من عائلة واحدة.. استشهاد 5 فلسطينيين في قصف إسرائيلي على رفح الفلسطينية    موعد مباراة إنجلترا وصربيا اليوم في أمم أوروبا يورو 2024 والقنوات الناقلة    مصرع سيدة وأبنائها في انقلاب سيارة بطريق الفيوم القاهرة    بيان من القنصلية المصرية في جدة بشأن فقدان الاتصال ببعض الحجاج المصريين    طقس أول أيام العيد.. أمطار وعواصف تضرب الوادي الجديد    بالونات ومفروشات.. بدء تجهيز الساحات لصلاة العيد في كفر الشيخ    الأزهر يوضح سنن و آداب صلاة عيد الأضحى    «الموجة الحارة».. شوارع خالية من المارة وهروب جماعى ل«الشواطئ»    أثناء الدعاء.. وفاة سيدة من محافظة كفر الشيخ على صعيد جبل عرفات    إصابة 3 أشخاص بينهما سيدة عربية في تصادم سيارتين ملاكي وسيارة ربع نقل بالعبور| صور    محمد رشاد وسلمى عادل يطرحان أغنية "عالى عالى"    رغم القصف المستمر.. أهالي غزة يكبرون في ليلة عيد الأضحى المبارك.. والأطفال يحتفلون في باحة مستشفى شهداء الأقصى    مدرب هولندا السابق: أثق في إمكانية التتويج ب "يورو 2024".. وصلاح لاعب من الطراز الرفيع    استقبال تردد قناة السعودية لمشاهدة الحجاج على نايل سات وعرب سات    عاجل.. رد نهائي من زين الدين بلعيد يحسم جدل انتقاله للأهلي    تشكيل غرفة عمليات.. بيان عاجل من "السياحة" بشأن الحج 2024 والسائحين    الدعم العينى والنقدى: وجهان لعملة واحدة    طريقة الاستعلام عن فاتورة التليفون الأرضي    تأسيس الشركات وصناديق استثمار خيرية.. تعرف علي أهداف عمل التحالف الوطني    غرامة 5 آلاف جنيه.. تعرف علي عقوبة بيع الأطعمة الغذائية بدون شهادة صحية    «التعليم العالى»: تعزيز التعاون الأكاديمى والتكنولوجى مع الإمارات    الحج 2024.. السياحة: تصعيد جميع الحجاج إلى عرفات ونجاح النفرة للمزدلفة    قبل صلاة عيد الأضحى، انتشار ألعاب الأطفال والوجوه والطرابيش بشوارع المنصورة (صور)    أنتم عيديتي.. كاظم الساهر يهنئ جمهوره بعيد الأضحى المبارك (فيديو)    شذى حسون تطرح أغنية «بيك تحلى» في عيد الأضحى    كرة سلة.. عبد الرحمن نادر على رأس قائمة مصر استعدادا للتصفيات المؤهلة لأولمبياد باريس    دعاء فجر عيد الأضحى 2024.. كلمات مستحبة رددها خلال الساعات المقبلة    أدعية للمتوفى في عيد الأضحى    مش هينفع أشتغل لراحة الأهلي فقط، عامر حسين يرد على انتقادات عدلي القيعي (فيديو)    ملخص وأهداف مباراة إيطاليا ضد ألبانيا 2-1 في يورو 2024    خوفا من اندلاع حرب مع حزب الله.. «أوستن» يدعو «جالانت» لزيارة الولايات المتحدة    «المالية»: 20 مليون جنيه «فكة» لتلبية احتياجات المواطنين    إلغاء إجازات البيطريين وجاهزية 33 مجزر لاستقبال الأضاحي بالمجان في أسيوط    40 جنيهًا.. ارتفاع في أسعار الذهب المحلية خلال أسبوع    إقبال وزحام على محال التسالي والحلويات في وقفة عيد الأضحى المبارك (صور)    إقبال على شوادر الأضاحي ومحال الجزارة بالسيدة زينب ليلة عيد الأضحى (صور)    شيخ المنطقة الأزهرية بالغربية يترأس وفداً أزهرياً للعزاء في وكيل مطرانية طنطا| صور    تعاون «مصرى - إيطالى» فى «إدارة المخلفات الصلبة»    ريهام سعيد تكشف مفاجأة لأول مرة: محمد هنيدي تقدم للزواج مني (فيديو)    اتغير بعد واقعة الصفع، عمرو دياب يلبي طلب معجبة طلبت "سيلفي" بحفله في لبنان (فيديو)    أنغام تحيي أضخم حفلات عيد الأضحى بالكويت.. وتوجه تهنئة للجمهور    تزامنا مع عيد الأضحى.. بهاء سلطان يطرح أغنية «تنزل فين»    عاجل.. عرض خليجي برقم لا يُصدق لضم إمام عاشور وهذا رد فعل الأهلي    عاجل.. الزمالك يحسم الجدل بشأن إمكانية رحيل حمزة المثلوثي إلى الترجي التونسي    93 دولة تدعم المحكمة الجنائية الدولية في مواجهة إسرائيل    من السنة النبوية.. صيغة تكبيرات عيد الأضحى المبارك 2024 الصحيحة الكاملة وكيفية أدائها    إعلام عبرى: صافرات الإنذار تدوى بمستوطنات فى شمال إسرائيل    للكشف والعلاج مجانا.. عيادة طبية متنقلة للتأمين الطبي بميدان الساعة في دمياط    سرايا القدس تنفذ سلسلة من العمليات العسكرية ضد جيش الاحتلال    حلو الكلام.. لم أعثر على صاحبْ!    مكروهات الذبح للمضحي وآداب الأضحية.. الإفتاء توضح    يونيسف: الوضع في غزة يزداد سوءًا للأطفال يومًا بعد يوم    بمناسبة العيد والعيدية.. أجواء احتفالية وطقوس روحانية بحي السيدة زينب    فحص 1374 مواطنا ضمن قافلة طبية بقرية جمصة غرب في دمياط    رئيس الوزراء يهنئ الشعب المصرى بعيد الأضحى المبارك    وزيرة الهجرة: تفوق الطلبة المصريين في الكويت هو امتداد حقيقي لنجاحات أبناء مصر بمختلف دول العالم    10 نصائح من معهد التغذية لتجنب عسر الهضم في عيد الأضحي    محافظ أسوان يتابع تقديم الخدمات الصحية والعلاجية ل821 مواطنًا بإدفو    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



ملامح الشخصية التي لا تخطئها عين :هذا هو الرئيس مبارك.. كما عرفته

لحظة لقائك بشخص مشهور، فنان كبير، كاتب كبير أو سياسي، قد تعلق بذاكرتك لفترة، أما أن يكون هذا الشخص هو رئيس الجمهورية فإن لقطات مشهد اللقاء لا يمكن أن تنمحي من ذاكرتك مهما مر عليها الزمن. وقد كان لي حظ اللقاء بالرئيس محمد حسني مبارك مرات عديدة، أتذكر تفاصيل كل منها بوضوح ودقة كأنها حدثت بالأمس وليس منذ عدة سنوات، سأسرد بعضا منها مما قد يوضح جوانب في شخصية الرئيس قد يجهلها البعض، وسأترك البعض الآخر مما قد تحين مناسبات أخري لمشاركته مع قرائي.
من اللحظات التي أعتز بها في بداية مسيرتي الصحفية تلك المكالمة الهاتفية من رئيس تحرير مجلة صباح الخير التي عينت محررة بها عام 1980 الأستاذ لويس جريس الذي ذكر لي أن الرئيس هاتفه شخصيا ليبدي إعجابه بالحوارات التي كنت أجريها مع المفكرين حول بعض القضايا الإسلامية. كانت الجماعات الإسلامية تشيع أفكارا مغلوطة بدعوي المطالبة بتطبيق الشريعة الإسلامية، وقد رفعوا شعار «الإسلام هو الحل» كما لو كان الإسلام غائبا عن البلاد، أو منفيا إلي أراض بعيدة. ورحت أحاور كبار المفكرين المصريين حول المقصود بكلمة الشريعة الإسلامية وحول الدولة الدينية التي يحلم البعض بإرسائها في مصر وحول الحلال والحرام وحقوق المرأة في الإسلام وغير ذلك من القضايا التي قفزت إلي سطح الحياة الفكرية في مصر منذ منتصف السبعينيات ومازال بعضها لم يحسم إلي يومنا هذا.
وكنت قد أنهيت قبل عام واحد دراستي في قسم اللغة العربية بجامعة القاهرة، وأصبحت مسلحة بثقافة إسلامية ومعرفة طازجة حول الإسلام والتاريخ العربي وكل ما يمت بصلة إلي العقيدة من قرآن كريم وحديث ومذاهب ومدارس دينية.. إلخ.. كانت حواراتي ساخنة، متعمقة جادلت فيها المفكرين وظفرت منهم باجتهادات جديدة وأفكار رائعة وتفسيرات عميقة للأحداث الجارية. ورغم تشجيع رئيس التحرير ومطالبته لي بالمزيد من الحوارات لم يخطر ببالي لجزء من الثانية أن رئيس البلاد سيقرأ الحوارات ويعجب بها. الرئيس حسني مبارك يقرأ مجلة صباح الخير ويتابع ما أكتبه، ويحرص علي التعبير عن رأيه لرئيس التحرير؟!
بدا الأمر كما لو كان دعابة اعتدنا عليها من رئيس التحرير الأستاذ لويس جريس الذي كان يتعامل معنا كإخوة، ويحرص علي إشاعة جو من المرح والتفاؤل في المجلة.
كان سعيدا منتشيا كأنما الرئيس حدثه عن مقالاته هو وليس عما تكتبه محررة جديدة بالمجلة. وفي الاجتماع الأسبوعي للمجلة حكي للزملاء المحررين ما حدث بكل تفاصيله وقد انتفخت أوداجه كأب يروي حكاية حصول أحد أبنائه علي جائزة عالمية! وقال ضاحكا: سيادة الريس كان فاكر إقبال اسم راجل، فقلت له إنها زميلة شابة.. إلخ.
كان لويس جريس يتحدث وأنا سارحة في ملكوت آخر، فمن أسوأ صفاتي أني أرتعد خوفا من النجاح، ورغم أني لقيته العديد من المرات، بل رافقني في أغلب مراحل حياتي، إلا أنني ظننته دائما شبحا يطارد خيالي وليس حقيقة مؤكدة.
بعد فترة قصيرة فوجئت بدعوة من الكاتب الراحل سمير سرحان رئيس الهيئة العامة للكتاب في ذلك الوقت يدعوني للقاء الرئيس مع الكتاب بمناسبة افتتاح معرض القاهرة الدولي للكتاب.
كانت المرة الأولي التي يلتقي فيها مبارك بالكتاب. وكان العدد محدودا جدا، وجلست في الصف الثالث إلي جوار الدكتور يوسف إدريس الذي كانت تجمعني به صداقة وطيدة، وبعد لحظات دخل السيد الرئيس وبدأ يتحدث إلي الكتاب. وأعترف أني أخذت من شدة تواضعه، فلم يكن يتحدث كمسئول كبير وإنما كأنه واحد منا، وتابعته وكأني في حلم لا حقيقة، وقد أشاع جوا من الألفة بتعليقاته الفطنة وقفشاته المرحة مع كبار الكتاب يومها ودار بيننا حوار مختصر، بعد أن عرف أني تلك المحررة الشابة التي يتابع حواراتها مع المفكرين بمجلة صباح الخير. كنا ننتظر بلهفة لقاء الرئيس بالكتاب الذي يتكرر سنويا وقد اعتدنا في كل لقاءاتنا به أن نعبر عن آرائنا بصراحة، ونوجه أسئلة صعبة فيجيب عنها بكل صدق، ورغم اختلافه معي في أغلب الأحيان إلا أنه كان يتلقي آرائي برحابة صدر ويجيب بكل تواضع علي أسئلتي. وأعتز بأني في لقائه بالكّتاب بمناسبة افتتاح المبني الجديد لهيئة الاستعلامات، وكنت يومها رئيس تحرير مجلة حواء، وقفت أدافع عن حق المرأة المصرية المتزوجة من أجنبي في منح أبنائها الجنسية المصرية أسوة بالرجل المصري، مازلت أتذكر الحوار بكل تفاصيله، فكيف يمكن لمواطنة أن تنسي أنها وقفت تجادل رئيس البلاد، كما وقفت امرأة عربية تجادل عمر بن الخطاب وتصحح له ما غاب عنه فاعترف بكلمة خالدة في التاريخ الإسلامي: «أخطأ عمر وأصابت امرأة». وفي صباح اليوم التالي نشرت الصحف المصرية قرارات السيد رئيس الجمهورية الخاصة بإجراءات الحصول علي الجنسية التي فتحت الباب علي مصراعيه لكي يحصل مئات الآلاف من الشبان والأطفال علي جنسية أمهاتهم المصريات.
لقد استجاب الرئيس للعديد من الكتاب الذين طالبوا بتعديل قانون الجنسية وأشاروا إلي عدم دستورية المادة التي تميز الرجل المصري عن المرأة المصرية فيه. وعندما طالبته في ذلك اللقاء بتعديل القانون كان فكره جاهزا ومشاعره متجاوبة ومتعاطفة مع أولئك الأبناء الذين ولدوا في مصر لأم مصرية أرضعتهم مع حب مصر كل القيم التي نعتز بها في دياناتنا السماوية، وبقراراته الإنسانية فك أسر هؤلاء المواطنين من سجن الخوف من الترحيل والتشرد، وانتهت معاناتهم لسنوات طويلة، وانتهي حرمانهم من استكمال تعليمهم إلا إذا دفعوا المصاريف بالعملة الصعبة، وأصبح من حقهم الحصول علي وظائف ثابتة ومستقرة بالحكومة والقطاع الخاص.
وأذكر أنني في لقاء آخر في نهاية القرن العشرين طالبت السيد الرئيس بوزارة للمرأة كما هو حادث في كل من فرنسا وألمانيا ودول أخري، وشرحت له أن المصرية هي المرأة العربية الوحيدة التي لا يجمعها مظلة أو اتحاد نسائي يعبر عن صوتها ويدافع عن حقوقها، رغم أنها كانت أول من شكل هذا الاتحاد في العشرينيات من القرن الماضي، وعلق الرئيس ساخرا كعادته، ولكنه أصدر بعد شهور قليلة قرار تشكيل المجلس القومي للمرأة.
أثناء عملي محررة بمجلة صباح الخير رن جرس التليفون بمنزلي ذات صباح، كانت الساعة الثامنة صباحا، وكان المتحدث من رئاسة الجمهورية، يبلغني بأني مدعوة للحضور مع السيد الرئيس احتفالات مدينة طنطا بمولد السيد البدوي. وأصابتني دهشة عظيمة وارتعش صوتي وأنا أسأل المتكلم: وما علاقتي بالسيد البدوي؟ أو بطنطا؟
تجاهل المتحدث سؤالي وأعلمني بتفصيل اللقاء اليوم في التاسعة صباحا من محطة مصر هناك قطار مخصص للصحفيين وعلي أن أتواجد قبل تحرك القطار.. وقبل أن أوجه أية أسئلة أخري انتهت المكالمة، وأسرعت أرتدي ملابسي واتجهت إلي محطة مصر، وهناك وجدت كبار الصحفيين أذكر منهم الأساتذة كامل زهيري وموسي صبري ورجاء النقاش وأنيس منصور وصلاح منتصر ومنير عامر. مجتمعين في عربة واحدة، وقيل لنا أن الرئيس في العربة المجاورة، وما إن تحرك القطار حتي فوجئنا بالرئيس يدخل علينا، فهب الجميع واقفين مهللين للقائه، وراح كل منهم يرحب به ويوجه له الأسئلة. كانت المرة الأولي التي ألتقي فيها بالرئيس وجها لوجه، ولكن بساطته الشديدة شجعتني علي أن أثير مسألة المرشحين لمجلس الشعب الذين رفعوا قضايا علي المجلس وصدرت أحكام بأحقيتهم في العضوية وناشدته تنفيذ حكم المحكمة احتراما للقانون. دار بيني وبين الرئيس حوار قصير حول الديمقراطية، وانتهزت الفرصة وطلبت من السيد الرئيس أن يسمح لي بإجراء حوار معه، فوافق علي الفور، وفي صباح اليوم التالي اتصل بي مسئول من الرئاسة ليخبرني أن موعد لقائي بالرئيس قد تحدد اليوم في الحادية عشرة صباحا! لم أصدق ما سمعته.. توقعت أن ينسي الرئيس وعده في خضم مشاغله اليومية، أو أن يحدد لي موعدا بعد أسابيع أو أيام. أما أن يحدد الموعد في اليوم التالي مباشرة فهذا ما لم أحلم به. وأصبت بارتباك وحيرة شديدين، فعم سأسأل رئيس البلاد؟
هل أحدثه في السياسة أم أكتفي بأسئلة حول التعليم والصحة والبيئة والأسعار.. كما فعلت في حديث مع رئيس الوزراء الأسبق علي لطفي؟ ماذا أرتدي وكيف أخاطب رئيس البلاد و.. في الموعد المحدد بالضبط كانت سيارة روزاليوسف تقف أمام بوابة القصر الجمهوري وأنا داخلها في حالة من انعدام الوزن رغم أنني أعددت الأسئلة واخترتها جيدا وقررت أن يكون هذا اللقاء حدثا تاريخيا يذكر للصحفية المصرية، فلم يسبق لأي صحيفة أن أجرت حوارا مع رئيس البلاد من قبل. وبناء علي معرفتي بالرئيس ومتابعتي لكل أخباره وأخبار مصر والعالم كتبت الأسئلة التي دارت في ذهني ورحت أحفظها عن ظهر قلب وأراجع المعلومات التي لدي حتي يكون اللقاء مثمرا وعلي أكمل وجه. لقد توقعت أن يطلب رجال الرئيس في الرئاسة ورقة مكتوبة بالأسئلة، كما يحدث مع أغلب الرؤساء، وكما يحرص بعض الوزراء، ولكن الغريب أن أحدا لم يطلب الأسئلة مكتوبة أو يناقشني قبل اللقاء. وحضر اللقاء الأستاذ صفوت الشريف وزير الإعلام الأسبق ومعه الأستاذ مفيد فوزي رئيس تحرير صباح الخير في ذلك الوقت. ولن أنسي في حياتي بساطة الرئيس وحرصه علي توفير الإجابة الشافية والتفاصيل الدقيقة وتلك الصراحة الشديدة التي تشعر من يحادثه بأنه صديق عزيز موثوق في إخلاصه، الرئيس عندما يتكلم لايخفي ولايزيف ولايجمل الحقائق، فالحقيقة عنده لها وجه واحد وليس ألف قناع.
ومن اللقاءات التي أذكرها جيدا يوم عودته سالما من إثيوبيا بعد أن نجا بفضل الله ودعوات المصريين من مؤامرة استهدفت حياته. يومها تبدت مشاعر المواطنين صادقة عميقة عندما تجمع آلاف البسطاء أمام قصر الرئاسة وقد جاءوا يهنئون «الريس» علي سلامته ويعبرون بكل الصدق عن حبهم له واعتزازهم به. تلك المشاعر التي قفزت إلي السطح بتلقائية وتكررت يوم أن فقد الرئيس حفيده البكري في العام الماضي وظللت مصر سحابة من الحزن العميق، ثم يوم أن عاد أخيرا بعد إجراء عملية جراحية في ألمانيا.
كان عددنا محدودا وفي قصر الرئاسة اصطففنا انتظارا للرئيس، ولم تمض لحظات حتي رأيناه يدخل القاعة وراح يسلم علي كل شخص ويتحدث إليه في مودة بالغة، تواريت قليلا وراء أحد الزملاء حتي لايراني الرئيس، فقد علمت أن أحد المحافظين الذين انتقدتهم في بابي الأسبوعي بمجلة «روزاليوسف» (فضفضة) وسخرت بشدة من بعض أعمالهم، شكاني للرئيس، لمحني السيد الرئيس فمد لي يده مصافحا وقبل أن أهنئه علي سلامة النجاة من المؤامرة وجه لي عتابا رقيقا علي ما كتبته، ولكنه لم يهدد ولم يتوعد بل إنه اختارني بعد ذلك رئيسة لتحرير مجلة حواء.
ومازالت في جعبتي لحظات كثيرة أعتز بها وأخزنها في مكان عزيز من ذاكرتي، ولكني أردت اليوم أن أقدم شهادتي بكل الصدق، ودون خوف من نقد أو اتهامات قد تطيش هنا وهناك، هذا هو الرئيس حسني مبارك كما عرفته، وإن كانت لقاءاتي المتكررة عابرة ولا تسمح لي بالتعمق في دراسة شخصيته إلا أن ملامح تلك الشخصية التي لا تخطئها العين هي البساطة والتواضع والاتزان وقوة الشخصية والحكمة، وهي صفات يجمع عليها الكل خارج مصر وداخلها وما بين مؤيد ومعارض. ويكفي أن أشد المعارضين له يعبرون دائما عن حبهم واحترامهم لذلك الرئيس الرائع الذي حمل عبء الحكم لفترة طويلة، واعترف للمصريين بحقهم الكامل في التعبير عن آرائهم والمطالبة بحقوقهم كما لم يفعل أي حاكم سابق في تاريخ مصر.
إن تحفظاتي علي الكثير من سياسات الحكومات المتعاقبة، لم تفقدني حبي واحترامي العميق للرئيس، الذي تعلمت منه أن الخلاف في الرأي لا يفسد للود قضية، وهذه تحية مني له بمناسبتين أولاهما عيد ميلاده في السادس من مايو وثانيتهما عودته سالما من رحلة العلاج بألمانيا.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.