أقر أنا المذكورة أعلاه وبكامل قواي العقلية أنني لا أدعي شرف فهم تلك العبارات الاقتصادية الرنانة الفخيمة التي تقولها الحكومة، ويعلم الله كم حاولت عبثاً أن أعرف ميزان المدفوعات ده حمولة كام كيلو، وما إذا كانت صناديق الاستثمار تصنع من البلاستيك أو الإبلاكاج، وما هو الاكتتاب وأعراضه وأسبابه، وهل يؤدي للانتحار مثل الاكتئاب مثلاً، كما أنني لن أعرف الفرق بين حزمة القوانين وحزمة الفجل إذا تصادف ورأيتهما معاً، لكنني توقفت كثيراً أمام مصطلح «الوعاء الضريبي» إذ إنه الأيسر علي الفهم فيما يبدو! بالفتاكة وحدها أتصور أن «الوعاء الضريبي»« هو «الحلة» أو «الأنجر» أو «الطاجن» الذي تطبخ فيه الحكومة الضرائب بمختلف أنواعها، وإذا كان الأمر كذلك فلزم التنويه أن هذا الوعاء قد أصبح ممتلئاً عن آخره بالفعل إلي الحد الذي صار معه يدلدق الضرائب الساخنة فوق دماغنا نحن الشعب باعتبارنا الجهة التي تشيل طاجن ستي الحكومة الضريبي علي رأسها، وأقولها والرزق علي الله وإن كان جل ما أخشاه هو أن تفرض الحكومة ضريبة جديدة علي هذا الرزق الذي هو لسه علي الله!! --- ويروي - والعهدة علي الراوي - أن الوعاء الضريبي بتاعنا زيه زي الوعاء الضريبي المستورد بتاع بره مع عدة فوارق بسيطة في التصنيع، فيقال إن الوعاء المستورد مغطي تماماً بمادة تمنع الالتصاق الضريبي، فكل ما الحكومة من دول تحط ضريبة في الوعاء تبص تلاقيها تتزحلق لوحدها بعد أن يتم طبخها لتخرج للمواطن مستوية في صورة خدمات وحاجات ومحتاجات، كما أن الوعاء الضريبي المستورد - يقال برضه - إن به ترموستات لقياس درجة حرارته حتي لا توضع فيه ضرائب أكثر من اللازم، تؤدي لشياط الوعاء واحتراق الطبخة الضريبية كلها، وحتي لا يتهمني أحد بالتخريف الضريبي فياريت تتفضلوا معانا تعاينوا بنفسكم الأوعية الضريبية وارد الخارج!! في الدنمارك يدفعون ما يوازي 59% كضرائب دخل أي والله يعني أنا هاغشك يا كابتن!، ولذلك يا زملا تجد الدنمارك هي أعلي دول العالم كله في تلك الشريحة الضريبية بالذات، ومع ذلك يا أخي عمرك ما تمشي في أي حتة في الدنمارك تلاقي دنماركي واحد - موظف حكومي أو غير حكومي - باين علي سحنته الزهق والنكد، ولا تلاقي موظفة من بتوع الشهر العقاري «الدنماركي» مثلاً ماشية يا والداه تكلم نفسها عشان تظبط الميزانية الشهرية لمصروف البيت بعد خصم تلك ال 59% من مرتبها، كما أن تلك النسبة الضريبية المهبودة فوق دماغ الشعب الدنماركي بانتظام لا تعد سبباً يجعل الموظف من دول في إدارة مرور «كوبنهاجن» العاصمة مثلاً فاتحاً درج مكتبه عمال علي بطال مقابل تخليص رخصة وخلافه، ولا تلاقي رئيس وحدة محلية في أيتها شياخة «دنماركية» يطالبك «بحق الشاي» كما لو أنه أحد حقوق الإنسان المنصوص عليها في الأممالمتحدة مقابل لطع ختم النسر الدنماركي علي ورقة كده ولا كده طلع عينك عشان تخلصها ولا ينقصها غير ذلك النسر الحكومي مدمن الشاي!! --- ولكنك يا أخي تلاقيهم بيدفعوا الضرايب - اللي هي أصلا بتتخصم من الدخل توموتيكي توموتيكي - وكلهم سعادة وانشراح كما لو أن الحكومة عازمة الشعب علي عشوة كباب محترمة، تقوللي ليه؟ أقولك أنا اللي قالوه بتوع الاقتصاد هناك ألا وهو أن الشعب عارف إنه ما باليد حيلة، وإن الحكومة بتاخد باليمين وترجع تدي بالشمال.. خد عندك بقي إشي مدارس محترمة، ودورات مياه عمومية - مراحيض عامة عدم اللامؤاخذة يعني - أنضف من تلك التي نراها في إعلانات السيراميك التليفزيوني بتاعتنا ده بخلاف بقي اختراع - قول يا رب نشوفه، في بلدنا قبل ما نموت.. اسمه نضافة الشوارع وصناديق الزبالة وغيره من كافة شيء يحتاجه الشخص الدنماركي ابن المحظوظة من دول! --- لف لفة كده وتعالي بقي بص علي الضرايب «الهندي»، يا سيدي يا عيني.. يا ودني.. يا مناخيري علي الضرايب الهندي، أكيد هناك علاقة وثيقة بين الوعاء الذي تطبخ فيه الضرايب الهندية وبين الوعاء الذي يطبخون فيه صلصة الكاري النارية إياها، فضرايب «الهند» يا سيدي مش بتفرضها جهة حكومية واحدة وكان الله بالسر عليم.. لأ.. دول اثنين.. أي والله يا زملا.. تخيلوا! عندك مثلاً 13 ضريبة من حق البرلمان أن يجيزها ويشرعها، و19 ضريبة ثانية - اللهم احفظنا - من حق مشرع الولاية أن يفرضها ويحدد قيمتها، كل ده والهنادوة راضيين وساكتين ولا حد فيهم فتح بقه أو اشتكي، ويحلو لبعض الفلاسفة تحليل تلك الظاهرة الهندية الشعبية الفريدة، فتلاقي ناس من دول تكلمك عن معدل النمو الحقيقي - مش فنجرة البق إياها - الذي حققته الهند في السنوات الأخيرة، ولجل الورد إللي هو النمو، ينسقي العليق - يعني تندفع الضرايب، بينما تلاقي ناس ثانية تقولك لأ.. الحكاية مش كده بالظبط، إنما لأن فيه بند دستوري «هندي» ينص صراحة أن أي ضريبة تفرضها حكومة لا يدعمها القانون، أو مشكوك في شرعيتها - سواء الحكومة أو الضريبة نفسها - تعد غير دستورية، وبالتالي غير ملزمة للمواطن، يعني بصريح العبارة الإخوة الهنادوة - برغم أنهم هنادوة وبيركنوا الفيل ع الرصيف - إلا أن ذلك لم يبرر للحكومة تبعهم أن تعاملهم بمبدأ ادفع الأول وبعدين اشتكي!! --- أدي إحنا يا سيدي شفنا الأوعية والحلل الضريبية وارد «أوروبا» و«آسيا»، ولم يتبق طبعاً سوي صاحبة التقاليع والبدع المعروفة عالمياً بأمريكا، والحق يقال إن الحال الضريبي هناك مش ولابد، فالحكومات الجمهورية والديمقراطية والإلكترونية والذكية تبعهم بقالها ييجي 10 سنين ياعين أمها بتحاول تمرر قوانين الاستقطاعات الضريبية التي يري الأمريكان الأراريب- جمع أروبة- أنها حتمرر عيشتهم، وانهم مش ناقصين فقر باعتبارهم شعب تحكمه حكومات رأسمالية مالهاش غير مصلحتها، وإن الإصلاحات الضريبية دي هتفقر الفقير زيادة وتغني الغني إللي مش ناقص والله يا زملا أنا حاسة بيهم وقلبي معاهم وزي ما يكون شفت الفيلم ده في حتة قبل كده، ما علينا، المهم إن الأمريكان ماسكين علي حكوماتهم ذلة وأعني بها أن الحكومة لا تطبق نظام التأمين الصحي الشامل زي ما بيحصل في كل دول العالم، وعلي هذا الأساس فإن كل ما تيجي سيرة الضرايب هناك، فإن أول حاجة الأمريكاني من دول يقولها للحكومة وش كده «مش كفاية معندناش تأمين صحي عدل وساكتين»!.. وهناك كلمة سر «أمريكاني» هي «دافع الضرايب» يا لهوي لو اتقالت في حتة، ولا قدام مسئول كده ولا كده، تلاقيه يا ولداه وشه اخضر واصفر وازرق، وهيغمن عليه لو ماقدرش يرد علي سؤال هذا الدافع للضرايب! --- وبرغم أوجه التشابه «الأمريكاني» و«المصري» في مسألة الضرايب دي، لكن كلمة السر عندنا مختلفة تماماً، فإذا كان البعبع بتاعهم هو دافع الضرايب، فإن بعبعنا هو «مأمور الضرايب»، والفارق كبير بين ناس بتخاف من إللي يدفع وتعمل حسابه، وناس بتحط إيدها علي قلبها من إللي حيقبض، ولعل ذلك يعكس الخلاف بين الجذر اللغوي للمصطلح في اللغتين العربية والإنجليزية، فبينما يقال للضرائب بالإنجليزي Taxes، من الأصل اللاتيني taxo بمعني «أقدر قيمة الشيء»، فإن الضريبة بالعربية ترد إلي الجذر «ضرب»، وهو جذر بعيد عنك يقطم الوسط كما ترون، ولا علاقة له بتقدير قيمة الأشياء أو ثمنها، بقدر ما له علاقة «بتكدير» الناس إللي حتدفع تلك الضريبة التي تضربهم في مقتل دائما كما ترون، ويقال إن الأنظمة الديمقراطية هي تلك التي يقدر فيها المواطنون قيمة ما يمكنهم دفعه من ضرائب بما يتناسب مع دخولهم من خلال السلطات النيابية التي تمثلهم لدي النظام، أما في الأنظمة الأخري - ومعلهش لأني معرفش اسمها عدم اللا مؤاخذة، فتجد أن الضرائب تتحدد من قبل الجهات الفوقية - ربنا يهديها الست فوقية دي - وتفرض علي الشعب الذي يفتقد لمصداقية السلطة التي تمثله، ومن عندي أضيف إنها سلطة مش بتمثله.. لأ بتمثل عليه ! --- ولقد بصرت ونجمت كثيرا علي النت بحثا عن أصل حكاية الضرائب دي - ويالهول ما رأيت - فما توصلت إليه يا زملا في كل المحافل العربية والأجنبية لهو أمر يدعو إلي أن نتفشخر - فعل فشخرة - بنفسنا كمصريين أهمة حيوية وعزم وهمة وكده يعني، فلقد ثبت علميا وتاريخيا أن اختراع الضرايب ده مسجل باسمنا ويحمل شعار «صنع في مصر الفرعونية» ، ولعلها مسألة قد تؤلب علينا المواطنين في دول العالم برغم أننا لحد دلوقت مافرضناش عليهم ضريبة حق استغلال ذلك الاختراع الفظيع بتاعنا، فهناك وثائق بردية فرعونية تسجل أول واقعة تاريخية تعود لعصر الأسرة الأولي في الدولة القديمة يبدو فيها سيدنا وتاج راسنا الفرعون بذات نفسه وقد وقف يلم من الفلاحين نسبة من محصول البردي والبوص أو ما يوازي قيمتهما، والملاحظ بقي إن الفلاحين كانوا يدفعون وعلي ملامحهم مسحة من رضا لا تعرف إن كانت حقيقية، أم أنها من أعمال المصوراتي الفرعوني القديم بعد أن عدّل البردية بشوية حركات فوتوشوب ! --- الآن وبعد أن صرنا ندفع ضرايب علي الضرايب، فإن الوعاء الضريبي الحكومي لم يعد يحتمل ضريبة جديدة علي البدل الذي نتقاضاه نحن العاملين بتلك المهنة- وكنت قد نويت ماجبش سيرة الموضوع ده حتي لا أتهم بالفئوية كما أفتي أحد كبار الزملا دون أن يكلف نفسه عناء تعريفي بالست فئوية دي روخرة - إلا أن الأمر في حقيقته يستحق، إذ يبدو أن حكومتنا «النظيفة» لم تسأل نفسها هو البدل ده بدل إيه ؟، واسمحوا لي أن أجيب عن هذا السؤال الضمني الذي يخص أي بدل يتقاضاه أي موظف في البلد، والذي تنص القوانين علي عدم إخضاعه للمحاسبة ضريبيا. --- فلا أخفي عنكم يا زملا أن هذا البدل هو «بدل ما نطق من جنابنا».. أو «بدل ما نشحت ونمد إيدينا»، والبدل هنا بفتح الباء - يختلف كليا وجزئيا عن البدل - بكسرها - التي يرتديها وزراؤنا الشيك المحبوبون، والتي يكفي ثمن الواحدة منها في الأوكازيون لصرف البدل الكحيان الذي يتقاضاه عشرات المواطنين مننا، ولست أدعو الحكومة لأن تبيع هدومها - لا سمح الله - كي تصرف علينا، ولكني أدعو لها بالهداية «بدل» ما هي طايحة فينا كده.. وأهي كلها بدلات!!