كانت سيناء موضع اهتمام وتركيز خلال الفترة الأخيرة فقد سافر إلى هناك وزير الداخلية حبيب العادلى المسئول عن الأمن فى مصر وعقد حوارا هو الأول من نوعه مع مشايخ القبائل والمسئولين هناك أكد فيه حرصه على تنمية سيناء بعيدا عن تدخل الخارجين على القانون الذين يعمدون إلى التهريب أو تأليب الرأى العام.. وأوضح حبيب العادلى أن أهل سيناء هم محور اهتمام وتقدير القيادة السياسية لما قدموه من تضحيات وبطولات غالية تجسيدا لانتمائهم الوطنى. وتصادف فى نفس اليوم أن التقى اثنان من أصحاب البصمات الواضحة فى مسار سيناء مع عدد من المفكرين والمثقفين فى ندوة اللجنة المصرية للتضامن.. الوزير الأسبق محمود شريف الذى افتتح ورأس أول جامعة فى سيناء والتى أسسها الدكتور حسن راتب رجل الأعمال الذى اختار سيناء مجالا لتحقيق أفكاره الاقتصادية والاجتماعية.. واللواء منير شاش الذى عين محافظا لشمال سيناء عام 1982 وبقى محافظا لها 12 عاما متصلة. أذكر أنه عندما كنت ضابطا وسافرت فى فرقة أنوار كاشفة فى مدرسة المدفعية المضادة للطائرات البريطانية فى قرية الطيرة القريبة من حيفا عام 1947 كان الدخول إلى سيناء يقتضى الحصول على تصريح خاص من محافظ سيناء البريطانى وكانت هى المحافظة الوحيدة فى مصر التى يرأسها بريطانى من القوى المستعمرة. وكان محظورا وقتها أيضا إرسال أى مواد تموينية إلى سيناء إلا بتصريح خاص.. وقد استمر هذا الأسلوب حتى خروج آخر محافظ بريطانى لسيناء مع بداية حرب فلسطين 1948 . كان الاستعمار البريطانى حريصا على خلق عزلة شكلية بين سيناء ومحافظات مصر.. ولكن مع انتهاء الحروب العدوانية التى تعرضت لها مصر واحتلت فيها سيناء أثناء العدوان الثلاثى عام 1956 أو العدوان الإسرائيلى فى يونيو 1967 ركزت الدولة على تطوير سيناء.. وتحقق فى هذا المجال إنجازات واضحة ولكن بقيت بعض الإنجازات الضرورية التى تفرض نفسها اليوم وخاصة بعد مشكلة غزة التى تستهدف تهجير عدد من أبناء شعب فلسطين إلى سيناء فى مقابل إعطاء مصر أرضا من صحراء النقب فى إسرائيل. وقد ذكر الدكتور محمود شريف أن هناك مشروعا درس أخيرا فى مركز بحوث الشرق الأوسط فى واشنطن يقترح إفراغ التكدس السكانى فى غزة بإعطاء الفلسطينيين مساحة تمتد 20 كيلو متر من رفح بعمق 20 كيلو متر وهى من أجود الأرض الزراعية فى سيناء. وقد نوقش هذا البحث فى مؤتمرين كبيرين.. وهو ما يجعله اقتراحا تسعى إسرائيل لتحقيقه.. ويرى الدكتور محمود شريف أنها لن تتخلى عنه مهما طالت المدة قياسا على ما أصر عليه زعماء الصهيونية التوسعية فى مؤتمر هرتزل الذى خطط لإقامة إسرائيل عام 1904 ولم يتخل عن هدفه حتى أقيمت دولة إسرائيل فعلا عام .1948 وهذا المشروع الذى بحث فى واشنطن يجب أن تسلط عليه الأضواء لمقاومته حتى لا يتحول إلى حقيقة مؤسفة. وعلينا أن نتذكر كلمات عالمنا الجليل جمال حمدان الذى قال: إن من يسيطر على فلسطين يسيطر على حدود مصر عن طريق السيطرة على سيناء ثم يسيطر على قناة السويس ومنها يسيطر على مصر. سيناء إذن لا يجوز أن تكون موضع تجاهل أو إهمال فهى تملك كل مقومات الحياة والتنمية.. ويذكر محافظها السابق منير شاش أنهم قد استطاعوا بجهودهم الذاتية زراعة 307 آلاف فدان بجهد أبنائها الخاص دون معونة من الدولة.. وأنه قد أعطيت عقود تمليك لمن يستزرع الأرض.. وهو أمر يدفع إلى تحقيق خطة استزراع مليون و27 ألف فدان شرط أن تكون منتجاتها تصديرية فلا تعتمد فى ريها على مياه الصرف الصحى مطلقا. ولا تقتصر ثروة سيناء على الزراعة فقط.. فإن ما تحويه أرضها من خامات ومواد خام متميزة يضعها فى مقدمة المناطق التى تنتج السليكون والزجاج والرخام. وتشير الحقائق إلى أن الجهود التى بذلت لخدمة سيناء رغم أنها لم تحقق الهدف المنشود بعد إلا أنها رفعت المستوى الاجتماعى بشكل ملحوظ.. فهناك اليوم 440 مدرسة بعد أن كان هناك 29 فقط.. وكل قرية فى شمال سيناء توفرت لها وحدة صحية. ولم يقتصر التقدم على التنمية الزراعية.. أو الصناعة التى بدأت تظهر فى مصانع السماد وغيرها وإنما امتد إلى السياحة التى تتطور بشكل ملحوظ وخاصة فى الجنوب فى أكثر من مدينة سياحية تأتى شرم الشيخ فى مقدمتها. ومع ذلك.. فإن سيناء سوف تظل مشكلة مؤرقة طالما بقى العدوان الإسرائيلى على شعب فلسطين واحتلاله لأرضه ومحاولة تثبيت الاستعمار الاستيطانى الذى يحقق حلم الصهيونية التوسعية الذى بدأ فى مؤتمر 1904 مع بداية القرن العشرين. إن مشكلة سيناء ترتبط تماما بمشكلة فلسطين التى يعانى شعبها من التهجير والعدوان وتدمير أرضه ومحاولة تهويد عاصمته القدس الشريف.