لم أشد وجهى.. أو أزرع كبدًا.. أو أشفط الدهون، على نفقة الدولة. لم أقل لإنسان، لا يساوى شيئاً إلا من خلال منصب زائل.. وسلطة فانية، «يا سعادة الباشا».. أو «يا سيد الكل».. أو «سيادتك نورتنا».. أو «معاليك ربنا يخليك». منحازة دومًا، للعدالة «الهاربة».. والحريات «المجهضة» فى مهدها.. والإنسان، يهمنى قدر إنسانية أحلامه، وليس قدر رصيده فى البنوك. لم أعط وعودًا، أعجز عن الوفاء بها.. ولا أبالى إذا لم يكتب عن مؤلفاتى ناقد ذكورى.. أو ناقد له أغراض خفية، أو ناقد فشل فى أن يبدع سطرًا واحدًا، فى قصة قصيرة، أو رواية، أو قصيدة، فقرر أن يقتات رزقه، بإرهاب أهل الإبداع. قررت قطع اشتراكاتى، فى الجرائد، والمجلات، التى تمرضنى.. وتخيم بالكآبة على عقلى.. وتشيع الاكتئاب فى وجدانى.. وتشعرنى بكلمة تفزعنى اسمها «اللاجدوى». كل يوم أتساءل: أليس من حقى قراءة شىء «عليه القيمة»؟! طالما أننى، لم أشد وجهى على نفقة الدولة؟! ما هذا الذى أقرأه كل يوم، فى هذه المجتمعات المسكونة بالتخلف، والقمع؟! ما هذا الكم المخزى، من الحوادث القاتلة، بسبب الإهمال الجسيم فى كل مكان؟! ما هذه الجرعة الفاسدة، من الفكر، والفن، والأدب، التى يهللون لها؟! موتى فى المستشفيات، بسبب أطباء، لا يعرفون شيئًا عن الطب، أو الرحمة.. ولا يصلحون إلا لوظيفة اللصوص، والقتلة. غرقى فى قاع النيل، بسبب الجهل، أو بسبب وطن لا يوفر أبسط أنواع الترفيه، والحد الأدنى من الصيانة.. والرقابة. بشر، بين الموت والحياة، تحت أنقاض بيوت، من المفروض أن تحمل السكينة والراحة، والأمان لأهلها.. لا أن تحملهم إلى قبور، هى الأخرى لا تصلح للأموات من البشر.. ولا الأموات من الحيوانات. ما هذا الذى يحدث، فى هذه المجتمعات، التى تأبى إلا أن تحيا وسط تلال القمامة، وروث الحيوانات، وطفح المجارى، وتناسل الحشرات غير المألوفة.. وتكاثر الأمراض غير المعتادة؟! أشترى فاكهة، أجدها «ماسخة».. أشترى «الخضراوات»، أجدها «عفنة».. أشترى «الدواء»، أجد «صلاحيته» قد انتهت منذ عصر فاطمة رشدى.. أشترى «لمبات»، أجدها «محروقة»، أشترى «فيشات» جديدة أجدها «تفرقع» فى وجهى، أو تكهرب أصابعى.. أشترى «الماء» المعدنى الفاخر، أشربه، كأنما أرتشف ماء المجارى.. أشترى بطاريات، ذات قوة ثلاثية، لا تتحمل يومًا واحدًا، من تشغيل الأجهزة.. أشترى الشامبو الذى يعلن أنه ضد تلف الشعر، أجد شعرى قد تقصف أكثر.. أطلب شركة لإبادة الحشرات فى المنزل، يسرقون الفلوس، والضمان حتى آخر الأجل. والنتيجة تزيد أكثر الحشرات، التى تصبح أشد شراسة، وأكثر تنوعًا، وحجمًا. أطلب رقم 140 دليل التليفونات، للبحث عن رقم.. «يلطعوننى» لأسمع إعلانات.. ومدحًا فى شركة الاتصالات، وأغنيات لا تعنينى، ثم بعد أن أكون قد نسيت، لماذا طلبت الدليل، وأصبحت الفاتورة ترضيهم، يتكرمون بالرد. أطلب رقم 111 للإبلاغ عن عطل بالتليفون، تتكرر المأساة، وأبقى على الخط، لأستمع إلى كل الخدمات المنظورة، وغير المنظورة، التى يؤديها رقم 111 ويأخذ الإبلاغ عن العطل، ما يكفى لسداد ديون مصر. ما هذا التسيب؟! وما هذه الاستهانة بكرامة، ووقت الناس؟! وكيف هكذا، بكل بساطة، يستغفلون الشعب، على مرأى، وبصر عين الشمس؟! ما هذا الذى يحدث، فى بلادنا؟! هل حقًا، دخلنا القرن الواحد والعشرين؟! لا أعرف.. أى قرن من الزمان يقبلنا؟ .... ثم كيف أصبحت النساء والفتيات فى الشوارع، يلبسن كالرجال المتعصبين.. شكلهن كالذكور العنصريين؟! فوق رءوسهن أشياء غريبة الشكل.. على أجسامهن، أقمشة عجيبة الاتساع، والطول، والسواد الأسود؟! والإعلام الذى يقبض بالريالات واليوروهات، والدولارات، المنظم من قبل أعداء العلمانية، والدولة المدنية، وحرية النساء، وإطعام الفقراء، مثل الأغنياء، يلعب دورًا أساسياً فى ترسيخ الإسدالات السوداء، والطرح السوداء، وأحجبة الشعر، من أفغانستان، وباكستان، والجلاليب البيضاء للرجال والأطفال الذكور والحجاب للأطفال الإناث. والناس، من أبسط الأشياء، يرجم بعضهم البعض، بالألفاظ النابية.. والضرب.. وتحرير محاضر فى أقسام الشرطة. محدش همه الوطن ده رايح على فين.. محدش همه القيم العفنة التى تدخل بسلاسة، وأحيانًا بالإرهاب، عقولنا، ومشاعرنا، وأحكامنا.. محدش همه انتشار «التغطية» سواء بالقيم الفاسدة، أو القماش، أو بالستر المزيف، أو الوهم المضحك.. لكنه فى جوهره، ظلم، وقمع، وقهر، وإخفاء للحقيقة، وتدمير كل الأزمنة الجميلة، التى عاشتها مصر، بالإتقان، والجمال، والتسامح، والاعتدال. رغم كل ذلك، الذى يبعث على الأسى والاكتئاب، والإحساس «بالغربة» الحادة، داخل وطنى.. فى بيتى.. على سريرى.. «سأبقى فى مصر».. حتى تحين ساعتى، ويأتى موعد رحيلى تحت التراب. هذا الشهر، شديد الحرارة.. شديد الرطوبة.. أهدى وردتى، إلى كل امرأة، وكل رجل، أنهكته «المعافرة» فى هذا الوطن.. لكنه مازال- مثلى- يقاوم الإهمال.. والتسيب.. والموت المتربص بنا على سرير مستشفى استثمارى.. أو فى رحلة نيلية.. أو السكن فى بيوت هشة.. مسروق العمر.. مسروق الكرامة.. مسروق العدل.. مسروق الحقوق الدنيا، مسروق الفرح.. مسروق الوطن.. وإلى أن تحين ساعته، ويأتى موعد رحيله إلى التراب، «باق فى مصر». ؟ من بستان قصائدى رائحة ملابسك المعطرة بدم الفراق تسألنى أين اختفيت قل لى، بماذا أجيبها رقة كلامك حنان إحساسك المشتاق «حضورك» الذى يطفئ كل الأضواء ويضىء أجمل الخيال ويخفى جميع الرجال أين ذهب؟! سأظل أبحث حتى تحين ساعتى سأظل أبحث حتى ينتهى الأجل سأظل أبحث حتى تشيب مناعتى