د. سعاد صالح أستاذ الفقه وعميد كلية البنات السابق بجامعة الأزهر، شخصية مثيرة للجدل بطبيعتها.. صدامها لا يخلو من حدة، صوتها دائما مرتفع.. تظهر علي شاشات الفضائيات أكثر من شخصيات سياسية متنوعة.. وهي - مؤخرا - ربما أرادت أن تزاحم بعضهم في هذا الأمر فقررت أن تعمل بالسياسة إلي جانب عملها الدعوي ؟ ولم يخل - كذلك - انضمامها لحزب الوفد الليبرالي «العريق» من أن تصاحبه ضجة إعلامية صاخبة، إذ صدم ما نسب إليها من اعتراض علي ترشح الأقباط لرئاسة الجمهورية العديد من قيادات حزبها، الذي لم تذهب إليه حتي الآن إلا مرة واحدة. لكن تبقي «د. سعاد» في النهاية مقاتلة.. لم تخجل من أن تطالب بحقها في وقت سابق بدخول «دار الإفتاء».. ولم تيأس من دخول مجمع البحوث الإسلامية، رغم السطوة الذكورية التي أقصتها عنه في وقت سابق. • سألناها في البداية : هل «الاختلاف»... قرار ؟ - فقالت : الاختلاف يتعلق بالنشأة.. فأبي كان يتميز بالجرأة في الحق.. وقد كان شيخا لمعهد حلمية الزيتون لمدة 46 عاما.. كما اشتغل بالعمل الخيري والسياسي في «الاتحاد الاشتراكي».. وأنشأ جمعية «بدر» التي مازالت موجودة حتي الآن لمساعدة الفقراء ودفن الموتي ودفع الزكاة. وكنت أري كيف كان أبي يتأذي من العمل الاجتماعي، لكنه استمر في أدائه رغم كسر رجليه في إحدي جلسات العلم.. فقد كان صاحب «نفس طويل»، وصوت عال.. وورثت هذا الصوت عنه... وعندما كان شيخا للمعهد كان يسقي حديقة المعهد بنفسه ويقف وينظف ويغسل أرصفته بيديه! • وهل واجهت مشاكل بسبب كونك أول امرأة تتولي موقع «العمادة» ؟ - في الكلية كان هناك أعضاء بهيئة التدريس من الرجال .. منهم من ثار لتولي امرأة «العمادة».. فقد اعتقدوا أنني ضعيفة.. لكني خيبت ظنهم... وكنت أتابع حتي سلوكيات العمال والعاملات.. وقد بدأت أكتشف وقتها أن الكثير من البنات والطالبات مظلومات. وكانت هناك ممارسات سيئة ضدهم داخل البيت والكلية علي السواء.. ففتحت مكتبي لهم علي عكس من قبلي.. وفصلت آنذاك 4 مديرين لاكتشافي مخالفات ارتكبوها أما البنات فقد كن يحكين لي عن أن آباءهن يضربونهن في هذه السن وأخريات متفوقات ولا أحد يشعر بهن ! • هل البنت الآن لا تزال مظلومة ؟ -لا.. البنات الآن أصبحن أكثر حرية وأكثر جرأة.. فالضعف الأنثوي لم يعد موجودا الآن، وكذلك الخجل والكسوف.. فهناك فرق شاسع بين طالبات عام 1990 وطالبات .2006 نسبة الوعي ازدادت.. ومع ذلك أنا أحاول أن أكون مختلفة في طريقتي للتدريس.. وأحاول أن أخرج «الكامن بداخلهن» لذلك أخصص نصف ساعة قبل المحاضرة لمناقشة أي شيء خارج موضوع المحاضرة حتي لو كان عن المسلسلات التليفزيونية ! • لكن لماذا تتعرضين من حين لآخر لهجوم شرس ؟ - أنا وحيدة في مجالي.. ولي سماتي المختلفة.. فمن الطبيعي أن أتعرض للكثير من الحروب . وقد حدث هذا مثلاً.. عندما كنت عميدة لكلية البنات عقدنا ندوة بعنوان : «الثقافة الجنسية بين التأهيل الشرعي والمفهوم الغربي» أي منهج الإسلام الذي يحكم العلاقات الجنسية.. رغم ذلك لم اتراجع لأن الداعية يجب ألا يكون في عزلة.. فأنا لابد أن أقرأ الجرائد وأشاهد برامج «التوك شو». • ولماذا يبدو المجتمع وكأنه مرتبك إزاء التعامل مع المرأة ؟ - للأسف الشديد بعض القنوات الدينية تنظر للمرأة علي أنها عورة.. وأنها خلقت لأداء دور واحد، هو الإنجاب والاستمتاع.. وهم للأسف يقصدون تكريم المرأة علي الرغم من أن ذلك يتضارب مع نظرة الإسلام للمرأة ويكفي أن هناك سورة قرآنية باسم «النساء».. فلا توجد سورة مثلا باسم «الرجال» والبعض يقطع الآية الكريمة التي تقول «وللرجال عليهن درجة» مع أن الآية تقول «ولهن مثل الذي عليهن بالمعروف وللرجال عليهن درجة». وتلك الدرجة ليست كما يعتقد الرجال بتميز ولكنها درجة تكليف ومسئولية.. وتلك الآية تبين أيضا «الإتيكيت» في الإسلام فيقول LADIS FIRST والآية الكريمة بدأت بلهن وليس لهم. • سمعنا أنه تم ترشيحك لعضوية مجمع البحوث الإسلامية للمرة الثانية.. فهل يمكن أن تصادفي ما حدث من قبل أم أن الواقع تغير؟ - لا أعرف، ولكن نظام مجمع البحوث الإسلامية بالانتخاب.. وأنا رشحت عام ,2004 ولم آخذ إلا صوتا واحدا من إجمالي 22 صوتا.. وكان هذا صوت الدكتور عبد الفتاح الشيخ. وأنا لا أنكر أن هناك تخوفا من شخصية وجرأة سعاد صالح، لكني أعتبر نفسي أمثل الشخصية المسلمة الحقيقية في عهد الرسول- صلي الله عليه وسلم- حيث قامت «أسماء بنت يزيد» الأنصارية بأول تظاهرة احتجاجية نسائية، إذ ذهبت للرسول ومعها مجموعة من النساء. وقلن له : نحن نخدم أزواجنا ونحمل أولادكم ونربي أولادكم ومع هذا أيها الرجال تأخذون ضعفنا في الميراث وتأخذون الغنائم في الحرب. فنظر الرسول «صلي الله عليه وسلم» إلي الصحابة، وقال لهم هل سمعتم قولا أبلغ من هذه المرأة، ثم ابتسم وقال لها : إن حسن تبعلها لزوجها ورعايتها لبيتها أكبر بكثير مما يأخذه الرجال.. فنزلت الآية الكريمة : «ولا تتمنوا ما فضل الله به بعضكم علي بعض للرجال نصيب مما اكتسبوا وللنساء نصيب مما اكتسبن» • لماذا تسبب المرأة المختلفة إزعاجا للمجتمع؟ - لأن نظرة المجتمع للمرأة مرتبطة ببعض العادات والتقاليد والثقافات الموروثة التي تنظر للمرأة باعتبارها أنثي، ومهمتها الطبيعية هي القيام بالزواج والإنجاب.. والنظرة تلك اختفت، ولكن هناك بقايا تسبب نوعا من الازدواجية والارتباك، إذ لابد أن تظهر نماذج مختلفة تحرك المياه الراكدة. فأنا رفعت ضدي أكثر من دعوي أمام النائب العام.. وأهدر دمي.. إذ رأوا أن الحل هو التخلص من تلك المرأة.. وقد رفضت الحراسة الخاصة علي بيتي حتي لا يرتبك البيت ويعيش أولادي في حالة رعب طوال الوقت. • هل انضمامك لحزب الوفد كان للبحث عن جوانب سياسية داخلك بعيداً عن العلوم الشرعية؟ - أنا أساسا لا أفصل الدين عن السياسة ولا السياسة عن الدين، فالدين جامع لكل ما ينظم المجتمع.. والرسول «صلي الله عليه وسلم» لم يكن رجلا دينيا فقط..كان رجلا سياسيا.. وحزب الوفد له توجه ليبرالي ديمقراطي، لذلك دخلت الحزب للعمل بلجنة المرأة. ..وأنا لا أريد الترشح لمجلس الشعب.. فالمرشح يجب أن يكون «ملك» للناس، لكنني «ملك» علمي. • لكنك قلت إنك ضد ترشح المسيحي لرئاسة الجمهورية.. وذكرت أن حزب الوفد حزب علماني؟ -أنا شرحت قصدي بشكل خاطئ.. فأنا أقصد أن هذا في زمن الخلافة وقد انتهي عهد الخلافة وأصبح الاختيار عن طريق الانتخاب.. فمن حق أي مسيحي أو مسلم أن يترشح في ظل هذا النظام.. ولم أقل إن حزب الوفد «علماني».. فهو ليس علمانيا، لكنه ليبرالي. • وما ردك علي من يقول إن انضمامك لحزب الوفد جاء سعيا وراء المصلحة الشخصية ؟ - لو كنت أريد المصلحة الشخصية.. لانضممت للحزب الوطني.. وأنا موجودة بقناة «الحياة» منذ عامين.. وهذا يعني أن انضمامي أو عدم انضمامي لا يمثل فارقا.. والبدوي نفسه قال لي : يا دكتورة سعاد «إنتي يُسعي إليك ولا تسعي لأحد».