في الوقت الذي أعلن فيه وزير الصحة تأجيل مشروع قانون التأمين الصحي لوقت لاحق لمزيد من الدراسة وتوفير التمويل اللازم رغم فوائده الجمة للمواطنين، أقر مجلس الشوري برئاسة صفوت الشريف مشروع قانون مشاركة القطاع الخاص في البنية الأساسية بهدف الارتقاء بمستوي الخدمات والمرافق العامة. في رأيي هناك صلة منهجية بين هذا وذاك رغم اختلاف المعالجة . الناس فعلا في حاجة إلي تطوير خدمة الرعاية الصحية ولن يتأتي ذلك سوي بالتزام إدارة علمية لا تتجاهل الواقع، الخطط العلمية معروفة، الدراسات الموضوعية موجودة، المطلوب فقط هو توافر إرادة الإصلاح والتمويل اللازم لذلك . علي قدر علمي الارادة موجودة . التمويل غير كاف . علي الجانب الآخر، وربما هو نفس الجانب، الناس في حاجة ماسة مع زيادة التعداد إلي زيادة طاقة المرافق الأساسية حتي تحافظ علي مستوي الخدمة الحالي من حيث المبدأ وترضي طموح الراغبين في تحسين مستوي المعيشة ولا شك أن ذلك يمثل هدف أي حكومة . حسب علمي أيضا الإرادة موجودة والمشروعات علي الورق تنتظر التنفيذ، وبقيت مسألة التمويل. مسألة التمويل تواجه مشكلة نقص الموارد عن الاستخدامات مما يؤدي الي وجود عجز دائم في الموازنة، يتحدث بعض الناس عن ترشيد الإنفاق والتوقف عن الإسراف والإنفاق الترفي وما إلي ذلك ويشيرون الي بعض بنود الموازنة مثل تأثيث المكاتب والسيارات الحكومية والسفريات إلي الخارج وأشياء من هذا القبيل، مع ذلك لو حذفنا من الموازنة كل هذا مرة واحدة، رغم أهمية بعض البنود، فلن يكفي لبناء محطة صرف صحي واحدة المسألة ليست جدلا وحججا نظرية وبراعة في استخدام طرق تحريف مدلول المعلومات وإخراجها من ثوبها الحقيقي إلي آفاق من المعاني الخيالية الغامضة، لكن مواجهة المطالب بأسلوب عملي هو الأهم حين نتحدث عن مصالح الناس . التمويل لن يأتي إلا من موارد حقيقية وهي معروفة لدي كل من يقرأون الصحف، وهي ليست كافية مهما كانت أساليب ترشيد الإنفاق، زيادة تلك الموارد مرتبطة بتحسن الأداء الاقتصادي المحلي والعالمي معا، أو بزيادة الضرائب أو بالاقتراض . اتخاذ القرار بالنسبة لزيادة الموارد عن طريق زيادة الضرائب محفوف بالمخاطر نظرا لتعقيدات النظامين الاقتصادي والاجتماعي وتداخلهما، عدم وضوح الخطوط المميزة للطبقات القادرة عن تلك غير القادرة أو الفقيرة يمثل مشكلة خطيرة للغاية لأنه يعطل القرار بفرض ضرائب جديدة من ناحية ومن ناحية أخري يضيع مبالغ كبيرة للغاية علي دعم الأسعار . الاقتراض عملية خطرة لا تضر الجيل الحالي فقط لكنها تسبب أضرارا جسيمة للأجيال المقبلة . الاقتراض الآمن له شروط من أهمها القدرة علي السداد في أجل زمني محدد بناء علي دراسة الجدوي لأن التأخرفي السداد يعني زيادة باهظة في تكاليف التمويل فضلا عن كل مايترتب عليه من مخاطر . لا سبيل إذن لتنفيذ مشروعات ضرورية سوي توفير التمويل بطريقة آمنة أو انتظار أن يتوافر التمويل وهذا قد لا يتوافر قبل سنوات، فماذا نفعل ؟ هل ننتظر ونقف مكتوفي الأيدي أم نقتحم الموروث الفكري الاقتصادي ونتجاوز صنم الخوف من إشراك الناس في حل مشاكلهم، الناس الذين يملكون أموالا هم القطاع الخاص الذي يستهدف الربح من إدارة أمواله ولكنه قادر علي إدارته بشكل جيد . بطريقة منظمة يمكن إشراك القطاع الخاص في بناء الأصول الجديدة وامتلاكها ثم بيعها أو تأجيرها للحكومة أو بيع منتوجها لمن يريد أو تقاضي ثمن الخدمة مباشرة من المواطنين، كل هذه البدائل أو بدائل أخري يمكن مناقشتها وتنظيمها وتقنينها بما يمنع الاحتكار أوالاستغلال ويزيل المخاوف المتراكمة عبر سنوات مضت كانت الظروف الاقتصادية فيها مختلفة . من هنا تأتي أهمية موافقة مجلس الشوري علي إشراك القطاع الخاص في مشروعات البنية الأساسية وهو يعني بالضبط استخدام أموال القطاع الخاص في تلك المشروعات بدلا من زيادة العجز المزمن في الموازنة أو الانتظار إلي مالانهاية . الحوار الذي دار والمناقشات تعكس اقتحام موروث ثقافي اقتصادي أصبح عائقا أمام انطلاق البلد نحو آفاق التقدم الاقتصادي والاجتماعي . قال صفوت الشريف رئيس مجلس الشوري إن المشروع ليس خصخصة، ولا بيعا، ولا خضوعاً للفوضي الخلاقة،الموضوع ليس إلا أداة للتطوير لم تكن قائمةً من قبل . إنه من أهم المشروعات لأنه يوفر البيئة التشريعية الموائمة لدفع عجلة التنمية الاجتماعية والاقتصادية والحفاظ علي معدلات نمو مرتفعة من خلال الارتقاء بمستوي الخدمات والمرافق العامة، وفتح مزيد من الاستثمارات في هذا المجال بما يوفر مزيدا من فرص العمل . د. يوسف غالي وزير المالية قال: إننا نحتاج إلي 120 مليار جنيه للبنية الأساسية ولدينا 30 مليارا فقط، ولذلك اتجهنا للقطاع الخاص، هذه المشروعات مملوكة للدولة في النهاية، وهي التي تصنع قيمة الاستفادة من الخدمة وتستطيع أن تتدخل إذا ما تقاعست الشركة عن الالتزام بتعهداتها، أضاف أن هناك خطة لإنشاء 17 محطة صرف صحي في مختلف محافظات مصر، وهناك 36 مليار جنيه مخصصة لها في الموازنة العامة، ويبقي هناك عجز قيمته 114 مليار جنيه، فمن أين توفرها الحكومة هل من الاستدانة من الجهاز المصرفي وتحميل الأجيال القادمة أعباء كثيرة؟ أم تفتح الباب للقطاع الخاص ليشارك فيها، وسوف تعود لملكية الدولة علي كل حال. أبدي أعضاء الشوري تخوفهم من استغلال القطاع الخاص لظروف احتكارية وإضافة أعباء جديدة علي المواطنين وزيادة الأسعار. جاءت معظم المخاوف مبنية علي أفكار عدم الثقة بالقطاع الخاص والخلط بين القطاع الخاص الذي يقوم بالفعل بتحمل مسئوليته الوطنية وبين بعض المنحرفين في هذا القطاع . من الأبعاد الأخري التي تغذي المخاوف اعتقاد البعض بأن المشاركة الجادة للقطاع الخاص تعني سيطرة رأس المال علي الحكم وإضعاف الدور الاجتماعي الذي تقوم به الدولة لمصلحة محدودي الدخل، لكن معالجة تلك المخاوف تكون بالإصرار علي أن تقوم الدولة بواجباتها كمنظم أعلي للعلاقات في المجتمع بدلا من الانصياع للمخاوف وحرمان المجتمع من فرص ثمينة للتنمية .