من عجائب الدنيا.. أن جمعيات حماية المستهلك فى بلاد بره ليست للوجاهة الاجتماعية.. أو المنظرة فى الحوارات التليفزيونية.. جمعيات تقوم بشغلها بحق وحقيقى.. ورئيس الجمعية من طبقة الناس العادية.. لا يحمل لقب بيه أو باشا.. مواطن يعرف هموم المواطنين.. يعيش بينهم.. يشترى الطماطم واللحم والفاصوليا.. يعرف أسعارها جيدا.. ويحاول بكل الطرق تيسير الحياة لعموم الناس!! ابتكرت جمعيات حماية المستهلك حلا عبقريا للنزول بأسعار السلع فى الأسواق.. بأن عقدت اتفاقا مع الشركات الكبرى.. شركات الغذاء خصوصا.. لتوفير نسبة محترمة من منتجاتها بأسعار محدودة.. نفس المواصفات.. نفس أسلوب التعبئة.. نفس الجودة فى الإنتاج.. ولكن فى عبوات مخصصة لمحدودى الدخل!! تظهر فى الأسواق عبوات السكر والسمن والمكرونة والدقيق واللحوم والزبادى وغيرها.. تظهر فى الأسواق بأسعار تقل كثيرا عن الأسعار الأصلية.. وقد كتب على العبوة ما يفيد أنها لمحدودى الدخل.. وفى السوبر ماركت أنت وضميرك.. يدخل المشترى لشراء ما يلزمه.. فإذا وجد البضاعة الرخيصة.. ووجد أنه يستحقها فيشترى فورا.. ولو وجد أنه قادر على دفع الثمن الأغلى فيفعل ذلك دون تردد.. أقصد أن السلعة الغالية تباع بجوار الرخيصة.. والسلعتان إنتاج نفس الشركة - وبنفس الجودة.. وأنت وذوقك وإحساسك بالآخر وبوضعك الاجتماعى ويا ويله ويا سواد ليله صاحب المطعم الذى يشترى من السوبر ماركت عبوات محدودى الدخل.. التى تخصص فقط لمحدودى الدخل.. وقد حلمت بأن نفعلها فى مصر.. فنخصص بعض الجمعيات التعاونية لتبيع إنتاج المصانع المختلفة بأسعار أقل وبسعر التكلفة.. لكنى اكتشفت أن جمعيات حماية المستهلك عندنا فى واد آخر.. ورئيسها من طبقة الأكابر الذين لا ينتمون للناس العاديين فتوقفت فورا عن الحلم حتى لا أقلق السلام الاجتماعى الآمن والمستقر..!! ولكن لماذا توافق شركة الزبادى على طرح عبوات رخيصة.. فى حين أن إنتاجها الغالى يلاقى رواجا كبيرا!! والشركة لا تفعل ذلك لإحساسها بدورها الاجتماعى فقط.. وإنما لأن ما تطرحه من عبوات رخيصة الثمن يخصم من حصة الضرائب التى تسددها سنويا.. تماما كما تفعل شركة السكر المصرية التى تستورد بالشىء الفلانى.. ثم تقدم السكر مدعوما بأسعار رمزية لحاملى بطاقات التموين. من أجل هذا تجد سعادتك فى أسواق بلاد بره.. جميع السلع بأسعار مختلفة ومنها تلك الأسعار الشعبية التى اجتهدت جمعيات حماية المستهلك فى توفيرها للمواطنين.. وحتى السلع الخاصة بطبقة الأغنياء والسادة.. كالفواجرا والسيمون فيميه.. يشتريها محسوبكم بأسعار رمزية.. على اعتبار أننى أنتمى للطبقة الكحيتى فى مصر وفى أوروبا!! فى الأسبوع الماضى تلقيت رسالة رقيقة من المهندس حسن كامل رئيس شركة السكر المصرية يعترض على ما ذكرته فى مقال سابق.. من أن السكر يباع فى أسواق أوروبا بجنيه واحد للكيلو.. أكد المهندس حسن كامل أن الشركة تستورده بالشىء الفلانى.. وبالتالى من غير المعقول أن يباع فى أوروبا بأسعار أرخص من أسعاره فى مصر.. وأؤكد للقارئ المحترم أن السكر يباع أرخص والله.. لكننى لا أتحدث عن البورصة الرسمية.. بل أتحدث عن البورصة الشعبية وأسعار الفقراء ومحدودى الدخل.. وهى الأسعار التى وفرتها لهم جمعيات حماية المستهلك والتى تقوم بشغلها بحق وحقيقى!! رب ضارة نافعة.. وأجمل ما فى رسالة رئيس شركة السكر أنه يعرض علينا عرضا رسميا لدخول عالم البيزنس وهو أن أقوم شخصياً باستيراد سكر أوروبا الرخيص.. لتتولى الشركة المصرية تعبئته وتوزيعه بجنيه للكيلو.. وأوافق فورا لأننى أحلم بالدخول فى عالم البيزنس لتعويض سنوات الشقاء فى بلاط صاحبة الجلالة.. لكننى أضيف إلى اقتراحه بعدا اجتماعيا إنسانيا.. بأن نستورد السكر ونستورد البودرة التى تشبه السكر.. ونبيعها بالأسواق بأسعار رمزية لنحقق ثروة طائلة.. نقسمها بالنصف.. لنقتحم عالم الأغنياء والسادة.. أما الفقراء ومحدودو الدخل.. فلا يقدر على القدرة سوى الخالق سبحانه وتعالى..!!