حسين المناوي: «الفرص فين؟» تستشرف التغيرات المتوقعة على سوق ريادة الأعمال    الإمارات تدين بشدة محاولة استهداف مقر إقامة الرئيس الروسي    محافظة القدس: الاحتلال يثبت إخلاء 13 شقة لصالح المستوطنين    مندوب مصر بمجلس الأمن: أمن الصومال امتداد لأمننا القومي.. وسيادته غير قابلة للعبث    إسرائيل على خطى توسع في الشرق الأوسط.. لديها مصالح في الاعتراف ب«أرض الصومال»    نتائج لقاء ترامب ونتنياهو، البنتاجون يعلن عن صفقة ضخمة لتسليم مقاتلات "إف-15" لإسرائيل    الخارجية الروسية: أوكرانيا ستحاسب على أعمالها الإرهابية    بيان ناري من جون إدوارد: وعود الإدارة لا تنفذ.. والزمالك سينهار في أيام قليلة إذا لم نجد الحلول    وزارة الداخلية تكشف تفاصيل واقعة خطف طفل كفر الشيخ    النيابة تأمر بنقل جثة مالك مقهى عين شمس للمشرحة لإعداد تقرير الصفة التشريحية    تفاصيل مثيرة في واقعة محاولة سيدة التخلص من حياتها بالدقهلية    بعد نصف قرن من استخدامه اكتشفوا كارثة، أدلة علمية تكشف خطورة مسكن شائع للألم    أستاذ أمراض صدرية: استخدام «حقنة البرد» يعتبر جريمة طبية    أزمة القيد تفتح باب عودة حسام أشرف للزمالك فى يناير    نيس يهدد عبدالمنعم بقائد ريال مدريد السابق    القباني: دعم حسام حسن لتجربة البدلاء خطوة صحيحة ومنحتهم الثقة    ترامب ل نتنياهو: سنكون دائما معك وسنقف إلى جانبك    حوافز وشراكات وكيانات جديدة | انطلاقة السيارات    حسام حسن يمنح لاعبى المنتخب راحة من التدريبات اليوم    سموم وسلاح أبيض.. المؤبد لعامل بتهمة الاتجار في الحشيش    انهيار منزل من طابقين بالمنيا    فرح كروان مشاكل على حفيدة شعبولا يتحول إلى تحرش وإغماء وعويل والأمن يتدخل (فيديو وصور)    ناقدة فنية تشيد بأداء محمود حميدة في «الملحد»: من أجمل أدواره    الناقدة مها متبولي: الفن شهد تأثيرًا حقيقيًا خلال 2025    صندوق التنمية الحضارية: حديقة الفسطاط كانت جبال قمامة.. واليوم هي الأجمل في الشرق الأوسط    بينهم 4 دول عربية، تعرف على المنتخبات المتأهلة لدور ال 16 في كأس أمم إفريقيا    حسام عاشور: كان من الأفضل تجهيز إمام عاشور فى مباراة أنجولا    تحتوي على الكالسيوم والمعادن الضرورية للجسم.. فوائد تناول بذور الشيا    مجلس الوزراء: نراجع التحديات التي تواجه الهيئات الاقتصادية كجزء من الإصلاح الشامل    الزراعة: نطرح العديد من السلع لتوفير المنتجات وإحداث توازن في السوق    في ختام مؤتمر أدباء مصر بالعريش.. وزير الثقافة يعلن إطلاق "بيت السرد" والمنصة الرقمية لأندية الأدب    أمم إفريقيا – خالد صبحي: التواجد في البطولة شرف كبير لي    الكنيست الإسرائيلي يصادق نهائيًا على قانون قطع الكهرباء والمياه عن مكاتب «الأونروا»    أحمد موسى: 2026 سنة المواطن.. ونصف ديون مصر الخارجية مش على الحكومة علشان محدش يضحك عليك    هيفاء وهبي تطرح أغنيتها الجديدة 'أزمة نفسية'    التعاون الدولي: انعقاد 5 لجان مشتركة بين مصر و5 دول عربية خلال 2025    سقوط موظف عرض سلاحا ناريا عبر فيسبوك بأبو النمرس    وزير الخارجية يجتمع بأعضاء السلك الدبلوماسي والقنصلي من الدرجات الحديثة والمتوسطة |صور    ما أهم موانع الشقاء في حياة الإنسان؟.. الشيخ خالد الجندي يجيب    نائب رئيس جامعة بنها يتفقد امتحانات الفصل الدراسي الأول بكلية الحاسبات والذكاء الاصطناعي    الصحة: ارتفاع الإصابات بالفيروسات التنفسية متوقع.. وشدة الأعراض تعود لأسباب بشرية    الاستراتيجية الوطنية للأشخاص ذوي الإعاقة تؤكد: دمج حقيقي وتمكين ل11 مليون معاق    توصيات «تطوير الإعلام» |صياغة التقرير النهائى قبل إحالته إلى رئيس الوزراء    الإفتاء توضح مدة المسح على الشراب وكيفية التصرف عند انتهائها    نيافة الأنبا مينا سيّم القس مارك كاهنًا في مسيساجا كندا    معدل البطالة للسعوديين وغير السعوديين يتراجع إلى 3.4%    «طفولة آمنة».. مجمع إعلام الفيوم ينظم لقاء توعوي لمناهضة التحرش ضد الأطفال    نقابة المهن التمثيلية تنعى والدة الفنان هاني رمزي    وزير الصحة: تعاون مصري تركي لدعم الاستثمارات الصحية وتوطين الصناعات الدوائية    هل تجوز الصلاة خلف موقد النار أو المدفأة الكهربائية؟.. الأزهر للفتوى يجيب    المستشار حامد شعبان سليم يكتب عن : وزارة العدالة الاجتماعية !?    السيمفونى بين مصر واليونان ورومانيا فى استقبال 2026 بالأوبرا    تاجيل محاكمه 49 متهم ب " اللجان التخريبيه للاخوان " لحضور المتهمين من محبسهم    وفاة والدة الفنان هاني رمزى بعد صراع مع المرض    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم الإثنين 29-12-2025 في محافظة الأقصر    اسعار الخضروات اليوم الإثنين 29ديسمبر 2025 فى اسواق المنيا    «الوطنية للانتخابات» توضح إجراءات التعامل مع الشكاوى خلال جولة الإعادة    فوضى السوشيال ميديا    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



ملامح الشخصية التي لا تخطئها عين :هذا هو الرئيس مبارك.. كما عرفته

لحظة لقائك بشخص مشهور، فنان كبير، كاتب كبير أو سياسي، قد تعلق بذاكرتك لفترة، أما أن يكون هذا الشخص هو رئيس الجمهورية فإن لقطات مشهد اللقاء لا يمكن أن تنمحي من ذاكرتك مهما مر عليها الزمن. وقد كان لي حظ اللقاء بالرئيس محمد حسني مبارك مرات عديدة، أتذكر تفاصيل كل منها بوضوح ودقة كأنها حدثت بالأمس وليس منذ عدة سنوات، سأسرد بعضا منها مما قد يوضح جوانب في شخصية الرئيس قد يجهلها البعض، وسأترك البعض الآخر مما قد تحين مناسبات أخري لمشاركته مع قرائي.
من اللحظات التي أعتز بها في بداية مسيرتي الصحفية تلك المكالمة الهاتفية من رئيس تحرير مجلة صباح الخير التي عينت محررة بها عام 1980 الأستاذ لويس جريس الذي ذكر لي أن الرئيس هاتفه شخصيا ليبدي إعجابه بالحوارات التي كنت أجريها مع المفكرين حول بعض القضايا الإسلامية. كانت الجماعات الإسلامية تشيع أفكارا مغلوطة بدعوي المطالبة بتطبيق الشريعة الإسلامية، وقد رفعوا شعار «الإسلام هو الحل» كما لو كان الإسلام غائبا عن البلاد، أو منفيا إلي أراض بعيدة. ورحت أحاور كبار المفكرين المصريين حول المقصود بكلمة الشريعة الإسلامية وحول الدولة الدينية التي يحلم البعض بإرسائها في مصر وحول الحلال والحرام وحقوق المرأة في الإسلام وغير ذلك من القضايا التي قفزت إلي سطح الحياة الفكرية في مصر منذ منتصف السبعينيات ومازال بعضها لم يحسم إلي يومنا هذا.
وكنت قد أنهيت قبل عام واحد دراستي في قسم اللغة العربية بجامعة القاهرة، وأصبحت مسلحة بثقافة إسلامية ومعرفة طازجة حول الإسلام والتاريخ العربي وكل ما يمت بصلة إلي العقيدة من قرآن كريم وحديث ومذاهب ومدارس دينية.. إلخ.. كانت حواراتي ساخنة، متعمقة جادلت فيها المفكرين وظفرت منهم باجتهادات جديدة وأفكار رائعة وتفسيرات عميقة للأحداث الجارية. ورغم تشجيع رئيس التحرير ومطالبته لي بالمزيد من الحوارات لم يخطر ببالي لجزء من الثانية أن رئيس البلاد سيقرأ الحوارات ويعجب بها. الرئيس حسني مبارك يقرأ مجلة صباح الخير ويتابع ما أكتبه، ويحرص علي التعبير عن رأيه لرئيس التحرير؟!
بدا الأمر كما لو كان دعابة اعتدنا عليها من رئيس التحرير الأستاذ لويس جريس الذي كان يتعامل معنا كإخوة، ويحرص علي إشاعة جو من المرح والتفاؤل في المجلة.
كان سعيدا منتشيا كأنما الرئيس حدثه عن مقالاته هو وليس عما تكتبه محررة جديدة بالمجلة. وفي الاجتماع الأسبوعي للمجلة حكي للزملاء المحررين ما حدث بكل تفاصيله وقد انتفخت أوداجه كأب يروي حكاية حصول أحد أبنائه علي جائزة عالمية! وقال ضاحكا: سيادة الريس كان فاكر إقبال اسم راجل، فقلت له إنها زميلة شابة.. إلخ.
كان لويس جريس يتحدث وأنا سارحة في ملكوت آخر، فمن أسوأ صفاتي أني أرتعد خوفا من النجاح، ورغم أني لقيته العديد من المرات، بل رافقني في أغلب مراحل حياتي، إلا أنني ظننته دائما شبحا يطارد خيالي وليس حقيقة مؤكدة.
بعد فترة قصيرة فوجئت بدعوة من الكاتب الراحل سمير سرحان رئيس الهيئة العامة للكتاب في ذلك الوقت يدعوني للقاء الرئيس مع الكتاب بمناسبة افتتاح معرض القاهرة الدولي للكتاب.
كانت المرة الأولي التي يلتقي فيها مبارك بالكتاب. وكان العدد محدودا جدا، وجلست في الصف الثالث إلي جوار الدكتور يوسف إدريس الذي كانت تجمعني به صداقة وطيدة، وبعد لحظات دخل السيد الرئيس وبدأ يتحدث إلي الكتاب. وأعترف أني أخذت من شدة تواضعه، فلم يكن يتحدث كمسئول كبير وإنما كأنه واحد منا، وتابعته وكأني في حلم لا حقيقة، وقد أشاع جوا من الألفة بتعليقاته الفطنة وقفشاته المرحة مع كبار الكتاب يومها ودار بيننا حوار مختصر، بعد أن عرف أني تلك المحررة الشابة التي يتابع حواراتها مع المفكرين بمجلة صباح الخير. كنا ننتظر بلهفة لقاء الرئيس بالكتاب الذي يتكرر سنويا وقد اعتدنا في كل لقاءاتنا به أن نعبر عن آرائنا بصراحة، ونوجه أسئلة صعبة فيجيب عنها بكل صدق، ورغم اختلافه معي في أغلب الأحيان إلا أنه كان يتلقي آرائي برحابة صدر ويجيب بكل تواضع علي أسئلتي. وأعتز بأني في لقائه بالكّتاب بمناسبة افتتاح المبني الجديد لهيئة الاستعلامات، وكنت يومها رئيس تحرير مجلة حواء، وقفت أدافع عن حق المرأة المصرية المتزوجة من أجنبي في منح أبنائها الجنسية المصرية أسوة بالرجل المصري، مازلت أتذكر الحوار بكل تفاصيله، فكيف يمكن لمواطنة أن تنسي أنها وقفت تجادل رئيس البلاد، كما وقفت امرأة عربية تجادل عمر بن الخطاب وتصحح له ما غاب عنه فاعترف بكلمة خالدة في التاريخ الإسلامي: «أخطأ عمر وأصابت امرأة». وفي صباح اليوم التالي نشرت الصحف المصرية قرارات السيد رئيس الجمهورية الخاصة بإجراءات الحصول علي الجنسية التي فتحت الباب علي مصراعيه لكي يحصل مئات الآلاف من الشبان والأطفال علي جنسية أمهاتهم المصريات.
لقد استجاب الرئيس للعديد من الكتاب الذين طالبوا بتعديل قانون الجنسية وأشاروا إلي عدم دستورية المادة التي تميز الرجل المصري عن المرأة المصرية فيه. وعندما طالبته في ذلك اللقاء بتعديل القانون كان فكره جاهزا ومشاعره متجاوبة ومتعاطفة مع أولئك الأبناء الذين ولدوا في مصر لأم مصرية أرضعتهم مع حب مصر كل القيم التي نعتز بها في دياناتنا السماوية، وبقراراته الإنسانية فك أسر هؤلاء المواطنين من سجن الخوف من الترحيل والتشرد، وانتهت معاناتهم لسنوات طويلة، وانتهي حرمانهم من استكمال تعليمهم إلا إذا دفعوا المصاريف بالعملة الصعبة، وأصبح من حقهم الحصول علي وظائف ثابتة ومستقرة بالحكومة والقطاع الخاص.
وأذكر أنني في لقاء آخر في نهاية القرن العشرين طالبت السيد الرئيس بوزارة للمرأة كما هو حادث في كل من فرنسا وألمانيا ودول أخري، وشرحت له أن المصرية هي المرأة العربية الوحيدة التي لا يجمعها مظلة أو اتحاد نسائي يعبر عن صوتها ويدافع عن حقوقها، رغم أنها كانت أول من شكل هذا الاتحاد في العشرينيات من القرن الماضي، وعلق الرئيس ساخرا كعادته، ولكنه أصدر بعد شهور قليلة قرار تشكيل المجلس القومي للمرأة.
أثناء عملي محررة بمجلة صباح الخير رن جرس التليفون بمنزلي ذات صباح، كانت الساعة الثامنة صباحا، وكان المتحدث من رئاسة الجمهورية، يبلغني بأني مدعوة للحضور مع السيد الرئيس احتفالات مدينة طنطا بمولد السيد البدوي. وأصابتني دهشة عظيمة وارتعش صوتي وأنا أسأل المتكلم: وما علاقتي بالسيد البدوي؟ أو بطنطا؟
تجاهل المتحدث سؤالي وأعلمني بتفصيل اللقاء اليوم في التاسعة صباحا من محطة مصر هناك قطار مخصص للصحفيين وعلي أن أتواجد قبل تحرك القطار.. وقبل أن أوجه أية أسئلة أخري انتهت المكالمة، وأسرعت أرتدي ملابسي واتجهت إلي محطة مصر، وهناك وجدت كبار الصحفيين أذكر منهم الأساتذة كامل زهيري وموسي صبري ورجاء النقاش وأنيس منصور وصلاح منتصر ومنير عامر. مجتمعين في عربة واحدة، وقيل لنا أن الرئيس في العربة المجاورة، وما إن تحرك القطار حتي فوجئنا بالرئيس يدخل علينا، فهب الجميع واقفين مهللين للقائه، وراح كل منهم يرحب به ويوجه له الأسئلة. كانت المرة الأولي التي ألتقي فيها بالرئيس وجها لوجه، ولكن بساطته الشديدة شجعتني علي أن أثير مسألة المرشحين لمجلس الشعب الذين رفعوا قضايا علي المجلس وصدرت أحكام بأحقيتهم في العضوية وناشدته تنفيذ حكم المحكمة احتراما للقانون. دار بيني وبين الرئيس حوار قصير حول الديمقراطية، وانتهزت الفرصة وطلبت من السيد الرئيس أن يسمح لي بإجراء حوار معه، فوافق علي الفور، وفي صباح اليوم التالي اتصل بي مسئول من الرئاسة ليخبرني أن موعد لقائي بالرئيس قد تحدد اليوم في الحادية عشرة صباحا! لم أصدق ما سمعته.. توقعت أن ينسي الرئيس وعده في خضم مشاغله اليومية، أو أن يحدد لي موعدا بعد أسابيع أو أيام. أما أن يحدد الموعد في اليوم التالي مباشرة فهذا ما لم أحلم به. وأصبت بارتباك وحيرة شديدين، فعم سأسأل رئيس البلاد؟
هل أحدثه في السياسة أم أكتفي بأسئلة حول التعليم والصحة والبيئة والأسعار.. كما فعلت في حديث مع رئيس الوزراء الأسبق علي لطفي؟ ماذا أرتدي وكيف أخاطب رئيس البلاد و.. في الموعد المحدد بالضبط كانت سيارة روزاليوسف تقف أمام بوابة القصر الجمهوري وأنا داخلها في حالة من انعدام الوزن رغم أنني أعددت الأسئلة واخترتها جيدا وقررت أن يكون هذا اللقاء حدثا تاريخيا يذكر للصحفية المصرية، فلم يسبق لأي صحيفة أن أجرت حوارا مع رئيس البلاد من قبل. وبناء علي معرفتي بالرئيس ومتابعتي لكل أخباره وأخبار مصر والعالم كتبت الأسئلة التي دارت في ذهني ورحت أحفظها عن ظهر قلب وأراجع المعلومات التي لدي حتي يكون اللقاء مثمرا وعلي أكمل وجه. لقد توقعت أن يطلب رجال الرئيس في الرئاسة ورقة مكتوبة بالأسئلة، كما يحدث مع أغلب الرؤساء، وكما يحرص بعض الوزراء، ولكن الغريب أن أحدا لم يطلب الأسئلة مكتوبة أو يناقشني قبل اللقاء. وحضر اللقاء الأستاذ صفوت الشريف وزير الإعلام الأسبق ومعه الأستاذ مفيد فوزي رئيس تحرير صباح الخير في ذلك الوقت. ولن أنسي في حياتي بساطة الرئيس وحرصه علي توفير الإجابة الشافية والتفاصيل الدقيقة وتلك الصراحة الشديدة التي تشعر من يحادثه بأنه صديق عزيز موثوق في إخلاصه، الرئيس عندما يتكلم لايخفي ولايزيف ولايجمل الحقائق، فالحقيقة عنده لها وجه واحد وليس ألف قناع.
ومن اللقاءات التي أذكرها جيدا يوم عودته سالما من إثيوبيا بعد أن نجا بفضل الله ودعوات المصريين من مؤامرة استهدفت حياته. يومها تبدت مشاعر المواطنين صادقة عميقة عندما تجمع آلاف البسطاء أمام قصر الرئاسة وقد جاءوا يهنئون «الريس» علي سلامته ويعبرون بكل الصدق عن حبهم له واعتزازهم به. تلك المشاعر التي قفزت إلي السطح بتلقائية وتكررت يوم أن فقد الرئيس حفيده البكري في العام الماضي وظللت مصر سحابة من الحزن العميق، ثم يوم أن عاد أخيرا بعد إجراء عملية جراحية في ألمانيا.
كان عددنا محدودا وفي قصر الرئاسة اصطففنا انتظارا للرئيس، ولم تمض لحظات حتي رأيناه يدخل القاعة وراح يسلم علي كل شخص ويتحدث إليه في مودة بالغة، تواريت قليلا وراء أحد الزملاء حتي لايراني الرئيس، فقد علمت أن أحد المحافظين الذين انتقدتهم في بابي الأسبوعي بمجلة «روزاليوسف» (فضفضة) وسخرت بشدة من بعض أعمالهم، شكاني للرئيس، لمحني السيد الرئيس فمد لي يده مصافحا وقبل أن أهنئه علي سلامة النجاة من المؤامرة وجه لي عتابا رقيقا علي ما كتبته، ولكنه لم يهدد ولم يتوعد بل إنه اختارني بعد ذلك رئيسة لتحرير مجلة حواء.
ومازالت في جعبتي لحظات كثيرة أعتز بها وأخزنها في مكان عزيز من ذاكرتي، ولكني أردت اليوم أن أقدم شهادتي بكل الصدق، ودون خوف من نقد أو اتهامات قد تطيش هنا وهناك، هذا هو الرئيس حسني مبارك كما عرفته، وإن كانت لقاءاتي المتكررة عابرة ولا تسمح لي بالتعمق في دراسة شخصيته إلا أن ملامح تلك الشخصية التي لا تخطئها العين هي البساطة والتواضع والاتزان وقوة الشخصية والحكمة، وهي صفات يجمع عليها الكل خارج مصر وداخلها وما بين مؤيد ومعارض. ويكفي أن أشد المعارضين له يعبرون دائما عن حبهم واحترامهم لذلك الرئيس الرائع الذي حمل عبء الحكم لفترة طويلة، واعترف للمصريين بحقهم الكامل في التعبير عن آرائهم والمطالبة بحقوقهم كما لم يفعل أي حاكم سابق في تاريخ مصر.
إن تحفظاتي علي الكثير من سياسات الحكومات المتعاقبة، لم تفقدني حبي واحترامي العميق للرئيس، الذي تعلمت منه أن الخلاف في الرأي لا يفسد للود قضية، وهذه تحية مني له بمناسبتين أولاهما عيد ميلاده في السادس من مايو وثانيتهما عودته سالما من رحلة العلاج بألمانيا.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.