سؤال صعب وصادم.. لكننا اخترناه مهما تكون تبعاته.. نطرحه دون أن نكترث بتداعياته:هل أصبحت الصلاة فى «مدينة الصلاة» خيانة؟.. هل أصبحت زيارة مقدساتنا الحبيسة بين يدى الاحتلال الإسرائيلى توقعنا تحت طائلة «التطبيع»؟! تضعنا فى خانة واحدة مع «الخونة» والعملاء.. ومع طارقى الأبواب ولاعقى الأحذية العبرية، أم أصبحت فى الوقت الحالى ضرورة سياسية وقومية حتى لا تغلق أبواب المدينة المقدسة فى وجهنا، ثم نعود لنبكى حيث لا يجدى البكاء؟! هذه الأسئلة فرضت نفسها بقوة على ذهنى عندما كنت أمعن النظر فى كلمات «زهرة المدائن» لفيروز.. كنت وقتها أودع صديقى الذى بدت عليه علامات الغضب. قال فى حدة بعد أن انتهى المقطع الأول من الأغنية.. لماذا تمكنت منا الانهزامية؟ لماذا لم نعد نستطيع أن نتحرك لندافع عن حقوقنا؟!.. «القدس» تضيع ونحن سكوت! قلت: معك حق.. لقد أخطأنا كشعوب عربية وإسلامية فى حق أنفسنا كثيرا.. سيطرت علينا كأفراد نظرة اتكالية غير مفهومة. ارتسمت على وجهه علامة استفهام قبل أن يبادرنى بلهجة استنكارية: أنا لا أتحدث عن أفراد، أنا أقصد الحكومات. وأنا أتحدث عن «العنصر البشرى». - وماذا سيفعل الأفراد، إذا كانت الأنظمة والحكومات تكتفى بالشجب والتنديد والاستنكار. لأن «المعادلة » هنا ناقصة بالتأكيد.. فما هى فائدة «العامل الحفاز» فى أى معادلة كيميائية؟! قال صديقى المتخصص فى الكيمياء: العامل الحفاز «مادة تسبب تغيرا فى سرعة التفاعل الكيميائى.. لكنها لا تتغير عند انتهاء التفاعل.. ويمكن استعادتها». قلت: هذا جيد.. إذن بدون «العامل الحفاز» يتأخر حدوث التفاعل.. فأزمة القضية الفلسطينية بوجه عام و«القدس» بوجه خاص، هى أن شعوب المنطقة اعتبرت نفسها خارج المعادلة «المأزومة».. اكتفت بأن تطالب الحكومات «أطراف المعادلة» بالنتائج، وهى لا تتحرك.. أو بالأدق تخشى أن تتحرك، وتشارك فى التفاعل. هل تستطيع أن تقول لى لماذا ابتعدنا كأفراد عن الذهاب إلى مقدساتنا هناك؟ أليس لدينا حق بها؟!! ثم أليس لهذه المقدسات حق علينا فى الزيارة؟! لماذا هجرنا كنيسة القيامة والمسجد الأقصى أولى القبلتين وثالث الحرمين والحرم الإبراهيمى؟ - وكيف سنذهب وهى تحت الاحتلال؟ وهل منعك أحد؟ - كيف أذهب إلى القدس ب«تأشيرة» إسرائيلية وهل أصبحت الأزمة فى التأشيرة؟ - نعم.. هذا اعتراف بشرعية الكيان الصهيونى. المقاومة.. ليست بالضرورة أن أحمل سلاحا.. فالعنصر البشرى فى حد ذاته قوة مؤثرة وقادر على إحراج أى عدو.. ولو كنا هناك لتغيرت الصورة وما استطاعت إسرائيل أن تعبث بالحرم الإبراهيمى.. أو تصنع الأنفاق أسفل المسجد الأقصى.. ثم ألا تسمع عن ال«Soft power»؟ - امتناعى عن الذهاب يجعله يشعر بأنه جسم سرطانى غريب عن المنطقة؟.. وغير مرغوب فيه.. وهذا يخلق له حالة من «الانعزال» المطلوب، حتى لو دخلت معه فى مفاوضات فيما بعد. كما قلت.. مجرد شعور.. لكن الواقع كما هو لا يتغير.. أنا بعيد أو خائف من الاقتراب.. وهو جسم سرطانى يواصل نموه.. فالقدسالشرقية على مشارف استقبال 600 مستوطنة جديدة!.. والحل كما أرى أن أطرق أبواب القدس «السبعة» لأدخل من أيها أشاء! - أنت واهم.. فإسرائيل لن تبتلع الطعم بهذه البساطة. عبقرية الحلول فى بساطتها.. ثم ماذا سيضرنا إن جربنا هذه الطريقة بعد أن باءت أغلب طرقنا السابقة بالفشل.. أراك مشدودا إلى ما تغنيه فيروز عن القدس.. ولو طبقنا وجهة نظرك لاتهمناها هى الأخرى بالتطبيع.. وربما بالعمالة للقوى الصهيونية والإمبريالية! - كيف؟ انظر إلى كلمات الشاعر الكبير «سعيد عقل» التى شدت بها فيروز.. تقول: لن يقفل باب مدينتنا.. فأنا ذاهبة لأصلى.. سأدق على الأبواب.. وسأفتحها الأبواب.. وستغسل يانهر الأردن وجهى بمياه قدسية.. وستمحو يا نهر الأردن.. آثار القدم الهمجية. - وماذا فى الأمر؟ الكلمات اعتبرت أن الصلاة فى القدس مقاومة فى حد ذاتها.. لكننا نردد الكلام دون أن نعى مدلوله.. فكثيرا ما نسمع وقليلا ما ندرك. - ما تتحدث به اسمه «رومانسية سياسية».. وليست حلولا واقعية.. حتى أن أغلب القيادات الدينية وضعت خطوطا حمراء على هذا الأمر.. البابا شنودة رفضه.. وشيخ الأزهر اجتنبه.. والآراء التى قيلت حول هذا الأمر كانت تطرح نفسها على استحياء لأنها تدرك أن هذا وضع غير مرحب به، سواء على المستوى الرسمى أو مستوى الأفراد. مرت الأحداث الأخيرة بصورة متتابعة.. فالقيادات الدينية، خاصة المسيحية رغم اعتراضها على الزيارة، لم تستطع منع 5 آلاف إلى 8 آلاف حاج يذهبون إلى المقدسات المسيحية فى الأراضى المحتلة سنويا. ثم لو نظرنا إلى الجانب الآخر من المسألة فسنجد أن زيارة الأماكن المقدسة بالأراضى المختلفة تمثل عبئا ثقيلا على قوات الاحتلال الإسرائيلى.. أليس هذا ما يحاولون أن يفعلوه معنا كل عام فيما يسمى بمولد «أبوحصيرة» فى مصر، وجربة فى تونس.. وغيرهما؟! ولن تنسى موقف شيخ الأزهر والمفتى غير المبرر على هامش المؤتمر الإسلامى العالمى الذى عقد بالقاهرة منذ أيام فبعد أن بدت الصورة كأنها مختلفة نسبيا وتتجه نحو التغيير، فى أعقاب ما أعلن من قبل قيادات دينية فلسطينية حول نية شيخ الأزهر زيارة «القدس» فى يوليو المقبل، وما نقل عن فتوى د. على جمعة حول أن زيارة القدس فى هذه الأثناء، وهى تحت الاحتلال، أشد وجوبا من زيارة «المسجد الحرام» فيما دون الفريضة.. إلا أن الوضع اختلف بعد أيام قليلة من آراء حسبناها خطوة للأمام.. فقد نفى الشيخان ما نسب إليهما. ولا يتذكران أنه حينما هوت مدينة القدس تراجع الحب وفى قلوب الدنيا استوطنت الحرب؟ لكن... لأجلك يامدينة الصلاة.. أصلى لأجلك يا بهية المساكن يا زهرة المدائن يا قدس يا مدينة الصلاة.. أصلى!!