ثريا زوجة إيرانية ارتكبت خطأ فظيعا فقد رفضت أن يتزوج عليها زوجها فتاة في عمر أبنائه، ولعلها صرخت في وجهه وقاطعته وشكته لطوب الأرض، فلا شك أنها فعلت شيئا من هذا أو كله وزيادة مما جعل الزوج يمقتها ويقرر الانتقام منها، والزوج يعلم أنه يعيش في دولة أصيب القائمون عليها بمرض «كراهية النساء»، ويدرك أنه سيجد من شيخ القرية أذنا صاغية ومن المُلا معينا له علي تأديب تلك الزوجة المارقة وجعلها عبرة لكل نساء القرية، ويتهمها الزوج زورا بأنها خانته مع رجل كانت تزوره لتعني بأطفاله بعد وفاة أمهم التي كانت صديقتها، وينكر الرجل التهمة في البداية لكنه يستسلم إزاء جبروت الزوج ورغبته العاتية في التنكيل بزوجته. إنه يدرك أن الزوج لم يغضب لشرفه وإنما لكرامته، وأنه صار إزاء موقفين إما أن تطبق عليه عقوبة الرجم كشريك في الزني، أو يصبح شاهد إثبات وينجو بحياته، هذا ما تقرره قوانين أغلب الدول الإسلامية، مما يفتح باب الهروب للمحرض الشاري وربما المغتصب خلافا لما قرره الخالق في الآية الكريمة من اشتراك «الزانية والزاني» والعقاب المتساوي علي الطرفين فزبانية الدنيا يرون أن الذكر معصوم من الخطأ وأن الأنثي هي التي تغويه وتدفعه لارتكاب المعاصي، وأغلب حالات تنفيذ عقوبة الزني لا تطبق إلا علي المرأة رغم أنها تكون الضحية وليست الجاني، فالهدف الأسمي هو تأديب النساء وإجبارهن علي السمع والطاعة للذكور. ويصبح ذلك التعنت الغاشم المفضوح ضد المرأة (عادة الزوجة) فرصة سانحة لأعداء الإسلام المتربصين به، وتجده سهامهم هدفا سهلا يؤكد مزاعمهم بأن الإسلام دين التعصب والتفرقة العنصرية وظلم المرأة وإهانتها والقسوة عليها .. إلخ. قصة الفيلم تحدث في قرية نائية بإيران، بعيدا عن المحاكم والمحامين وتشكل بسرعة محكمة وهمية، حيث يصدر شيخ القرية بمعاونة المُلا الحكم برجم ثريا، رغم أن الرجم لم يذكر في القرآن الكريم، ويحدد موعد تنفيذ الحكم وينفذ ويشارك فيه كل أهل القرية؛ شيوخها وأطفالها، نساؤها ورجالها، ومعهم والد ثريا وولداها ..!! عرض الفيلم منذ عامين في مهرجان تورنتو السينمائي الدولي عام 2008 تحت عنوان «رجم ثريا» أو (سنسار ثريا)، وكالعادة ثار المسلمون وهاجوا وماجوا واتهموا صانعي الفيلم بالتعصب والافتراء علي الإسلام ثم هدأوا ولزموا الصمت القاتل بعد ذلك. اللافت أن الكتاب الذي حكي قصة ثريا وزعم أنه يستند إلي قصة حقيقية صدر عام1994 للكاتب الإيراني فريدون صاحبشمس الذي يعيش في فرنسا، وقد تم حظر الكتاب في إيران بسبب فضحه للنظام القانوني الإيراني، فالنظام الإسلامي في إيران لا يطيق المعارضة ولا يقبل النصيحة، وكدأب كل أدعياء التدين والتحدث باسم الدين لا يتحمل ملالي إيران مواجهة الحقائق مهما كانت ساطعة. لقد كان علي ثريا المسكينة أن تنتظر ما يقرب من خمسة عشر عاما قبل أن تجد من يتحمس لقصتها ويقتص لها ويفضح من ارتكبوها ويكشف النظام الذي منحهم الحماية وشجعهم علي ارتكابها. لقد فضح الفيلم العقوبات الوحشية التي أعادها النظام الخوميني عام 1983إلي إيران، ومن بينها الرجم، الذي لم يكن يمارس في إيران، قبل صدور قانون العقوبات الإسلامي، وقد أثارت تلك العقوبة الهمجية معارضة شديدة داخل وخارج إيران، الأمر الذي أرغم السلطات الإسلامية في إيران عام 2002 علي ادعاء تعليق عقوبة الرجم، ولكن العقاب بقي في القانون، وبناء علي ذلك ظل بعض القضاة يصدرون أحكاما بالرجم نفذت عامي 2006 و2007 ، وهناك شواهد علي أن الرجم ما زال يمارس إلي اليوم في مناطق عديدة من إيران. وظل الفيلم ينتقل من مهرجان سينمائي إلي آخر حتي رشح لنيل جائزة الأوسكار وجوائز أخري، إلا أنه منع من العرض في إيران ومن ثم البلاد العربية بزعم أنه يتطاول علي أحكام الإسلام ..!! وفي عام 1995 أقيم عرض للفيلم علي هامش مؤتمر الأممالمتحدة للمرأة في نيويورك، ودعيت لمشاهدته من الوفد الإيراني، ولكني لم أستطع استكمال المشاهدة واندفعت أغادر القاعة، فلم أحضر المناقشة التي تلت العرض. لقد تعمد المخرج أن يبرز التفاصيل التي سبقت تنفيذ العقوبة وكل الإجراءات بحيث اندفعت الدموع من عيون كل المشاهدين رغم أننا كنا علي يقين من أن ما نراه ليس سوي إعادة تمثيل مشاهد لا نعرف علي وجه اليقين إن كانت واقعية أم كانت غارقة في الخيال. حكاية بطلة الفيلم ثريا الأم والزوجة التي تقف في وجه زوجها رافضة زواجه بفتاة أخري لا يتعدي عمرها الرابعة عشرة ذكرتني بحكاية خولة بنت ثعلبة، وزوجها أوس بن الصامت، الذي تحجج بالظهار لكي يتزوج عليها من امرأة أخري، وكان الظهار يعني أن يقسم الزوج أمام زوجته ألا يقربها بقوله: أنت علي كظهر أمي، وتلك كانت عادة من عادات الجاهلية السيئة، وتعني أن تصبح الزوجة وأم العيال محرمة علي زوجها تحريما مؤبدا. رفضت خولة ذلك الحكم الجائر وأسرعت تشكو زوجها إلي النبي - صلي الله عليه وسلم - وظلت تعود إليه وتجادله حتي نزلت الآيات التي حرمت الظهار واعتبرته «منكرا من القول وزورا». وثريا الإيرانية بنت القرن الحادي والعشرين فعلت نفس الشيء رفضت أن يتزوج عليها زوجها ليس حباً فيه ولكن، كما قالت خولة للرسول: من الذي سينفق علي وعلي عياله إذا ما انشغل بزوجة جديدة وأسس أسرة ثانية وهو رجل فقير؟ مست ثريا وترا مشدودا، فقر الزوج وعجزه عن إعالة أبنائه وزوجته، ولكي يهرب من الواقع المر يلجأ لخديعة ضحية أخري ويكرر ما فعله مع الأولي وربما فعلها مع ثالثة ورابعة، ولم لا مادام فقهاء آخر زمن يرغبون في إذلال النساء وتركيعهن ..؟! وتخيل معي أمًا شابة لأربعة أبناء؛ ولدين وبنتين، يحكم عليها بتلك العقوبة الوحشية، دون أي دليل علي ارتكاب الخيانة الزوجية، ويرغم أبناؤها علي أن يجمعوا الحجارة التي ستصوب إلي رأس أمهم وتقتلها وأن يشاركوا في العقاب الوحشي ..؟! أي نص يقرر هذا السلوك البربري، في القرآن الكريم أو في السنة الصحيحة! أسئلة يتهرب الجميع من الإجابة عنها، ولكن الشياطين الخرس لا يتورعون عن المشاركة في «احتفالية» الرجم وتصويب الحجارة إلي رأس الضحية المنكوبة أمام والدها وأبنائها وكل أفراد القرية. تجاهلوا الآية الكريمة، «واللاتي يأتين الفاحشة من نسائكم فاستشهدوا عليهن أربعة منكم فإن شهدوا فأمسكوهن في البيوت حتي يتوفاهن الموت أو يجعل الله لهن سبيلا» «الآية 14 سورة النساء». ونسوا أن الرجم ليس مذكورا في القرآن حتي وإن قيل إن آياته قد نُسخت فهو ما يعني أن تلك العقوبة قد ألغيت، نسي مدمنو السكوت عن الحق ذنوبهم التي تثقل أبدانهم وتسود قلوبهم وتطفئ في عقولهم أنوار الحق والعدل، وصوبوا الحجارة إلي رأس ثريا، فالرأس فيه العقل، والمرأة في نظرهم يجب أن تنبذ العقل مصدر التفكير والمنطق والاحتجاج .. المرأة المسلمة والرجل المسلم يجب أن يتناسيا فريضة التفكير التي نصت عليها الآيات البينات، ويسلما عنقيهما «لأولياء الله» الذين نهي الخالق عن اتباعهم. المؤكد أن هذه العقوبة الهمجية (الرجم) كانت تطبق في العالم القديم (ما قبل الديانات السماوية) ونزلت الرسالات الإلهية لكي ترحم عباد الله منها كما رحمتهم من ممارسات وحشية عديدة مثل ذبح الأبناء الصغار وتقديم دمائهم قربانا للآلهة التي كانوا يعبدونها زلفي. ولكن كيف بقيت تلك العقوبات حية في الذاكرة البشرية رغم أن الأديان السماوية الثلاثة قد نهت عنها؟ كم من ثريا تعيش بيننا وتواجه تهما ظالمة وافتراءات لا حد لها تصوب إلي عقلها كالحجارة المسنونة من عقول أصابها الركود بالعطن؟! إن الجماعات التي تتسربل بقميص الإسلام لا تتورع عن إبداء الكراهية للمرأة وإعلان رفضهم لتوليها القضاء وتبوؤها سدة الحكم ويسعون لوأدها داخل أثواب سوداء تفوح عرقا وانصياعا وتذللا. وقد تولانا الله برحمته فأظهر آياته في حكم من سبقونا إلي الدولة الدينية كي نري في الواقع وبالصوت والصورة نماذج لما يحلم به دعاة الدولة الدينية بيننا.