الجيش الإسرائيلي يشن هجمات استباقية على منصات صواريخ إيرانية معدة للإطلاق    إمام عاشور يوجه رسالة مؤثرة لجماهير ولاعبي النادي الأهلي بعد إصابته    كأس العالم للأندية.. الأهلي يحافظ على الصدارة بعد تعادل بورتو أمام بالميراس    أحمد سعد يشعل حفل الجامعة الأمريكية، ويحيي الأوائل    يضم طائرات مسيرة ومتفجرات.. إيران تكشف عن مقر سري للموساد بطهران    إيران.. الدفاعات الجوية تسقط مسيرات إسرائيلية في مناطق مختلفة من البلاد    نشوة البداية وخيبة النهاية.. لواء إسرائيلي يكشف عن شلل ستعاني منه تل أبيب إذا نفذت إيران خطتها    القوات الإيرانية للمستوطنين: غادروا الأراضي المحتلة فورا فلن تكون صالحة للسكن    زيادة جديدة ب 400 للجنيه.. أسعار الذهب اليوم الإثنين بالصاغة وعيار 21 الآن بالمصنعية    60 دقيقة متوسط تأخيرات القطارات بمحافظات الصعيد.. الأثنين 16 يونيو 2025    منافس الأهلي... التعادل السلبي ينهي الشوط الأول من مباراة بالميراس وبورتو    إمام عاشور: أشكر الخطيب.. ما فعله ليس غريبا على الأهلي    مجموعة الأهلي| شوط أول سلبي بين بالميراس وبورتو في كأس العالم للأندية    «بيفكر في نفسه».. أحمد بلال يفتح النار على نجم الأهلي    فينيسيوس: نسعى للفوز بأول نسخة من مونديال الأندية الجديد    مصرع 4 أشخاص في حادث انهيار مدخنة مصنع طوب بالصف    متابعة دقيقة من الوزير.. ماذا حدث في أول أيام امتحانات الثانوية العامة 2025    وفاة تلميذ متأثرًا بإصابته بلدغة ثعبان في قنا    صرف الخبز البلدي المدعم للمصطافين في عدد من المحافظات    تنسيق الجامعات 2025.. تفاصيل الدراسة في فارم دي صيدلة إكلينيكية حلوان    سعر الفراخ البيضاء والبلدى وكرتونة البيض بالأسواق اليوم الإثنين 16 يونيو 2025    محافظ قنا يقود دراجة عائدًا من مقر عمله (صور)    شركة مياه الشرب بكفر الشيخ تُصلح كسرين في خط مياه الشرب    بى إس جى ضد أتلتيكو مدريد.. إنريكى: نسير على الطريق الصحيح    مباريات كأس العالم للأندية اليوم الإثنين والقنوات الناقلة    ملخص وأهداف مباراة بى إس جى ضد أتلتيكو مدريد فى كأس العالم للأندية    سمير غطاس: إيران على أعتاب قنبلة نووية ونتنياهو يسعى لتتويج إرثه بضربة لطهران    رجال الأعمال المصريين الأفارقة تطلق أكبر خريطة استثمارية شاملة لدعم التعاون الاقتصادي مع إفريقيا    رابط نتيجة الشهادة الإعدادية 2025 الترم الثاني محافظة القاهرة.. فور ظهورها    «بشرى لمحبي الشتاء».. بيان مهم بشأن حالة الطقس اليوم الإثنين: «انخفاض مفاجئ»    تحريات لكشف ملابسات انهيار مدخنة مصنع طوب ومصرع 3 أشخاص بالصف    رصاص في قلب الليل.. أسرار مأمورية أمنية تحولت لمعركة في أطفيح    حريق داخل مدينة البعوث الإسلامية بالدراسة    ختام فعاليات اليوم الأول من برنامج "المرأة تقود" بكفر الشيخ    وزير الثقافة يشيد ب"كارمن": معالجة جريئة ورؤية فنية راقية    ليلى عز العرب: كل عائلتى وأصحابهم واللى بعرفهم أشادوا بحلقات "نوستالجيا"    لا تسمح لطرف خارجي بالتأثير عليك سلبًا.. توقعات برج الجدي اليوم 16 يونيو    يسرا: «فراق أمي قاطع فيّا لحد النهارده».. وزوجها يبكي صالح سليم (فيديو)    «الأهلي محسود لازم نرقيه».. عمرو أديب ينتقد حسين الشحات والحكم (فيديو)    حدث بالفن | وفاة نجل صلاح الشرنوبي وموقف محرج ل باسكال مشعلاني والفنانين في مباراة الأهلي    أمين الفتوى: الله يغفر الذنوب شرط الاخلاص في التوبة وعدم الشرك    هل الزيادة في البيع بالتقسيط ربا؟.. أمين الفتوى يرد (فيديو)    عانى من أضرار صحية وتسبب في تغيير سياسة «جينيس».. قصة مراهق ظل 11 يوما دون نوم    سبب رئيسي في آلام الظهر والرقبة.. أبرز علامات الانزلاق الغضروفي    لدغة نحلة تُنهي حياة ملياردير هندي خلال مباراة "بولو"    صحة الفيوم تعلن إجراء 4،441 جلسة غسيل كلوي خلال أيام عيد الأضحى المبارك    عميدة إعلام عين شمس: النماذج العربية الداعمة لتطوير التعليم تجارب ملهمة    الثلاثاء.. تشييع جثمان شقيق الفنانة لطيفة    "نقل النواب" تناقش طلبات إحاطة بشأن تأخر مشروعات بالمحافظات    غرفة الصناعات المعدنية: من الوارد خفض إمدادات الغاز لمصانع الحديد (فيديو)    3 طرق شهيرة لإعداد صوص الشيكولاتة في المنزل    كيف تنظم المرأة وقتها بين العبادة والأمور الدنيوية؟.. عضو بمركز الأزهر تجيب    وزير الشئون النيابية يحضر جلسة النواب بشأن قانون تنظيم بعض الأحكام المتعلقة بملكية الدولة في الشركات المملوكة لها    بوستات تهنئة برأس السنة الهجرية للفيس بوك    تنسيقية شباب الأحزاب تحتفل بمرور 7 سنوات على تأسيسها.. وتؤكد: مستمرين كركيزة سياسية في الجمهورية الجديدة    جبل القلالي يحتفل بتجليس الأنبا باخوميوس أسقفًا ورئيسًا للدير (صور)    صحيفة أحوال المعلم 2025 برابط مباشر مع الخطوات    بمناسبة العام الهجري الجديد 1447.. عبارات تعليمية وإيمانية بسيطة للأطفال    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



أسباب انتشار النقاب فى العام الجديد!
نشر في روزاليوسف الأسبوعية يوم 02 - 01 - 2010

تصدت روزاليوسف لظاهرة النقاب فى 2008 و2009 ونستطيع أن نقول مطمئنين أنها ستواصل التصدى للظاهرة فى 2010 و2011 و2012!
إذا كان السؤال هو: هل ستواصل ظاهرة النقاب انتشارها فى العام الجديد فالإجابة هى نعم وبالثلث أيضا لأن المقدمات تؤدى إلى النتائج والمقدمات التى بدأت منذ سنوات طويلة لا تبشر بالخير.. احتل النقاب مساحة كبيرة على أرض الجدل الدينى والاجتماعى فى 2009على المستوى الرسمى كانت هناك حالة من الصمت و(الطناش) والتظاهر بعدم الرؤية من جانب الجميع، كانت الظاهرة ليست اكتشاف النقاب نفسه فهو موجود فى مصر منذ منتصف السبعينيات ولكن الظاهرة كانت هى تحول النقاب من زى هامشى لجماعات هامشية إلى متن رئيسى فى المشهد الاجتماعى كان النقاب خلال السنوات الأخيرة يتحول من حالات فردية إلى ظاهرة، وكعادتها فى الانتباه للفيروسات الغريبة عن الجسد وانطلاقا من دورها التاريخى كجهاز مناعى للمجتمع ضد فيروسات التطرف غير المصرية.
كانت روزاليوسف أول من أطلق صافرة الإنذار تجاه الظاهرة الغريبة عبر مجموعة من التحقيقات الاستقصائية التى حاولت أن ترصد الظاهرة وأن تتوقف أمام تحول النقاب من زى ترتديه بعض النساء اللاتى يشكلن جماعات هامشية إلى زى شبه جماعى فى بعض مدن وقرى الدلتا على سبيل المثال، وقد ضاعف من أهمية هذه التحقيقات التى بدأنا نشرها فى نهاية عام 2007 أن مصر تكاد تكون خالية من أى دراسة اجتماعية أو مسحية تتخذ النقاب موضوعا لها أو تهتم بتحديد عدد تقريبى للمنقبات أو الدوافع التى دفعتهن لارتدائه وهل الأسباب اجتماعية واقتصادية أم دينية؟ وهل ارتداء النساء له يكشف عن تدين زائد أم عن تدين سطحى؟ ثم الأهم ما هى العلاقة بين تزايد النقاب وبين انتشار التدين على الطريقة السلفية وهى طريقة غير مصرية فى فهم الإسلام وردت إلى مصر فى السبعينيات ونمت وترعرعت وازدهرت فى غياب الحضور القوى للأزهر وعلمائه، والحقيقة أن التحقيقات التى نشرتها روزاليوسف وشارك فيها الزملاء أسماء نصار وهدى المصرى ومحمود سماحة حاولت بتلقائية أن تجيب عن هذه الأسئلة التى كان يجب أن تتصدى الأجهزة البحثية والعلمية فى مصر للإجابة عنها مبكرا، وكان أول ما توقفنا عنده هو ظاهرة انتشار النقاب بين الممرضات فى عدد كبير من مستشفيات الدلتا.
وكان سر التوقف هو التعارض بين التمريض كمهنة تستلزم تواصلا إنسانيا بين الممرضة وبين المريض، فضلا عن التناقض بين النقاب كزى وبين اشتراطات النظافة فى الزى الذى يجب أن ترتديه الممرضة، ولم نجد بدا من أن نوجه أصابع الاتهام لوزارة الصحة وأن نتهمها بالتخاذل فى تطبيق اللوائح والقوانين المنظمة لطبيعة الزى الذى يجب أن ترتديه الممرضة، وبالطبع فلم يكن تخاذل وزارة الصحة وليد موافقة على النقاب أو رغبة فى انتشاره داخل المستشفيات بقدر ما كان خوفا من الدخول فى مواجهة مع تيار ضخم غير محدد الملامح يشبه قمة جبل الجليد الذى لا تظهر منه سوى القمة فقط، على أن أهم ما خرجت به التحقيقات السباقة لم يكن إجبار وزارة الصحة على تفعيل القرارات الخاصة بزى الممرضات ولا الصدى السياسى والثقافى والصحفى لما نشرناه ,ولكن كان الإحصاء البسيط الذى تضمنته التحقيقات والذى قال أن ما يقرب من 60٪ من عينة النساء المنقبات اللاتى التقتهن روز اليوسف قلن أنهن ارتدين النقاب تأثرا بدعاة الفضائيات السلفية مثل الناس والحكمة والرحمة.
فى حين قالت بقية المنقبات اللائى ينتمين للعينة نفسها أنهن ينتمين لقرى ينشط فيها الدعاة السلفيون المحليون عبر جمعيات خيرية ومساجد ومشروعات اجتماعية وأن ارتداءهن للنقاب جاء ضمن اتجاه جماعى لنساء القرى اللاتى ينتمين إليها، وبالطبع لم تكن ظاهرة النقاب خاصة بالممرضات فقط ولا الطالبات اللاتى يتظاهرن حتى الآن احتجاجا.
وكان من اللافت للنظر أيضا أن النقاب تحول من ظاهرة هامشية إلى ظاهرة عابرة للطبقات والشرائح الاجتماعية المختلفة، حيث ترتديه نساء من كل المستويات الاقتصادية والتعليمية ومن المحافظات إلى القاهرة كانت محطتنا التالية فى مسجد العزيز بالله فى منطقة الزيتون بشرق القاهرة والذى وصفناه بأنه مستعمرة سلفية فى قلب القاهرة وبالطبع كان النقاب هو الزى الرسمى لنساء المستعمرة اللاتى يعتبرن النقاب شرط الإسلام الصحيح ولا يرتحن لأى امرأة تنقبت خارج المستعمرة وهو ما كشفته محررتنا أسماء نصار من خلال مغامرة مثيرة ارتدت فيها النقاب وانضمت مؤقتا لنساء المستعمرة التى تحتوى نساء من كل الطبقات والشرائح الاجتماعية..
وإلى جانب فكرة الكشف الصحفى كنا مشغولين بالإضافة المعرفية عن النقاب فى ضوء حالة الفقر البحثى والمعلوماتى عن الظاهرة فى المجتمع وهو فقر ناتج عن سهو أو عن تواطؤ أو عن تقصير وخوف فى تتبع الأسباب الحقيقية للظاهرة والقوى والدول التى أدت لانتشارها بهذا الشكل فى مصر، وهكذا رصدنا تجربة أو مغامرة بحثية مهمة قامت بها عالمة الاجتماع المعروفة د.دلال البزرى حيث ارتدت النقاب وانضمت لمجتمع المنقبات لفترة وكانت خلاصة تجربتها المثيرة أن النساء فى مصر يرتدين النقاب بحثا عن مزيد من الحرية! حيث تستطيع المنقبة أن تقابل من تشاء وتفعل ما تشاء وتعود فى أى موعد وهى مطمئنة تماما أن أحدا لن يستبيحها أو يتدخل فى شئونها أو يتحرش بها، وهى نتيجة غريبة أضفت مزيدا من التعقيد على ظاهرة معقدة من الأساس.
ولم يكن غريبا أن نتوقف أمام ظاهرة فرعية للنقاب وإن كانت أكثر غلظة ولا إنسانية وهى ظاهرة إجبار الأطفال الإناث على ارتداء النقاب فى المدارس الابتدائية! وقد كان لما نشرناه رد فعل كبير على مستوى الجهات الداعمة للطفولة، لكن الظاهرة المركبة استمرت فى المدارس الابتدائية وفى المعاهد الأزهرية الابتدائية والإعدادية التى كنا أول من تنبه لحجم الظاهرة فيها قبل أن يتخذ شيخ الأزهر موقفه الأخير بعام ونصف على الأقل. وفى محاولة لفهم الأسباب الأعمق للظاهرة قدمنا تحقيقا مهما للغاية عن داعيات تحقير النساء أو عن الداعيات السلفيات اللائى ينتشرن فى القرى والأحياء الفقيرة ويشجعن النساء على قبول تعدد الزوجات وارتداء النقاب!
والحقيقة أن ما قدمناه كان أقرب لمشروع دراسة متكاملة لأى جهة بحثية مخلصة تحاول أن تدرس الظاهرة وأن تقف بوعى وفهم على أبعادها المختلفة، لكن لا المركز القومى للبحوث ولا أقسام الاجتماع فى الجامعات ولا حتى أمانة السياسات فى الحزب الوطنى اهتمت بدراسة ظاهرة مثل هذه يعنى تفاقمها خصم نصف طاقة المجتمع المصرى ويعنى انتشارها فى الشوارع إعلان نصف دولة دينية فى مصر.
إذا كان السؤال هو هل سيستمر انتشار النقاب بين النساء المصريات فى 2010؟ فالإجابة نعم سيستمر ونصف لأنه لاتوجد جهة واحدة أخذت على عاتقها فهم الظاهرة أو وضع خطة ثقافية أو اجتماعية لمواجهتها من جذورها أو تجفيف منابعها على حد التعبير الشهير الذى ذاع فى سنوات المواجهة مع التطرف، وستستمر الظاهرة لأن قرارات المنع الإدارى للمنقبات من السكن فى المدن الجامعية وأداء الامتحانات بالنقاب لن تحل المشكلة، بل ربما تفتح الباب لمزيد من المزايدات والإحساس بالاضطهاد من جانب والتصميم على فرض الهيبة من جانب آخر فى حين أن كلا الجانبين لايفهم الظاهرة موضوع الخلاف.
ولو تأملنا فى أحداث 2009 سنجد أن معركة النقاب كانت من أهم المعارك الدينية فى العام الماضى، ولكنها بقيت تتسم بسمتين هامتين أولاهما أنها بقيت معركة على المستوى الدينى فقط دون التطرق للجوانب الثقافية والاجتماعية، بل والسياسية للظاهرة.
وثانيها أنها مثل كثير من المعارك العادلة أديرت بأسوأ طريقة ممكنة، وقد بدأت الضجة فى شهر أكتوبر من العام الماضى حين واجه شيخ الأزهر تلميذة فى الصف الثانى الإعدادى ترتدى النقاب وطلب منها أن تخلعه واحتد عليها حين همت بمجادلته وقد وجدتها بعض الصحف فرصة للنيل من الإمام الأكبر باعتباره رمزا رسميا وتداعت فصول القصة ودخل على الخط نواب جماعة الإخوان بعدد من الأسئلة وطلبات الإحاطة وصدر من الرجل ما يشبه التراجع لكنه عاد وتدارك موقفه، وعلى المستوى الدينى الرسمى انتهى العام بموقف شبه جماعى لشيخ الأزهر ومفتى الجمهورية ووزير الأوقاف أعلنوا فيه أنهم يعتبرون أن النقاب عادة وليس عبادة، وتضامن معهم د.نصر فريد واصل مفتى الجمهورية الأسبق وعدد من رموز المؤسسة الدينية الرسمية،
أعلنوا كلهم بضمير مطمئن أن النقاب ليس فرضا على النساء المسلمات، وكان من اللافت للنظر ومن غير المستغرب لدى المتابعين أن المؤسسة الدينية الموازية أو المؤسسة الدينية السلفية انخرطت فى حرب ضروس ضد شيخ الأزهر والمفتى ووزير الأوقاف بسبب الموقف من النقاب، وأن دعاة هذه المؤسسة تجرؤا على ما يمكن تسميته بتسفيه وإهانة شيخ الأزهر والمفتى بشكل شخصى بعد أن أعلنا موقفهما الواضح من النقاب، وهو ما كان دعاة هذه المؤسسة السلفية يتجنبونه فى السابق بدافع من الحرج الناتج عن تبعيتهم الواضحة للمؤسسة الدينية السعودية، لكن الحرج زال وانطلق رموز هذه المؤسسة أمثال محمد حسان ومحمد حسين يعقوب، والحوينى، وعبدالله بدر، ومازن السرساوى وآخرين فى هجوم جارح ضد الشيخين بعد أن تجرآ واقتربا من موضوع النقاب، ولعل فى هذا ما يفسر سكوت الجميع عن الظاهرة لسنوات طويلة حتى استفحلت وانتشرت وغدت مشكلة اجتماعية وثقافية حقيقية تتصل بهوية المجتمع كله وليس بمحض سلوك شخصى للفتاة أو السيدة التى ترتدى النقاب.
على مستوى آخر وفى نفس الوقت الذى كانت فيه قضية النقاب تتداعى على المستوى الدينى جاءت قرارات إدارات المدن الجامعية للطالبات بمنع الطالبات من ارتداء النقاب داخل المدن الجامعية لاعتبارات تتعلق بضرورة التأكد من هويتهن وبعدم وجود داع لذلك مادامت المقيمات والمشرفات من السيدات لتثير ضجة أخرى وتصدر د.هانى هلال وزير التربية والتعليم المشهد، وهو نفس ما تكرر حين قرر منع الطالبات المنقبات من دخول لجان الامتحانات وهن يرتدين النقاب، لترد الطالبات المنقبات بسلسلة من التظاهرات التى حظيت بتغطية إعلامية مكثفة إن لم يكن بسبب أهمية الموضوع وتداخل ما هو دينى بما هو سياسى بما هو إنسانى، فبسبب جدة صورة المتظاهرات المنقبات على كاميرات التليفزيون.
ومرة أخرى بدا أن المعركة غير موفقة، حيث بدا أن ثمة سلطة غاشمة تمارس المنع والقهر ضد طالبات يتمسكن بما يتخيلن أنه صحيح الدين ولم ينتبه أحد إلى أن ثمة قواعد إدارية وقانونية ينبغى احترامها لأن احترام القانون ليس من الأشياء المتفق عليها بين جموع المصريين.
ولم ينقض العام إلا وكانت محكمة القضاء الإدارى تصدر حكمها برفض قرار وزير التعليم ورئيس جامعة عين شمس بعد السماح للطالبات المنقبات بدخول الجامعة وقالت المحكمة إن ارتداء النقاب يدخل ضمن الحرية الفردية والشخصية إذا لم يخل أو يتجاوز حدود القانون!، وهو ما أعاد المسألة لدائرة الجدل مرة أخرى، وأعطى الحكم ضمن إرهاصات أخرى مؤشرا واضحا على أن القضية لن تحسم خلال 2010 بل إن العام الجديد سيشهد مزيدا من الرواج للظاهرة وهذه هى الأسباب:
أولا: واحد من أهم أسباب انتشار النقاب فى مصر هى المؤسسة الدينية السلفية، وهى مؤسسة قادرة ومنتشرة ومسلحة بأدوات إعلامية ومادية وسياسية تجعل تأثيرها فى الشارع المصرى أضعاف أضعاف المؤسسة الدينية المصرية التى لاترى النقاب معبرا عن صحيح الدين.
ثانيا: تحظى هذه المؤسسة السلفية التى ترى نشر النقاب أهم أولوياتها بدعم سياسى وأمنى من فريق فى السلطة يرى أن عدم انشغال دعاتها بالسياسة بشكل مباشر مدعاة للتشجيع فى مواجهة جماعات وفرق الإسلام السياسى، فى حين أن ما تقوم به هذه المؤسسة هو عين العمل السياسى.
ثالثا: يدخل التعامل المصرى مع هذه المؤسسة ضمن تعقيدات أكبر هى تعقيدات العلاقات المصرية السعودية المتينة، حيث ينظر للسلفيين فى مصر على أنهم جزء من المؤسسة الدينية السعودية، وهو ما يجعل التعامل معها يتم بحرص وحذر بالغ.
رابعا: رغم أن المؤسسة الدينية السعودية والمجتمع السعودى يشهدان مزيدا من الانفتاح فى السنوات الأخيرة، إلا أن التعامل مع المؤسسة الدينية الموازية فى مصر يتم بنفس الطريقة القديمة بحيث يبدوا الأمر وكأنه تشدد هنا وانفتاح هناك.
خامسا: سينتشر النقاب أكثر فى عام ,2010 والأعوام التى تليه لأن ملف الهوية الاجتماعية والثقافية للمجتمع المصرى مازال تائها ما بين الأجهزة الأمنية التى أخذت على عاتقها التصدى للتنظيمات المسلحة، وما بين المجتمع المدنى والجهات الثقافية والسياسية التى يجب أن تعى أن الظاهرة تطورت، وأن لها أبعادا أخرى غير الأبعاد الأمنية وقرارات الحظر الإدارى.
سادساً: فى هذا الإطار يمكن القول أن الحزب الوطنى- فضلا عن بقية الأحزاب- يتعامل مع هذا الملف بخوف شديد يصل إلى حد الجبن والارتعاد، ويمكن القول بشكل عام أنه لايضع قضايا مثل الهوية الثقافية والحضارية للمجتمع ضمن جدول أولوياته مفضلا إعطاء الأولوية للقضايا الاقتصادية والسياسية المباشرة.
سابعا: سيستمر انتشار النقاب وتنتشر لأسباب مختلفة منها التعقيدات التى ألمت بالظاهرة نفسها، حيث تحول النقاب من زى هامشى ترتديه زوجات وبنات المنخرطين فى تنظيمات الجهاد والجماعة الإسلامية لزى شعبى عام، حيث كان ارتداء النقاب فى السبعينيات والثمانينيات يرتبط بأفكار معينة تعتنقها المرأة التى ترتديه، ومنها أن صوتها عورة وأن عمل المرأة حرام، وأن خروجها من المنزل غير مستحب، بمعنى أن النقاب كان متسقا مع نفسه وفكرته، لكن التطورات الاجتماعية وتطورات الظاهرة الإسلامية،
وانتشار فكرة الإيمان الفردى جعلت كثيرا من النساء العاملات يرتدين النقاب، وبعضهن يعملن فى مهن تقتضى التعامل مع الرجال الغرباء طوال الوقت، وأصبحت المنقبات يقدن السيارات، وأصبح النقاب أكثر عملية وباتت بعض النساء يعتقدن أن النقاب يحمى المرأة المنقبة بأكثر مما يفعل السفور، وأنه دليل تميز لها فى محيطها ودليل تدين ودليل شرف وعفة وثقة وحرية شخصية وموضة اجتماعية، وهى كلها تعقيدات تجعلنا نعتقد أن النقاب سينتشر أكثر فى عام 2010 والعام الذى يليه والذى يليه.. إلخ.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.