتنسى الضفدع وتكتشف بعد فترة أنها تحمل كرة من ذهب لكنها فقدت ضفدعا كان من الممكن أن يشاركها حياتها. القراء الذين اشتروا كتاب «مروة» الذى أصبح واحدا من الكتب التى تصدرت مبيعات ديوان هم طلبة الجامعات الخاصة كما تذكر «مروة»، فالكاتبة كما سبق وذكرنا تنتمى إلى شريحة مجتمعية نادرا ما نسمع صوتها ونادرا ما يهتم أحد بأن يوجه لها مادة إعلامية مرئية. وهى بالفعل تقول «لم أكن أتصور أن أصدر كتابا يحمل أفكارى فى يوم من الأيام.. كنت فقط أكتب لأصدقائى على الفيسبوك». سألناها عن رأيها فى مؤسسة الزواج التى تحدثت عن افتقادها للرومانسية وقيم الصدق والوفاء وبالرغم من معارضتها لممارسة الجنس قبل الزواج لكنها تتحدث عن مجتمعها المحيط قائلة: «أعرف عددا كبيرا من الشباب يتقبل مبدأ الزواج من فتاة غير عذراء».. أسباب رفض مروة للجنس قبل الزواج ليست أسبابا دينية.. تقول: «بالرغم من أننى فتاة ليبرالية إلا أننى أرفض هذا المبدأ لأننى عندما عشت فى أمريكا رأيت بنفسى النتائج السلبية التى يسببها تعدد العلاقات الجنسية قبل الزواج». * الجنس باللغة الإنجليزية يختلف «ليلى النقيب» هى واحدة من شباب المذيعين بإحدى محطات راديو الإنترنت. درست بمدرسة أجنبية وأحبت الثقافة واللغة الإنجليزية حتى أصبحت أقرب إلى تفكيرها وهى واحدة من هؤلاء الشباب الذين لم يستمعوا إلى عبد الحليم.. تقول: «طوال فترة مراهقتى كنت أستمع إلى الأغانى الأجنبية ولا أتذكر أننى سمعت عبدالحليم فى يوم ما».. وبعد أن انتهت من دراستها استقر بها الوضع فى العمل فى إحدى محطات الإنترنت. «ليلى» ألفت كتابها على الموبايل ولم تتصور أنه سيتم نشره فى يوم من الأيام.. وتؤكد: فقط أردت أن أعبر عن أمر ما بداخلى. كتاب Forget Me Not الذى ألفته «ليلى» يحكى عن قصة حب ومشاعر فتاة مرت بعلاقة جنسية خارج إطار الزواج كانت نتيجتها طفلاً يعيش داخلها فى نفس الوقت الذى يتركها فيه حبيبها ومن شدة حزنها على حبيبها السابق يحدث لها إجهاض دون رغبة منها. ليلى اختارت لبطلة كتابها اسم غربى «مايا» بالرغم من أنها - كما تقول هى - تحمل كل صفات البنت المصرية وتحمل كل همومها.. نفس الإحباط والمشاكل والتناقضات. إلا أن «ليلى» فضلت أن تختار لبطلة قصتها اسما أجنبيا وأن تكتب الرواية كلها بالإنجليزية بالرغم من أنها رواية مصرية حتى تتجنب أى انتقادات أو اتهامات.. تقول: «المجتمع لن يتقبل الحرية الموجودة فى الكتاب.. سيقولون أننى أروج للجنس قبل الزواج وأنا لا أريد إزعاجا.. أنا أبدع المعانى بغض النظر عن الرسالة». تقول ليلى عن المجتمع المصرى «أحلم بمجتمع لا يعيش فى ازدواجية ويتوقف عن التدخل فى شئون الآخرين».. ترى أن المجتمع أصبح مليئا بالمتناقضات بما لا يدع مجالا لفتاة معتدلة أن تعيش بطبيعتها.. تقول «زميلاتى المحجبات يقلن لى لماذا لا تتحجبين يا ليلى وصديقاتى المتحررات يعتبرننى «مقفلة»، فالخياران الوحيدان اللذان تركهما المجتمع أمامى هو إما أن أكون متزمتة أو أن أكون منفلتة.