بينما كان الثلاثاء الماضي يحمل إلينا أمطارا وغيوماً ملونة صحبها ارتفاع درجة الحرارة إلي 35 درجة.. كان أن دخلت هيئة الأرصاد الجوية علي الخط محذرة من الأمطار الحمضية التي قد تتعرض لها البلاد. وأشارت إلي أن هذه التغيرات لم تنشأ من اقتراب السحابة البركانية، ولكن لوجود كتلة هوائية أو منخفض جوي قادم من أوروبا ساعد علي خفض الحرارة. وجاءت تصريحات مسئولي وزارة الصحة لتؤكد احتمالات تأثر مصر بمخاطر السحابة مشددا علي عدم الخروج للأماكن المفتوحة، وضرورة ارتداء الكمامات الواقية، خاصة لمن يعاني من أمراض الحساسية.. ووضع ملاءات مبللة علي النوافذ وضرورة نزع العدسات اللاصقة لمن يرتديها. كما شهدت الصيدليات إقبالا كبيرا علي شراء الكمامات وبخاخات الربو والتنفس.. ويوم الأربعاء الماضي ارتفعت معدلات غياب التلاميذ من المدارس والموظفين عن العمل. والمفارقة أن الصورة كما صدرتها لنا الهيئات الرسمية، لم تكن بهذا السوء داخل البلاد الأوروبية المجاورة لأيسلندا «البلد الذي شهد تفجر البركان»! وكان الارتباك علي مستوي رحلات الطيران فقط.. مما يؤكد أن التعامل مع أي كارثة طبيعية أو صحية أو بشرية في مصر يفتقر أحيانا كثيرة إلي دراسات علمية واقعية. الدكتور عصام الحناوي أستاذ الجيولوجيا بالمركز القومي للبحوث أكد لنا أن غياب المعلومات العلمية بشكل مبسط وغياب الوعي لدي المصريين يدفع بهم للمبالغة عند حدوث أي أزمة أو كارثة طبيعية. ويؤكد الحناوي أن السحابة السوداء التي تزورنا سنويا أخطر من السحابة البركانية، لأن السحابة السوداء أقرب لسطح الأرض، كما أن الأتربة والجزيئات تكون عالقة بها مواد عضوية ضارة ملتصقة بالأتربة نتيجة عمليات حرق القمامة وعوادم السيارات، وأما السحابة البركانية، فهي فتات مواد صخرية طبيعية وليس بها مواد عضوية. ومصر «تبتعد كثيرا» عن حزام البراكين لأن آخر بركان حدث منذ 20 مليون سنة، وأن «البازلت» الموجود في أبوزعبل وأبورواش نتيجة هذه البراكين.. أيضا يشار إلي حدوث بركان بالقرب من منطقة الدويقة التي أخرجت غازات ومحاليل ملونة التصقت بالصخور الجبلية.. لذلك أطلق علي الجبل القريب من الدويقة الجبل الأحمر.. وما يدلل علي ذلك وجود آثار لفوهة البركان أطلقت صخورا ذات ألوان جميلة كان يتم تقطيعها وبيعها حتي سنوات قريبة. أما الدكتور علي السكري الخبير الجيولوجي والمستشار العلمي لهيئة المواد النووية فيؤكد أن منطقة الدويقة حدث بها بركان شهير من ملايين السنين يسمي «رينبو فولكانو» وظلت فوهة البركان تصدر غازات وبخار ماء ومياها ساخنة مشبعة بأكاسيد الحديد الحمراء، التي ترسبت علي الصخور الجبلية، لتكون الجبل الأحمر الموجود في القاهرة حاليا. أما بركان أيسلندا - والقول للسكري - فهو بركان حقيقي صدر عن رفاد بركاني وأبخرة ساخنة وذرات رماد سوداء، ارتفعت علي شكل سحابة لتغطي أجزاء كبيرة من الجو لكن مع تعرضها للرياح بدأ يقل نشاط هذه السحابة بنسبة وحتي لو حدث أن تساقطت الأمطار المصحوبة بالرماد البركاني فإنها تكون مخصبة للتربة لأنها تحتوي علي الأملاح والمعادن الطبيعية. علي قطب المتحدث الرسمي لهيئة الأرصاد الجوية أعلن عن وصول السحابة البركانية صباح الأربعاء إلي منطقة البحر المتوسط، لكنها لم تدخل الأجواء المصرية، مشيرا إلي أنه كان علي الأرصاد أن تحذر من احتمال وصول هذه السحابة إلي داخل البلاد، لكن التقديرات الأخيرة أكدت أن السحابة تتجه مرة أخري نحو الشمال الغربي للمحيط الأطلنطي. لذلك لن تتسبب السحابة في إحداث أي تأثيرات صحية سلبية علي المواطنين.. وأن أجهزة الرصد تشمل الملوثات وحجم الأتربة ونوعها وأن بيانات تلك الأجهزة أشارت إلي قدوم أتربة ورمال من الصحراء الغربية من خلال الرياح الجنوبية.. وهي ظاهرة تحدث دائما في هذا الوقت من العام. وأكد قطب أن الأمطار التي هطلت الثلاثاء الماضي لم تكن حمضية لكنها كانت محملة بالأتربة والرمال الخماسينية.. والأمطار الحمضية تعني أنها محملة بعناصر الكبريت أو الكربون.. وهو ما يمكن أن يؤثر علي جلد الإنسان وإن كان الزراعيون يشيرون إلي أن الأمطار الحمضية مفيدة للأرض. وحيد سعودي «خبير الأرصاد الجوية» شدد علي عدم دخول الرماد البركاني لمصر وأن الرياح تحمله إلي تركيا ومنطقة شرق آسيا.. وأن حدوث أمطار أخري من المستبعد أن يحمل أي ذرات بركانية.. وأن الأمطار محتمل حدوثها في تلك الأوقات من السنة. وقد ظهر تناقض تصريحات المسئولين في هيئة الأرصاد الجوية عن اتجاه السحابة البركانية، وهل تتجه لشرق آسيا أم تتجه نحو الشمال الغربي إلي المحيط الأطلنطي! وتشير د.مني كمال رئيس الإدارة المركزية لنوعية الهواء والضوضاء إلي أن السحابة البركانية لم تصل إلي مصر نهائيا وحتي لو دخلت فليس لها أي تأثير بيئي.. بدليل أن بلد مثل إنجلترا القريب من أيسلندا طالته السحابة ولم تصدر أي تحذيرات صحية. وكانت كل المشكلة في شظايا البركان وعن حركة الطيران، يوضح د.علي الجندي - عميد كلية هندسة الطيران - أنه كلما تحركت السحابة البركانية الحاملة للذرات من مكانها كلما تشتت بفعل الرياح أو تساقطت بفعل الأمطار. ويشير د.سميح عبدالقادر - أستاذ السموم البيئية بالمركز القومي للبحوث - إلي ضرورة عدم الاستهانة بآثار الذرات البركانية، لأنها تحمل معادن ثقيلة ممكن أن يكون بعضها مشعا مثل النيكل والكادميوم.. وأن هذه الذرات لو تساقطت مع المطر يمكن أن تؤثر علي الكائنات الدقيقة في المسطحات المائية. وإن بعض الزراعات تتأثر بالأحماض الكبريتية إذا سقطت الأمطار علي الأراضي الزراعية.. أما إذا تعرض الإنسان لكمية كبيرة من المطر فيمكن أن يتسبب له هذا في التهابات بالقصبة الهوائية.. ويزداد التأثير عند من يعاني من أمراض الربو والحساسية.