أتاحت لي الظروف فرصة التعرف علي موقف الإسرائيليين المعادين لسياسة رئيس الوزراء بنيامين نتانياهو القائمة علي أساس إقامة المستوطنات الإسرائيلية في الأرض الفلسطينية، وتهويد القدس ومدن الضفة، ورفض الموافقة علي إقامة دولتين فلسطينية وإسرائيلية. تلقيت خطابا من الأستاذ الجامعي يوسي أميتاي عضو لجنة الحوار الفلسطيني - الإسرائيلي، يوضح فيه أحوال معسكر السلام الإسرائيلي في المرحلة الراهنة.. ويقول لا أخفي عنكم أن صورة أوضاع أنصار السلام في إسرائيل قاتمة، ليس من شك أن معسكر السلام الإسرائيلي يوجد في السنوات الأخيرة في حالة من التراجع والانكماش وتفاقم مكانته في الرأي العام الإسرائيلي، وفي تقديري أن قسطا كبيرا من المسئولية للحالة الراهنة يقع علي عاتق إيهود باراك زعيم حزب العمل ووزير الدفاع في حكومة نتانياهو. يواصل يوسي أميتاي تفسيره قائلا: وفي تقديري أنه أصبح مستحيلا الآن القيام بنشاطات احتجاجية واسعة النطاق ضد إعادة احتلال الضفة الغربية في سياق قمع انتفاضة الأقصي أو ضد حرب لبنان الثانية، أو ضد العدوان الإسرائيلي علي قطاع غزة في الحجم الذي كانت حركة السلام قادرة علي حشده احتجاجا علي حرب لبنان الأولي ومجزرة مخيمي صبرا وشاتيلا.. إن القصف الفلسطيني المتواصل بصواريخ القسام ضد بلدة «سديروت» والقري المجاورة لها، إنما أثار في الرأي العام الإسرائيلي حقدا كبيرا تجاه الفلسطينيين، كما أدي إلي تبرير جارف للعملية الإجرامية ضد قطاع غزة وإلي فقدان مصداقية حركة السلام الإسرائيلية. في مثل هذه الظروف أصبح دور جماعات السلام التي مازالت مخلصة لمبادئها ورسالتها في إعادة بناء مكانتها في الرأي العام الإسرائيلي، أصبح دورها أصعب من أي فترة مضت، ومع ذلك يوجد في المجتمع الإسرائيلي أفراد وجماعات لا يستهان بها، تقوم بنشاطات متواصلة ضد تشريد السكان الفلسطينيين وتوسيع الاستيطان اليهودي في الأحياء الفلسطينية في القدسالشرقية، مثل حي الشيخ جراح وسلوان وعيساوية، ويتظاهر عناصر السلام الإسرائيليون كتفا إلي كتف مع سكان القري الفلسطينية في الضفة التي يهددها خطر مصادرة ما تبقي من أراضيها بهدف زرع المستوطنات في قلب الأراضي الفلسطينية، والبراهين الحية لذلك هي قريتا بلعين ونعلين في قضاء رام الله، حيث يجري منذ سنين كفاح مشترك حازم غير عنيف في مقابل جرافات الاحتلال، ويبدو أن هذا الكفاح المشترك هو النمط المستقبلي للانتفاضة الشعبية غير العنيفة التي أشار إليها مؤخرا الرئيس أبومازن ورئيس حكومته سلام فياض، كما يقوم أنصار السلام بحملة هدفها إقناع الرأي العام والضغط علي الحكومة من أجل قبول مبادرة السلام العربية التي أقرتها القمة العربية في بيروت عام .2002 وتظهر هذه الصورة الإسرائيلية في مقال نشرته جريدة «ها آرتس» الإسرائيلية تحت عنوان «الكل يكرهك يا رئيس الوزراء» بقلم الكاتب «أري شافيت» جاء فيه: «إن القرن الواحد والعشرين يهدد وضع الصهيونية في العالم، فالقوي العظمي التي كانت تتمتع بها إسرائيل لا يمكنها الآن مقاومة روح العصر وأصبحنا دولة ضعيفة. ولذلك فإن السؤال المطروح الآن هو: من المسئول عن الوضع الراهن الذي تعاني منه إسرائيل هل هو اليمين أم اليسار؟ من جلب الكوارث علينا؟ وما الذي ينبغي أن نفعله لإحداث تغيير فوري في موقف إسرائيل تجاه العالم؟ والاحتمالات أيضا معروفة، اعرض علي سوريا أن تأخذ هضبة الجولان مقابل إنهاء تحالفها مع إيران، واعرض علي عباس دولة في حدود مؤقتة، وتوصل إلي اتفاق مع المجتمع الدولي بشأن مخطط لتقسيم البلاد إلي دولتين. أعرف أن كلا من هذه الخيارات تنطوي علي مخاطر عالية، وسيكون لكل من هذه الخيارات ثمن سياسي باهظ، لكن إذا لم تكن ستعتمد علي الأقل علي واحد من هذه المقترحات، أثناء فترة ولايتك فإسرائيل أصبحت دولة مارقة وتقف علي حافة الدمار». ولاشك أن صورة هذا الكفاح من أجل السلام رغم ضعفها النسبي في هذه المرحلة، إلا أن تدعيمها - كما يقول يوسي أميتاي - يأتي عن طريق التكاتف والتضامن معها من قبل قوي السلام العربية. هذه الصورة التي يمكن أن تعتبر جديدة وغير واضحة عند الرأي العام العربي نتيجة حجب سياسة نتانياهو العدوانية لها تستحق أن توضع موضع البحث والتقدير من أجل ترجيح كفة السلام بين الفلسطينيين والإسرائيليين.